الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(528) مسند المِسْوَر بن مَخْرمة الزُّهريّ
(1)
(6216)
الحديث الأول: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال: حدّثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال: حدّثنا عبد اللَّه بن جعفر قال: حدّثتنا أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن المسور:
أنّه بعث [إليه] الحسنُ بن حسّن يخطُبُ ابنته، فقال له: قل له: فلْيَلْقَني في العَتَمة. قال: فلقيه، فَحَمِدَ المِسورُ اللَّهَ عز وجل وأثنى عليه، وقال: أما بعد، أما واللَّه ما من نَسَب ولا سَبَبٍ ولا صهرٍ أحبُّ إليّ من نسبكم وصِهركم، ولكنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"فاطمة مُضْغة منّي، يَقْبِضُني ما قَبَضَها، ويَبْسُطُني ما بَسَطها. وإن الأسباب يومَ القيامة تنقطع غيرَ نسبي وسَبَبي وصِهري" وعندك ابنتُها، ولو زوَّجْتُك لقَبَضَها ذلك. فانطلق عاذِرًا له (2).
(6217)
الحديث الثاني: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو عامر قال: حدّثنا عبد اللَّه بن جعفر عن أمّ بكر عن المِسور قال:
مرّ بي يهوديّ وأنا قائم خلف النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يتوضّأ. قال "ارفع -أو اكشف
(1) الآحاد 1/ 444، ومعرفة الصحابة 5/ 2547، والاستيعاب 3/ 396، والتهذيب 7/ 113، والإصابة 3/ 399. ومسنده في الجمع (97) في المقلّين، اتّفق الشيخان على إخراج حديثين له، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بواحد.
(2)
المسند 4/ 323. ورواه الطبراني 20/ 25 (30) من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم، وجعل بين أم بكر وعُبيد اللَّه بن أبي رافع عبدَ اللَّه بن جعفر بن محمّد. وأخرجه 20/ 27 (33) عن عبد اللَّه بن جعفر المخرمي عن عمّته أمّ بكر بنت المسور أن المسور. . . وعزاه الهيثمي في المجمع 9/ 206 للطبراني وقال: وفيه أمّ بكر بنت المسور، ولم يجرحها أحد ولم يوثّقها. وجعلها الذهبي في الميزان 4/ 611 من النسوة المجهولات، تفرّد عنها ابن أخيها عبد اللَّه بن جعفر. أما ابن حجر فجعلها مقبولة. وبإسناد الإمام أحمد أخرجه الحاكم 3/ 158، وصحّح إسناده، ووافقه الذهبي. وأخرجه 3/ 154 من طريق عبد اللَّه بن جعفر عن جعفر بن محمد عن عبيد اللَّه بن أبي رافع عن المسور، وصحّح إسناده، ووافقه الذهبي.
ثوبه عن ظهره. قال: فذهبتُ أرفعُه، فنضَحَ النبيُّ في وجهي من الماء (1).
(6218)
الحديث الثالث: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد بن إسحق بن يسار عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المِسور بن مَخرمة ومروان بن الحكم قالا:
خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام الحُدَيْبية يريد زيارة البيت، لا يريد قتالًا، وساق معه الهَدْيَ وكان النّاس سبعمائة رجل، فكانت كُلُّ بَدَنة عن عشرة. قال: وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعُسفان لَقِيَه بُسر بن سفيان الكَعْبي، فقال: يا رسول اللَّه، هذه قريش قد سمِعَت بمَسيرك، وقد خرجت معها العُوذُ المطافيل، قد لبسوا جلود النُّمور، ويُعاهدون اللَّه عز وجل إلّا تدخلَها عليهم عَنْوةً أبدًا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قَدِموا (2) إلى كُراع الغَميم. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"يا ويحَ قُريش، لقد أكَلَتْهم الحربُ، ماذا عليهم لو خلَّوا بيني وبين سائر النّاس، فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وان أظهرَني اللَّهُ عليهم دخلوا في الإسلام وهم وافرون، وان لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فماذا تظنّ قريش؟ فواللَّه لا أزال أجاهِدُهم على الذي بعثَني اللَّهُ عز وجل له حتى يُظهِرَه اللَّهُ أو تنفردَ هذه السالفة"(3).
