الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتمتها، فكان القرآن يكتب على القطع حتى إذا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهم الله الخلفاء الراشدين جمع القرآن على نسق ما كان يقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من القطع التي كتبت بين يديه) «1» .
وكذلك أنه لم يوجد من الدواعي لكتابته في مصحف أو مصاحف مثل ما وجد على عهد أبي بكر، ولا مثل ما وجد في عهد عثمان رضي الله عنهما، فالمسلمون وقتئذ بخير، والقراء كثيرون، والفتنة مأمونة، وأدوات الكتابة غير ميسورة، وعناية الرسول تفوق الوصف، وكذلك أن القرآن الكريم نزل منجما على مدى أكثر من عشرين سنة. ولو جمع في مصحف والحال على ما أشرنا لكان عرضة لتغيير الصحف، أو المصاحف كلما وقع نسخ أو حدث سبب، وذلك عسير جدا «2» .
المطلب الثاني: كتاب القرآن من الصحابة
إن الكتابة أهم وسيلة لحفظ الأفكار ونقل المعرفة من جيل إلى جيل، لكن الكتابة كانت قليلة في بلاد العرب، حين ظهر الإسلام، فكان الكتاب في مدن الجزيرة العربية آنذاك أفرادا معدودين.
قال البلاذري وهو يتحدث عن الكتابة في مكة: (دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب)، وقال عن الكتابة في يثرب:(إن الإسلام جاء وفيهم عدة يكتبون)، وذكر منهم أحد عشر كاتبا «3» .
ولم تمنع قلة الكتاب ولا وسائل الكتابة الصعبة من تدوين ما ينزل على
(1) الإتقان للسيوطي: 1/ 136؛ وينظر: تحفة الأحوذي: 8/ 406؛ والكلمات الحسان في الحروف السبعة وجمع القرآن للشيخ محمد نجيب المطيعي الحنفي: 21.
(2)
ينظر: مناهل العرفان: 1/ 248.
(3)
فتوح البلدان للبلاذري: ص 477 - 479؛ وينظر: محاضرات في علوم القرآن، د.
غانم قدوري: 49.
النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن، وما يحتاج إليه من كتابات أخرى مثل كتابة رسائله صلى الله عليه وسلم وغيرها، فالذين اختصوا منهم بكتابة القرآن كانوا يسمون بكتاب الوحي، وكانت كتابة القرآن تخضع للمراجعة والتدقيق حتى لا يتطرق احتمال الخطأ والنقصان إلى كتاب الله تعالى. فقد ورد عن زيد بن ثابت أنه قال:(كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملي علي، فإذا فرغت قال: اقرأه، فأقرؤه، فإن كان فيه سقط أقامه، ثم أخرج به إلى الناس)«1» .
فكان زيد رضي الله عنه من أكثر الصحابة كتابة، وهذا ما قال به أبو بكر رضي الله عنه:
إنك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا غاب زيد بن ثابت دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان عنده من الكتاب، فقد ورد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه شيء يدعو بعض من يكتب عنده، فيقول: ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا)«2» .
وقد اختلف المؤرخون في عدد كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي نوع المهمات الكتابية التي ألقيت على كل منهم، فذكر البعض منهم عددا محدودا جدا لا يكاد يعقل، وذكر البعض الآخر عددا معقولا، ولكنه لم يسم لنا، فأوقعنا في حيرة وتساؤل.
والسؤال الذي يطرأ على البال في هذا المجال هو: هل أن جميع الكتاب كانوا يكتبون باستمرار أم أنهم كانوا يتناوبون فيما بينهم؟ وهل استبدل بعضهم وحل محله البعض الآخر؟
(1) المعجم الأوسط للطبراني، حديث رقم (1943): 2/ 257. قال الهيثمي في الزوائد:
1/ 152: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون؛ وينظر: محاضرات للدكتور غانم قدوري: ص 165.
(2)
مسند الإمام أحمد، مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه، حديث رقم (399): 1/ 57.
ذكر البلاذري «1» أسماء أحد عشر كاتبا هم: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن سعيد بن أبي سرح، وعثمان بن عفان، وشرحبيل بن حسنة، وجهيم بن الصلت، وخالد بن سعيد، وأبان بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي، ومعاوية بن أبي سفيان، وحنظلة بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين.
أما الطبري «2» فقد ذكر أسماء عشرة من كتابه صلى الله عليه وسلم مضيفا: علي بن أبي طالب ومختزلا شرحبيل بن حسنة، وجهيم بن الصلت.
