‌ ‌البدل التابع المقصود بالحكم بلا … وَاسِطَةٍ هو المسمى بَدَلا   (خ 1) * - حاشيتان لابن هشام على ألفية ابن مالك - جـ ٢

‌

‌البدل

التابع المقصود بالحكم بلا

…

وَاسِطَةٍ هو المسمى بَدَلا

(خ 1)

* هذا الحدُّ أَوْلى من قول ابن الحاجِبِ

(1)

: تابعٌ مقصودٌ بما نُسِب إلى المتبوع دونَه؛ لورود: قام زيدٌ بل عمرٌو، و: اضرب زيدًا بل عمرًا.

ويدلُّ على أن البدل هو المقصود بالحكم لا ما قبلَه: بدلُ البعضِ والاشتمالِ والغلطِ، فدلَّ ذلك في بدل الكُلِّ على أنه كذلك، فهذا ما يجاب به عن مَنْ

(2)

عسى أن يقول: لا نُسلِّمُ أن البدل هو المقصود دون الأول.

وقد يقال

(3)

: إن بدل الكُلِّ مع الثاني كشيءٍ واحدٍ

(4)

، فمُحَالٌ أن يكون الشيءُ مرادًا وغيرَ مرادٍ.

فيجاب بأنَّا أردنا الثانيَ بالنسبة، وإن

(5)

كان الأولُ بمعناه، ولا مانعَ من ذلك

(6)

.

* قال الزَّمَخْشَريُّ

(7)

: وقولُهم: إنه -يعني: البدلَ- في حكم تَنْحِية الأول؛ إيذانٌ منهم باستِقْلاله بنفسه.

فكتب عليه الأُسْتاذُ: هذا تفسيرٌ جيدٌ لقول مَنْ يقول: إن الأول في نية الطَّرْح، وهذا قولُ أبي عُثْمانَ

(8)

، وقَلَّ مَنْ يتلقَّاه على هذا، بل يجعلونه خلافًا، فَعَلَ ذلك أبو

العَبَّاس

(1)

، ونَسَب ابنُ بَابَشَاذَ

(2)

القولَ بأنه لغوٌ إلى أبي العَبَّاس، وغَلِط فيه. مِنْ "حَوَاشيه"

(3)

رحمه الله تعالى

(4)

.

(خ 2)

* اعلم أن ابن الناظِم

(5)

لم يُحسِنْ شرحَ هذا الحدِّ، بل الناظمُ نفسُه لم يُحسِنْ شرحَ كلامِ نفسِه؛ فإنه شَرَحه في "شرح الكافِية"

(6)

شرحًا فاسدًا، وتلقَّفُه ابنُه منه، فقِفْ على كلامهما، واعلمْ أن الصواب ما أنا ذاكرُه.

وهو أن قوله: «التابع» جنسٌ يشمل التوابعَ كلُّها.

وقولَه: «المقصود بالحكم» فصلٌ مُخرجٌ للنعت والتأكيدِ والبيانِ؛ لأنها مُكمِّلةٌ للمقصود بالحكم، وليست عينَ المقصود بالحكم.

وللمعطوف بـ"لا" و"لكن"؛ لأن المقصود بالحكم في: جاء زيدٌ لا عمرٌو؛ المتبوعُ لا التابعُ، وكذا في: ما جاء زيدٌ لكن عمرٌو، و: لا تضربْ زيدًا لكن عمرًا؛ لأنَّا نعني بالمقصود بالحكم: المقصودَ بعاملِ المبدَلِ منه نفيًا كان أو إثباتًا، لا: المقصودَ بإثبات الحكم؛ أَلَا ترى أن قولك: ما جاءني زيدٌ أخوك؛ من باب البدل قطعًا؟ لأن "أخوك" هو المقصود بالحكم السابق، وهو نفي القيام، فافْهَمْه، وقع

(7)

الغلط لهما ولِمَنْ وافقهما، وكذلك المعطوف بـ"لكن" في المعنى، كما تقدَّم مشروحًا في الباب

(8)

قبل هذا.