ثم أمر النّاس فسلكوا ذات اليمين بين ظهرَي الحَمض (4) على طريق تُخْرِجُه على ثَنِيّة المُرار والحديبية من أسفل مكّة. قال: فسلك بالجيش تلك الطريق، فلما رأت خيلُ قريشٌ قَتَرَةَ الجيش (5) قد خالفوا عن طريقهم، ركضُوا (6) راجعين إلى قريش، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى إذا سلك ثَنِيَةَ المُرار بَرَكت ناقةُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال النّاس: خَلأَتْ، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ما خَلأَت، وما هو لها بخُلُق، ولكن حَبَسَها حابسُ الفيل عن مكة. واللَّه لا تَدْعوني قريشٌ اليومَ إلى خُطّة يسألوني فيها صِلَة الرحم إلا أعطيتُهم إيّاها". ثم قال
(1) المسند 4/ 323. وفي إسناده أم بكر - وقد ذكرنا في الحديث السابق أنها مجهولة أو مقبولة إذا توبعت. ومن طريق عبد اللَّه بن جعفر أخرجه الطبراني 20/ 27 (32) وعزاه لهما الهيثمي 8/ 237، وقال: رجاله ثقات. وينظر الحديث الرابع من هذا المسند.
(2)
في المسند "قدّموها".
(3)
السالفة: صفحة العنق. والمراد: حتى أموت.
(4)
في السيرة: "الحمش".
(5)
القترة: الغبار.
(6)
في المسند "نكصوا".
للناس: "انزِلوا" فقالوا: يا رسول اللَّه، ما بالوادي من ماء ينزل عليه النّاس. فأخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سهمًا من كِنانته فأعطاه رجلًا من أصحابه، فنزل في قليب (1) من تلك القُلُب، فغرزه فيه، فجاش في الماء حتى ضرب الناسُ عنه بِعَطَن (2).
فلما أطمأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا بُديل بن ورقاء في رجالٍ من خُزاعة، فقال لهم كقوله لبسر بن سفيان، فرجعوا إلى قريش فقالوا: يا معشر قريش، إنكم تَعْجَلون على محمد، إنّ محمّدًا لم يأتِ لقتال، إنما جاء زائرًا لهذا البيت مُعَظِّمًا لحقّه، فاتَّهموهم. قال محمد بن إسحق: قال الزهري: وكانت خزاعة في عَيبة (3) رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: مشركُها ومسلمُها، لا يُخفون عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئًا كان بمكّة، فقالوا: وإن كان إنّما جاء لذلك، فلا واللَّه لا يدخلها أبدًا علينا عَنوةً، ولا تتحدَّثُ العرب بذلك.
ثم بعثوا إليه مِكرز بن حفص أحد بني عامر بن لؤي، فلما رآه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"هذا رجل غادر" فلما انتهى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلّمَهُ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بنحوٍ ممّا كلّمَ به أصحابَه، ثم رجع إلى قريش فأخبرَهم بما قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فبعثوا إليه الجُلَيس بن علقمة الكِنانيّ، وهَو يومئذٍ سيّد الأحابيش (4)، فلما رآه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"هذا من قومٍ يتألّهون، فابعثوا الهَدْيَ [في وجهه" فبعثوا الهَدْي] فلمّا رآى الهَدْي يسيل عليه من عُرض الوادي في قلائده، قد أُكِلَ أوبارُه من طول الحبس عن مَحَلِّه، رَجَعَ ولم يَصِلْ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إعظامًا لما رأى. فقال: يا معشر قريش، لقد رأيتُ ما لا يَحِلُّ صَدُّه: الهديَ في قلائده قد أُكِلَ أوبارُه من طول الحَبس عن مَحَلّه. قالوا: اجلس، إنما أنت أعرابيٌّ لا علم لك.
فبعثوا إليه عُروة بن مسعو الثَّقَفيّ، قال: يا معشر قريش، إني رأيتُ ما يلقى منكم مَن تبعثون إلى محمّد إذا جاءَكم من التعنيف وسوء اللَّفْظِ، وقد عَلِمْتُم أنكم والدٌ وأنّي ولد، وقد سمعتُ بالذي نابكم، فجمعتُ من أطاعني من قومي ثم جئتُ حتى واسيتُكم بنفسي. قالوا: صدقتَ، ما أنت عندما بمُتّهم. فخرج حتى أتى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فجلسَ
(1) القليب: البئر.
(2)
في المسند: "فجاش الماء بالرواء". والعَطن: مبارك الإبل. والمعنى أنها شربت حتى بركت.
(3)
العيبة: موضع السرّ والنصح.
(4)
الأحابيش: ويقال: الأحايش: الجماعات المختلفة من قبائل متعدّدة.
