الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن قتل عبد حرًا أو عبدًا عمدًا، وثبت ذلك عليه ببينة أو إقرار أو قسامه في الحر، كـ: قتلني فلان، أو يقيم عدلًا بالقتل، ويقسم أولياؤه في الصورتين، خير الولي أولًا في قتل العبد أو استحيائه، وإنما خير الولي لأن القاتل غير كفء، فإن اختار قتله فواضح، وإن استحياه فلسيده الخيار ثانيًا في أحد أمرين:
- إسلامه في جنايته.
- أو فداؤه بدية الحر، أو قيمة العبد المقتول.
[القتل الموجب للقصاص: ]
ولما فرغ من الكلام على ما يتعلق بالركن الثاني، تكلم على الركن الثالث، وهو القتل الموجب للقصاص، وهو ضربان:
- مباشرة.
- وتسبب.
[أولًا - المباشرة: ]
وبدأ بالأول فقال: إن قصد -أي: تعمد- القاتل ضربًا للمضروب، وإن لم يقصد قتله به، سواء ضربه بما يقتل غالبًا أو لا، ولذا بالغ عليه بقوله: وإن بقضيب، وهو خلاف قول صاحب الجواهر: العمد هو الذي يقصد إتلاف نفس الشخص (1)، وكان ما يقصد به مما يقتل بمثله من محدود ومثقل.
(1) وهذا الكلام هو نحو قول القانونيين المعاصرين: مع سبق الإصرار والترصد، ففرقوا بين القتل العمد من الإصرار، والقتل العمد من دونه، وهذا نحو تقسيم مذهبنا القتل ثلاثة أقسام: عمد، وشبه العمد، وخطأ، وعرف علماؤنا شبه العمد بقولهم: هو ما أشكل، هل يريد به القتل أو لا؟ واختلف فيه هل له حكم يخصه من رفع القصاص وتغليظ الدية وهو قول أكثر الفقهاء وسموه شبه العمد ولم ير ذلك مالك إلا في الآباء مع أبنائهم وهو قول أكثر أصحابه وفي المدونة شبه العمد باطل لا أعرفه وإنما هو عمد أو خطأ ولا تغليظ الدية إلا في مثل فعل المدلجي بابنه فان الأب إذا قتل ابنه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= بحديدة حذفه بها أو بغيرها مما يقاد فيه فان الأدب يدرأ عنه القود وتغلظ عليه الدية وتكون في ماله اهـ.
وممن قال بإثبات شبه العمد ابن شهاب وربيعة وأبو الزناد حكاه عنهم ابن حبيب ورواه العراقيون عن مالك أيضًا، قال ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 43، وما بعدها): "قال أبو عمر ليس عند مالك في قتل العمد دية معلومة وإنما فيه القود إلا في عهد الرجل إلى ابنه بالضرب والأدب في حين الغضب كما صنع المدلجي بابنه فإن فيه عنده الدية المغلظة ولا قود وسنذكر ذلك في ما بعد إن شاء اللَّه عز وجل.
فإن اصطلح القاتل عمدًا وولي المقتول على الدية وأبهموا ذلك ولم يذكروا شيئًا من ذلك بعينه أو عفي عن القاتل عمدًا على الدية، وكان من أهل الإبل فإن الدية تكون عليه حينئذ حالة في ماله أرباعا كما قال بن شهاب خمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وإن كان من أهل الذهب فألف دينار وإن كان من أهل الورق فاثنا عشر ألف درهم حالة في ماله لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه إلا أن يصطلحا على شيء فيلزمهما ما اصطلحا عليه. وقد روي عن مالك أن الدية في العمد إذا قبلت تكون مؤجلة كدية الخطأ في ثلاثه سنين والأول قول بن القاسم وروايته وهو تحصيل المذهب.
والدية في مذهب مالك ثلاث إحداها دية العمد إذا قبلت أرباعًا وهي كما وصفنا.
وهو قول بن شهاب وربيعة والثانية دية الخطأ أخماسًا وسيأتي ذكرها -كما وصفنا- في بابها إن شاء اللَّه عز وجل.
والثالثة الدية المغلظة أثلاثًا ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهي الحوامل وليست عنده إلا في قتل الرجل ابنه على الوصف الذي ذكرنا.
وأما لو أضجع الرجل ابنه فذبحه أو جلله بالسيف أو أثر الضرب عليه بالعصا أو غيرها حتى قتله عامدا فإنه يقتل عنده به.
وستأتي هذه المسألة وما للعلماء فيها في موضعها من هذا الكتاب إن شاء اللَّه عز وجل.
