الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
الحمد لله الذي أنعم عليّ بالتوفيق لإكمال هذه الأطروحة (جمع القرآن دراسة تحليلية لمروياته)، وقد توصلت إلى عدة حقائق ونتائج، أهمها:
أولا: القرآن الكريم معجزة أبدية للنبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج، إذ كل رسول مؤيد بمعجزة ومنهاج، فمعجزة موسى العصا، ومنهاجه التوراة، ومعجزة عيسى إحياء الموتى بإذن الله، ومنهاجه الإنجيل، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم كانت معجزته عين منهاجه، وهو القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فبهذا تكون المعجزة مودعة في المنهاج ويظل المنهاج محروسا بالمعجزة.
ثانيا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستنسخ أو يطبع نسخا كثيرة من القرآن الكريم، وإنما طبع مئات بل ألوف من نسخ القرآن الكريم، ولكن على صفحات القلوب بكلمات من نور الوحي، فأخرج جيلا قرآنيا فريدا بعقيدته وشريعته وأخلاقه وآدابه.
ثالثا: لقد حرص المعلم المربي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة- مرحلة بدء الدعوة- على توحيد مصدر التلقي وتفرده، ألا وهو القرآن العظيم، فكان الصحابة يتلقون القرآن العظيم في مدرسة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وينصرف أحدهم بزاد حصيلته بضع آيات من القرآن نزل بها روح القدس على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت كفيلة أن تنشئ هذا الجيل القرآني الفريد الذي ينزع بهذه الآيات كل أوطار الجاهلية وعقائدها وقيمها، وتنسكب في قلبه المعاني الآتية من الله رب العالمين.
رابعا: ظهور ذلك الجيل القرآني الفريد لم يكن فلتة عابرة، ولا مصادفة عمياء، ولم يأت من فراغ، وإنما ثمرة جهد نبوي طويل دام أكثر من عشرين عاما في البناء، ومن أسرار ظهوره حسن التلقي للقرآن الكريم، إذ كانوا يتلونه بروح المعرفة المنشئة للعمل، وبشعور التلقي للتنفيذ.
خامسا: مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أميا- وأميته فضيلة ودليل صدق على نبوته- وبعث في أمة أمية صدورها سجلات حياتها فقد عوضها الله تعالى عن القراءة والكتابة بصدور حفظت للأمة كل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرويات، سواء ما كان متعلقا بالوحي المكتوب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أو غير المكتوب عن المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، الذي أضاف إلى جمع القرآن في الصدور للتأكيد على كتابته في السطور ولعل هذا يشير إلى بعض سر تسمية كلام الله بالقرآن وبالكتاب.
سادسا: حرص الصحابة الكرام على حفظ دستور الأمة من الضياع أثمر أروع عمل عرفه التاريخ لخدمة القرآن، وذلك بمشورة واقتراح عمري، وبإشراف من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق، وبتنفيذ زيد بن ثابت، وبمعاونة وإقرار الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وإجماع الأمة عليه دون نكير، فجمع القرآن بهذا العمل المبارك.
سابعا: حب الخليفة الراشد الثالث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وحرصه على توحيد الأمة بتوحيد دستورها، وجمعها على مصحف واحد، وهو المصحف الإمام، الذي اقترن باسمه، مصحف عثمان. فتم هذا العمل الخالد باقتراح من حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وبلجنة رباعية برئاسة زيد بن ثابت رضي الله عنه، ولعل سيدنا عثمان أمدّ اللجنة بعدد آخر من الصحابة لمساعدتها في نسخ المصاحف وتوحيدها، حتى أصبحت اللجنة عشرية، وبإشراف مباشر منه رضي الله عنه وأرضاه.
ثامنا: نتيجة لدراستي لهذه الروايات دراسة عميقة، فقد تحصل لدي تسعا وأربعين رواية من غير المكرر منها، وما عدا ما تفرع منها من أسانيد، فكان خمس عشرة رواية صحيحة وست روايات طرق إسنادها حسن،
وست عشرة رواية ضعيفة، تناولتها في الفصول الثلاثة الأولى من الرسالة، وما تبقى وهو اثنتا عشرة رواية قد تناولتها في الفصل الرابع واتضح لي بأن سبعة منها صحيحة، ولكنها منسوخة التلاوة أو الحكم أو الحكم والتلاوة معا، والخمسة الباقية ضعيفة.
تاسعا: أساليب أعداء الإسلام من المستشرقين كثيرة، ومنها الطعن في الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وليس ذلك بمستبعد، فقد طعنوا قبل ذلك في
المرسل، وهو الله تعالى.
عاشرا: لا خوف على القرآن من أعدائه، ولكن من أدعيائه الذين ينتسبون إليه انتسابا جغرافيا أو وراثيا أو باطنيا، فيظهرون خلاف ما يبطنون، ظاهرهم أنهم حماته، وباطنهم أنهم طاعنون به، إذ يطعنون في النقلة- وهم الصحابة العدول- ليطعنوا في المنقول وهو كتاب الله المحفوظ كما وعد، وكل قول بزيادة أو نقصان أو تحريف فهو كفر والعياذ بالله، لأنه يخالف قوله سبحانه وتعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9)«1» .
(1) سورة الحجر، الآية (9).