بين يَدَيه، فقال: يا محمّد، جمعْتَ أوباشَ النّاس ثم جئتَ بهم لبيضتِك لِتَفُضَّها، إنّها قريش قد خرجت معها العوذُ المطافيل، قد لبِسوا جُلود النمور، يعاهدون اللَّه أن لا تَدْخُلَها عليه عَنوة أبدًا. وايم اللَّه، لكأنّي بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدًا. قال: وأبو بكر الصدّيق خلف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال "امْصَصْ بَظَرِ اللات، أنحن ننكشفُ عنه! قال: من هذا يا محمد؟ قال: "ابن أبي قحافة". قال: أما واللَّه لولا يدٌ كانت لك عندي لكافأتُك بها، ولكن هذه بها. ثم تناول لحيةَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمغيرةُ بن شعبة واقفٌ على رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحديد، قال: فقَرَعَ يده ثم قال: أمْسِكْ يدَك عن لحية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَبْلُ، واللَّه لا نصلُ إليك. قال: ويحك! ما أفظَّك وأغلظَك! فتبسّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: من هذا يا محمّد؟ قال: "هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة" قال: أغُدَرُ، وهل غَسَلْتَ سوأتَك إلّا بالأمس؟ قال: فكلّمَه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بمثل ما كلَّم به أصحابَه، وأخبرَه أنّه لم يأتِ يريدُ حربًا. قال: فقام من عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابُه: لا يتوضّأ وضوءًا إلا ابتدروه، ولا يبصُق بُصاقًا إلا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلّا أخذوه. فرجع إلى قريش فقال: يا معشر قريش، إنّي جئتُ كِسرى في مُلكه، وجئتُ قيصرَ والنجاشيَّ في مُلكهما، واللَّه ما رأيتُ مَلِكًا قطّ مثلَ محمّد في أصحابه، ولقد رأيتُ قومًا لا يُسلِمونه لشيء أبدًا، فَرَوا رأيكم.
قال: وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبلَ ذلك بعث خِراشَ بن أمية الخُزاعيَّ إلى مكّة، وحَمَلَه على جمل يُقال له الثعلب، فلما دخل مكة عَقَرتِ به قريشٌ، وأرادوا قتل خِراش، فمنعهم الأحابيش، حتى أتى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فدعا عمرَ حتى يبعثه إلى مكة، فقال: إنّي أخاف قريشًا على نفسي، وليس بها من بني عديّ أحدٌ يمنَعُني، وقد عَرَفَت قريشٌ عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكن أدُلُّك على رجلٌ هو أعزُّ مني: عثمان بن عفّان. قال: فدعاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وبعثه يُخبرهم أنّه لم يأت لِحرب، وإنما جاء زائرًا لهذا البيت، مُعظِّمًا لحُرمته.
فخرج عثمان حتى أتى مكّة، فلَقِيَه أبانُ بن سعيد بن العاص، فنزل عن دابّته وحمله بين يديه وَردِفَ خلفَه، وأجاره حتى بَلَّغَ رسالةَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش، فبلَّغَهم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما أرسله به، فقالوا لعثمان: إن شئت
أن تطوف بالبيت فطُف به. فقال: ما كنت لأفعلُ حتى يطوفَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال: واحتَبَسَتْه قريشٌ عندها. قال: فبلغ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قُتل.
قال محمد: فحدّثَني الزُّهري أن قريشًا بعثوا سهيل بن عمرو وقالوا: ائتِ محمدًا فصالِحْه، ولا تَكُنْ في صُلحه إلّا أن يرجعَ عنّا عامَه هذا، فواللَّه لا تتحدّثُ العرب أنّه دخلَها علينا عَنوةً أبدًا. فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"قد أراد القوم الصلحَ حيث بعثوا هذا الرجل، فلمّا انتهى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تكلّما وأطالا الكلام، وتراجعا حتى جرى بينهما الصلح، فلما التأم الأمرُ ولم يبقَ إلّا الكتاب، وثب عمرُ بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر، أليس برسول اللَّه؟ أو لسنا بالمسلمين؟ أوَليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نُعطَي الذِّلّةَ في ديننا؟ فقال أبو بكر: الْزَمْ غَرْزَه حيث كان، فإني أشهدُ أنّه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قال عمر: وأنا أشهدُ أنّه رسول اللَّه. ثم أتى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، أوَلسنا بالمسلمين؟ أَوَليسوا بالمشركين؟ قال: "بلى" قال: فعلام نُعْطَى الذّلّةَ في ديننا؟ . قال: "أنا عبد اللَّه ورسوله، لن أخالفَ أمره، ولن يُضَيِّعَني" ثم قال عمر: ما زِلْتُ أصومُ وأصلّي وأُعْتِقُ من الذي صنعتُ مخافة كلامي الذي تكلّمت به يومئذ، حتى رجوتُ أن يكونَ خيرًا.
