‌ ‌الإدغام (خ 1) * أبو البَقَاءِ (1) : الإِدْغام والادِّغام لغتان، والتخفيفُ أجودُ؛ إذ - حاشيتان لابن هشام على ألفية ابن مالك - جـ ٢

‌

‌الإدغام

(خ 1)

* أبو البَقَاءِ

(1)

: الإِدْغام والادِّغام لغتان، والتخفيفُ أجودُ؛ إذ لا زائدَ فيه على الأصل، والتشديدُ بسبب تاء "الافْتِعال"، و"أَفْعَلَ" و"افْتَعَلَ" يفترقان في الغالب، نحو: يصلح

(2)

، واصْطَلَح.

ع: وهو: النطق بحرفين من غير فصلٍ بينهما بحركةٍ ولا وقفٍ، فيرتفعُ اللسان عنهما ارتفاعةً واحدةً.

وفائدتُه: التخفيف، ورفعُ كُلْفة الرجوع إلى الموضع بعد الفراغ منه

(3)

.

* ع: إن كان مرادُه الإدغامَ الواجبَ؛ فبَقِي عليه: أوَّلُ مِثْلين مسكَّنٍ أوَّلُهما، أو الجائزَ؛ فقد ذَكَر الواجبَ بعضَه، وأَغْفل جميعَ الجائز إلا قليلًا

(4)

.

أولَ مثلين محركين في

…

كلمة ادغم لا كمثل صُفَف

(خ 2)

* قولُه: «مُحَرَّكَيْنِ» ؛ لأن الأول إن كان ساكنًا فالإدغام واجب في كلمةٍ وفي كلمتين، نحو: اضربْ بَكرًا.

وإن كان الثاني ساكنًا، وأريد التخفيف؛ حُذف الأول، نحو: عَلْمَاءِ

(5)

، ومن ذلك: ظَلْت، وأَحَسْت.

وكذلك إذا سكن ما قبل الأول صحيحًا، ولم يقبل التحريكَ، نحو: اسْتَطَاعوا، فإنك تحذف التاء، فتقول: اسْطَاعوا؛ لأن هذه السين لم تتحرَّك في وقتٍ، وقالوا أيضًا: بَلْعَنْبَر.

وبعضُهم قال: اسْتَاع، فهذا إما حَذَف الطاءَ، أو أبدلها تاءً بعد حذف التاء؛ لتوافقَ السينَ في الهمس، كما أبدلت الدال من التاء في: ازْدَان؛ لتوافق ما قبلَها في الجهر، وهذا واضح، وأما الحذف فيكون الحاذفُ قد حذف الحرفَ الأصليَّ؛ للتخفيف، كما قالوا: تَقَيْت، والأصلُ: اتَّقَيْت، حذفوا الفاءَ، فسقطت الهمزة، ولا يكون الأصلُ: وَقَيْت، فأبدل الفاء تاءً، كـ: تَيْقُور

(1)

، وتَوْلَج

(2)

؛ لقولهم في المضارع: يَتَقِي، قال

(3)

:

يَتَقِي بِهِ نَفَيَانَ كُلِّ عَشِيَّةٍ

(4)

ولم يَقُل: يَتْقِي، بالإسكان.

ونظيرُ: اسْتَاع: اسْتَخَذَ فلانٌ مالًا؛ يجوز أن يكون أصلُه: اتَّخَذ، فحذف الفاء

(5)

، أو أبدل التاء الأولى سينًا؛ لاجتماعهما في الهمس ومقاربةِ المخرج، كما قالوا في: طَسّ: طَسْت

(6)

، قال العَجَّاجُ

(7)

:

أَإِنْ رَأَيْتِ هَامَتِي كَالطَّسْتِ؟

(8)

والدليل على أن السين [الأصل]

(1)

قولُه

(2)

:

لَوَ عَرَضَتْ لِأَيْبُلِيٍّ قَسّ

أَشْعَثَ فِي هَيْكَلِهِ مُنْدَسّ

حَنَّ إِلَيْهَا كَحَنِينِ الطَّسِّ

(3)

(4)

* ع: لوجوب الإدغام شروطٌ، منها: للمُدْغَم ثلاثة:

عدم التصدُّر، فنحو: دَدَن

(5)

لا يدغم، وأما: تَتَكلَّم فمن باب الجائز.

