الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم بن هِشَام أَأَنْت فضلت قُريْشًا وجرده وضربه اسواطا وَلما سمع الْبَيْت الْوَلِيد بن يزِيد قَالَ لَهُ قدمت آل مُحَمَّد علينا قَالَ مَا كنت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَظُنهُ يكون غير ذَلِك فَلَمَّا أفضت الْخلَافَة إِلَى بني الْعَبَّاس قدم على الْمَنْصُور فمدحه فَقَالَ لَهُ لما دخل عَلَيْهِ كَيفَ قَالَ لَك الْوَلِيد فَأخْبرهُ فَجعل يتعجب وَلم يعد إِلَى الْمَنْصُور بعْدهَا لما رأى قلَّة رغبته فِي مدائح الشُّعَرَاء ونزارة ثَوَابه لَهُم وَتُوفِّي فِي صدر خِلَافَته فِي حُدُود السِّت وَالثَّلَاثِينَ بعد الْمِائَة وَبَنُو ذبيان تزْعم أَن ابْن ميادة آخر الشُّعَرَاء الَّذين يستشهد بأشعارهم روى أَبُو دَاوُود الْفَزارِيّ أَن ابْن ميادة وقف يَوْمًا فِي الْمَوْسِم ينشد (الطَّوِيل)
(لَو أَن جَمِيع النَّاس كَانُوا بتلعة
…
وَجئْت بجدي ظَالِم وَابْن ظَالِم)
(لظلت رِقَاب النَّاس خاضعة لنا
…
سجودا على أقدامنا بالجماجم)
والفرزدق وَاقِف عَلَيْهِ متلثم فَقَالَ لَهُ يَا ابْن يزِيد أَنْت صَاحب هَذِه الصّفة كذبت وَالله وَكذب سامع ذَلِك مِنْك فَلم يكذبك قَالَ فَمن يَا أَبَا فراس قَالَ أَنا أولى بِهِ مِنْك وَقَالَ
(لَو أَن جَمِيع النَّاس كَانُوا بتلعة
…
وَجئْت بجدي دارم وَابْن دارم)
(لظلت رِقَاب النَّاس خاضعة لنا
…
سجودا على أقدامنا بالجماجم)
فَأَطْرَقَ ابْن ميادة وَلم يجبهُ وَمضى الفرزدق وانتحلها وَأنْشد بعده وَهُوَ
الشَّاهِد الْعشْرُونَ
(الرجز)
(بلغتهَا وَاجْتمعت أشدي)
على أَن أَشد جمع شدَّة على غير قِيَاس أَو جمع لَا وَاحِد لَهُ بِدَلِيل تانيث الْفِعْل لَهُ
وَفِي الصِّحَاح كَانَ س يَقُول وَاحِدَة شدَّة وَهُوَ حسن فِي الْمَعْنى لِأَنَّهُ يُقَال بلغ الْغُلَام شدته وَلَكِن لَا يجمع فعلة على أفعل وَأما أنعم فَإِنَّمَا هُوَ جمع نعم بِالضَّمِّ ضد الْبُؤْس وَقيل هُوَ جمع شدّ بِالْفَتْح نَحْو كلب وأكلب وَقيل جمع شدّ بِالْكَسْرِ مثل ذِئْب وأذوب وكلا هذَيْن الْقَوْلَيْنِ قِيَاس وليسا بمسموعين وَقيل هُوَ جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه مثل محَاسِن ومشابه وَقيل هُوَ لَيْسَ بِجمع وَإِنَّمَا هُوَ مُفْرد جَاءَ على صِيغَة الْجمع مثل أَنَّك وَهُوَ الأسرب وَلَا نَظِير لَهما وَهَذَا قَول أبي زيد وَحكى فِي همزته الضمة لُغَة فِي فتحهَا وَمعنى الأشد الْقُوَّة وَهُوَ مَا بَين ثَمَانِي عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ وَقيل إِلَى أَرْبَعِينَ أَو إِلَى خمسين قَالَ سحيم بن وثيل (الوافر)
(أَخُو خمسين مُجْتَمع أشدي
…
ونجذني مداورة الشوون)