و: «بلا واسطةٍ» مُخرِجٌ لبقية المعطوفات؛ فإن قولك: جاء زيدٌ وعمرٌو؛ يَصدُق فيه على "عمرو" أنه تابع مقصودٌ بالحكم، لكن بواسطةٍ، وكذا الباقي، ومنه: المعطوف

بـ"بل" بعد أمرٍ أو خبرٍ مثبَتٍ.

وتلخَّص أن الحدَّ مانعٌ، وأن المنسوقَ لا يَخرُجُ بفصلٍ واحدٍ، بل بفصلَيْن

(1)

.

* لِكَوْن البدل هو المقصودَ بالحكم كان الكثيرُ أن يكون هو المعتمدَ بما يَرِدُ بعده من ضميرٍ وغيرِه، نحو: إن هندًا حُسْنُها فاتِنٌ، وإن زيدًا نَجَابَتُه بيِّنةٌ، وإن هندًا طَرْفُها غَنِجٌ، وقُرئ

(2)

: {تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهَهُمْ مُسْوَدَّةً}

(3)

، على أن "مُسْوَدَّةً" حالٌ، ولم يَقُل: مُسْوَدِّين، وقال الشاعر

(4)

:

فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكَ وَاحِدٍ

(5)

ونَدَرَ عكسُه، نحو:

إِنَّ السُّيُوفَ غُدُوَّهَا وَرَوَاحَهَا

…

تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأَعْضَبِ

(6)

(7)

مطابقا أَو بَعْضًا او ما يُشْتَمل

(1)

…

عَلَيْه يُلْفَى أَو كمعطوفٍ ببلْ

(خ 1)

* قولُه: «أو ما يشتمل» : قال ابنُ عُصْفُورٍ

(2)

: إنهم اختَلفوا في تفسير بدل الاشتمال؛ فقال الزَّجَّاجُ

(3)

: هو الذي يكون صفةً للأول، كـ: أعجبني زيدٌ عِلْمُه، ويُبطله نحو: أعجبني زيدٌ فرسُه.

وقيل: هو المشتمل

…

(4)

الأوَّل والمحيطُ به، و

…

(5)

نحو: سُرِق عبدُالله ثوبُه؛ لأن "الثوب" يشتمل على "عبدالله" ويُحيط به، ورُدَّ بـ: سُرق زيدٌ فرسُه.

والحقُّ أنه ما اشتَمل متبوعُه عليه، وأعني بذلك: أنه يجوز الاكتفاءُ بالمتبوع عنه، نحو: سُرق عبدُالله ثوبُه، أو: فرسُه؛ لأنه قد يقال: سُرق عبدُالله، وأنت تعني الثوبَ، ومنه:{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ}

(6)

؛ لأنه يجوز أن لا تذكر النار؛ لأنه قد عُلم أن قتلهم للنار التي أعدُّوها في الأخدود لحَرْق المؤمنين والمؤمنات، لا للأخدود نفسِه، وتقول: أعجبني زيدٌ حُسْنُه، ولا يجوز: أعجبني زيدٌ غلامُه؛ لأنه لا يجوز: أعجبني زيدٌ، وأنت تريد: غلامه.

ولا يكفي في بدل الاشتمال كونُ الثاني يُفهَم من الأول، بل لا بدَّ أن يجوز

استعمالُ

(1)

الأوَّل وَحْدَه، فلا تقول: أَسْرَجت

(2)

القومَ دابَّتَهم، وإن كان قد عُلم أنك إذا قلت: أَسْرَجت القومَ؛ أنك إنما أسرجت دابَّتَهم، لكنه لا يجوز: أَسْرَجت القومَ، وتقول: سُرق زيدٌ ثوبُه؛ لأنك قد تقول: سُرق زيدٌ، وتعني: ثوبَه

(3)

.

