الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنين وتسعين وأربعمائة
فيها سار الفرنج لأخذ سواحل البلاد الشامية من أيدي المسلمين؛ فملكوا مدينة أنطاكية وساروا إلى المعرة فملكوها؛ ثم رحلوا عنها إلى جبل لبنان فقتلوا من به؛ ووصلوا عرقة فحاصروها أربعة أشهر فلم يقدروا عليها. ونزلوا على حمص، فهادنهم جناح الدولة حسين؛ وخرجوا على طريق النواقير إلى عكا. ثم أخذوا الرملة في ربيع الآخر، وزحفوا منها إلى بيت المقدس فحاصروا المدينة؛ وبلغ ذلك الأفضل فخرج بعساكر كثيرة لمحاربتهم؛ فجد الفرنج عندما بلغهم مسيره إليها في حصار المدينة، وكان نزولهم عليها في شهر ربيع الآخر، حتى ملكوها يوم الجمعة الثاني والعشرين من شعبان بعد أربعين يوماً. وهدموا المشاهد وقبر الخليل عليه السلام، وقتلوا عامة من كان في البلد؛ وكان فيه من العباد والصلحاء والعلماء والقراء وغيرهم خلائق لا يقع عليهم حصر، فوضعوا السيف فيهم وأفنوهم عن آخرهم، ولم يفلت منهم إلا اليسير. وانحازت عدة من المسلمين إلى محراب داود عليه السلام فحاصرهم الفرنج نيفاً وأربعين يوماً حتى تسلموه بالأمان في يوم الجمعة ثاني عشريه. وأحرقوا ما كان ببيت المقدس من المصاحف والكتب، وأخذوا ما كان بالصخرة من قناديل الذهب والفضة والآلات، وكان مبلغاً عظيما. ويقال إنه قتل في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً، وأنهم لحقوا من فر من المسلمين مسيرة أسبوع يقتلون من أدركوه منهم.
ووصل الأفضل إلى عسقلان في الرابع عشر من شهر رمضان، فبعث إلى الفرنج فوبخهم على ما كان منهم؛ فردوا إليه الجواب، وركبوا في إثر الرسل فصدفوه على غرة وأوقعوا بعساكره وقتلوا منهم كثيراً. وانهزم منهم بمن خف معه فتحصن بعسقلان وتعلق أكثر أصحابه هنالك في شجر الجميز، فأضرموا النار حتى احترقت بمن تعلق فيها، فهلك خلق كثير وحاز الفرنج من أموال المسلمين ما جل قدره، ولا يمكن لكثرته حصره.
ونازلوا عسقلان، وحصروا الأفضل فيها حتى كادوا يأخذونه، إلا أن الله سبحانه أوقع فيهم الخلف فاضطروا إلى الرحيل عن عسقلان؛ فاغتنم الأفضل رحيلهم عنه فركب البحر وقد ساءت حاله، وذهبت أمواله، وقتلت رجاله، وسار إلى القاهرة. ولم يعد بعد هذه الحركة إلى الخروج بنفسه في حرب ألبتة.
وكان ملك الفرنج بالقدس كند فرى.
وفيها توفى أبو الحسن علي بن الحسن بن الحسين بن محمد الموصلي الحنفي المحدث، في ثامن عشر ذي الحجة.