الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني روايات جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ودراستها
أولا:
حدّثنا موسى حدّثنا إبراهيم حدّثنا ابن شهاب: أن أنس بن مالك حدّثه:
أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشّام في فتح إرمينيّة وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمّة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنّصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك،
فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزّبير وسعيد بن العاص وعبد الرّحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثّلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنّما نزل بلسانهم، ففعلوا حتّى إذا نسخوا الصّحف في المصاحف ردّ عثمان الصّحف إلى حفصة وأرسل إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق) «1» .
دلالة الحديث:
قال ابن حجر: المراد أن إرمينية فتحت في خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان
(1) صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، رقم (4702): 4/ 1908.
عثمان قد أمر أهل الشام والعراق أن يجتمعوا على ذلك، وكان حذيفة من جملة من غزا معهم، وكان هو على أهل المدائن، وهي من جملة أعمال العراق «1» .
وأما إرمينية- بكسر أوله، وإسكان ثانيه، بعده ميم مكسورة وياء، ثم نون مكسورة-: بلد معروف، فهي مدينة عظيمة من نواحي خلاط، أي أول أذربيجان، وتشمل على بلاد كثيرة، وهي من ناحية الشمال.
قال ابن السمعاني: هي من جهة بلاد الروم، وقيل: إنها من بناء أرمين من ولد يافث بن نوح «2» ، و (أذربيجان) بفتح الهمزة والذال المعجمة، وسكون الراء، وقيل: بسكون الذال، وفتح الراء، وبكسر الوحدة، بعدها تحتانية ساكنة، ثم جيم خفيفة، وآخره نون، (أذربيجان) وهي الآن في تبريز وقصباتها- من مدن إيران- وهي تلي كور إرمينية من جهة المغرب «3» .
وكانت هذه القصة في سنة خمس وعشرين في بداية السنة الثالثة من خلافة عثمان رضي الله عنه، هذا ما تبينه رواية ابن أبي داود: أن سيدنا عثمان قال: (عهد نبيكم منذ ثلاث عشرة سنة
…
) «4» ، قال ابن كثير: إسناد صحيح «5» .
قوله: (فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة)، قال القرطبي: (تفرق الصحابة في البلدان واشتد الأمر في ذلك وعظم اختلافهم، وتثبتهم ووقع بين
(1) فتح الباري: 9/ 20.
(2)
ينظر: معجم ما استعجم: 1/ 141؛ وفتح الباري: 9/ 20؛ وتحفة الأحوذي: 8/ 410.
(3)
ينظر: معجم ما استعجم: 1/ 129؛ وفتح الباري: 9/ 20 - 21.
(4)
كتاب المصاحف: 1/ 216 - 216؛ وورد في موضع آخر: (منذ خمس عشرة سنة). المصاحف: 1/ 217. وستأتي هاتين الروايتين بعد قليل من هذا المبحث ولكن أشرت لهما هنا عند أول حديث عن جمع سيدنا عثمان رضي الله عنه، ومتى وقعت هذه القصة.
(5)
فضائل القرآن: 23 - 24.
أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه، وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة إرمينية كل طائفة بما روي لها، فاختلفوا، وأظهر بعضهم إكفار بعض والبراءة منه وتلاعنوا، فأشفق حذيفة مما رأى منهم. فلما قدم حذيفة المدينة فيما ذكره البخاري «1» والترمذي «2» ، ودخل إلى عثمان رضي الله عنه قبل أن يدخل إلى بيته، فقال:
(أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك)«3» .
كان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فأهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب، وأهل الكوفة يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، وأهل البصرة بقراءة أبي موسى الأشعري، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن، أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن القرآن نزل على سبعة أحرف.
بل كان هذا الشقاق أشد، وذلك لبعد هؤلاء بالنبوة، وعدم وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم يطمئنون إلى حكمه، ويصدرون جميعا عند رأيه، مما أدى إلى أن يكفر بعضهم بعضا. وكادت أن تكون فتنة في الأرض وفساد كبير «4» . إضافة إلى ذلك فإن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأمصار، ولم يكن من السهل أن يعرفوها كلها حتى يتحاكموا إليها، لأن كل صحابي في إقليم يقرئهم بما يعرف فقط من الحروف التي نزل عليها القرآن.
قوله: (فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف). بعد أن قال حذيفة رضي الله عنه لعثمان رضي الله عنه ذلك أفزعه، وأرسل إلى
(1) صحيح البخاري، باب جمع القرآن، رقم (4702): 4/ 1908.
(2)
سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، رقم (3104): 5/ 265.
(3)
سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن، رقم (3104): 5/ 265.
(4)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 51.