وليس يعرف مالك شبه العمد إلا في الأب يفعل بابنه ما وصفنا خاصة.
وإنما تجب الدية المغلظة المذكورة من الإبل على الأب إذا كان من أهل الإبل فإن كان من أهل الأمصار فالذهب أو الورق. واختلف قوله في تغليظ دية الذهب والورق في ذلك.
فروي عنه أن تغليظها أن تقوم الثلاثون حقة والثلاثون جذعة والأربعون الخلفة بالدنانير أو الدراهم بالغًا ما بلغت وإن زادت على ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم.
وروي عنه أن التغليظ في ذلك أن ينظر إلى قيمة دية الخطأ أخماسًا في أسنان الإبل ثم ينظر إذا ما زادت قيمة دية التغليظ من الإبل على قيمة دية الخطأ فيزاد مثل ذلك =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= من الذهب والورق، وهذا مذهب بن القاسم، وروي عنه أيضًا أنها تغلظ بأن تبلغ دية وثلثا يزاد في الدية ثلثها. رواه أهل المدينة عنه، وقد روي عن مالك أن الدية لا تغلظ على أهل الذهب ولا على أهل الورق وإنما تغلظ في الإبل خاصة على أهل الإبل.
قال أبو عمر روى سفيان عن معمر عن رجل عن عكرمة قال ليس في دية الدنانير والدراهم مغلظة إنما المغلظة في الإبل خاصة على أهل الإبل.
وروى بن المبارك عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال لا يكون التغليظ في شيء من الدية إلا في الإبل والتغليظ في إناث الإبل.
وأما الشافعي فالدية عنده اثنتان لا ثالثة لهما مخففة ومغلظة فالمخففة دية الخطأ أخماسًا والمغلظة في شبه العمد وفي ما لا قصاص فيه كالأب ومن جرى مجراه عنده وفي العمد إذا قبلت الدية فيه وعفي عن القاتل عليها وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وهو قول سفيان ومحمد بن الحسن في أسنان دية شبه العمد، وهذه الأسنان في ذلك مذهب عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة وزيد بن ثابت على اختلاف عنه، وبه قال عطاء، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما دل على ذلك.
ذكر أبو بكر قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن عمر أنه قال في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى باذل عامها كلها خلفة.
قال وحدثني جرير عن مغيرة عن الشعبي قال كان أبو موسى والمغيرة يقولان في الدية المغلظة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة.
قال وحدثني وكيع قال حدثني بن أبي خالد عن عامر الشعبي قال كان زيد بن ثابت يقول في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة.
وأما الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا والحجر ديته مغلظة مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها، فهو حديث مضطرب لا يثبت من جهة الإسناد رواه بن عيينة عن علي بن زيد عن القاسم بن ربيعة عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه سفيان الثوري وهشيم عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والقاسم بن ربيعة بن جوشن الغطفاني ثقة بصري يروي عن عمر وعبد الرحمن بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عوف وبن عمر وروى عنه أيوب وقتادة وحميد الطويل وعلي بن زيد.
وأما عقبة بن أوس فرجل مجهول لم يرو عنه إلا القاسم بن ربيعة فيما علمت يقال فيه الدوسي ويقال فيه السدوسي.
وقد قيل فيه يعقوب بن أوس.
وقال يحيى بن معين عقبة بن أوس هو يعقوب بن أوس.
وأما أبو حنيفة وأصحابه فليس في العمد عندهم دية فإن اصطلح القاتل وولي المقتول على شيء فهو حال إلا أن يشترطوا أجلًا.
والديات عندهم اثنتان دية الخطأ أخماسًا على ما يأتي ذكره في بابه بعد هذا لم يختلفوا فيها.
ودية شبه العمد عند أبي حنيفة وأبي يوسف تكون أرباعًا خمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة.
وهو مذهب عبد اللَّه بن مسعود. ذكره وكيع قال وحدثني بن أبي خالد عن عامر قال كان بن مسعود يقول في شبه العمد أرباعًا فذكر ما تقدم.
وقال أبو بكر حدثني أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود بن عبد اللَّه قال شبه العمد أرباعًا خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون.
وأما محمد بن الحسن فذهب إلى ما روى عن عمر وأبي موسى وزيد والمغيرة وقد تقدم ذكره وأما أحمد بن حنبل فقال دية الحر المسلم مائة من الإبل فإن كان القتل عمدًا وارتفع القصاص أو قبلت الدية فهي في مال القاتل حالة أرباعًا خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة.