قال: ثم دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب فقال له: "اكتب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم" فقال سهيل بن عمرو: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهمّ. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "اكتب: باسمك اللهمّ. هذا ما صالحَ عليه محمّد رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم سهيلَ بن عمرو" فقال: لو شَهِدْتُ أنك رسول اللَّه لم أُقاتِلْك، ولكن اكتب: هذا ما اصطلح عليه محمّد بن عبد اللَّه وسهيل بن عمرو، على وضع الحرب عشر سنين، يأمنُ فيها النّاس، ويكُفُّ بعضُهم عن بعض، على أنّه من أتى رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم من أصحابه بغير إذن وليّه ردَّه عليهم، ومن أتى قُريشًا ممّن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يردُّوه عليه، وأن بينَنا عَيْبةً مَكْفوفة، وأنّه لا إسلالَ ولا إغلال. وكان من شرطهم حين كتبوا الكتاب: أنّه من أحبّ أن يدخل في عَقْد محمّد وعهده دخلَ فيه. ومن أحبّ أن يدخلَ في عقد قريش وعهدهم دخل فيه. فتواثبت خُزاعة فقالوا: نحن في عَقد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم. وأنك ترجعُ عنّا في عامنا هذا فلا تدخلُ علينا مكّة، وأنّه إذا كان عامُ قابلٍ
خرجنا عنك فتدخلُها بأصحابلى، وأقمتَ بها ثلاثًا معك سلاح الراكب، لا تدخلُها بغير السيوف في القُرُب.
فبينما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكتبُ الكتاب إذ جاءَه أبو جَندل بن سهيل بن عمرو في الحديد، قد انفلت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: وقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يَشُكّون في الفتح لرؤيا رآها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلمّا رأَوا ما رأَوا من الصُّلح والرجوع، وما تَحَمَّلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم على نفسه، دخل النّاسَ من ذلك أمر عظيم، حتى كادوا أن يهلكوا. فلما رآى سهيلٌ أبا جندل قام إليه فضَرب وجهَه، وقال: يا محمد، قد تَمَّتْ القضية بيني وبينك قبل أن يأتيَ هذا. قال:"صدقت" فقام إليه فأخذَ بتلبيبه. قال: وصرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معشرَ المسلمين، أتَرُّدوني إلى أهل الشِّرك فيفتنونني في ديني! قال: فزاد الناسُ شَرًّا إلى ما بهم. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا أبا جَندل، اصْبِرْ واحْتَسِبْ، فإن اللَّهَ جاعلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فَرَجًا ومَخرجًا، إنا قد عَقَدْنا بيننا وبين القوم صُلحًا، فأعطَيناهم على ذلك وأعطَونا عليه عهدًا، وإنا لن نَغْدِرَ بهم" فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل، فجعل يمشي إلى جنبه فجعل يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دمُ أحدِهمِ دمُ كلب. قال: ويُدني قائمَ السيف منه، قال: يقول: رجوتُ أن يأخذَ السيفَ فيضرب به أباه. قال: فضَنَّ الرجل بأبيه. قال: ونَفَذَتِ القضيّة.
قال: فلمّا فرغا من الكتاب، وكان رسول اللَّه يصلّي في الحرم وهو مُضطرب في الحِلّ. قال: فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيُّها النّاس، انحَروا واحلِقوا" قال: فما قام أحد. قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجلٌ، ثم عاد بمثلها فما قام رجلٌ. فرجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدخل على أمّ سلمة، فقال:"يا أمَّ سلمة، ما شأنُ النّاس؟ " قالت: يا رسول اللَّه، قد دخلَهم ما رأيتَ، فلا تُكَلِّمَنَّ منهم إنسانًا، واعمد إلى هَديك حيثُ كان فانحره واحلِقْ، فلو قد فعلت ذلك فعل النّاس ذلك. فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يُكَلِّم أحدًا، حتى أتى هَدْيَه فنحرَه، ثم جلس فحلق، فقام النّاس ينحرون ويحلقون. قال: حتى إذا كان بين مكّة والمدينة في وسط الطريق نزلت سورة الفتح (1).
(1) المسند 4/ 323. وأورد الحديث ابن إسحق في السيرة 3/ 196 - 210. وهو حديث صحيح. وسيتابع ابنَ إسحاق معمرٌ في الطريق التالي.
* طريق آخر:
حدّثنا أحمد قال: حدّثنا عبد الرزّاق عن معمر قال: الزّهري أخبرَني عن عروة بن الزبير عن المِسور بن مَخرمة ومروان بن الحكم، يُصدّق كلّ واحد منهما حديث صاحبه، قالا:
خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زمان الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحُلَيفة قَلَّدَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم الهَدْيَ وأشعَرَه، وأحرم بالعُمرة، وبعثَ بين يدَيه عَينًا له من خُزاعة يُخْبرُه عن قريش، وسار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بغَدير الأشطاط قريبًا من عُسفان، أتاه عينُه الخزاعي، فقال: إنّي تَرَكْتُ كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش، وهم مُقاتِلوك وصادُّوك عن البيت. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أشيروا عليّ، أتَرَون أن نميلَ إلى ذراريّ هؤلاء الذين أعانوهم فنُصيبَهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محروبين، وإن نجَوا تَكُنْ عُنُقًا قطعها اللَّه عز وجل؟ . أو تَرَون أن نَؤُمَّ البيتَ، فمن صَدَّنا عنه قاتَلْناهم؟ " فقال أبو بكر: اللَّه ورسوله أعلم يا نبيَّ اللَّه، إنما جِئْنا مُعْتَمِرين ولم نجِىءْ نقاتل أحدًا، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلْناه. قال:"فرُوحوا إذًا" فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنّ خالد بن الوليد بالغَميم في خيل من قريش طليعةً، فخُذوا ذات اليمين. فواللَّه ما شعر بهم خالد حتى إذا هو بقَتَرة الجيش، فانطلق يركُضُ نذيرًا لقريش.
وسارَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثَنِيّة التي يُهْبَطُ عليهم منها بَرَكَتْ به راحلتُه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"حَلْ، حَلْ" فألَحَّتْ، فقالوا: خلأتِ القصواء، خَلأت القصواء. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ما خلأتِ القصواءُ، وما ذاك لها بخُلُق، ولكن حبسها حابسُ الفيل" ثم قال: "والذي نفسي بيده، لا يسألوني خُطّةً يُعَظِّمون فيها حُرُمات اللَّه عز وجل، إلّا أعطيتُهم إيّاها" ثم زجرها فوثبت به، فعَدَلَ حتى نزل بأقصى الحديبية على ثَمَدٍ قليل الماء، إنما يتبرَّضُه الناسُ تَبَرُّضًا، فلم يُلَبِّثْه الناس أن نزحوه، فشُكِيَ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العطشُ، فانترع سهمًا من كِنانته، ثم أمرَهم أن يجعلوه فيه، فواللَّه ما زال يجيشُ لهم بالرِّي حتى صدروا عنه.
فبينما هم كذلك إذ جاء بُديل بن ورقاء في نفر من قومه، وكانوا عَيبه نُصح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (1). قال: إنّي تركتُ كعبَ بن لؤيّ وعامرَ بن لؤي، قال: تركتُهم قد نزلوا أعداد
(1) في المسند "من أهل تهامة".
مياه الحديبية معهم العُوذُ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادُّوك عن البيت. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنّا لم نَجِىءْ لقتال أحد، ولكنّا جِئنا معتمرين، وإن قُريشًا قد نَهَكَتْهم الحربُ وأضرّت بهم، فإن تشأ مادَدْتهم مُدّة ويُخَلّوا بيني وبين النّاس، فإن أظهرْ فإن شاءوا أنْ يدخلوا فيما دخل النّاس فيه فعلوا، إلّا فقد جَمُّوا، وإنْ هم أبَوا فوالذي نفسي بيده لأقاتِلَنَّهم على أمري حتى تنفردَ سالفتي أو لَيُنْفِذَنّ اللَّه أمره".
قال: سأُبَلِّغُهم ما تقولُ. فانطلق حتى أتى قريشًا، فقال: إنَّا قد جئناكم من عند هذا الرجل، وسِمْعناهُ يقول قولًا، فإن شِئتم أن نَعْرِضَه عليكم. فقال سفهاؤهم: لا حاجَةَ لنا في أن تُحَدِّثَنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هاتِ ما سَمِعْتَه. قال: سمعتُه يقول كذا وكذا. فقام عروة بن مسعود فقال (1): إنّه قد عرض عليكم خُطّة رُشد فاقبلوها ودَعوني آتِه. قالوا: ائته. فذكر نحوًا ممّا تقدّم في الحديث قبله، وما جرى له مع أبي بكر والمغيرة. وفيه: وكان المغيرةُ قد صَحِبَ قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذَ أموالهم، ثم جاء فأسلمَ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أمّا الإسلام فأقبل، وأما المال فلسْتُ منه في شيء" وذكر تعظيم الصحابة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأنهم كانوا يبتدرون أمره ويقتتلون على وَضوئه، ولا يُحِدّون النَّظَرَ إليه تعظيمًا له. وذكر مجيء الرجل الذي كان يُعظّم البُدن، ومجيء سهيل بن عمرو، وأنهم كتبوا الكتاب.
وجاء أبو جَندل، فقال سهيل: هذا أولُ من أُقاضيك عليه أن تَرُدَّه إليّ. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنّا لم نَقْضِ الكتابَ بعد" قال: فواللَّه إذن لا نُصالِحُك على شيء أبدًا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "فأجِزه لي" قال: ما أنا بمُجيزه. فقال أبو جندل: أي معاشرَ المسلمين، أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئتُ مسلمًا. ألا تَرَون ما قد لقيتُ؟ وكان قد عُذِّب عذابًا شديدًا في اللَّه عز وجل. فقال عمر: ألستَ نبيَّ اللَّه؟ قال: "بلى" قال: ألسْنا على الحقِّ وعدوُّنا على الباطل؟ قال: "بلى" قال: فَلِمَ نُعْطى الدنيّةَ في ديننا؟ فقال: "إنّي رسول اللَّه ولَسْتُ أعصيه، وهو ناصري". قلتُ: أولَسْتَ كُنتَ تُحَدِّثُنا أنا سنأتي البيتَ فنطوفُ به؟ قال: "بلى" قال: "أفأخبرتُك أنّك تأتيه العام؟ " قال: لا. قال: "فإنّك آتيه ومُتَطَوِّفٌ به". قال: فأتيتُ أبا بكر. . . فذكر نحو ما تقدّم، وأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمرَ أصحابه أن ينحَروا ويحلِقوا فلم يفعلوا، وما قالت أمُّ سلمة.
