الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول دوافع توحيد المصاحف ونسخها
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: كثرة الأسباب والدوافع
اتسعت الفتوحات الإسلامية، وامتدت في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وسمح عثمان للقريشيين أن ينتشروا في الأمصار، وكان عمر رضي الله عنه قد منعهم من ذلك، وأبقاهم في المدينة، وتفرق القراء في الأمصار، وأخذ أهل كل مصر عن من وفد إليهم من القراء، ووجوه القراءات التي يؤدون بها القرآن مختلفة باختلاف الأحرف التي نزل بها القرآن الكريم الذي هو أهم شيء حمله المسلمون إلى البلاد التي بلغتها حركة الفتح المستمرة في كل اتجاه.
وكان تعلم القرآن وقراءته أهم ما يشغل بال الداخلين في الدين الجديد، فظهرت لذلك في الأمصار الإسلامية مدارس لتعليم القرآن وقراءته، وإن حركة نسخ المصاحف في الأمصار كانت في اتساع مستمر، وكان ذلك يتم في ظل رخصة الأحرف السبعة التي أذن بها النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة القرآن تيسيرا على المسلمين.
ويبدو أن آثار تلك الرخصة قد ظهرت في الأمصار الإسلامية بصورة أكثر وضوحا منها في المدينة، وذلك بسبب البعد عن مهبط الوحي، ومكان الحفاظ، وبسبب الامتزاج اللغوي سواء بين العرب أنفسهم أم بينهم وبين غيرهم من الداخلين في الإسلام «1» .
(1) ينظر: رسم المصحف، د. غانم قدوري: 107؛ مباحث في علوم القرآن، د. مناع القطان: 128؛ تاريخ القرآن والتفسير، د. عبد الله محمود شحاتة:47.
وكما قلنا عند ما تفرق المسلمون في الأقطار، وكان أهل كل إقليم من الأقاليم يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فأهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، وأهل البصرة عن أبي موسى الأشعري، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة.
واستفحل الداء حتى كفّر بعضهم بعضا، أو كادت تكون فتنة في الأرض وفساد كبير حتى أن الرجل ليقول لصاحبه: إن قراءتي خير من قراءتك، ولم يقف هذا العمل عند حد، بل كاد يلفح بناره جميع البلاد الإسلامية حتى الحجاز، والمدينة، وأصاب الصغار والكبار على السواء «1» .
أخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق أبي قلابة أنه قال: لما كانت خلافة عثمان، جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين، حتى كفر بعضهم بعضا، فبلغ ذلك عثمان فخطب فقال:(أنتم عندي تختلفون، فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافا)«2» .
وصدق عثمان رضي الله عنه، فقد كانت الأمصار النائية أشد اختلافا ونزاعا من المدينة والحجاز، وكان الذين يسمعون اختلاف القراءات من تلك الأمصار إذا جمعتهم المجامع أو التقوا على جهاد أعدائهم، يعجبون من ذلك، وكانوا يمعنون في التعجب والإنكار كلما سمعوا زيادة في اختلاف طرق أداء القرآن، وتيقظت الفتنة التي كادت تطيح فيها الرءوس، وتسفك فيها الدماء، وتقود المسلمين إلى مثل اختلاف اليهود والنصارى في كتبهم، كما ورد في الحديث الذي يرويه
(1) ينظر: المرشد الوجيز لأبي شامة المقدسي: 54؛ مناهل العرفان: 1/ 255.
(2)
ينظر: المصاحف: 1/ 211 - 212؛ وأورده ابن حجر في فتح الباري عن ابن أبي داود، وقال:(فكأنه والله أعلم لما جاء حذيفة وأعلمه باختلاف أهل الأمصار، تحقق عنده ما ظنه من ذلك). فتح الباري: 9/ 22.