قال وإن كان القتل شبه العمد فكما وصفنا في أسنان الإبل.
قال وهي على العاقلة في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها.
ذهب في ذلك مذهب بن مسعود وهذا يدل على أنه لم يصح عنده الحديث المرفوع لما ذكرنا فيه من الاضطراب وجهل عقبة بن أوس - واللَّه الموفق للصواب.
وأما أبو ثور فقال الدية في العمد الذي لا قصاص فيه أو عفي عن القاتل علي الدية وفي شبه العمد كل ذلك كدية الخطأ أخماسًا أنه بدل لأنه أقل ما قيل فيه.
وقال عامر الشعبي وإبراهيم النخعي دية شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة من ثنية إلى بازل عامها، وهو مذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ذكر أبو بكر قال حدثني أبو الأحوص عن إبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال في شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة، وروى الثوري وغيره عن أبي إسحاق مثله.
وقال الحسن البصري وابن شهاب الزهري وطاوس اليماني دية شبه العمد ثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وأربعون خلفة. وهذا مذهب عثمان بن عفان رضي الله عنه ورواية عن زيد بن ثابت.
ذكر أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب وعن عبد ربه عن أبي عياض أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت قالا في المغلظة أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون.
وقال معمر عن الزهري إن الدية التي غلظها النبي صلى الله عليه وسلم هكذا وذكر طاوس أن ذلك عنده في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا ما بلغنا في أسنان دية العمد وأسنان دية شبه العمد وسنذكرها عن الفقهاء وأئمة الفتوى فهي صفة شبه العمد وكيفيته ومن نفاه منهم ومن أثبته فيه في باب ما يجب فيه العمد من هذا الكتاب إن شاء اللَّه تعالى.
ويأتي ما للعلماء في دية الخطأ في الباب بعد هذا بعون اللَّه تعالى وإنما ذكرنا في هذا الباب شبه العمد مع دية العمد إذا قبلت لأن مذاهب أكثر العلماء في ذلك متقاربة متداخلة وجمهورهم يجعلها سواء.
وقد أتينا في ذلك بالروايات عن السلف وما ذهب إليه من ذلك أئمة الأمصار.
والحمد للَّه كثيرا.
وقد اختلف العلماء في أخذ الدية من قاتل العمد فقال مالك في رواية بن القاسم عنه -وهو الأشهر من مذهبه- وأبو حنيفة والثوري وأصحابه وبن شبرمة والحسن بن حي ليس لولي المقتول عمدًا إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا برضى القاتل.
وقال الأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود.
وهو قول ربيعة وأكثر فقهاء المدينة من أصحاب مالك وغيرهم.
وروى أشهب عن مالك ولي المقتول بالخيار إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية رضي القاتل أو لم يرض.
وذكر بن عبد الحكم الروايتين جميعًا عن مالك.
وحجة من لم ير لولي المقتول إلا القصاص حديث أنس في قصة سن الربيع أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال كتاب اللَّه القصاص.
وحجة من أوجب له التخيير بين القصاص وأخذ الدية حديث أبي شريح الكعبي وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قتل له قتيل فهو بين خيرتين" وقال أبو هريرة بخير نظرين بين أن يأخذ وبين أن يعفو، وهما حديثان لا يختلف أهل العلم بالحديث في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= صحتهما.
حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني بن أبي ذئب قال حدثني سعيد بن أبي سعيد قال سمعت أبا شريح الكعبي يقول قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ألا إنكم معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فهو بالخيار بين خيرتين بين أن يأخذ العقل وبين أن يقتل".
وحديث أبي هريرة عند يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رواه جماعة أصحاب يحيى عنه.
وقد ذكرنا طرق الحديثين في مسألة أفردنا لها جزءًا في معنى قول اللَّه عز وجل: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة 178] ".
