الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) «1» .
الرواية الحادية عشرة:
ورد في صحيح البخاري عن إبراهيم بن علقمة قال: (دخلت في نفر من أصحاب عبد الله الشام- أي أصحاب عبد الله بن مسعود- فسمع بنا أبو الدرداء فأتانا، فقال: أفيكم من يقرأ؟ فقلنا: نعم، قال: فأيكم أقرأ؟ فأشاروا إلي، فقال: اقرأ، فقرأت: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى)، قال:
أنت سمعتها من في صاحبك؟ قلت: نعم، قال: وأنا سمعتها من في النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء يأبون علينا) «2» .
وهذه القراءة تعتبر شاذة وغير متواترة، وهي خبر آحاد تفيد النسخ فلا تكون من القرآن المجمع عليه حين جمعه عثمان رضي الله عنه «3»؛ لأن القراءة المتواترة هي:
وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (3)«4» .
الرواية الثانية عشرة:
روى الإمام أحمد وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم: (أن عبد الله بن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه)«5» . وفي رواية: (أنه حكهما من مصحفه)«6» .
(1) تفسير العياشي: 1/ 238.
(2)
صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما، حديث رقم (3532): 3/ 1368؛ وصحيح مسلم، كتاب فضائل القرآن، باب ما يتعلق بالقراءات، حديث رقم (824): 1/ 565.
(3)
الشيعة الاثني عشرية وتحريف القرآن: 110.
(4)
سورة الليل، الآية (3).
(5)
مسند الإمام أحمد، رقم (21226): 5/ 129؛ وصحيح ابن حبان، رقم (797):
3/ 77؛ وينظر: مناهل العرفان للزرقاني: 1/ 275: 1/ 275.
(6)
مسند الإمام أحمد، رقم (21226): 5/ 129؛ والمعجم الكبير للطبراني:
وقد قال أغلب العلماء أن هذه الروايات غير صحيحة ومدسوسة على ابن مسعود منهم: الإمام النووي، قال في شرح المهذب:(أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد شيئا منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل وليس بصحيح)«1» .
وقال ابن حزم: هذا كذب على ابن مسعود وموضوع، وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره «2» ، وقال الباقلاني:(وأما المعوذتان فكل من ادعى أن عبد الله بن مسعود أنكر أن تكونا من القرآن، فقد جهل وبعد عن التحصيل؛ لأن سبيل نقل القرآن ظاهرا مشهورا .. وكيف ينكر كونها قرآنا منزلا ولا ينكر عليه الصحابة، فلو أنكرها لم يستبعد ممن قرأ عليه أن يروي ذلك عنه ويذكره، فلما لم يرو عنه، ولا نقل مع جريان العادة دل على بطلانه وفساده)«3» .
قال الزركشي في ذكر عدد سور القرآن: (باتفاق أهل الحل والعقد مائة وأربع عشرة سورة، قال: وكان في مصحف ابن مسعود اثنا عشرة لم يكن فيها المعوذتان لشبهة الرقية، وجوابه: رجوعه عنه)«4» .
إلا أن الحافظ ابن حجر ذهب إلى صحة ما روي عن ابن مسعود، من أنه حذف المعوذتين من مصحفه، قال: (قول من قال أنه كذب عليه مردود والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الروايات صحيحة،
- 9/ 235.
(1)
فتح الباري: 8/ 964؛ وينظر: مناهل العرفان: 1/ 275؛ والمدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة: 582.
(2)
فتح الباري: 8/ 964؛ ومناهل العرفان: 1/ 275.
(3)
ينظر: نكت الانتصار للباقلاني: 90.
(4)
البرهان للزركشي: 1/ 251.
والتأويل محتمل، وقد أوله القاضي وغيره على إنكار الكتابة) «1» .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأهما في الصلاة، وهذا في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر:(فإن استطعت أن لا تفوتك قراءتهما في الصلاة فافعل)«2» .
وروي عن عقبة بن عامر الجهني أيضا في صحيح ابن خزيمة، قال: كنت أقود ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فقال: يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا؟ فعلمني: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)«3» ، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)«4» ، فهذه أخبار بنص الرسول صلى الله عليه وسلم على أنها قرآن منزل «5» .