* ع: مِن بدل الاشتمال: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ}

(4)

، أي: يستبشرون بأن لا خوفٌ عليهم

(5)

.

(خ 2)

* ع: اعلم أن البدل ينقسم باعتبار مفهومه ومفهومِ متبوعه أربعةَ أقسامٍ؛ لأنهما إما أن يتطابقا، وهو بدل كلٍّ من كلٍّ، كـ: جاز

(6)

زيدٌ أخوك، ومنه:{الْحَمِيدِ * اللَّهِ}

(7)

، أو لا يتطابقا، وهذا ضربان؛ لأنهما إما أن يكون بينهما نسبةٌ، أو لا، والأول ضربان؛ لأنهما إما أن يتباينا، أو لا، فإن لم يتباينا؛ فإن كان تناسبُهما بالجزئية فبدلُ البعض، أو غيرِها فبدلُ اشتمالٍ، وإن تباينا؛ فإن كنت قد سَبَقَك اللسانُ إلى الأول فغلطٌ، أو الجَنَانُ فنسيانٌ، وإن لم يَسبقْ فإضرابٌ وبدل

(8)

.

أو نقول في المتباينَيْن: فإما أن يكونا مقصودَيْن فإضرابٌ، أو المقصودُ الثانيَ، والأولُ لم يُقصَد قطُّ فغلطٌ، أو المقصودُ الثانيَ، والأولُ قُصد سهوًا فنسيانٌ.

وصرَّح ابنُه

(9)

بأن الغلط هو النسيان، فقال: بدلُ الغلط والنسيان: ما لا يُريد

المتكلِّم ذكرَ متبوعِه، بل يجري على لسانه من غير ما قصدٍ

(1)

.

* مِن البدل المطابِق: بدلُ التفصيل، ومنه: قولُ ابنِ عَبَّاسٍ: أَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نَسجُدَ على سبعةِ أَعْظُمٍ: الكفين، والركبتين، والقَدَمين، والجبهةِ

(2)

، وقولُ الشاعر

(3)

:

وَكُنْتُ كري

(4)

رِجْلَيْنِ

(5)

…

...

ع: ومنه: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً}

(6)

، "إِخوةً" خبرٌ، وما بعده بدلٌ منه بدلَ تفصيلٍ، فا

(7)

: وجاز؛ لأن "الإخوة" يشمل الذكرَ والأنثى على التغليب، وإنما الأنثى إذا انفردت: الأخواتُ

(8)

.

* قولُه فيما تقدَّم

(1)

: «أو بَعْضًا» : نحو: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}

(2)

(3)

.

* قولُه فيما تقدَّم

(4)

: «أو ما يشتمل عليه» : وذلك نحو: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}

(5)

، أو مفعولٌ لأجله، أي: كراهةَ أن يُذكَر، أو التقديرُ: مِنْ أن يُذكَر، كما تقول: منعت زيدًا من كذا، ففي موضع "أَنْ" الخلافُ

(6)

المشهورُ

(7)

.

* مِن مُثُل بدل الاشتمال: {مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ}

(8)

،

…

(9)

مريم، قال ز

(10)

: لأن الأحيان مشتمِلةٌ على ما فيها، وفيه أن المقصود بذكر مريمَ ذكرُ وقتِها هذا؛ لوقوع هذه القصة العجيبةِ فيه

(11)

.

* قولُه: «أو كمعطوفٍ بـ"بَلْ"» : قالوا: والأحسنُ أن يُستعمل معطوفًا بـ"بَلْ"، وفيه نظرٌ على ما تقرَّر من معنى المعطوف بـ"بَلْ" في

(12)

، فنحو: جاءني زيدٌ بل حمارٌ؛ ماشٍ هنا، بخلاف: أكلت سمكًا بل تمرًا بل زبيبًا؛ فإنه يقتضي أن الذي أكلته ليس سمكًا ثم

(13)

(14)

.

