الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورضاهم، ولم يخالفها أحد منهم ثم حذا حذوه عثمان في خلافته، فاستنسخ تلك الصحف في مصاحف على تلك الكتبة وعلى ملأ من الصحابة، وأقر أصحاب النبي عمل أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، وانتهى الأمر بعد ذلك إلى التابعين وتابعي التابعين، فلم يخالف أحد منهم في هذا الرسم، ولم ينقل أن أحد منهم فكر أن يستبدل به رسما آخر من الرسوم التي حدثت في عهد ازدهار التأليف ونشاط التدوين، بل بقي الرسم العثماني محترما متبعا في كتابة المصاحف لا يمس استقلاله ولا يباح حماه «1» .
وما دام قد انعقد الإجماع على تلك الرسوم فلا يجوز العدول عنها إلى غيرها إذ لا يجوز خرق الإجماع بوجه «2» . (والإجماع حجة. حسبما تقرر الأحوال، ومحال في حق الصحابة رضي الله عنهم أن يخالفوا ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم ويتصرفوا في القرآن بأي زيادة أو نقصان
…
) «3» ، ويقول الزرقاني في المناهل:
(وانعقاد الإجماع على تلك المصطلحات في رسم المصحف دليل على أنه لا يجوز العدول عنها إلى غيرها)«4» .
الرأي الثاني:
إن رسم المصحف اصطلاحي، وليس توقيفيا عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ارتضاه عثمان رضي الله عنه وتلقته الأمة بالقبول، فيجب الالتزام به والأخذ به، ولا تجوز مخالفته. وقد اصطلح الكتبة في عهد عثمان رضي الله عنه هذا الرسم بعد أن جعل لهم ضابطا لذلك بقوله للرهط القريشيين الثلاثة: (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في
(1) ينظر: مناهل العرفان: 1/ 377؛ والجمع الصوتي الأول للقرآن: 297.
(2)
الجمع الصوتي الأول للقرآن: 297.
(3)
المصدر نفسه: 297.
(4)
مناهل العرفان: 1/ 378.
شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم) «1» .
فأمر عثمان رضي الله عنه زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام باستنساخ المصاحف، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة بعد أن طلبها منها ووعدها أن يردها إليها بعد أن يستنسخها «2» .
وحين اختلفوا في كتابة (التابوة) وقال النفر القريشيون: (التابوت) وترافعوا إلى عثمان رضي الله عنه قال: (اكتبوها (التابوت) فإنما أنزل القرآن على لسان قريش) «3» .
ومن الأدلة الأخرى على الالتزام بالرسم العثماني: (روى السخاوي بسنده أن مالكا رحمه الله سئل: أرأيت من استكتب مصحفا، أترى أن يكتب على ما استحدثه الناس من الهجاء اليوم؟ فقال: لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى، قال السخاوي: والذي ذهب إليه مالك هو الحق، إذ فيه بقاء الحالة الأولى إلى أن تعلمها الطبقة الأخرى، ولا
شك أن هذا هو الأحرى بعد الأخرى إذ في خلاف ذلك تجهيل الناس بأولية ما في الطبقة الأولى) «4» .
قال أبو عمرو الداني: لا مخالف لمالك من علماء الأمة في ذلك. وقال أيضا: سئل مالك عن الحروف في القرآن مثل الواو والألف، أترى أن يغير من المصحف إذا وجد فيه كذلك؟ قال: لا قال أبو عمرو: يعني الألف والواو
(1) صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب القرآن بلسان قريش، حديث رقم (3315):
3/ 1291.
(2)
نكت الانتصار للباقلاني: 358؛ وينظر: مباحث في علوم القرآن، د. صبحي الصالح:
78؛ ومباحث في علوم القرآن، لمناع القطان:147.
(3)
ينظر: مباحث في علوم القرآن، د. صبحي الصالح: 78؛ ومباحث في علوم القرآن، د. مناع:147.
(4)
المناهل للزرقاني: 1/ 379؛ وينظر: الجمع الصوتي الأول للقرآن: 298.