وعلى فرض صحة الرواية- كما ذكر ابن حجر- من أنه حذف المعوذتين وكذلك الفاتحة، أو حكها، فالجواب عن هذا الاحتمال كما يأتي:
1 -
فأما ما روي من حكه إياهما في المصحف فذلك بعيد، ويحتمل أن يكون حك الفواتح والفواصل، ويحتمل أن يكون رآها مكتوبة في غير موضعها الذي يجب أن تكتب فيه، ويمكن أن يكون رآها كتبت مغيرة بضرب من التغيير فحكها، وقال: لا تخلطوا به ما ليس منه، يعني فساد النظم «6» .
2 -
إن عدم كتابتهما أو حكهما لا يستلزم إنكار كونهما من القرآن، لجواز أنه
(1) ينظر: فتح الباري لابن حجر، كتاب التفسير: 8/ 964؛ والمدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة: 258.
(2)
صحيح مسلم، كتاب فضائل القرآن وما يتعلق به، كتاب فضل قراءة المعوذتين، رقم (814): 1/ 558.
(3)
سورة الفلق، الآية (1).
(4)
سورة الناس، الآية (1).
(5)
صحيح ابن خزيمة، باب قراءة المعوذتين في الصلاة ضد قول من زعم أن المعوذتين ليستا من القرآن، رقم (535): 1/ 268؛ وينظر: نكت الانتصار للباقلاني: 91.
(6)
نكت الانتصار للباقلاني: 93 - 94.
كان لا يكتبهما اعتمادا على حفظ الناس لهما لا إنكارا لقرآنيتهما، فالفاتحة يقرؤها كل مسلم في الصلاة، والمعوذتان يعوذ بهما المسلمون وأولادهم وأهليهم، وكما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقي الحسن والحسين بهما «1» وبغيرهما من المعوذات كقوله صلى الله عليه وسلم:(أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)«2» ، قال ابن قتيبة في مشكل القرآن:(وأما إسقاط الفاتحة من مصحفه فليس لظنه أنها ليست من القرآن، معاذ الله، ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشك والنسيان والزيادة والنقصان)، ومعنى ذلك أنه يرى أن الشك والنسيان والزيادة والنقصان مأمونة في سورة الحمد، لقصرها ووجوب تعلمها على كل أحد لأجل الصلاة «3» .
3 -
أنها رواية آحاد، فهي لا تعارض القطعي الثابت بالتواتر، والعبرة في التواتر أن يروى عن جمع يحيل العقل تواطئهم على الكذب، لا أن يخالف فيه مخالف، فظن ابن مسعود أنهما ليستا من القرآن لا يطعن في قرآنيتهما ولا ينقض تواتر القرآن.
4 -
ويحتمل أن إنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين والفاتحة- على فرض صحته- كان قبل علمه بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابتهما، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك، فتوقف في أمرهما، فلما تبين له قرآنيتهما بعد وتيقنه، رجع إلى رأي الجماعة، وانعقد الإجماع على قرآنيتهما.
ولعل هذا الجواب هو الذي تستريح إليه النفس، لأن قراءة عاصم عن
(1) مسند الإمام أحمد، رقم (21227): 5/ 130.
(2)
صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء، رقم (2708): 4/ 2080.
(3)
ينظر: مناهل العرفان: 1/ 275 - 276؛ والمدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة: 259.
ابن مسعود ثبت فيها المعوذتان والفاتحة، وهي صحيحة، ونقلها عن ابن مسعود صحيح «1» .
وهناك روايات أخرى تجري بهذا المضمار أعرضنا عن ذكرها، إذ لا تختلف عما تقدم، فمنها منسوخة التلاوة، ومنها روايات شاذة، ومنها أصلها الكذب والاستهانة بالمسلمين، وجميعها لا يشكل دليلا واحدا مقنعا على دعوى التحريف.
فمهما تعاقبت على هذا الكتاب العزيز الأجيال والسنون، فلا يزال غضا طريا كما أنزل، محفوظا بحفظ الله، فهو هداية الخالق لإصلاح الخلق، وشريعة السماء لأهل الأرض، وهو التشريع العام الخالد، الذي تكفل الله بحفظه، فقال:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9)«2» ، والحمد لله في النهاية كما حمدناه في البداية، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
(1) ينظر: فتح الباري: 8/ 964؛ وينظر: مناهل العرفان: 1/ 276؛ والمدخل لدراسة القرآن لأبي شهبة: 259.
(2)
سورة الحجر، الآية (9).