الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيرهم في ذلك، فندب إلى الأخذ عنهم، لا أنه لم يجمعه غيرهم «1» .
ثانيا:
أ- حدّثني محمّد بن بشّار حدّثنا يحيى حدّثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي اللهم عنه قال: (جمع القرآن على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أربعة، كلّهم من الأنصار:
أبيّ، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وزيد بن ثابت، قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال:
أحد عمومتي) «2» .
ب- ورواية الإمام مسلم عن قتادة أيضا أنه قال: (سمعت أنسا يقول: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة، كلهم من الأنصار: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قال قتادة: قلت لأنس: من أبو زيد؟
قال: أحد عمومتي) «3» .
دلالة الحديث:
قوله: (جمع القرآن) أي: استظهره حفظا «4» .
وقال الإمام النووي نقلا عن المازري «5» : هذا الحديث مما يتعلق به بعض الملاحدة في تواتر القرآن، وجوابه: أنه ليس فيه تصريح بأن غير الأربعة
(1) انظر: شرح النووي لصحيح مسلم: 16/ 18؛ وفتح الباري: 7/ 128.
(2)
صحيح البخاري، باب مناقب زيد بن ثابت رضي الله عنه، رقم الحديث (3599): 3/ 1386.
(3)
صحيح مسلم، باب فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار رضي الله عنهم، رقم الحديث (2465): 4/ 914.
(4)
فتح الباري: 7/ 161.
(5)
المازري: هو محمد بن علي بن عمر، أبو عبد الله المازري التميمي المالكي، ويعرف بالإمام، وهو إمام أهل إفريقية، وكان من شيوخها في الفقه والاجتهاد (ت 536 هـ). ينظر: المعين في طبقات المحدثين للذهبي: 2/ 158.
لم يجمعه، فقد يكون مراده الذين علمهم من الأنصار أربعة، أما غيرهم من المهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم، ولو نفاهم كان المراد نفي علمه، ومع هذا فقد روى غير مسلم حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر منهم المازري خمسة عشر صحابيا. وثبت في الصحيح أنه قتل يوم اليمامة سبعون ممن جمعوا القرآن، وكانت اليمامة قريبا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ، فكيف الظن بمن لم يقتل ممن حضرها ومن لم يحضرها وبقي بالمدينة أو بمكة أو غيرهما، ولم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من كبار الصحابة الذين يبعد كل البعد أنهم لم يجمعوه مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات.
وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه، بل إذا حفظ الكل الكل ولو على التوزيع كفى «1» .
وهناك أجوبة أخرى لحديث أنس رضي الله عنه، ذكرها القاضي أبو بكر الباقلاني وغيره من أهمها:
1 -
فلا يلزم أن يكون غيرهم جمعه.
2 -
المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك.
3 -
إن المراد بجمعه تلقيه من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا واسطة بخلاف غيرهم.
4 -
أنهم تصدوا لإلقائه وتعليمه فاشتهروا به، وخفي حال غيرهم.
5 -
المراد بالجمع الكتابة، فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظا على ظهر قلب، وأما هؤلاء فجمعوه كتابة وحفظوه عن ظهر قلب.
وهناك احتمال آخر، وهو أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط، بقرينة المفاخرة، فلا ينفي ذلك من غير القبيلتين من المهاجرين ومن جاء
(1) شرح النووي لصحيح مسلم: 16 م/ 19.
بعدهم. ويحتمل أن يقال: إنما اقتصر عليهم أنس لتعلق غرضه بهم «1» .
ولذلك
…
الذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر رضي الله عنه كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ليس من هؤلاء الأربعة الذين خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ القرآن وقد جاء بالأثر أنه:(بنى مسجدا بفناء داره فكان يقرأ فيه القرآن)«2» . وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم.
وجاء في صحيح مسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)«3» ، وكما جاء في الأثر أيضا:(أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم في مكانه لما مرض)«4» ، فيدل ذلك على أنه كان أقرأهم.
وأخرج النسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو قال: (جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأه في كل شهر
…
) «5»
الحديث.
ج- وهناك رواية أخرى في صحيح البخاري تخالف رواية قتادة من وجهين، وهذه الرواية هي: (حدثنا معلى بن أسد حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثابت البناني
وثمامة عن أنس بن مالك قال: (مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قال: ونحن
(1) ينظر: فتح الباري: 9/ 62.
(2)
ينظر: فتح الباري: 9/ 63.
(3)
ينظر: صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم الحديث (673): 1/ 465.
(4)
صحيح البخاري، كتاب الجماعة والإمامة بلفظ (مروا أبا بكر فليصل بالناس)، رقم الحديث (633): 1/ 236؛ وفي صحيح مسلم، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عارض، رقم (418): 1/ 313.
(5)
سنن النسائي، رقم (8064): 5/ 24.
ورثناه) «1» .
الوجه الأول: الذي خالفت فيه رواية قتادة التي ذكرناها قبل قليل:
التصريح بصيغة الحصر في الأربعة «2» .
ثانيهما: ذكر أبي الدرداء بدل أبي بن كعب.
فأما الوجه الأول فقد تقدم الجواب عنه من عدة احتمالات. فلا نسلم حمله على ظاهره، واستدل الإمام القرطبي أيضا إضافة إلى بعض ما تقدم: من أنه قتل يوم اليمامة سبعون من القراء وقتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ببئر معونة مثل هذا العدد «3» . قال: وإنما خص أنس الأربعة من القراء بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم «4» .
