الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مثال آخر: ]
ومثال ثان كخنثيين وعاصب، فعلى تقديرهما ذكرين المسألة من اثنين، ولا شيء للعاصب، وعلى تقديرهما اثنين المسألة من ثلاثة، لهما اثنان، وللعاصب واحد.
وعلى تقدير الأكبر ذكرًا، والآخر أنثى من ثلاثة، والعكس في التذكير التأنيث من ثلاثة أيضًا، لا شيء للعاصب على هذين التقديرين.
فأربعة أحوال، فيها ثلاثة فرائض متماثلة، تكتفي منها بواحدة، وتضربها في فريضة التذكير لتابينهما بستة، وتضرب الستة في أربعة أحوال، تنتهي لأربعة وعشرين، تقسمها على التذكير لكل واحد اثني عشر، وعلى التأنيث لكل واحد منهما ثمانية، وللعاصب ثمانية، وعلى التذكير لأحدهما، والتأنيث للآخر، للذكر ستة عشر، وللأنثى ثمانية، وكذلك العكس، ثم يجمع ما لكل واحد منهما، وهو اثنا عشر في تذكيره، وفي تأنيثه ثمانية، ثم ثمانية على تقدير كون الآخر ذكرًا، ثم ستة عشر على تقدير كونه ذكرًا، والآخر أنثى.
وإذا اجتمع ذلك كان أربعة وأربعين، للعاصب من الثانية ثمانية، فترد كل واحد إلى ربع ما بيده؛ لأن الأحوال أربعة، كما سبق، فيحصل لكل -أي: لكل خنثى- أحد عشر وللعاصب اثنين، هما ربع ما حصل له من الثمانية، ومجموع ذلك أربعة وعشرون.
[علامات الذكورة والأنوثة: ]
ثم شرع في بيان العلامات التي يتبين بها ذكورته وأنوثته، ويتضح معها إشكاله، وهو الحكم الرابع، فقال: فإن بال من واحد من فرجيه دون الآخر فالحكم للذي بال منه، وحكي عليه إجماع الصحابة، أو كان بوله من أحدهما أكثر أو أسبق من الآخر فالحكم لصاحب الأكثر أو الأسبق، فإن سبق من الذكر فذكر، أو من الفرج فأنثى، وإن اندفع منهما معًا قضي لصاحب الأكثر عند الأكثر، وهذا في حال الصغر، بحيث يجوز النظر للعورة، وأما في حال الكبر فيختبر، بأن يبول إلى حائط أو عليه فإن ضرب
بوله الحائط أو شرف عليه فذكر، وإلا فأنثى.
وقيل: تنصب له مرآة، وينظر فيها قبله بأن يجلس أمامه وينظر منها له.
وتعقب هذا بأنه لا يجوز النظر إلى صورة العورة، كما لا يجوز النظر لها.
وظاهر إطلاقهم: أنه لا يشترط التكرار، فلو تحققت حياته وبال من أحدهما مرة واحدة ثم مات فالحكم لصاحب المبال.
وظاهره: جواز نظر الصغير، وصرح به ابن يونس، ولو تساوى بوله منهما، ولو تساوى بوله منهما انتظر بلوغه، فإن احتلم من ذكره فذكر.
أو نبتت له لحية دون ثدي فذكر، قال محمد بن سحنون: لأن الأصل نبات الشعر من البيضة اليسرى.
أو نبت له ثدي دون لحية فأنثى، والمراد كبره، وشبهه لثدي النساء، كما قال ابن شاس، فإن نبتا معًا أو لم ينبتا فمشكل.
قال في الصحاح: الثدي يذكر ويؤنث، وهو للمرأة والرجل أيضًا، وجمعه أثد ووثدي على وزن فعول، وثدي أيضًا بكسر الثاء لما بعدها من الكسر.
وقيل: ينظر إلى عدد أضلاعه؛ لأن أضلاع المرأة ثمانية عشر من كل جانب، وأضلاع الرجل من الجانب الأيمن كذلك، ومن الأيسر سبعة عشر؛ لأن اللَّه لما خلق آدم ألقى عليه النوم، ثم أنسل من جانبه الأيسر ضلعًا، فخلق منه حواء.
أو حصل حيض من الفرج فأنثى، أو خرج منه مني وبول فذكر.
ابن هارون: فإذا احتلم وحاض نظر، فإن نبت له لحية فذكر، أو ثدي فأنثى، وإذا حصل شيء من هذه العلامات فلا إشكال، بل هو ذكر محقق أو أنثى.
ويقال (1): أول من حكم في الخنثى عامر بن ضرب العدواني كانت العرب في الجاهلية لا يقع لهم معضلة إلا اختصموا إليه ورضوا بحكمه، فسألوه يومًا عن الخنثى: أيجعله ذكرًا أو أنثى.
فقال: أخروني حتى انظر في أمركم، فواللَّه يا معاشر العرب ما نزل في مثل هذا بينكم.
فبات ليلته ساهرًا منكرًا، فلم يتوجه فيها أمر، وكانت له جارية، يقال لها: سخيلة ترعى له غنما، وكانت تؤخر الصراح والرواح، حتى يسبقها بعض الناس، وكان يعاتبها في ذلك، ويقول: أصبحت يا سخيلة، أمسيت يا سخيلة، فلما رأت سمره وقلقه، قالت له: مالك، لا أبا لك، ما عراك في ليلتك.
فقال: ويلك، دعيني، أمر ليس من شأنك.
ثم عادت له بمثل ذلك، فقال في نفسه: وعسى أن تأتي بفرج، فقال لها: اختصم إليّ في ميراث خنثى: آجعله ذكرًا أم أنثى؟ فواللَّه ما أدري ما أصنع.
فقال: سبحان اللَّه، لا أبا لك، اتبع القضاء.
فقال: فرجتها واللَّه يا سخيلة، أمسي بعدها أو أضحي.
ثم خرج حين أصبح فقضى بذلك، واللَّه سبحانه، وهو الموفق بمنه وكرمه، وختمناه بكليات تزيد على مائة، ذكرناها في الكبير.
وأقول كما قال مؤلف أصله: أسأل اللَّه أن ينفع به من كتبه، أو قرأه،
(1) هذه القصة كأني بها مختلقة.
أو حصله، أو سعى في شيء منه، ولنختم هنا بالدعاء المأثور عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع، ونفس لا تشبع، أعوذ بك رب من شر هؤلاء الأربع"(1).
* * *
والحمد للَّه وحده، وصلاته وسلامه على أشرف الخلائق النبي الأمي الصادق المصدق صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه وعترته، والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم. قال مؤلفه: وافق الفراغ من اختصاره من الشرح الكبير في اليوم المبارك: العاشر من شهر اللَّه المحرم عام ثلاثة وثلاثين وتسعمائة من الهجرة النبوية على مشرفها الصلاة والسلام
(1) أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 17، رقم 29126)، وأحمد (2/ 340، رقم 8469)، وأبو داود (2/ 92، رقم 1548)، والنسائي (8/ 263، رقم 5467)، وابن ماجه (2/ 1261، رقم 3837)، والحاكم (1/ 185، رقم 354) وقال: صحيح.