وذا للاضْرابِ اعْزُ إِن قَصْدًا صَحب

…

ودُونَ قَصْدٍ غلَطٌ به سُلِب

(خ 1)

* ابنُ عُصْفُورٍ

(1)

: بدل الغلط والنسيان لم يَرِدْ بهما سماعٌ، وإنما أجازهما النحاة بالقياس.

والأحسنُ فيهما أن تأتي بـ"بَلْ"؛ لئلا تُتَوَهَّمَ الصفةُ إذا قلت: مررت برجلٍ حمارٍ، وأنك أردتَّ: برجلٍ جاهلٍ.

ومِن النحاة مَنْ زعم أن ذلك قد وَرَد، واستدلَّ بقول ذي الرُّمَّة:

لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ

…

وَفِي اللِثَاتِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَبُ

(2)

؛

لأن الحُوَّة السَّوادُ الخالص

(3)

، واللَعَسَ سوادٌ يضرب إلى الحمرة

(4)

، ولا حجَّةَ فيه؛ لاحتمال أن يكون اللَعَسُ صفةً لـ"حُوَّة"، كأنه قيل: حُوَّةٌ لَعْسَاءُ، أي: حُوَّةٌ مَشُوبةٌ بحُمْرة.

واختُلف في بدل البَدَاء، كما حكى أبو زيدٍ

(5)

: أكلت لحمًا سمكًا تمرًا، في قول مَنْ أراد الإخبار بأكل اللحم، ثم بدا له الإخبارُ بأكل السمك، ثم بالتمر، وقولِ الشاعر

(6)

:

مَا لِيَ لَا أَبْكِي

(7)

عَلَى عِلَّاتِي

صَبَائِحِي غَبَائِقِي قَيْلَاتِي

(1)

فقيل: إنه من باب البدل، وقيل: من باب العطف، وحُذف العاطفُ، والحقُّ أن الوجهين ممكنان.

والذي يُستدل به على إثبات بدل البَدَاء: قولُه عليه الصلاة والسلام: «وما كُتب له نصفُها ثلثُها» إلى: «عشرُها»

(2)

؛ إذ ليس المراد: ما كُتب له النصفُ مع الثلث، وكذا الباقي؛ لأن ذلك ليس لشخصٍ واحدٍ

(3)

.

* وفي الحديث: «إن الرجل ليصلي الصلاةَ وما كُتب له ثلثُها ربعُها خمسُها سدسُها ثمنُها تسعُها عُشرُها»

(4)

، وحَمَلوا عليه قولَ عُمَرَ رضي الله عنه لحَفْصَةَ: «لا يَغُرَنَّكِ هذه التي أعجبها حُسْنُها حُبُّ رسولِ الله

(5)

صلى الله عليه وسلم إيَّاها»

(6)

، وقد قيل: إنه

(7)

بدلٌ من "هذه" بدلَ اشتمالٍ

(8)

.

كزُرْهُ خَالِدًا وقَبِّلْه اليَدا

…

واعرِفْه حَقَّهُ وخُذْ نبلًا مُدَا

(9)

(خ 2)

* {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ}

(1)

: فا

(2)

: يجوز كون "ذلك" الثانيةِ بدلًا من الأولى، ولا يجوز في "بما عَصَوا" إبدالُه من "بأنهم كانوا يكفرون"؛ لأن "بما عَصَوا" أعمُّ.

فا

(3)

: يجوز في: {أَمَنَةً نُعَاسًا}

(4)

كونُ الثاني بدلًا أو مفعولًا به، والأَمَنَةُ مفعولٌ له، أي: أنزل الأَمَنَةَ نعاسًا، ويجوز العكسُ، أي: أنزل النعاسَ أَمَنَةً

(5)

.