وأما الوجه الثاني من المخالفة: هو ذكر أبي الدرداء بدلا من أبي، قال بعض العلماء بأن ذكر أبي الدرداء وهم، والصواب أبي بن كعب «5» .
وقال ابن حجر: وقد أشار البخاري إلى عدم الترجيح باستواء الطرفين، ويحتمل أن يكون أنس حدث بهذا الحديث في وقتين، فذكره مرة أبي بن كعب، ومرة أبا الدرداء. وقد روى ابن أبي داود من طريق محمد بن كعب القرظي قال:
(جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل،
(1) صحيح البخاري، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث (4718): 4/ 1913.
(2)
فتح الباري: 9/ 63.
(3)
من حديث صحيح البخاري، باب مد العون بالمدد، رقم الحديث (2899): 3/ 1115؛ وينظر: سنن البيهقي الكبرى، رقم (2915): 2/ 199؛ ومجمع الزوائد للهيثمي، باب غزوة بئر معونة: 6/ 127، قال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(4)
ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 1/ 57؛ فتح الباري: 9/ 64.
(5)
فتح الباري: 9/ 64.
وعبادة بن الصامت، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو أيوب الأنصاري) «1» .
قال ابن حجر: إسناده حسن مع إرساله. وهو شاهد جيد لحديث عبد الله بن المثنى في ذكر أبي الدرداء وإن خالفه في العدد والمعدود «2» .
إذن .. فهذه الرواية- التي خالفت رواية قتادة- الحصر فيها حصر إضافي وليس حصرا حقيقيا حتى ينفي أن يكون غير هؤلاء الأربعة قد جمعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسيدنا أنس رضي الله عنه هو صادق في كلتا الروايتين، لأنه ليس بمعقول أن يكذب نفسه- حاشاه- فتعين أنه يريد الحصر الذي أورده الحصر الإضافي، بأن يقال: إن أنسا رضي الله عنه تعلق غرضه في وقت ما بأن يذكر الثلاثة ويذكر معهم أبي بن كعب دون أبي الدرداء، ثم علق غرضه في وقت آخر بأن يذكر الثلاثة ويذكر معهم أبا الدرداء دون أبي بن كعب، وهذا التوجيه يتعين المصير إليه جمعا بين هاتين الروايتين، وبينهما وبين روايات أخرى ذكرت غير هؤلاء «3» .
وقوله: (وأبو زيد): القائل ذلك هو أنس بن مالك رضي الله عنه.
قال قتادة: قلت: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي.
رجح الإمام النووي أن أبا زيد هو: (سعد بن عبيد بن النعمان الأوسي من بني عمرو بن عوف، بدري، يعرف بسعد القاري. استشهد بالقادسية سنة خمسة عشرة في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال ابن عبد البر: هذا هو قول أهل الكوفة)«4» .
(1) المصدر نفسه: 9/ 64.
(2)
المصدر نفسه: 9/ 64.
(3)
ينظر: مناهل العرفان: 1/ 243.
(4)
شرح النووي لصحيح مسلم: 16/ 20.
وبهذا جزم الطبراني «1» ، إلا أن الواقدي «2» رجح أنه: هو قيس بن السكن بن قيس بن زعور بن حرام الأنصاري النجاري، ويرجحه قول أنس:
(أحد عمومتي) فإنه من قبيلة بني حرام «3» .
وجاء في صحيح البخاري أيضا عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (مات أبو زيد ولم يترك عقبا وكان بدريا)«4» .
فقول أنس: (أحد عمومتي، نحن ورثناه) في الرواية الأولى يرد على من يرجح أن أبا زيد المذكور هو سعيد بن عبيد بن النعمان، لأن أنسا خزرجي وسعد بن عبيد أوسي.
قال ابن حجر: وإذا كان كذلك احتمل أن يكون سعد بن عبيد ممن جمع ولم يطلع أنس على ذلك «5» .
وقد ذكر ابن أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة، وهو خزرجي، ويكنى أبا زيد وهذا ما رجحه ابن حجر، قال: (ثم وجدت عند ابن أبي داود ما يرفع الإشكال من أصله، فإنه روى بإسناد على شرط البخاري إلى ثمامة عن
(1) الطبراني: هو سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي أبو القاسم الطبراني، من كبار رجال الحديث في زمانه، مفسر، من تصانيفه المعجم الكبير والأوسط والصغير (ت 360 هـ). ينظر: التقييد لمحمد بن عبد الغني أبو بكر البغدادي (ت 629)، دار الكتب العلمية: 284؛ والأعلام للزركلي: 3/ 181؛ ومعجم المفسرين لعادل نويهض: 1/ 214.
(2)
الواقدي: هو محمد بن عمر بن واقد أبو عبد الله الواقدي المدني، صاحب التصانيف والمغازي، أحد أوعية العلم على ضعفه المتفق عليه (ت 207 هـ) وله ثمان وسبعون سنة. ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 9/ 454؛ وتقريب التهذيب لابن حجر: 1/ 498.
(3)
فتح الباري: 7/ 161.
(4)
صحيح البخاري، باب شهود الملائكة بدرا، رقم الحديث (3774): 4/ 1468.
(5)
فتح الباري: 9/ 64.