وعدم وجوب تحريكه، فنحو: جُسَّس

(6)

لا يدغم.

وعدم سكون ما قبله، فنحو: اقْتَتَل، واسْتَتَر إنما يدغم جوازًا.

ومنها: للمُدْغَم فيه ثلاثة:

التحرُّك، فخرج: اشْدُدْ، ولم يَشْدُدْ؛ فمن باب الجائز، و: عَلَى الماء؛ فممتنع.

واللزوم، فخرج نحو: حَيِيَ، وعَيِيَ.

وعدم عُرُوض الحركة؛ احترازًا من: اخْصُصَ ابِي.

ولهما: أن يكونا مِثْلين في كلمة.

وللكلمة: أن لا تكون ذاتَ إلحاقٍ، ولا ذاتَ وزنٍ من أوزانٍ ثلاثةٍ

(7)

،

ولا اسمًا

على "فَعَل"

(1)

.

* امتنع الإدغام في: أَنَا نَذِير؛ لعلَّةِ امتناعِه في: جُسَّس، وهو أن النون من "أنا" واجبة الحركة؛ من حيثُ إنهم ألزموها ذلك؛ أَلَا تراهم زادوا الألف وقفًا؛ خشيةً عليها من الذهاب بالوقف؟ فلو أدغموها لسكونها

(2)

، وذلك مُنَافٍ لغرضهم، كما أن السين الثانية في: جُسَّس واجبةُ الحركة؛ من حيث هي مدغَمٌ فيها، فلم يمكن أن تدغم في الثالثة؛ لأن ذلك يقتضي إسكانَها

(3)

.

وذُلل وكلل ولبب

…

ولا كجُسَّسٍ ولا كاخْصُصَ ابي

(خ 1)

* ع: ضابطُ: «لَبَب»

(4)

أن يكون وُضِعَ على الحركة؛ لقصد وزنٍ يخصُّه، نحو: شَرَر، وطَلَل

(5)

، فلو أدغمت لم يُعلَم هل ذلك:"فَعْل" أو "فَعَل"؟ فأما نحو: شَدَّ، ومَدَّ؛ فإن فيه دليلًا، وهو أن الفعل الماضيَ لا يكون ثانيه ساكنًا.

فإن قلت: قد سبق

(6)

أن حركة العين تدل خصوصيَّتُها

(7)

على معنًى، وبالإدغام يَفُوت جنسُ الحركة.

قيل: ما في المضارع قد يدلُّ

(1)

عليها

(2)

.

* ع: ينبغي أن يستثني أيضًا: مثالَ "جَعْفَر" من: قَرَأَ، تقول: قَرْأَأٌ، ولا تدغم؛ لأن الهمزة لا تُدغَم آخِرًا، ولهذا تقول في مثال "قِمَطْر" من: قَرَأَ: قِرَأْي، بإبدال الثانية ياءً، ولا تدغم، بخلاف المتوسطة، كـ: سَآَّل، ورَأَىَّس

(3)

.

ولا كهَيْلَلٍ

(4)

وشَذَّ في أَلِلْ

…

ونحوه فكٌّ بنقل فَقُبِل

(خ 1)

* [«وشَذَّ في: أَلِل»]: قالوا: أَلِلَ السِّقَاءُ، إذا تغيَّرت رائحته

(5)

، وقَطِط الشَّعَر

(6)

، ومَشِشَت الدابَّةُ

(7)

، ولَحِحَتْ عينُه: الْتَصَقت

(8)

، وصَكِكَت الدابَّةُ، من: الصَّكَك في القوائم

(9)

، وقال الراجزُ

(10)

في الاسم:

إِنَّ بَنِيَّ لَلِئَامٌ زَهَدَهْ

مَا لِيَ فِي صُدُورِهِمْ مِنْ مَوْدِدَهْ

(1)

ومنه في الأفعال؛ للضرورة: قولُ قَعْنَبِ بنِ أُمِّ صَاحِبٍ:

مَهْلًا أَعَاذِلَ قَدْ جَرَّبْتُ

(2)

مِنْ خُلُقِي

…

أَنِّي أَجُودُ لِأَقْوَامٍ وَإِنْ ضَنِنُوا

(3)

أي: بَخِلوا

(4)

(5)

.