وذكر المسعودي أسماء ستة عشر كاتبا مضيفا إلى قائمة البلاذري والطبري الأسماء الآتية: المغيرة بن شعبة، والحصين بن نصيرة، وعبد الله بن الأرقم، والعلاء بن عقبة، والزبير بن العوام، وحذيفة بن اليمان، ومعيقيب الدوسي رضي الله عنهم «3». وقال المسعودي مبينا وجهة نظره في عدد الكتاب الذين ذكرهم:(وإنما ذكرنا من أسماء كتابه صلى الله عليه وسلم من ثبت على كتابته، واتصلت أيامه فيها وطالت مدته، وصحت الرواية على ذلك من أمره دون من كتب الكتاب أو الكتابين والثلاثة، إذ كان لا يستحق بذلك أن يسمى كاتبا ويضاف على جملة كتابه)«4» .
ونلاحظ من خلال كلام المسعودي هذا أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب، ليس للرسائل فقط، بل هناك من كتاب الوحي أو الرسائل أو الصدقات أو المعاملات أو المداينات أو المغانم أو لأغراض إحصائية وما إلى ذلك.
عن الإمام الدميري «5» رحمه الله تعالى، قال: (كان الزبير بن
(1) فتوح البلدان للبلاذري: 66.
(2)
تاريخ الأمم والملوك للطبري: 2/ 421.
(3)
التنبيه والإشراف للمسعودي: 245.
(4)
التنبيه والإشراف: 246.
(5)
الدميري: هو محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدميري أبو البقاء، كاتب أديب من فقهاء الشافعية، قال السخاوي: برع في التفسير والحديث والفقه وأصوله والعربية
العوام وجهم بن الصلت يكتبان أموال الصدقات، وحذيفة بن اليمان حوض النخل، والمغيرة بن شعبة والحصين بن نمير يكتبان المداينات والمعاملات، وشرحبيل بن حسنة يكتب التوقيعات إلى الملوك) «1» .
أما ابن عبد البر «2» فقد سمى لنا ثلاثة وعشرين كاتبا، وإذا استبعدنا من قائمته الذين ذكرهم البلاذري والطبري والمسعودي نجد أن قائمته تزيد على قائمتي الطبري والمسعودي بالأسماء الآتية: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعبد الله بن رواحة، ومحمد بن مسلمة، وعبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول، وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين.
وذكر الديار بكري أسماء أربعة وثلاثين كاتبا استوعبت القوائم المشار إليها مع زيادة متمثلة في: طلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، والأرقم بن أبي الأرقم، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، وسعيد بن العاص، وحويطب بن عبد العزى العامري، وأبي سلمة بن عبد الأسد، وحاطب بن عمرو بن حنظلة رضي الله عنهم أجمعين، وقال:
(قيل: إن كتابه نيف وأربعون وأكثرهم ملازمة له زيد بن ثابت ومعاوية بن أبي سفيان بعد الفتح)«3» .
وأوصلهم العراقي إلى اثنين وأربعين «4» .
- والأدب وغيرها، (ت 808 هـ). ينظر: معجم المفسرين لعادل نويهض: 2/ 642.
(1)
هدي أهل الإيمان إلى جمع الفقهاء الراشدين القرآن: 23.
(2)
الاستيعاب: 1/ 29 - 30.
(3)
تاريخ الخميس 2/ 181 - 182؛ وينظر: مجلة المؤرخ العربي، مقال للدكتور شاكر محمود عبد المنعم عن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم العدد 4 سنة 1977، 174.
(4)
التراتيب الإدارية 1/ 115؛ ينظر: مجلة الوعي الإسلامي، العدد 309 رمضان 1410 هـ/ 1990 م، مقال للدكتور حسن عزوزي (جمع القرآن الكريم وافتراءات المستشرقين):17.
وأيا كان الأمر، فإن المصادر تشير إلى أن عدد الكتاب تراوح بين ستة وعشرين وثلاثة وأربعين كاتبا «1» ، وكانوا يتناوبون على الكتابة، وكان أكثرهم مداومة على كتابة الوحي زيد بن ثابت رضي الله عنه بعد الهجرة، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بعد الفتح.
ولم يكن جميع الكتاب يكتبون الوحي، والواقع أن هذه المسألة مهمة جدا في معرفتها «2» .
ويفهم من هذه النصوص، ونصوص أخرى: أن كتاب الوحي المعتمدين هم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وإن غاب هؤلاء تولى الكتابة من حضر من الكتاب وهم:
معاوية بن أبي سفيان، وخالد بن سعيد، وأبان بن سعيد، والعلاء بن الحضرمي، وحنظلة بن الربيع رضي الله عنهم. وكان عبد الله بن سعد بن أبي سرح يكتب الوحي ثم ارتد عن الإسلام، ثم رجع إلى الإسلام يوم فتح مكة وحسن إسلامه.