(1) في المسند جمل اختصرها المؤلّف.
ثم جاءه نسوةٌ مؤمنات، فأنزل اللَّه عز وجل:{إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ. . .} حتى بلغ {. . . بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة 10] فطلَّقَ عمرُ يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوّج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوانُ بن أميّة.
ثم رجع إلى المدينة، فجاء أبو بصير بن أبي أَسيد الثَّقَفيّ مسلمًا مهاجرًا، فاستأجرَ الأخنسُ بن شُرَيق رجلًا كافرًا من بني عامر بن لُؤي ومولى معه، وكتب معهما إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسألُه الوفاء، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا به ذا الحُليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: واللَّه إني لأرى سيفك يا فلانُ هذا جيدًا، فاستلّه الآخر وقال: أجل، إنّه لجيّد، فقال أبو بصير: أرِني أنظر إليه، فأمكَنه منه، فضربه به حتى بَرَدَ، وفرّ الآخرُ حتى أتى المدينة، فدخلَ المسجدَ يعدو، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لقد رأى هذا ذعرًا" فلمّا انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: قُتِل واللَّه صاحبي، وإنّي لمقتول. فقال أبو بصير: يا نبيّ اللَّه، قد -واللَّه- أوفى اللَّه عز وجل ذِمَّتَك، قد ردَدْتني إليهم ثم أنجاني اللَّه عز وجل منهم. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"ويلُ اُمِّه، مِسْعَرَ حربٍ لو كان له أحد" فلما سمع ذلك عرف أنّه سَيَرُدّه إليهم، فخرج حتى أتى سِيفَ البحر، قال: وينفلتُ أبو جَندل بن سُهيل فيلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجلٌ قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة. قال: فواللَّه ما يسمعون بعِيرٍ خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم وأخذوا أموالهم. فأرسلَت قريش إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم تُناشِدُه اللَّه والرّحِمَ لما أرسَلَ إليهم، فمن أتاه فهو آمن.
فأرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إليهم، فأنزل اللَّهُ عز وجل:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ. .} حتى بلغ: {. . . حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 24 - 26] فكانت حميَّتُهم أنهم لم يُقِرُّوا أنّه نبيُّ اللَّه، ولم يُقِرُّوا بـ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
انفرد بإخراجه البخاري (1).
(1) المسند 4/ 328. واختصر المؤلّف فيه فقرات. والحديث بهذا الإسناد في البخاري 5/ 329 (2731، 2732) وينظر أطرافه 5/ 312 (2711 - 2713).
(2)
شرح المؤلّف في كشف المشكل 4/ 51 الحديث ومفرداته مما هو أطول مما هنا.
وفي هذا الحديث:
العُوذ المطافيل: والعُوذ جمع عائذ: وهي الناقة إذا وضعت وبعدما تَضع أيامًا، حتى يقوى ولدُها قليلًا. والمطافيل جمع مُطْفِل: وهي الناقة معها فَصيلُها.
وفيه: إنّ بيننا عَيبةً مكفوفة. المكفوفة: المُسْرَجة. وأرادوا بالعِياب القلوب. والمعنى: صدورنا نقيّة من الغِلّ والخداع.
والإسلال: السرقة الخفيّة. والإغلال: الخيانة.
وقوله: "حَلْ حَلْ" زجر للناقة. وخَلأَت مثل حَرَنت.
والمراد بقوله: "حابس الفيل" أن الفيل لما جيء به لهدم الكعبة مُنع أن يَقْصُدَ نحوها تعظيمًا لها.
والثَّمَد: الماء القليل.
وقوله: يتبرّضُه النّاس: أي يأخذونه قليلًا قليلًا.
وقوله: فقد جَمُّوا. أي تمَّ نشاطهم وكمل صلاحُهم.
وقوله: أعداد مياه الحديبية. العِدّ: الماء الذي لا انقطاع لمادّته.