* في "الدُّرَّة"

(6)

: ويقولون: سارَرَ فُلانٌ فلانًا، وقاصَصَه، وحاجَجَه، وشاقَقَه، فيُبْرِزون التضعيف، كما يظهرونه في مصادر هذه الأفعال، فيقولون: المُسَارَرة، والمُشَاقَقة، ونحوه، فيَغْلَطون في جميع ذلك؛ لأن العرب لم تستعمل جميعَ ذلك إلا بالإدغام، ولا يفرِّقون بين الماضي وغيرِه، فيقولون: هو يُسَارُّ مُسَارَّةً، ويُحَاجُّ مُحَاجَّةً، كلُّ ذلك للتخفيف؛ ولأن

(7)

فكَّ الإدغام فيه بمنزلة اللفظ المكرَّر، والحديثِ المُعَاد، وقال الله تعالى:{يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ}

(8)

، فلم يفرّق في الآية بين الماضي والمضارع، ويقولون: تَصَامَّ عن الأمر، أي: أَرَى أنه أَصَمُّ

(9)

، وتَصَافَّ المصلُّون، وتراصُّوا، أي: تلاصَقُوا.

ثم قال: إلا أن يتصل بالفعل ضمير مرفوع.

ع: غيرُ واو

(1)

.

فيُفكُّ الإدغام؛ لسكون آخر المتماثلين.

ع: والإدغامُ لا يكون في ساكن. انتهى.

فتقول: رَدَدتُّ، ورَدَدْنا، وارْدُدْن، وقد يجوز الأمران في المفرد، نحو: رُدَّ، وارْدُدْ، وقَاصَّ، وقَاصِصْ، واقْتَصَّ واقْتَصِصْ، وكذا في المجزوم، نحو:{مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي}

(2)

، {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ}

(3)

، وجاء:{وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ}

(4)

، وفي موضع آخر:{وَمَنْ يُشَاقِقِ}

(5)

، ولا يجوز الفكُّ فيما عدا هذين الموطنين.

ع: ومما يستثنى مع الواو: ضميرُ الاثنين، نحو: رُدَّا؛ لأن آخر الفعل يجب تحريكٌ قبلَه؛ لئلا يلتقيَ ساكنان، ومتى تحرك وجب الإدغام.

وقد نصَّ على هذه الحَرِيريُّ

(6)

بَعْدُ، فقال: ومِنْ أوهامهم

(7)

: قولُهم للاثنين: اُرْدُدَا، والصواب: رُدَّا

(8)

، كما يقال للجمع: رُدُّوا؛ لتحرُّك آخر الفعل تحرُّكًا صحيحًا، وذلك يوجب الإدغام.

وكأنه تحرَّز بالتحرك الصحيح من حركة النقل

(9)

.

وحيي افكك وادغم دون حذر

…

كذاك نحو تتجلَّى واستتر

(خ 1)

* [«افْكُكْ وادَّغِمْ»]: من الإدغام:

عَيُّوا بِأَمْرِهِمُ كَمَا

…

عَيَّتْ بِبَيْضَتِهَا الحَمَامَهْ

(1)

وقال

(2)

مَنْ أظهر:

وَكُنَّا حَسِبْنَاهُمْ فَوَارِسَ كَهْمَسٍ

…

حَيُوا بَعْدَمَا مَاتُوا مِنَ الدَّهْرِ أَعْصُرَا

(3)

الأصلُ: حَيِيُوا، كـ: عَلِموا، فاستثقلت الضمة.

قال أبو البَقَاءِ

(4)

: ثم بعد ذلك اختَلفوا، فقيل: نقلت الضمة إلى الياء الأولى، ثم حذفت الثانية؛ لالتقاء الساكنين، وقيل: حذفت حركة الثانية، ثم حذفت الياء، ثم ضمت الياء الأولى.

ع: والأول أَوْلى

(5)

.

