الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام الزهري عن أنس بن مالك- سيأتي بعد قليل- والذي يشير إلى اختلاف أهل العراق وأهل الشام في القراءة، وهم في غزوة في بقاع إرمينية وأذربيجان، مما دفع حذيفة بن اليمان (ت 36 هـ) إلى التوجه إلى دار الخلافة يدعو إلى وضع حد لذلك الخلاف.
وساق لنا ابن أبي داود عدة روايات عن أبي الشعثاء، منها: أنه قال:
(كنا جلوسا إلى المسجد وعبد الله يقرأ، فجاء حذيفة فقال: قراءة ابن أم عبد، وقراءة أبي موسى، والله إن بقيت حتى آتي أمير المؤمنين- يعني عثمان- لأمرته بجعلها قراءة واحدة)«1» .
ولعل أسبابا أخرى للجمع لم تذكرها الروايات، وإن عرفت من بين القرائن هي جهل الجمهور الجديد بنزول القرآن على سبعة أحرف، وهم حتى إن عرفوا الحديث الذي ينص على نزول القرآن على هذه الأحرف فإنهم يجهلون القراءات الصحيحة التي يحتكمون إليها عند الاختلاف «2» ، وبذلك تضافرت الأسباب والدوافع التي من خلالها رأى عثمان رضي الله عنه بثاقب عقله، وصادق نظره، أن يتدارك الخلاف، وأن يستأصل الداء، بجمعهم على قراءة واحدة، القراءة العامة التي كان يقرؤها عامة الصحابة في المدينة وفي غيرها من الأمصار، وهي القراءة التي كتب عليها زيد رضي الله عنه القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي خلافة الصديق «3» .
المطلب الثاني: ثمرة العمل واللجنة القائمة به:
شرع عثمان رضي الله عنه في تنفيذ هذا القرار الحكيم، وكان أول ما بدأ به
(1) ينظر: كتاب المصاحف: 1/ 189.
(2)
ينظر: تاريخ القرآن والتفسير، د. عبد الله محمد شحاتة:50.
(3)
ينظر: مناهل العرفان: 1/ 256؛ رسم المصحف، د. غانم:110.
لتحقيق ذلك، أن خطب الناس في المدينة، وفيهم كثير من الصحابة، يستشيرهم ويدعوهم إلى القيام بهذه المهمة، والرواية المشهورة التي بينت خطوات ذلك العمل الكبير هي التي يرويها أبو عبيد في فضائله «1» ، والبخاري في صحيحه «2» ، وابن أبي داود في المصاحف «3» ، وغير ذلك من المصادر «4» ، عن ابن شهاب الزهري (ت 124 هـ) عن أنس بن مالك (ت 93 هـ).
وإليك نص رواية البخاري: (حدثنا موسى، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب: أن أنس بن مالك حدثه: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق).
قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت قال: (فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع
(1) فضائل القرآن ومعالمه وآدابه، لأبي عبيد القاسم بن سلام: 2/ 94 - 95.
(2)
صحيح البخاري، باب جمع القرآن، رقم (4702): 4/ 1908.
(3)
كتاب المصاحف: 1/ 204 - 205.
(4)
البرهان للزركشي: 1/ 236؛ فضائل القرآن لابن كثير: 18؛ الإتقان: 1/ 130.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ «1» ، فألحقتها في سورتها في المصحف) «2» .
والمتأمل لهذا الحديث والنصوص الواردة في موضوعه يخرج بنتائج عدة، منها:
إن جمع عثمان رضي الله عنه المصحف كان بمشورة حذيفة بن اليمان.
والروايات الأخرى تفيد أن عثمان رضي الله عنه جمعه لما رأى اختلاف القراء بالمدينة، وكان عثمان رضي الله عنه توقع أن يكون قراء الأمصار أشد اختلافا، فلما جاء حذيفة رضي الله عنه تأكد لديه ما توقعه، فأمر بجمع القرآن «3» .
ثم أن الجمع في عهد عثمان رضي الله عنه اعتمد أساسا على الجمع الذي كتب في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وقد حظي الجمع الأول بعناية الصحابة وموافقتهم، وتظافرت له جهود متعددة، وعلى رأس من تولى العمل به زيد بن ثابت، وقد اجتمع لزيد بن ثابت من الصفات ما يؤهله للقيام بذلك العمل خير قيام، فقد تربى في كنف الوحي، ويروي الذهبي أن ابن عمر قال يوم مات زيد بن ثابت:
(يرحمه الله، فقد كان عالم الناس في خلافة عمر وحبرها، فرقهم عمر في البلدان ونهاهم أن يفتوا برأيهم، وحبس زيد بالمدينة يفتي أهلها)«4» .