(6219)
الحديث الرابع: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني علي بن حسين أن المِسور بن مخرمة أخبره:
أنّ عليَّ بن أبي طالب خَطَبَ ابنةَ أبي جهل وعنده فاطمةُ بنتُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلمّا سَمِعت بذلك فاطمةُ أتتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت له: إنّ قومَك يتحدّثون أنك لا تغضبُ لبناتك، هذا عليٌّ ناكحًا ابنةَ أبي جهل. قال المِسور: فقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فسمِعْتُه حين تشهّدَ، ثم قال:"أما بعد، فإني أَنْكَحْتُ العاصَ بن الرّبيع، فحدّثَني فصدَقَني، وإنّ فاطمةَ بنتَ محمّد بَضعة منّي، وأنا أكرَهُ أن يَفتنوها، فإنّها واللَّه لا تجتمعُ ابنةُ رسول اللَّه وابنةُ عدوِّ اللَّهِ عز وجل عندَ رجلٌ واحد أبدًا".
قال: فتركَ عليّ الخُطبة (1).
(1) المسند 4/ 326، والبخاري 7/ 85 (3729)، ومسلم 4/ 1903 (2449).
* طريق آخر:
حدّثنا أحمد قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثني أبي عن الوليد بن كثير قال: حدّثنا محمد بن عمرو بن حَلحلة أن ابن شهاب حدّثه أن علي بن حسين حدّثه عن المِسور بن مخرمة:
. . . فذكر نحو ما تقدّم، وقال: "وإنّي لستُ أُحَرِّمُ حلالًا ولا أُحِل حرامًا، ولكنْ واللَّه، لا تجتمعُ ابنةُ رسول اللَّه وابنةُ عدوِّ اللَّه مكانًا واحدًا أبدًا (1).
* طريق آخر:
حدّثنا أحمد قال: حدّثنا هاشم بن القاسم قال: حدّثنا الليث - يعني ابن سعد قال: حدّثني عبد اللَّه بن عبيد اللَّه بن أبي مُلَيكة عن المِسور بن مخرمة قال:
سمعْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: "إنّ بني هاشم بن المُغيرة استأذَنوني في أن يُنْكِحوا ابنتَهم عليَّ بن أبي طالب، ولا آذنُ لهم، ثم لا آذَنُ لهم، ثم لا آذنُ لهم، فإنّما ابنتي بَضعة مني، يُريبني ما أرابها، ويُؤذيني ما آذاها (2).
الطرق كلّها في الصحيحين.
(6220)
الحديث الخامس: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا يعقوب قال: حدّثنا ابن أخي ابن شهاب عن عمّه قال: زعم عمرو بن الزّبير أن مروان والمِسور بن مخرمة أخبراه:
أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفدُ هوازنَ مسلمين، فسألوا أن يرُدَّ إليهم أموالَهم وسبيَهم. فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"معي مَن تَرَون، وأحبُّ الحديث إليَّ أصدقُه، فاختاروا إحدى الطائفتين إمّا السَّبيَ وإما المالَ، وقد كُنتُ استأنَيْتُ بكم" وكان أنظرهم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلةٌ حين قَفَلَ من الطائف، فلمّا تبيّن لهم أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غيرُ رادٍّ عليهم إلّا إحدى الطائفتين. قالوا: فإنّا تختار سبيَنا. فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المسلمين، فأثنى على اللَّه عز وجل بما هو أهلُه، ثم قال: "أما بعدُ، فإنّ إخوانَكم جاءوا
(1) المسند 4/ 326، والبخاري 6/ 212 (3110)، ومسلم 4/ 1903 (2449).
(2)
المسند 4/ 328، ومن طريق الليث في البخاري 9/ 327 (5230)، ومسلم 4/ 1902 (2449). وهاشم من رجال الشيخين.
تائبين، وإنّي قد رأيتُ أن أرُدَّ إليهم سَبْيَهم، فمن أحبُّ منكم أن يُطيِّبَ ذلك فليفعلْ، ومن أحبَّ منكم أن يكون على حظّه حتى نُعْطِيَه إيَاه من أول ما يفيءُ اللَّهُ عز وجل علينا فليفعلْ" فقال الناسُ: قد طيَّبْنا ذلك يا رسول اللَّه. فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنّا لا نَدري من أَذِنَ منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفعَ إلينا عرفاؤكم أمرَكم".
فرجع النّاس، فكلَّمَهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيَّبوا وأذنوا.
انفرد بإخراجه البخاري (1).
(6221)
الحديث السادس: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا عبد الرزّاق قال: حدّثنا معمر عن الزُّهري عن عروة بن الزبير عن المِسور بن مخرمة قال:
سَمِعَتِ الأنصارُ أن أبا عبيدة قَدِم بمال البحرين، فوافَوا مع صلى الله عليه وسلم صلاة الصُّبح، فلما انصرف تعرّضوا، فلما رآهم تبسَّمَ وقال:"لعلَّكم سَمِعْتُم أن أبا عبيدة قدم وقدم بمال؟ " قالوا: أجل يا رسول اللَّه، قال:"أبْشِروا وأَمِّلوا خيرًا، فواللَّه ما الفقرُ أخشى عليكم، ولكن إذا صُبَّت عليكم الدنيا فتنافَسْتُموها كما تنافَسَها مَن كان قبلكم".