* [«افْكُكْ وادَّغِمْ»]: ع: شرطُ جواز الوجهين: أن تكون الياء الأولى مكسورةً، والثانيةُ لازمةَ الحركة، فأما نحو:{عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}

(6)

فليس فيه إلا الإظهارُ؛ لأن الحركة

-وإن كانت فيه- فإنها غير لازمة، وإنما هي طارئة بالإعراب، ولذلك تسكن في الرفع، والعارضُ لا يعتَدُّ به، وقد حكى الفَرَّاءُ

(1)

: يُحِيَّ بالإدغام، وأنشد فيه بيتًا مصنوعًا

(2)

، وهو مع ذلك شاذٌّ في القياس والاستعمال.

وإنما اشترطنا انكسارَ الأُولى؛ لأنها إن انفتحت انقلبت ألفًا، نحو: أَحْيا، واستَحْيا، وحَايا، الأصلُ:"أَفْعَلَ"، و"اسْتَفْعَل"، و"فَاعَل".

ولا يختص ذلك بالفعل، بل تقول: حَيَاء

(3)

وأَحْيِية، وعِيّ

(4)

وأَعْيِية، بالوجهين؛ لأن الحركة لازمة؛ لأنها حركة بناءٍ، وقد قيل: إن البيان في هذا النوع حَسَن؛ لأن الجمع فرع الواحد، والواحد عارٍ من الإدغام؛ لأن لام: حَيَاء انقلبت همزةً.

قال عبدُالقَاهِر

(5)

: وقالوا: مُعْيِية

(6)

، فلم يدغموا، وإن كانت الحركة حركةَ بناءٍ؛ لأن التاء عارضة، فكذا حركة ما قبلها؛ لأنها اجتُلبت لأجلها.

فإن قلت: فكذا: أَحْيِية.

قلت: تاء "أَفْعِلة" لازمة، لم تكن مسبوقةً بالعدم، لا يقال: أَجْرِب، ثم: أَجْرِبة

(7)

، ولا: أَحْيٍ، ثم: أَحْيِية، وتاء "مُفْعِلة" ليست ممَّا يُبنى عليها الاسمُ وتصاغ معه، إنما هي

زيادة دخلت لمعنًى، وهي تزول بزوال ذلك المعنى، فإذا أردتَّ وصف / المؤنث قلت: مُعْيِية، وإذا لم تُرِدْ قلت: مُعْيٍ.

وقالوا: تَحِيَّة، فأدغموا، ولم يَكَدْ يوجد فيها الإظهارُ، وظاهرُ الحال أنها بمنزلة: أَحْيِية؛ لأنها مصدرُ: حَيَّيْت، و"فَعَّلت" يجيء في مصدره:"التَّفْعِيل" و"التَّفْعِلة" في الصحيح، نحو: التَّكْرِيم والتَّكْرِمة، والتَّجْرِيب والتَّجْرِبة، ويغلب عليه "التَّفْعِيل"، وكذلك المعتلُّ الفاءِ والعينِ، نحو: وَقَّت تَوْقِيتًا، وقَوَّمَ تَقْويمًا، فإذا جئت إلى المعتل اللامِ اختص به "التَّفْعِلة"، نحو: رَبَّى تَرْبِيةً، وكذا المهموز اللامِ، نحو: هَنَّأت تَهْنِئةً، ولا يكاد يجيء "التَّفْعِيل" إلا نادرًا في شعر، كقوله

(1)

:

............................

…

تَنْزِيَّا

(2)

فـ: تَحِيَّة: "تَفْعِلة"، وأصلُها: تَحْيِية، كـ: تَكْرِمة، وحركةُ لامِها كحركة لام: أَحْيِية في أنها من جهة التاء.

فالظاهر يُوجب إجازةَ الأمرين فيها: البيان والإدغام، وقد أجاز ذلك أبو عُثْمانَ

(3)

، لكنَّه لا يوجد في السماع كما يوجد: أَحْيِية، والصحيح وجوب الإدغام؛ لأن تاء: تَحِيَّة عوض من ياء "التَّفْعِيل"، كتاء: إِقَامة، واستِقَامة، وتاءُ: أَحْيِية ليست عوضًا من شيء.