وقد ظل زيد رضي الله عنه مترئسا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض في عهد عمر وعثمان وعلي رضي الله عنه أجمعين، حتى توفي سنة خمس وأربعين «5» .
(1) الأحزاب، من الآية (23).
(2)
صحيح البخاري، باب جمع القرآن، رقم (4702): 4/ 1908.
(3)
تاريخ القرآن والتفسير: 51؛ وينظر: رسم المصحف، د. غانم:112.
(4)
ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 2/ 207.
(5)
ينظر: طبقات ابن سعد: 2/ 359؛ معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار
يقول القاضي أبو بكر الباقلاني: ويدل على صحة اختيار زيد أن أحدنا اليوم إذا أراد أن يكتب مصحفا يتخذه إماما لا يلتمس له أقدم أهل عصره حفظا وأفهمهم وأشجعهم،
وإنما يلتمس أحسنهم ضبطا وخطا وأحضرهم فهما، دون من كانت تلك صفاته «1» .
ويبدو من الطبيعي- بعد ذلك- أن يولي الصديق زيد بن ثابت رضي الله عنهما كتابة القرآن، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن يولي عثمان زيد بن ثابت رضي الله عنهما أمر الجماعة التي قامت بنسخ المصاحف الموحدة، لأنه كان أعلم من غيره وأكثر ممارسة في هذا المجال «2» .
ومن ثم يبدو طبيعيا أيضا أن لا يشترك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي كان في الكوفة وقت نسخ المصاحف في ذلك العمل، إضافة إلى أنه لم يكن من بين كتبة الوحي، الذين كتبوا للنبي صلى الله عليه وسلم «3» ، وربما كان يعرف الكتابة، ولكن تلك ميزة يقدم بها من اتصف بها في عمل مثل كتابة المصحف ولا يعني ذلك تجهيلا لابن مسعود رضي الله عنه في علم القرآن، فقد كان من أوائل الذين أسلموا بمكة، (وقد أخذ من في رسول الله بضعا وسبعين سورة)«4» ، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعه يقرأ القرآن: (من أحب أن يقرأ غضا كما أنزل فليقرأ قراءة ابن أم
- للذهبي، ط (1969 م)، دار الكتب الحديثة: 1/ 37.
(1)
ينظر: نكت الانتصار للباقلاني: 369.
(2)
ينظر: رسم المصحف، د. غانم قدوري: 114؛ مباحث في علوم القرآن، د. صبحي الصالح:83.
(3)
ينظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر: 1/ 68؛ سير أعلام النبلاء: 1/ 349؛ طبقات ابن سعد: 6/ 13.
(4)
صحيح البخاري، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث (4714): 4/ 1912.
عبد) «1» ، لكن زيدا كان إماما في الرسم، إضافة إلى حفظه، وابن مسعود كان إماما في الأداء «2» .
قال أبو بكر الأنباري: (ولم يكن الاختيار لزيد من جهة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم على عبد الله بن مسعود في جمع القرآن، وعبد الله أفضل من زيد وأقدم في الإسلام، وأكثر سوابق، وأعظم فضائل، إلا لأن زيدا كان أحفظ للقرآن من عبد الله، إذ وعاه كله ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، والذي حفظ منه عبد الله رضي الله عنه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم نيفا وسبعين سورة، ثم تعلم الباقي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، أولى بجمع المصحف وأحق بالإيثار والاختيار، ولا يظن جاهل أن في هذا طعنا على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ لأن زيدا إذا كان أحفظ للقرآن منه فليس ذلك موجبا لتقدمه عليه؛ لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كان زيد أحفظ منهما للقرآن، وليس هو خيرا منهما ولا مساويا لهما في الفضائل والمناقب، وما بدا من عبد الله بن مسعود من نكير ذلك فشيء نتيجة الغضب ولا يعمل به ولا يؤخذ به، ولا يشك في أنه رضي الله عنه قد عرف بعد زوال الغضب عنه حسن اختيار عثمان ومن معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي على موافقتهم وترك الخلاف لهم
…
) «3» .