ومن ضميرِ الحاضِرَ

(6)

الظاهرَ لا

…

تُبدِلْهُ إِلّا ما إِحَاطَةً جَلَا

(خ 1)

* أجاز الكوفيون

(7)

والأَخْفَشُ

(8)

ذلك دون شرطٍ، قال

(9)

:

بِكُمْ قُرَيْشٍ كُفِينَا كُلَّ مُعْضَلَةٍ

(10)

…

وَأَمَّ نَهْجَ الهُدَى مَنْ كَانَ ضِلِّيلَا

(11)

وأعرب الزَّمَخْشَريُّ

(1)

: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ}

(2)

بدلًا من "لكم"، وهو موافق لقول الجماعة

(3)

.

* إنما لم يُبدل من ضمير الحاضر بدلَ شيءٍ من شيءٍ؛ لأن فائدة بدلِ الشيء من الشيء إزالةُ اللبس، وهذا لا

…

(4)

بخلاف ضمير الغائب.

والأَخْفَشُ

(5)

أجازه مستدلًّا بالسماع، كقوله: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ [إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ]

(6)

الَّذِينَ خَسِرُوا}

(7)

، وهو عندنا مستأنف، وقولُه

(8)

:

…

... فَاعْرِفُونِي

…

حُمَيْدًا

(9)

…

... ....

(10)

عندنا على الاختصاص، أو بتقدير: أعني.

وبالقياس على ضمير الغائب؛ لأنه لا لبسَ فيه أيضًا، ولهذا لم يُنعتْ، قلنا: لم

نمتنع من نعته لأنه لا

…

(1)

فيه؛ بل لأنه قائم مقامَ ما لا يُنعت، وهو الظاهر المكرَّر، وأما الذي منعْنا نعتَه؛ لأنه لا يُلبس: ضميرُ الحاضر، وأما ضمير الغائب فإنه إن

…

(2)

على ملبِس كان مثلَه، أو على غير ملبِسٍ فهو غير ملبِسٍ.

ع: وإنما أجزنا بدلَ الإحاطة من ضمير الحاضر؛ لأنه ليس للبيان، بل للتأكيد،

…

(3)

من نصَّ عليه إلا ابنَ مالِكٍ

(4)

؛ فإنه محل وفاقٍ، وهو الحقُّ، وهو ظاهرُ قولِ ابنِ عُصْفُورٍ

(5)

؛ لأنه علَّل المنعَ بأنه لا إلباسَ فيُرفعَ، وهذا لا يقال في

…

(6)

(7)

.

* اشتَرط أهل بَغْدَادَ

(8)

في إبدال النكرة من غيرها أن تكون من لفظ الأول، قالوا: لم يُسمع إلا كذلك، كقوله تعالى:{بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ}

(9)

، وقولِ الشاعر

(10)

:

وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٍ

(11)

…

واشتَرطوا أيضًا أن تكون موصوفةً، ووافقهم على هذا الشرط أهلُ الكوفة

(12)

.

و

…

(1)

أنه لا يُشترط أكثرُ من أن يكون مفيدًا، قال الشاعر

(2)

:

فَلَا وَأَبِيكَ خَيْرٍ مِنْكَ إِنِّي

(3)

فـ"خيرٍ منك" بدلٌ لا صفةٌ؛ لأنه نكرة، و"أبيك"

…

(4)

، وقال الآخَر

(5)

:

إِنَّا وَجَدْنَا بَنِي جِلَّانَ كُلِّهِمِ

…

كَسَاعِدِ الضَّبِّ لَا طُولٍ وَلَا قِصَرِ

(6)

فـ"لا طُولٍ ولا قِصَرِ" نكرتان، وهما بدلان

…

(7)

"ساعد الضبِّ"، ولم ينعتا، ولا هما من لفظ الأول، ولا يجوز أن يكونا نعتين؛ لأن "ساعد الضبِّ" معرفةٌ، وأيضًا فإن قولك: بمحمدٍ رجلٍ؛ مفيدٌ؛ لأنه يمكن أن يكون "محمد" اسمَ امرأةٍ؛ لأن الرجل قد يُسمَّى باسم المرأة، وكذا المرأةُ تُسمَّى باسم الرجل، قال الشاعر