فتاءُ: تَحِيَّة تَفْضُل تاءَ: أَحْيِية في الاتصال بالكلمة، وفَرْطِ التمكُّن منها، وكلَّما كانت التاء أَلْزَمَ كانت الحركة أَلْزَمَ، فكان الإدغام أقوى؛ لأن الحركة هي الموجبة للإدغام كما عَلِمتَ، وأيضًا فـ: تَحِيَّة ليس فرعًا على شيء، بخلاف: أَحْيِية؛ فإنه فرع على

مفرده، ومفردُه يصحَّح، فحُمِل عليه، وأيضًا فـ: تَحِيَّة فرع على "التَّفْعِيل"، بدليل أنه الأصل المستمرُّ، وأنت لو قلت: تَحْيِي وجب الإدغام، فحمل: تَحِيَّة على أصله، فوجب إدغامه

(1)

.

(خ 2)

* [«افْكُكْ وادَّغِمْ»]: فإن قلت: فهلَّا ذَكَر: {أَتُحَاجُّونَنِي}

(2)

، و:{تَأْمُرُونَنِي}

(3)

ونحوَهما؟

قلت: المثلان في ذلك من كلمتين، لا من كلمة واحدة، والكلامُ في الثاني.

فإن قلت: فما العلَّةُ في: حَيِيَ؟

قلت: إنه كالمثلان

(4)

من كلمتين في عدم لزوم اجتماعهما، ومِنْ ثَمَّ صحَّحوا في: سَاوَيْت إذا بَنَيْته للمفعول: سُووِيَ، قال

(5)

:

بَانَ الخَلِيطُ وَلَوْ طُوْوِعْتُ مَا بَانَا

(6)

وقال العجَّاجُ:

وَفَاحِمٍ ذُوْوِي

(1)

حَتَّى اعلَنكسًا

(2)

-أو: اعكنكسا؛ ليُكْشَفْ

(3)

-.

فإن قلت: لم يصحَّ المثل الأول في ذلك لِمَا ذكرت من عروض اجتماع الحرفين، بل لأن الأول مفردٌ لِينٌ.

قلت: هذا إنما يَمنع من الإدغام في كلمتين، نحو: فِي يَدِه، و: ذُو وَفْرة

(4)

، وأما في الكلمة الواحدة فيجب الإدغام، نحو: مَرْضِيَّة، ومَدْعُوّ.

فإن كان الذي قبل حرف العلة فتحةً وجب الإدغام في كلمة وفي كلمتين، نحو: قَوَّ، وجَوَّ، وحَيَّ

(5)

، ومَصْطَفَوْ واقد، واغلاميّ

(6)

ياسر

(7)

.

* [«افْكُكْ وادَّغِمْ»]: في "شرح الغاية"

(8)

ما معناه: ولا فرقَ أن يكونا متطرفين، نحو: حَيِيَ، أو قبل ألفٍ ممدودة، نحو: أَحْيِيَاء، وأَعْيِيَاء، أو ألفٍ ونونٍ زائدتين، نحو أن تَبْنيَ من: حَيِيْت مثلَ "مفعلان"، نحو: محييان، أو قبلَ تاءِ التأنيث لَحِقتْ بناءَ جمعٍ،

نحو: أَحْيِيَة، وأَعْيِية، فيجوز الإدغام.

ويجب إن لَحِقتْ مفردًا عوضًا عن محذوفٍ، مثال ذلك: تَحِيَّة، أصلُه: تَحْيِية، على "تَفْعِلة"، فالتاء لَحِقت الاسمَ المفردَ؛ عوضًا عن ياء "تفعل"

(1)

، كـ: تَكْرِيم وتَكْرِمة، وزعم المازنيُّ

(2)

أن الإظهار في نحو: تَحِيَّة جائز؛ قياسًا على: أَحْيِية

(3)

.

* بعد قوله: «استَتَر» : مِنْ مسائل التَّمْرين: تقول في مثال "اغْدَوْدَن"َ من: رَدَدتّ: ارْدَوْدَدَ، ثم تنقل حركة الدال التي تلي الواوَ إليها؛ لتتمكَّن من الإدغام، ثم تدغم، فتقول: ارْدَوَدَّ.

وتقول في مثاله من: وَدِدتّ: اوْدَوْدَدَ، ثم تقلب الواوَ الأولى ياءً؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، ثم تنقل حركة الدال التي تلي الواوَ إليها، وتدغم، فتقول: ايْدَوَدَّ.