وبهذا يتبين خطأ من قال من أهل هذا العصر -التي ظهرت علينا فيه جماعات نسأل اللَّه تعالى السلامة فيه في المعتقد والمنهج- غير مميز بين القوانين التي سنت سياسة للأمة دون مخالفة لأحكام الشريعة، وبين تلك القوانين المستوردة من الغرب الكافر مما كانت مخالفة للشرع: "ثم أجرمت هذه القوانين في حق الأمة والدين أكبر الجرائم. . فأبيحت الأعراض وسُفكت الدماء، ولم تنه فاسقًا، ولم تزجر مجرمًا، حتى اكتظت السجون، وصارت مدارس لإخراج زعماء المجرمين، ونزعت من الناس الغيرة والرجولة. .، ومع ذلك فإن هذه القوانين التي تحكمون بها شرطت في القصاص شرطًا لم يشرطه اللَّه، ولم يقل به أحد من المسلمين، لا من المجتهدين ولا المقلدين، ولا موضع له في النظر السليم؛ فأباحت به الدم الحلال، وكان له الأثر الكبير فيما نرى من كثرة جرائم القتل، وذلك أن المادة 230 من قانون العقوبات شرطت في عقاب القاتل بالإعدام: العمدَ مع سبق الإصرار والترصُّد.
وأكدت ذلك المادة 234؛ فنصت على أن من قتل عمدًا من غير سبق إصرار ولا ترصُّد يعاقب بالأشغال الشاقة، المؤبدة أو المؤقتة، ولكننا ننكر المصدر الذي أخذت منه وهو مصدر لا يجوز للمسلم أن يجعله إمامه في التشريع، وقد أمر أن يتحاكم إلى اللَّه ورسوله، ولكنا نسخط على الروح الذي يملى هذه القوانين، ويوحي بها، روح الإلحاد والتمرد على الإسلام، في المسائل الخطيرة والقواعد الأساسية، فلا يبالي واضعوها أن يخرجوا على القرآن وعلى البديهي من قواعد الإسلام وأن يصبغوها صبغة أوربية مسيحية أو وثنية، إذا ما أرضوا عنهم أعداءهم، ونالوا ثناءهم، ولم يخرجوا على مبادئ التشريع الحديث! ! ".
فغاب على قائل هذا القول تقسيم العلماء القتل التقسيم الذي مضى، وجعلهم قتل العمد ليس كقتل شبه العمد في العقوبة، على التفصيل الذي رأيت، ورأوا أن ما كان =
ولا يشترط كون القتل بآلة مخصوصة بل حصوله بقضيب أو غيره كخنق ومنع طعام حتى مات، واقتصاره على القصاص في منع الطعام يفهم منه أن لا قصاص في منع الماء، ففي حريم البئر من المدونة في منع الماء أنه من الخطأ لا قصاص فيه، لكن تأولها بعض القرويين على أنهم لم يقصدوا القتل، وإنما تأولوا أن لهم منع ما بهم، ولو قصدوا منعهم الشرب بعد علمهم حرمته، وأنهم إن لم يسقوهم ماتوا عطشًا لأمكن أن يقتلوا بهم.
وكضرب بشيء مثقل، كـ: حجر أو خشبة، ولا قسامة في ذلك إن أنفذ الفعل مقتله، أو مات منه مغمورًا لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم ولم يفق حتى مات.
ومفهومه: إن لم ينفذ مقتله أو لم يمت مغمورًا بل أكل وشرب وعاش حياة تعرف ثم مات فالقسامة، أما المسألة الأولى من كلام المصنف فنحوها قول المدونة: أما إن شفت حشوته وتكلم وأكل وعاش يومين أو ثلاثة فإنه يقتل قاتله بغير قسامة، إذا كان قد أنفذ مقتله.
وأما الثانية فكقولها: ومن ضرب فمات تحت الضرب، أو بقي مغمورًا لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم، ولم يفق حتى مات فلا قسامة فيه.
= شبه عمد غلظت فيه العقوبة، والإمام إذا رأى للمصلحة العامة تغليظ عقوبة ما فإن له ذلك سياسة للأمة، ورعاية لها، وقد كان عمر بن الخطاب يفعل ذلك، السياسة الشرعية للعباد بتصريف شؤون حياتهم وفق القواعد العامة للشريعة الإسلامية هي من أهم مسؤوليات الحاكم المسلم أو من ينوب عنه في تصريف شؤون العباد، وليس كل المسائل التي تعرض على ولي الأمر تعرضت لها نصوص الكتاب والسنة على وجه التفصيل، فقد يطرأ طارئ على الأمة لم يكن موجودًا من قبل فلا بد للحاكم أن يحكم بالمسألة بما يوافق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية.
وقد وقعت مسألة زوجة المفقود في زمن عمر فاجتهد بها في إمهال الزوج أربعة أعوام ثم التفريق بعد ذلك بينهما واعتداد الزوجة عدة الوفاة، فهذه المسألة هي من مسائل السياسة الشرعية التي ترك للحاكم الفصل فيها والاجتهاد في حلها بما فيه مصلحة المسلمين.