وَفِي عُمْدَة الْحفاظ للسمين هُوَ جمع شدَّة بِمَعْنى الْقُوَّة والجلادة فِي الْبدن وَالْعقل وَقد شدّ يشد شدَّة إِذا كَانَ قَوِيا وأصل الشدَّة العقد الْقوي وشددت الشَّيْء قويت عقده وَأَشد يسْتَعْمل فِي الْعقل وَفِي الْبدن وَفِي قوى النَّفس هَذَا واستدلال الشَّارِح الْمُحَقق تبعا لِابْنِ الْحَاجِب فِي شرح الْمفصل بتأنيث الْفِعْل لكَون أَشد جمعا مَحل بحث فَإِن أهل التَّفْسِير واللغة أَجمعُوا على تَفْسِيره بِالْقُوَّةِ فَيحْتَمل أَن يكون تَأْنِيث الْفِعْل لَهُ بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ لَا لكَونه جمعا وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يسْتَدلّ بمادة الْفِعْل وصيغته فَإِن الْجمع مَعْنَاهُ تأليف
المتفرق والاجتماع مطاوعه وَهُوَ تألف المتفرق فَلَا يتَصَوَّر مَعْنَاهُ إِلَّا بَين مُتَعَدد وَلَا يكون الِاجْتِمَاع من شَيْء وَاحِد على أَن الرِّوَايَة
(بلغتهَا مُجْتَمع الأشد)
بِالْخِطَابِ لَا بالتكلم
وَهُوَ من أرجوزة لأبي نخيلة مدح بهَا هِشَام بن عبد الْملك مِنْهَا (الرجز)
(وَقلت للعيس اعتلي وجدي
…
فَهِيَ تخدى أحسن التخدي)
(قد ادرعن فِي مسير سمد
…
لَيْلًا كلون الطيلسان الجرد)
(إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ المجدي
…
رب معد وَسوى معد)
(ممضن دَعَا من أصيد وَعبد
…
ذِي الْمجد والتشريف بعد الْمجد)
(فِي وَجهه بدر بدا بالسعد
…
أَنْت الْهمام القرم عِنْد الْجد)
(بلغتهَا مُجْتَمع الأشد
…
فانهل لما قُمْت صوب الرَّعْد)
والعيس الْإِبِل الْبيض يخالط بياضها شقرة مفرده الْمُذكر أعيس والمؤنث عيساء واعتلي ارتفعي وَالْجد بِالْكَسْرِ الِاجْتِهَاد فِي الْأُمُور تَقول جد فِي الْأَمر يجد بِالضَّمِّ وتخدى بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفتح الدَّال الْمُهْملَة أَصله تتخدى أَي تسرع حذفت مِنْهُ التَّاء من خدى الْبَعِير يخدي خديا أسْرع وزج بقوائمه والسمد بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم فِي الصِّحَاح وسمدت الْإِبِل فِي سَيرهَا جدت وَفِي الْقَامُوس هُوَ السرمد أَي الطَّوِيل الدَّائِم يُقَال هُوَ لَك سمدا أَي سرمدا والادراع افتعال لبس الدرْع وَهُوَ قَمِيص الْمَرْأَة والطيلسان من لِبَاس الْعَجم لَونه أسود للمهابة والجرد الْخلق يُقَال ثوب جرد والمجدي اسْم فَاعل من أجدي عَلَيْهِ بِمَعْنى أعطَاهُ عطاءا كثيرا من الجداء والجدوى بِفَتْح الْجِيم فيهمَا وَهُوَ الْمَطَر الَّذِي لَا يعرف
أقصاه وَقيل الْمَطَر الْعَام وَرب كل شَيْء مَالِكه ومستحقه ومعد أَبُو الْعَرَب وَهُوَ معد بن عدنان وَقَوله مِمَّن دَعَا بَيَان لقَوْله سوى معد وَقَوله من أصيد إِلَخ بَيَان لمن دَعَا أَي هُوَ سيد من دَعَا لنَفسِهِ من ملك وسوقة والأصيد الْملك وَقَوله أَنْت الْهمام الْتِفَات من الْغَيْبَة إِلَى الْخطاب والهمام الْملك الْعَظِيم الهمة وَالسَّيِّد الشجاع وَالْقَرْمُ بِالْفَتْح السَّيِّد وَأَصله الْفَحْل المكرم لَا يركب وَلَا يرحل وَالْجد بِالْكَسْرِ ضد الْهزْل تَقول جد يجد بِالْكَسْرِ وَقَوله بلغتهَا بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل وروى بلغتهَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالتَّشْدِيد أَيْضا وروى أَيْضا طوقتها بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول وَالتَّشْدِيد أَيْضا والطوق حلي