(8)

:

تَجَاوَزْتُ هِنْدًا رَغْبَةً عَنْ قِتَالِهِ

…

إِلَى مَلِكٍ أَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ

(9)

وقال الآخَرُ

(1)

:

يَا جَعْفَرٌ يَا جَعْفَرٌ يَا جَعْفَرُ

إِنْ أَكُ دَحْدَاحًا فَأَنْتِ أَقْصَرُ

(2)

(3)

(خ 2)

* كيف تصنعُ بما جاء في الذِّكر المشهور

(4)

: «خَشَعَ لك سمعي وبصري ومُخِّي وعظمي وشَعْري وبَشَري وما استقلَّت به قدمي لله رب العالمين» ؟

(5)

* بَقِي عليه: والأبدال

(6)

: الغلط والنسيان والإضراب.

والحاصلُ أنه لا يمتنع إلا في بدل كلٍّ من كلٍّ إذا لم يُفِد الإحاطةَ

(7)

.

* فائدةُ البدل في: {صِرَاطَ الَّذِينَ}

(8)

؛ ولم يقل من أوَّل الأمر بغير متبوعٍ: التأكيدُ؛ لِمَا فيه من التثنية والتكريرِ والإشعارِ بأن الطريق المستقيم بيانُه وتفسيرُه: صراط المسلمين؛ ليكون ذلك شهادهم

(9)

لصراطهم بالاستقامة على أبلغ وجهٍ وآكدِه، كما تقول: هل أدلُّك على أكرم الناس وأفضلهم فلانٍ؟ فهذا أبلغُ من قولك: هل أدلُّك على فلانٍ الأكرمِ الأفضلِ؟ لأنك ذكرته مجملًا ومفصَّلًا، وأوقعت "فلانًا" تفسيرًا له،

وكأنك قلت: مَنْ أراد الجامعَ لهاتين الخصلتين فعليه بفلانٍ، فهو المعيَّن لاجتماعهما

(1)

.

* أنشد القاليُّ

(2)

، عن ابن الأَنْباريِّ، عن ثَعْلَبٍ، للفَرَزْدَق

(3)

:

يُفَلِّقْنَ هَا مَنْ لَمْ تَنَلْهُ سُيُوفُنَا

…

بِأَسْيَافِنَا هَامَ المُلُوكِ القَمَاقِمِ

(4)

قال ثَعْلَبٌ: "ها" تنبيهٌ، والتقدير: يُفلِّقنَ بأسيافنا هامَ الملوك القَمَاقم، ثم قال:"ها" للتنبيه، ثم استَفهَم، فقال: مَنْ لم تَنَلْه سيوفُنا؟

قال ابنُ دُرَيْدٍ

(5)

: سمعت شيخًا منذُ حينٍ يعيب هذا، ويقول:"هامًا" جمعُ هامةٍ، و"هامَ الملوك" مردودٌ على "هامًا"، كما قال الله تعالى:{إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ}

(6)

.

قال أبو عَلِيٍّ القاليُّ: فاحتَجَجتُ عليه بقوله: "تَنَلْه"، ولو أراد الهام لقال: تَنَلْها؛ لأن العرب لم تؤنث "الهامَ"، لا يقولون: الهامُ فَلَقْته، كما قالوا: النخلُ قطعته، و: قطعتها.

قال أبو عُبَيْدٍ البَكْريُّ

(7)

: لم يُوفَّقْ في هذا الاحتجاج، كيف وهو يروي قولَ النابِغة:

بِضَرْبٍ يُزِيلُ الهَامَ عَنْ سَكَنَاتِه

وقولَ عَنْتَرةَ

(1)

:

بِضَرْبٍ

مثلَه؟

وتمامُ الأول:

وَطَعْنٍ كَإِيزَاغِ المَخَاضِ الضَّوَارِبِ

(2)

وتمامُ الثاني:

وَيَنْقَعُ مِنْ هَامِ الرِّجَالِ بِمَشْرَبِ

(3)

والتذكير هو المعروف، وإنما المنكَر فسادُ المعنى، كيف يقول: لم ينله سيوفُنا؛ ثم يقول: بأسيافنا؟

فإن قيل: أراد: لم تنله، ثم نالته.