وتقول في مضارع هذا: يَوْدَوِدُّ، تردُّ الواو؛ لزوال الكسرة قبلها.

وتقول في المصدر: ايْدِيدَاد، تقلب الواو الأولى ياءً؛ لانكسار الهمزة قبلها، وقلب

(4)

واو "افْعَوْعَل" ياءً؛ لانكسار الدال التي قبلها، وينفكُّ إدغام الدالين؛ لفَصْل ألف "الافْعِيعال" بينهما، فتقول: ايْدِيدَادًا.

فإن بنيت مثلَ "اقْعَنْسَس"

(5)

[من]

(6)

: رَدَدتّ قلت: ارْدَنْدَدَ، ولم يجز لك من النقل والإدغام ما جاز في المثالين قبلهما

(7)

، كما لم يجز ذلك في: اقْعَنْسَس؛ لأنه وزن ملحق بـ: احْرَنْجَم

(8)

، والملحقُ لا يدغم كما قدَّمنا

(9)

في: هَيْلَلَ، وهذا بخلاف: اغْدَوْدَن؛

لأنه ليس بملحقٍ؛ إذ ليس في كلامهم مثلُ: احْرَوْجَم، فيكونَ هذا ملحقًا به

(1)

.

وما بتاءين قد ابتدي قد يُقتَصر

…

فيه على تا كتَبَيَّنُ العِبَر

(خ 1)

* ومذهبُ ص

(2)

أن المحذوف الثانيةُ؛ لأنها التي حصل بها الثقل، ومذهبُ هِشامِ بنِ مُعَاويةَ الضَّرِيرِ

(3)

أن المحذوف الأولى. من "البَحْر"

(4)

(5)

.

وفك حيث مُدْغَم فيه سَكَن

…

لكونه بمضمر الرفع اقترن

نحو حَلَلْتُ ما حَلَلْتَه وفي

…

جَزْمٍ وشِبْه الجزم تخيير قُفِي

(خ 1)

* الفعل المضارع غيرُ المجزوم نحو: هو يَرُدّ أجمعت العرب على وجوب إدغامه، وكذا: لن يَرُدّ؛ لأن الحرفين في النصب والجر

(6)

متحركان، فأشبه المضارعُ الماضيَ من نحو: رَدَّ، وفَرَّ، وعَضَّ، وأما المجزوم، نحو: لم يَرُدّ فإن بني تَمِيمٍ يدغمونه؛ لثقل اجتماع الساكنين، وأهلَ الحجاز لا يدغمون

(7)

، وكذا في الأمر، لا يقول الحجازيون إلا: ارْدُدْ، والتميميُّون يقولون: رُدّ، ويرون أن في الإدغام ثلاثةَ أعمال: تسكين الأول، وإدغامه في الثاني، وتحريك الثاني

(8)

.

وفكُّ أفعِل في التعجب التُزِم

…

والتُزِمَ الإدغامُ أيضا في هَلُم

(خ 1)

* إنما أجمعوا على الإظهار في: أَفْعِلْ به؛ لأنه موضعٌ قد صحَّ فيه المعتلُّ، نحو: أَقْوِلْ بزيد، فإذا كانوا قد صحَّحوا في المضاعف حيث أعلُّوا الواوَ والياءَ، نحو: طَلَل، وشَرَر، وباب، وَدار، فأن يُصَحّحوا المضعَّف في نحو: أَشْدِدْ به، حيث صحَّحوا المعتلَّ؛ أَوْلى، هذا مع أن الأصل في هذا الضرب الإظهارُ، وهي لغة الحجاز

(1)

، يسكنون الحرفَ المدغمَ فيه، وحكمُ المدغم فيه أن يكون محركًا؛ لِمَا يلزم من إسكان المدغم فيه.

وأما إعلالهم: ما أَشَدَّهم مع تصحيحهم: ما أَقْوَلَه؛ فلأنه كان يلزم أن يتوالى فيه المثلان بالحركة، ولأن هذا المثال لو كان اسمًا لأُدغم، أَلَا ترى أن بابَ: أصَمَّ ونحوِه كلَّه يُدغم إلا: أَلْبَبٌ

(2)

؟ ومِنْ ثَمَّ قالوا: زيدٌ أَشَدُّ منك، وعمرٌو أَقْوَلُ منه، فصحَّحوا هذا، وأدغموا ذاك. من "تَذْكِرة"

(3)

الفارسي

(4)

.

