الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أصحاب النصف: ]
وأتى بـ (من) البيانية؛ لأن أصحاب النصف خمسة: (1)
(1) وفي تأمل هذا الركن يتبين زيف ما اتهم به الإسلام من قبل الغرب وأذنابه، وأنى يكون ما ذكروه من ثلب الإسلام وتشريع الفرائض من اللَّه تعالى الخبير بعباده، والحكيم في أمره، يقول السهيلي ص 27 - 30: "فصل الحكمة في الوصية بالأولاد: ثم إني نظرت فيما بينه اللَّه سبحانه في كتابه من حلال وحرام وحدود وأحكام فلم نجده افتتح شيئًا من ذلك بما افتتح به آية الفرائض ولا ختم شيئًا من ذلك بما ختمها به فإنه قال في أولها يوصيكم اللَّه في أولادكم فأخبر تعالى عن نفسه أنه موص تنبيهًا على حكمته فيما أوصى به وعلى عدله ورحمته أما حكمته فإنه علم سبحانه ما تضمنه أمره من المصلحة لعباده وما كان في فعلهم قبل هذا الأمر من الفساد حيث كانوا يورثون الكبار ولا يورثون الصغار ويورثون الذكور ولا يورثون الإناث ويقولون أنورث أموالنا من لا يركب الفرس ولا يضرب بالسيف ويسوق الغنم فلو وكلهم اللَّه إلى آرائهم وتركهم مع أهوائهم لمالت بهم الأهواء عند الموت مع بعض البنين دون بعض فأدى ذلك إلى التشاجر والتباغض والجور وقلة النصفة فانتزع الوصية منهم وردها على نفسه دونهم ليرضي بعلمه وحكمه ولذلك قال تعالى حين ختم الآية وصية من اللَّه واللَّه عليم حليم وقال قبل ذلك فريضة إن اللَّه عن اللَّه كان عليمًا حكيمًا.
وأما عدله فإنه سبحانه سوى بين الذكور لأنهم سواء في أحكام الديات والعقول ورجاء المنفعة وأن صغر السن لا يبطل حق الولادة ولا معنى النسب وأن كلًا منهم فلق الأكباد وشجا الحساد ولذلك قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ولم يقل بأولادكم لأنه أراد العدل فيهم والتحذير من الجور عليهم وجاء باللفظ عامًا غير مقصور على الميراث أو غيره ولذلك قال النبي عليه السلام: "إني لا أشهد على جور" وذلك أيضًا قاله في هبة فضل بها بشير بن سعد بعض ولده على بعض لأنه رأى اللَّه تعالى قد أمر بالعدل فيهم أمرًا غير مقصور على باب دون باب ولذلك رأى كثير من العلماء أن لا يفضل في الهبة والصدقة ابن على بنت إلا بما فضله اللَّه به للذكر مثل حظ الأنثيين وهو قول أحمد ابن حنبل، وكانوا يستحبون العدل في البنين حتى في القبلة ورأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رجلًا قاعدًا فجاء طفل له فأقعده في حجره وجاءت بنت له صغيرة فأقعدها على الأرض فقال له عليه الصلاة والسلام أليست بولدك أو كما قال قال بلي قال فاعدل فيهما وهذا كله منتزع من قوله سبحانه:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} ، وأما ما تضمنته وصيته من الرحمة إلى ما ذكرنا من العدل والحكمة فإنه جعل للبنات حظًا في أموال آبائهن رحمة منه لضعفهن وترغيبًا في نكاحهن لأن المرأة تنكح لمالها وجمالها ولدينها فعليك بذات الدين قال صلى الله عليه وسلم:"اتقوا اللَّه في الضعيفين" =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= يعني المرأة واليتيم فكان من رأفته بهن أن قسم لهن مع الذكور وكان من عدله أن جعل للذكر مثل حظ الأنثيين لما يلزم الذكور من الإنفاق والصداق إذا بلغوا النكاح ولما أوجب عليهم من الجهاد للأعداء والذب عن النساء وجعل حظهم مثنى حظ الإناث كما جعل حظ الرجل مثل حظي الأنثى في الشهادات والديات لأنهن ناقصات عقل ودين للحيض المانع لهن في بعض الأوقات من الصيام والصلوات فجمع بين العدل والرحمة ونبه على العلم والحكمة.
وانتبه أيها التالي لكتاب اللَّه المأمور بتدبره كيف قال يوصيكم اللَّه في أولادكم بلفظ الأولاد دون لفظ الأبناء لما سنذكره من الفرق بينهما إن شاء اللَّه.