الْعُنُق وكل مَا اسْتَدَارَ بِشَيْء وتطوقه لبسه وَضمير بلغتهَا للخلافة الْمَعْهُودَة ذهنا ومجتمع اسْم فَاعل حَال من ضمير الْمُخَاطب وَلَا تضر بِالْإِضَافَة لِأَنَّهَا لفظية وَظهر بِهَذَا أَن بَيت الشَّاهِد على غير وَجهه وَيحْتَمل أَن يكون من أرجوزة أُخْرَى وَالله أعلم وأنهل بِمَعْنى سَالَ إِن كَانَ الصوب بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَبِمَعْنى ارْتَفع إِن كَانَ الصَّوْت بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة يُرِيد إِنَّك لما قُمْت بِأَمْر الْخلَافَة انْفَتح أَبْوَاب الْخَيْر وَفِي الأغاني أَن أَبَا نخيلة قَالَ قرأتها حَتَّى أتيت إِلَى آخرهَا وهممت أَن أسأله فِيهَا ثمَّ تذكرت أَن النَّاس نصحوني على أَن لَا أسأله شَيْئا فَإِنَّهُ يحرم من يسْأَله فَلَمَّا فرغت أقبل على جُلَسَائِهِ فَقَالَ الْغُلَام السَّعْدِيّ أشعر من الشَّيْخ أبي النَّجْم الْعجلِيّ وَخرجت فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام أَتَتْنِي جائزته وَلما أفضت الْخلَافَة إِلَى السفاح نقل هَذِه الأرجوزة الدالية إِلَيْهِ فَهِيَ إِلَى الْآن فِي ديوانه منسوبة إِلَى السفاح
وأَبُو نخيلة بِضَم النُّون وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة اسْم الشَّاعِر لَا كنيته كَذَا فِي الأغاني وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة اسْمه يعمر وكني أَبَا نخيلة لِأَن أمه وَلدته إِلَى جنب نَخْلَة ويكنى أَبَا الْجُنَيْد وَأَبا العرماس وَهُوَ من بني حمان بن كَعْب بن سعد بِكَسْر الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم وَكَانَ عاقا لِأَبِيهِ فنفاه أَبوهُ عَن نَفسه فَخرج إِلَى الشأم فَأَقَامَ هُنَاكَ إِلَى أَن مَاتَ أَبوهُ ثمَّ عَاد وَبَقِي مشكوكا فِي نسبه مطعونا عَلَيْهِ وَكَانَ الْأَغْلَب على شعره الرجز وَله قصيد لَيْسَ بالكثير وَمن شعره (الطَّوِيل)
(وَإِن بِقوم سودوك لحَاجَة
…
إِلَى سيد لَو يظفرون بِسَيِّد)
وَلما خرج إِلَى الشأم اتَّصل بِمسلمَة بن عبد الْملك فاصطنعه وَأحسن إِلَيْهِ وأوصله إِلَى الْخُلَفَاء وَاحِدًا بعد وَاحِد واستماحهم لَهُ فأغنوه وَكَانَ بعد ذَلِك قَلِيل الْوَفَاء
انْقَطع إِلَى بني الْعَبَّاس ولقب نَفسه بشاعر بني هَاشم فمدح الْخُلَفَاء من بني الْعَبَّاس وهجا بني أُميَّة وَكَانَ طامعا فَحَمله طمعه على أَن قَالَ فِي الْمَنْصُور أرجوزة يغريه فِيهَا بخلع عِيسَى بن مُوسَى وبعقد الْعَهْد لِابْنِهِ مُحَمَّد الْمهْدي فوصله أَبُو جَعْفَر بألفي دِرْهَم وَأمره أَن ينشدها بحضره عِيسَى فَفعل فَطَلَبه عِيسَى فهرب مِنْهُ وَبعث فِي طلبه مولى لَهُ فأدركه فِي طَرِيق خُرَاسَان فذبحة وسلخ وَجهه