(خ 2)

* [«وفَكُّ "أَفْعِل"»]: كقوله

(5)

:

.........................

…

وَأَحْبِبْ إِلَيْنَا أَنْ نَكُونَ المُقَدَّمَا

(6)

وقولِه

(7)

:

أَعْزِرْ عَلَيَّ بِأَنْ أُرَوِّعَ نبهها

(1)

…

أَوْ أَنْ يَذُقْنَ عَلَى يَدَيَّ حِمَامَا

(2)

وأجاز الكِسَائيُّ

(3)

فيه الإدغامَ، فيقول: أَحِبَّ بزيد، وأَعِزَّ بهند، وهذا غير مسموع

(4)

.

* لِيُنْظَرْ في هذه المسألة: وهي أن فعلَيْ التعجب اشتركا في وجوب التصحيح إن كانا معتلَّيْ العين، نحو: ما أَقْوَلَه، وأَقْوِلْ به، وافترقا في مسألة الإدغام إن كانت العين واللام من وادٍ واحد، فـ"أَفْعَلَ" يدغم ولا بدَّ، نحو: ما أَعَزَّه، و"أَفْعِلْ" يُفكُّ، نحو: أَعْزِزْ به، ولهذا قال النَّاظم

(5)

في تلك المسألة: «ما لم يكنْ فِعْلَ تعجُّب» ، وقال في هذه:«وفَكُّ "أَفْعِل"»

(6)

.

* [«"هَلُمّ"»]: مِنْ "خَصَائِص"

(7)

أبي الفَتْح: هي مركَّبة عند الخَلِيل

(8)

من "ها لُمَّ"، أي: لُمَّ بنا، ثم كثُر استعمالها، فحذفت الألف تخفيفًا، ولأن اللام بعدها في حكم السكون؛ لأن أقوى اللغتين الحجازيةُ

(9)

، وهي: اُلْمُمْ.

وقال الفَرَّاءُ

(10)

: أصلُها: "هَلْ" زجرٌ وحثٌّ، و"أُمَّ"، فأُلزمت الهمزةُ من: أُمَّ التخفيفَ.

وردَّه أبو عَلِيٍّ

(1)

بأنه لا معنى هنا للاستفهام، والجوابُ: أنه إنما زعمها زَجْرًا

(2)

.

* إنما التُزم الإدغام في "هَلُمَّ"؛ لأنها عند الحجازيين اسمُ فعلٍ، وهم يدغمون في المضارع المجزومِ والأمرِ، ففي الاسم أَجْدرُ، وأما التميميُّون

(3)

فإنه -وإن كان عندهم فعلًا- ولكنَّهم يظهرون في الفعل، فهذا على قاعدتهم، وهذا أَوْلى من تعليلهم بالتركيب، فافْهَمْه

(4)

.

وما بجمعه عُنِيتُ قد كَمَل

…

نظمًا على جُلِّ المُهِمَّات اشتمل

أحصى من الكافية الخُلَاصه

…

كما اقتضَى غِنًى بلا خصاصَه

فأَحْمَدُ الله مصليًا على

…

محمدٍ خيْر نبي أُرْسِلا

وآلِهِ الغُرِّ الكِرَامِ البَرَره

…

وصَحْبِهِ المنتجَبينَ الخِيَره

(خ 2)

* تُوُفِّي الشيخُ جَمَالُ الدِّينِ النَّاظِمُ لهذه "الخُلاصة" رضي الله عنه قُبَيل الصبح، من يوم الأربعاء، ثاني عشرَ شعبانَ، سنة اثنتين وسبعين وستمائة، بدمشق المحروسة، بالعادِليَّة

(5)

، وصُلِّي عليه وقتَ الظهر، بالجامع الأُمَويِّ، ودُفِن في جبل قَاسِيُون

(6)

، في تُرْبة القاضي عِزِّ الدِّينِ

(7)

(8)

.

نَجِزَتِ الخُلَاصةُ

بحمدِ اللَّه تَعالى وعونه

على يد عبدالله بن يوسف بن هشامٍ عفا الله تعالى عنهم