فهذا معنًى لا يشكُّ أحدٌ فيه؛ إذ من المعلوم أن ما نِيل اليومَ لم يكن أمسِ مَنِيلًا، ومَنْ قُتل اليومَ لم يكن أمسِ مقتولًا.

وهذا الشعر يقوله الفَرَزْدَقُ في قتل وَكِيعٍ

(4)

قُتَيْبةَ

(5)

بنَ مُسْلِمٍ، وقبلَ البيت:

فِدًى لِسُيُوفٍ مِنْ تَمِيمٍ وَفَى بِهَا

…

رِدَائِي وَجَلَّتْ عَنْ وُجُوهِ

…

(1)

شَفَيْنَ حَزَازَاتِ الصُّدُورِ وَلَمْ تَدَعْ

…

عَلَيْنَا مَقَالًا فِي وَفَاءٍ لِلَائِم

يلقن

(2)

البيتَ

(3)

، والأَهَاتِمُ: آلُ الأَهْتَمِ

(4)

بنِ خالد بنِ مِنْقَرٍ

(5)

.

أو اقتضَى بَعضًا أَوِ اشْتِمالا

…

كإِنَكَ ابتِهاجَك اسْتَمالا

(خ 2)

* قولُه: «أو اشتِمَالا» وقولُه: «استَمَالا» : هذا من الجناس المسمَّى بالمُصَحَّف

(6)

، وسيجيء مثلُه في "النُّدْبة"

(7)

(8)

.

وبَدَلُ المُضَمَّنِ الهمزَ يَلِي

…

همْزًا كمن ذا أَسَعِيدٌ أَم علي

(خ 1)

* قال الزَّمَخْشَريُّ

(1)

في: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ / الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي}

(2)

: / إن "أَرُوني" بدلٌ من "أرأيتم"؛ لأنه بمعنى: / أخبروني عن هؤلاء الشركاء وعن ما استَحقُّوا به الإلهيةَ / والشركةَ؛ أروني أيَّ جزءٍ من / أجزاء

(3)

الأرض استَبَدُّوا بخَلْقه دون الله، أم لهم مع / الله شركةٌ في خلق السموات، / أم

(4)

معهم كتابٌ من عند الله ينطق بأنهم شركاؤه، / فهم على حجة وبرهان من ذلك / الكتاب؟

وقال مَنْ

(5)

رَدَّ عليه: هذا البدل لا يصح؛ / لأنه إذا أُبدل مما دخل عليه /

…

(6)

الاستفهام فلا بدَّ من دخول الأداة على / البدل.

ع: لا نُسلِّم ذلك؛ إذا /

…

(7)

الاستفهام ليس على طريقه؛ لأن "أرأيتم" قد / فسَّرها س

(8)

وغيرُه من العلماء /

…

(9)

أخبرني، فزال هذا المعنى.

قال: وإبدالُ / الجملة من الجملة لم يصح في كلامهم. /

(10)

لا مانعَ منه إن سلَّمنا أنه لم يُعهَد، ولا / ينبغي أن يَتَوقَّف على السماع / إذا كان ظاهرُ الصناعة يأباه. /

قال: والذي أختارُ: أن "أرأيتم" /

…

(1)

أخبروني، وهي تطلب مفعولين أحدُهما / منصوبٌ، والآخرُ مشتمِلٌ على استفهامٍ، / كقولهم

(2)

: أريتك زيدًا ما صنع؟

(3)

/ فالأول: "شركاءكم"، والثاني:"ماذا خلقوا"، و"أروني" اعتراضٌ / وتسديدٌ وتأكيدٌ. /

ويَحتمل أن يكون من باب الإعمال؛ لأنه توارَد على "ماذا خلقوا": "أرأيتم"

…

(4)

؛ لأن "أروني" قد تُعلَّق عن مفعولها الثاني، كما عُلِّقت بدون همزة

…

(5)

، نحو: أما ترى أيُّ برقٍ هاهنا؟

(6)

ويكون قد أُعمل الثاني على المختار عند ص

(7)

.