انفرد بإخراجه البخاري (2).
(6222)
الحديث السابع: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا حمّاد بن أسامة قال: أخبرنا هشام عن أبيه عن المسور بن مخرمة:
أن سُبيعة الأسلميّة توفّى عنها زوجُها وهي حامل، فلم تَمْكُثْ إلا لياليَ حتى وضعت، فلما تَعَلّت من نِفاسها خُطِبَتْ، فاستأذنت رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم في النِّكاح، فأذِنَ لها أن تنكِحَ، فنَكَحَتْ.
انفرد بإخراجه البخاري (3).
(6223)
الحديث الثامن: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا هاشم قال: حدّثنا ليث قال: حدّثنا عبد اللَّه بن عُبيد اللَّه بن أبي مُليكة عن المسور بن مخرمة قال:
(1) المسند 4/ 326، والبخاري 8/ 32 (4318).
(2)
المسند 4/ 327، والبخاري 7/ 319 (4015) من طريق معمر.
(3)
المسند 4/ 327، ومن طريق هشام أخرجه البخاري 9/ 470 (5320) وحمّاد من رجال الشيخين.
أُهدِيَ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَقْبِيةٌ مُزَرَّرة بالذهب، فقسَمَها في أصحابه، فقال مخرمة: يا مِسورُ، اذهبْ بنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإنّه قد ذُكِرَ لي أنّه قسم أقبية. فانطلَقْنا، فقال: أدْخُلْ فادْعُه لي، فدخلْتُ فدَعَوْتُه إليه، فخرج وعليه قَباء منها، فقال:"خَبَأْتُ لك هذا يا مَخرمة" قال: فنظر إليه فقال: "رضي". فأعطاه إيّاه.
أخرجاه (1).
(6224)
الحديث التاسع: حدّثنا البخاري قال: حدّثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شُعيب عن الزهري قال: حدّثني عوف بن مالك بن الطفيل -وهو ابن أخي عائشة لأمّها- عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم حدّثت:
أنّ عبد اللَّه بن الزُّبير قال في بيع أو عطاء أَعْطَتْه عائشة: واللَّه لَتَنْتَهِيَنَّ عائشةُ أو لأحْجُرَنّ عليها. فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم. قالت: هو للَّه عليّ نَذرٌ ألّا أُكلِّمَ ابن الزُّبير أبدًا. فاستشفعَ ابن الزُّبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: واللَّه (2) لا أشفعُ فيه أبدًا، ولا أتَحَنَّثُ إلى نَذري. فلمّا طال ذلك على ابن الزّبير كلّم المِسورَ بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وهما من بني زُهرة، وقال لهما: أَنشُدُكما اللَّه، لما أدخَلْتُماني على عائشة، فإنها لا يَحِلُّ لها أن تَنْذرَ قَطيعتي. فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملَين بأرديتهما، حتى استأذنا على عائشة، فقالا: السلام عليكِ ورحمة اللَّه وبركاته، أندخُل؟ قالت عائشة: ادخُلوا. قالوا: كلُّنا؟ قالت: نعم، ادخلُوا كلُّكم. ولا تعلمُ أنّ معهما ابنَ الزّبير. فلما دخلوا دخل ابن الزّبير الحِجاب، فاعتنق عائشة (3)، فطفِقَ يُناشِدُها ويبكي، وطفِقَ المِسورُ وعبد الرحمن يُناشدانها إلّا ما كلّمته، وقَبِلَتْ منه، ويقولان: إنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عمّا قد عَلِمْتِ من الهجرة، وأنّه لا يَحِلَ لمسلم أن يَهْجُرَ أخاه فوق ثلاث. فلمّا أكثرا على عائشه من التذكرة والتحريج، طفقت تذكّرُهما وتبكي، وتقول: إنّي نَذَرْتُ،
(1) المسند 4/ 328، ومن طريق الليث أخرجه البخاري 5/ 222 (2599)، ومسلم 2/ 731 (1058).
(2)
في البخاري "لا واللَّه".
(3)
وهي خالته.
والنَّذر شديد، ، فلم يزالا بها حتّى كلَّمَت ابن الزُّبير. فأعتقت في نَذرها ذلك أربعين رقبة، وكانت تذكرُ نذرَها بعد ذلك فتبكي حتى تَبُلَّ دموعُها خمارها.
انفرد بإخراجه البخاري (1).
* * * *
(1) البخاري 10/ 491 (6073). وأخرجه أحمد بهذا الإسناد وغيره مختصرًا 4/ 327، 328.