الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الزركشي: (وإنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصحف لئلا يفضي إلي تغييره في كل وقت، فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم «1» .
وبهذا يفسر الأثر المروي عن زيد بن ثابت: (قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء)، أي: لم يكن جمع مرتب الآيات والسور في مصحف واحد «2» .
ثامنا:
حدثنا هداب بن خالد الأزدي، حدثنا همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي، قال همام: أحسبه قال: متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار)«3» .
دلالة الحديث:
قال الإمام النووي: (اختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي، فقيل: هو في حق من يوثق بحفظه، ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب، ويحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه كحديث: (اكتبوا
(1) البرهان: 1/ 238.
(2)
ينظر: مباحث في علوم القرآن لمناع القطان: 124.
(3)
صحيح مسلم، كتاب الزهد، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم، رقم (2493): 4/ 2298؛ ورواه الإمام أحمد في مسنده أيضا: 3/ 12، 3/ 39؛ وكذا رواه الحاكم في المستدرك: 1/ 126 - 127، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
قلت: أخرجه الإمام مسلم في كتاب الزهد، كما ذكرنا نصه أعلاه.
لأبي شاه) «1» ، وحديث صحيفة علي رضي الله عنه «2» ، وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات، وحديث كتاب الصدقة ونصب الزكاة الذي بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنسا رضي الله عنه حين وجهه إلى البحرين، وحديث أبي هريرة:(أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب)، وغير ذلك من الأحاديث.
وقيل: عن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في الكتابة.
وقيل: إنما نهى عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيه فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة، والله أعلم) «3» .
فمن خلال هذه الآراء التي ذكرها الإمام النووي يتبين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أصحابه- في بداية الأمر- من تدوين الأحاديث، وذلك حتى يتسع المجال أمام القرآن، ويأخذ مكانه من الحفظ والكتابة معا، وحتى يثبت في صدور الحفاظ، وتألفه أسماعهم، وبذلك يزول خطر الالتباس، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم على جانب عظيم في الحفظ، فلم يكن هنالك خوف على السنن من الضياع.
وشيء آخر جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن كتابة الحديث: هي المحافظة على تلك الملكة التي امتازوا بها في الحفظ، فلو أنهم كتبوا لا تكلوا على المكتوب وأهملوا الحفظ. فتضيع ملكاتهم بمرور الزمن. أضف إلى هذا أن الكتابة لم تكن منتشرة فيهم، ولم يكونوا أتقنوها حتى تحل محل الحفظ، ولو أنهم كتبوا الحديث
(1) صحيح البخاري، كتاب اللقطة، رقم (2302): 2/ 857.
(2)
ينظر: دراسة الحديث السادس السابق ص 97 و 98.
(3)
شرح النووي لصحيح مسلم: 18/ 130.
لوقع الناس في حرج عظيم والتبس عليهم أمر السنة والكتاب «1» .
وبقي أن نقول: كيف نوفق بين أحاديث النهي عن كتابة السنة والإذن فيها؟
* فقد روى الإمام البخاري في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اكتبوا لأبي شاه)«2» ، يعني الخطبة التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة.
* وفي حديث أبي هريرة أيضا أنه قال: (ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب)«3» .
على غير ذلك من الآثار الدالة على إباحته صلى الله عليه وسلم كتابة الحديث عنه، وهي بظاهرها تتعارض مع حديث أبي سعيد في النهي عن ذلك: (لا تكتبوا عني
…
) «4» .
والجواب على هذا التعارض: أن النهي كان خاصا بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، والإذن بالكتابة كان في غير ذلك الوقت، أو أن النهي كان عن كتابة غير القرآن مع القرآن في صحيفة واحدة، والإذن كان بكتابة ذلك متفرقا يؤمن الالتباس، أو يقال: كان النهي عن الكتابة متقدما لخوف التباس القرآن بالحديث أو لخوف الاتكال على الكتابة- كما ذكرنا- وإهمال الحفظ أو غير ذلك، وكان الإذن متأخرا ناسخا للنهي السابق عند أمن اللبس أو عدم
(1) ينظر: الحديث والمحدثون، لمحمد أبي زهرة، أحد علماء الأزهر:
122 -
123؛ وينظر: المبحث الثاني من هذا الفصل: 22 - 23.
(2)
صحيح البخاري، كتاب اللقطة، باب كيف نعرف لقطة أهل مكة، رقم (23 - 2):
2/ 857.
(3)
صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، رقم (114): 1/ 54.
(4)
ينظر: الحديث والمحدثون لمحمد أبي زهرة: 123.