أما الثلاثة الذين تشير الرواية إلى اشتراكهم مع زيد فهم:
1 -
عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر القرشي الأسدي رضي الله عنه، كان أول مولود في الإسلام في المدينة من المهاجرين، ولي الخلافة تسع سنين إلى أن قتل سنة
(1) صحيح ابن حبان، ذكر الأمر بقراءة القرآن على ما كان يقرؤه عبد الله بن مسعود، رقم (7066): 15/ 542.
(2)
ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 1/ 249.
(3)
ينظر: تفسير القرطبي: 1/ 53 - 54.
ثلاث وسبعين من الهجرة «1» .
2 -
سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية رضي الله عنه، كان لسعيد عند موت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين وذكر في الصحابة، وولي أمر الكوفة لعثمان رضي الله عنه، وإمرة المدينة لمعاوية رضي الله عنه، مات سنة ثمان وخمسين من الهجرة «2» .
3 -
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي رضي الله عنه، قيل: كان ابن عشر سنين حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، له رؤية، وكان من كبار ثقات التابعين «3» .
وقال الذهبي في الميزان: تابعي شهير ثقة من كتاب المصحف العثماني لا صحبة له «4» ، وذكره ابن حبان في تابعي المدينة «5» .
فكان هؤلاء الثلاثة وهم في ذروة الشباب يعملون مع زيد بن ثابت الذي كان أكثرهم ممارسة لذلك العمل، والذي يعد رئيس اللجنة، فجلس هؤلاء النفر الأربعة يكتبون القرآن نسخا وإذا اختلفوا في موضع الكتابة على أي لغة، رجعوا إلى عثمان، كما اختلفوا في التابوت، أيكتبونه بالتاء أو الهاء؟ قال زيد بن ثابت: إنما هو التابوة، وقال الثلاثة القريشيون: إنما هو التابوت، فتراجعوا إلى عثمان، فقال:(اكتبوه بلغة قريش، فإن القرآن نزل بلغتهم)«6» .
وفي رواية: (قال عثمان رضي الله عنه: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان:
(1) ينظر: تهذيب الكمال: 14/ 508؛ وتقريب التهذيب: 1/ 303.
(2)
ينظر: المصدران السابقان: 1/ 237، و 10/ 501.
(3)
تهذيب الكمال: 17/ 39؛ والاستيعاب: 2/ 857؛ وتقريب التهذيب: 1/ 338.
(4)
الميزان: 2/ 554.
(5)
مشاهير علماء الأمصار: 66.
(6)
ينظر: فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: أحمد بن عبد الواحد: 2/ 95؛ فضائل القرآن لابن كثير: 20؛ السنن الكبرى للبيهقي: 2/ 385.
فليمل سعيد وليكتب زيد) «1» .
ولعل عثمان رضي الله عنه أمد اللجنة بعدد آخر من الصحابة لمساعدتها في نسخ المصاحف التي أرسلها إلى الأمصار كما تشير إلى ذلك رواية ابن سعد، وابن أبي داود: أن محمد بن سيرين قال: إن عثمان جمع اثني عشر رجلا من قريش، والأنصار، فيهم: أبي بن كعب «2» ، وأبو عامر جد مالك بن أنس، وكثير بن أفلح، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم «3» .
إلا أن ابن حجر لم يذكر إلا أسماء تسعة منهم، وقد أسقط في عدده عبد الله بن عمرو بن العاص، ولكن ذكره السيوطي في الإتقان «4» فنحن لا نعرف من كتبة الصحف سوى عشرة، أما الاثنان الباقيان، فلم نعرف اسمهما، ولم يطلع على اسمهما الحافظ ابن حجر، ولذا لم يطلع ابن حجر وهو المحقق البارع على اسم الشخص فمن العسير العثور عليه «5» . ولذلك سنعتبر لجنة المصحف لجنة عشرية.
وواضح من تكوين هذه اللجنة لإتمام هذا العمل أن نصفها من قريش، وهم رضي الله عنهم جميعا:
(1) ينظر: كتاب المصاحف: 1/ 217؛ وأورده الحافظ ابن كثير وقال: إسناده صحيح.
ينظر: فضائل القرآن: 24.
(2)
إلا أن بعض الباحثين يشك في مشاركة أبي رضي الله عنه في لجنة نسخ المصحف، وذلك بسبب الاختلاف في سنة وفاته، فكثير منهم يرجح وفاته في زمن عمر رضي الله عنه، كما سيأتي بعد قليل.