هؤلاء هم الذين أشارت المصادر إلى أنهم كتبوا الوحي، وكان حنظلة بن الربيع خليفة كل كاتب من كتابه صلى الله عليه وسلم إذا غاب عن عمله «3» .
ويتضح لدى الاستقراء أن ثمة تخصصا كان موجودا في الكتابة والكتّاب. وهذا لا يعني ضرورة أن ينفرد كاتب كخالد بن سعيد بن العاص أو حنظلة الأسيدي بالكتابة بين يديه صلى الله عليه وسلم في سائر ما يعرض من أمور «4» ، علما أن
(1) ينظر: مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية: 6؛ وتاريخ الخميس: 1/ 182.
(2)
ينظر: مجلة المؤرخ العربي العدد 4 لسنة 1977 م، مقالا للدكتور شاكر محمود عبد المنعم: 174 - 175.
(3)
ينظر: التراتيب الإدارية 1/ 118؛ ومراحل كتابة القرآن الكريم وجمعه، مقال كتبه محمود شكر محمود الجبوري في مجلة دراسات إسلامية، يصدرها بيت الحكمة، العدد السادس من السنة الثانية (1422 هـ/ 2001 م):7.
(4)
التنبيه والإشراف: ص 245؛ وينظر: مجلة المؤرخ العربي، كتاب النبي صلى الله عليه وسلم:177.
أهم أنواع الكتابة وأعظمها شرفا هي كتابة الوحي، التي ألمحت أن زيد بن ثابت الأنصاري كان ألزم الصحابة لكتابتها. فقد ورد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(ادع لي زيدا وليجيء باللوح والدواة)«1» . ويمكن أن نصنف الكتابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على الشكل الآتي:
1 -
كتاب الوحي.
2 -
كتابة رسائل النبي صلى الله عليه وسلم «2» وما يعرض من حوائجه عليه الصلاة والسلام.
3 -
كتابة المداينات بين الناس والعقود والمعاملات.
4 -
كتابة أموال الصدقات.
5 -
كتابة الخرص «3» .
6 -
كتابة المغانم.
7 -
كتابة العهود والمواثيق والصلح.
وفضلا عن ذلك فقد وردنا عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس، فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل، فقلنا:
نخاف ونحن ألف وخمسمائة!! فلقد رأيتنا ابتلينا حتى أن الرجل ليصلي وحده وهو خائف) «4» .
يستنتج من ذلك أنهم كتبوا أسماء المسلمين لأغراض إحصائية. ولا مشاحة أنهم كانوا يحتاجونها في السلم والحرب.
ومن نافلة القول التأكيد على أمانة الكتاب ومدى الثقة بهم، لأنهم
(1) صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كاتب النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (4704): 4/ 909؛ وينظر: فتح الباري: 9/ 27.
(2)
وتشمل الرسائل إلى الملوك والرسائل فيما بينه صلى الله عليه وسلم وبين العرب.
(3)
الخارص: هو المحزر والمقدر للثمر وغيره. ينظر: مختار الصحاح: 321.
(4)
صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسلم، باب كتابة الإمام للناس، حديث رقم (2895): 3/ 114.
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا صح أن وجد بينهم من لم يكن أمينا فسرعان ما يتضح أمره. فورد عن أنس رضي الله عنه خادم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(أنه كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إلى نصرانيته، فكان يقول: ما يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض، ثم أعمقوا له ثلاث مرات، فيصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من عمل الناس فتركوه)«1» . وهذه الرواية الصحيحة بالرغم من أهميتها إلا أن آيات القرآن كانت أصرح الدلالة في هذا الجانب إذ يقول الباري عز وجل:
لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ «2» ، وقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9)«3» .
ويبدو لي أن من الكتاب من ألقيت عليه مهمة تعليم القراءة والكتابة التي صورت لنا المصادر أن الإسلام كان حفيا بها في بواكير محنته مع أهل الشرك والضلال، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل من أسرى بدر تعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة فداء لأسرهم.
إن هذا يعكس دون أدنى ريب الوجه الثقافي والحضاري الصاعد في شريعة الإسلام الخالدة، فكان مصعب بن عمير قد نزل- عند مقدمة المدينة- على أسعد بن زرارة فكان يطوف به على دور الأنصار يقرئهم القرآن ويدعوهم إلى الله عز وجل. وكان مع مصعب بن عمير عبد الله ابن أم مكتوم «4» . ولكي تتضح تلك الأنواع المتخصصة بالكتابة أرى من الضروري
(1) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم الحديث (3421): 3/ 1325.
(2)
سورة فصلت، من الآية (42).
(3)
سورة الحجر، الآية (9).
(4)
ينظر: التراتيب الإدراية 1/ 48؛ والاستبصار للمقدسي: ص 57؛ وينظر: مجلة