ثم أضاف الأولاد إليهم بقوله أولادكم ومعلوم أن الولد فلذة الكبد وذلك موجب للرحمة الشديدة فمع أنه أضاف الأولاد إليهم جعل الوصية لنفسه دونهم ليدل على أنه أرأف وأرحم بالأولاد من آبائهم ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول العبد لأخيه أوصيك في أولادك لأن أبا الولد أرحم بهم فكيف يوصيه غيره بهم وإنما المعروف أن يقول أوصيك بولدي خيرًا فلما قال اللَّه تبارك وتعالى يوصيكم اللَّه في أولادكم علم أن رب الأولاد أرحم بالأولاد من الوالدين لهم حيث أوصى بهم وفيهم ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في امرأة رآها قد ألقت نفسها على ابنها في بعض المغانم: "اللَّه أرحم بعبده المؤمن من هذه بولدها" وكذلك قال في الحمرة التي أخذ فراخها فألقت نفسها عليهم حتى أطبق عليها الكساء معهم فقال عليه الصلاة والسلام: "أتعجبون من رحمة هذه بفراخها فاللَّه أرحم بعبده المؤمن منها" وحسبك بقوله سبحانه وهو أرحم الراحمين فالأبوان من الراحمين فاللَّه تعالى أرحم منهما فلذلك أوصى الآباء بأولادهم وإن كان المعروف ألا يوصي والد بولده وإنما يوصي الإنسان غيره بولد نفسه إذا غاب عنه وأما أن يوصى والد بولد نفسه فغير معروف في العادة لأن للولد أن يقول أنا أرحم بولدي منك فكيف توصيني بهم فسبحان من هو أرحم الراحمين وأعدل الحاكمين. فصل في أسرار قوله يوصيكم اللَّه، وقال سبحانه يوصيكم بلفظ الفعل الدائم لا بلفظ الماضي كما قال في غير آية نحو قوله تعالى أنزلناها وفرضناها ونحو قوله فرض عليك القرآن ونحو قوله ذلكم وصاكم به ونحو قوله كتب عليكم الصيام وكتب عليكم القتال ولم يقل ههنا كذلك وإنما قال يوصيكم والحكمة في ذلك واللَّه أعلم أن الآية ناسخة للوصية المكتوبة عليهم في قوله كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت الآية فلما نسخ الوصية الماضية واستأنف حكما آخر جاء بلفظ الفعل المستأنف تنبيها على نسخ ما مضى والشروع في حكم آخر فقال (يوصيكم اللَّه)، وجاء بالاسم الظاهر ولم يقل أوصيكم ولا نوصيكم كما قال نتلو عليك ونقص عليك لأنه أراد تعظيم هذه الوصية والترهيب من إضاعتها كما قال يعظكم اللَّه ويحذركم اللَّه نفسه فمتى أراد تعظيم =
الأول: الزوج حيث لا ولد لزوجته: ذكرا أو أنثى، ولا ولد ولد منه أو من غيره، وإن من زنا، إن لم يقم به مانع من كفر أو رق أو قتل عمد أو شك أو لعان، وأما ولد البنت فلا، قال اللَّه تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} ؛ لأن من لا يرث لا يحجب إلا الأخوة للأم؛ فإنهم يحجبون الأم إلى السدس، ولا يرثون مع الأب، كما سيأتي.
والثاني: بنت لصلب إن انفردت قال اللَّه تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} .
والثالث: بنت ابن إجماعا إن لم تكن بنت للصلب، وانفردت بنت الابن.
والرابع: أخت شقيقة إن انفردت، ولم تكن بنت صلب، ولا بنات ابن، قال اللَّه تعالى:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} .
= الأمر جاء بهذا الاسم ظاهرًا لأنه أهيب أسمائه وأحقها بالتعظيم واللَّه أعلم.
فصل في سر اختيار لفظ الولد دون الابن:
وقال في أولادكم ولم يقل في أبنائكم لأن لفظ الولادة هو الذي يليق بمسألة الميراث ففي تخصيص هذا اللفظ فقه وتنبيه أما الفقه فإن الأبناء من الرضاعة لا يرثون لأنهم ليسوا بأولاد وكذلك الابن المتبنى فقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تبنى زيدًا قبل النسخ للتبني فكان يقول أنا ابن محمد، ولا يقول أنا ولد محمد ولذلك قال سبحانه وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم لأن الولد لا يكون إلا من صلب أو بطن غير أن لفظ الأولاد يقع على الذكور والإناث حقيقة فلذلك عدل عنه إلى لفظ الأبناء في آية التحريم وأما في آية المواريث فجاء بلفظ الأولاد تنبيهًا على المعنى الذي يتعلق به حكم الميراث وهو التولد فالماء حياة البشر كما أن الماء حياة الشجر ولذلك عبر في الرؤيا بالماء عن المال وهو يسري من الأصل إلى الفرع المتولد منه أشد من سريان الماء من الفرع إلى الأصل ولذلك كان سبب الولد في الميراث أقوى من سبب الوالد لأن الولد فرع متولد فإليه يسري المال أقوى من سريانه إلى الأب وهذا المعنى بعينه مروي عن زيد بن ثابت حيث كلمه عمر رضي الله عنه في ميراث الجد مع الإخوة فضرب له المثل في الشجرة لها فرعان وفي الفرع الواحد غصنان فإن قطع أحد الغصنين سرت القوة والماء إلى الغصن الباقي".