ع: هذا وجهٌ صحيحٌ، وكذا الذي قبلَه؛ إلا أن إعراب الزَّمَخْشَريِّ أبدعُ وأوقعُ في النفس

(8)

وأذهبُ في طريق

…

(9)

والبيان

(10)

.

(خ 2)

*

أَلَا تَسْأَلَانِ المَرْءَ مَا [ذَا]

(11)

يُحَاوِلُ؟

…

أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أَمْ ضَلَالٌ وَبَاطِلُ؟

(12)

وقال

(1)

:

وَمَا أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَرْضًا

…

أُرِيدُ الخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي

أَأَلخَيْرُ الَّذِي أَنَا أَبْتَغِيهِ

…

أَمِ الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي؟

(2)

(3)

* قال الزَّمَخْشَريُّ

(4)

في: {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ}

(5)

: إنه بدلٌ من "كم أهلكنا" على المعنى لا على اللفظ، تقديرُه: ألم يروا كثرةَ إهلاكنا القرون من قبلهم كونَهم غيرَ راجعين إليهم؟

وقال الزَّجَّاجُ

(6)

: "أنهم" بدلٌ من معنى "ألم يروا كم أهلكنا"، والمعنى: ألم يروا القرونَ التي أهلكنا أنهم إليهم لا يرجعون؟

ع: وصوابُ القول على ما يريده و

(7)

: "أنهم" بدلٌ من "كم أهلكنا"، يعني: من مجموع الجملة التي هي "كم أهلكنا"؛ لأن "ألم يروا" وما بعده

…

(8)

.

وفي "معاني القرآن"

(9)

للفَرَّاء، وفي "إعراب"

(10)

مَكِّيٍّ: أن "أَنَّ" وما بعدها بدلٌ من "كم"، وهي استفهاميةٌ عندهما، بخلاف ما تضمَّنه الكلامُ السابقُ، ولم تُعَدْ مع البدل الهمزةُ.

ع: لِيُحَرَّرِ النقلُ من الكتابين قبل أن يُنقَل

(1)

.

* ع: قد يُرَدُّ بهذا على الكوفيين

(2)

في قولهم في باب الحكاية: إن الحركات في: مَنْ زيدٌ؟ و: مَنْ زيدًا؟ و: مَنْ زيدٍ؟ حركاتُ إعرابٍ، وإنَّ الكلام جملتان، فإذا قلت: مَنْ زيدٌ؟ فـ"مَنْ" عندهم فاعلٌ بـ"قام" مضمرًا، وأجازوا أن يقدَّر مقدَّما ومؤخَّرًا، فيقدَّر: قام مَنْ؟ أو: مَنْ قام؟ و"زيدٌ" عندهم بدل من "مَنْ"، وكذا في النصب والجر.

ع: فيقال: كيف أُبدل من اسمٍ مضمَّنٍ الهمزَ ما لم يلِ همزًا؟

وهذا نظيرُ تعسُّفِهم في: كَيْمَهْ؟ وزَعْمِهم

(3)

أنه جملة مقتطعة من جملتين، وأن الأصل: جئت كي تفعل ماذا؟ ورُدَّ ذاك بأمورٍ، منها: عدم حذف ألف "ما" الاستفهاميةِ

(4)

.

ويُبدَلُ الفِعلُ من الفعلِ كمَنْ

…

يَصِلْ إلينا يَسْتَعِنْ بنا يُعَنْ

(خ 2)

* جوِّز أن يكون من هذا: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}

(5)

؛ لأن تعليم السحر كفرٌ في المعنى

(6)

.