(3)
ينظر: كتاب المصاحف: 1/ 221؛ نكت الانتصار للباقلاني: 358؛ لطائف الإشارات للقسطلاني: 1/ 61.
(4)
ينظر: فتح الباري: 9/ 22 - 23؛ الإتقان للسيوطي: 1/ 131.
(5)
ينظر: فتح الباري: 9/ 23؛ تاريخ القرآن، د. عبد الصبور شاهين:115.
1 -
عبد الله بن الزبير.
2 -
سعيد بن العاص.
3 -
عبد الله بن الحارث بن هشام.
4 -
عبد الله بن عمرو بن العاص.
5 -
عبد الله بن عباس.
ونصفها من غير قريش، وهم:
1 -
زيد بن ثابت.
2 -
أبي بن كعب.
3 -
أنس بن مالك.
4 -
أفلح بن كثير مولى أبي أيوب الأنصاري.
5 -
مالك بن أبي عامر، جد مالك بن أنس، وهو حميري يماني.
فيكون التكوين قد روعي فيه أن يكون النصف من قريش، والنصف تقريبا من الأنصار، وواحد من اليمن «1» ، وواضح من تكوين هذه اللجنة أنها من العرب الخلص، ما عدا أفلح بن كثير، فهو مولى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، والموالي كثيرون في الصحابة، فلعل عثمان رضي الله عنه راعى في تكوينه اللجنة أن تمثل المهاجرين والأنصار واليمن من جهة، وأن تمثل الموالي من جهة أخرى، فهذا من حسن الاختيار وكان موفقا كل التوفيق «2» .
أما ما قاله الدكتور غانم قدوري في كتابه رسم المصحف: (من أن مشاركة أبي بن كعب في نسخ المصاحف كانت مثار تساؤل من الباحثين قدماء ومحدثين. ذلك أن الروايات تضطرب في تحديد سنة وفاته
…
) «3» .
(1) ينظر: تاريخ القرآن والتفسير، د. عبد الله شحاتة:57.
(2)
تاريخ القرآن والتفسير، د. عبد الله شحانة:57.
(3)
رسم المصحف، د. غانم قدوري:116.
أقول: إن الدكتور غانم اعتمد بكلامه على ما قاله الإمام الذهبي، الذي اعتمد على رواية ابن أبي داود عن ابن سيرين، قال: جمع عثمان للمصحف اثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار، منهم أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وسعيد بن العاص) «1» ، وهذه الرواية كما قال عنها الإمام الذهبي:(هذا إسناد قوي لكنه مرسل)«2» ، وقال:(والظاهر وفاة أبي في زمن عمر، حتى أن الهيثم بن عدي وغيره ذكر موته سنة تسع عشرة، وقال محمد بن عبد الله بن نمير، وأبو عبيد، وأبو عمر الضرير: مات سنة اثنتين وعشرين، فالنفس إلى هذا أميل)«3» .
أقول: ولكن ثمة رواية أخرى رواها ابن أبي داود إسنادها صحيح أفادت أن أبي بن كعب رضي الله عنه كان مع اللجنة المنتخبة في نسخ المصاحف زمن عثمان رضي الله عنه، ويبدو أن الإمام الذهبي لم يطلع عليها، أو أنها لم تصح عنده، وكذا موقف من قلده كالدكتور غانم قدوري، وهذا يعني أن وفاة أبي بن كعب كانت سنة ثلاثين من الهجرة في زمن عثمان رضي الله عنه وليست في زمن عمر رضي الله عنه، وهذا ما رجحه الواقدي كما نقله عنه الذهبي في موضع آخر.
قال الواقدي: (وقد سمعنا من يقول: مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين، قال: وهو أثبت الأقوال عندنا، وذلك أن عثمان أمره أن يجمع القرآن)«4» .
أما رواية ابن أبي داود التي يرويها بسنده عن ابن سيرين عن كثير بن أفلح قال: (لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف، جمع له اثني عشر رجلا من
(1) كتاب المصاحف: 1/ 222، ورجال الإسناد ثقات إلا أن ابن سيرين لم يشهد الواقعة فيكون الإسناد منقطع، لكن المتن يشهد له الأثر الصحيح- الذي سيأتي- والذي يرويه ابن سيرين عن كثير بن أفلح.
(2)
ينظر: سير أعلام النبلاء: 1/ 287.
(3)
ينظر: رسم المصحف: 116 نقلا عن سير أعلام النبلاء: 1/ 278.
(4)
سير أعلام النبلاء: 1/ 400.