المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لِسَانه وَيُقَال شَاة خطلاء إِذا كَانَت طَوِيلَة الْأُذُنَيْنِ والسراة الْأَشْرَاف - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ١

[عبد القادر البغدادي]

فهرس الكتاب

- ‌ مُقَدّمَة تشْتَمل على أُمُور ثَلَاثَة

- ‌(الْأَمر الأول)(فِي الْكَلَام الَّذِي يَصح الاستشهاد بِهِ فِي اللُّغَة والنحو وَالصرْف)

- ‌(الْأَمر الثَّانِي ضروب وأجناس)

- ‌(الْأَمر الثَّالِث يتَعَلَّق بترجمة الشَّارِح الْمُحَقق والحبر المدقق رحمه الله وَتجَاوز عَنهُ)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ الشَّاهِد الثَّالِث

- ‌(أَقسَام التَّنْوِين)

- ‌ الشَّاهِد الرَّابِع

- ‌ الشَّاهِد الْخَامِس

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ الشَّاهِد السَّادِس

- ‌(المعرب والمبني)

- ‌ الشَّاهِد الثَّامِن

- ‌ الشَّاهِد التَّاسِع

- ‌ الشَّاهِد الْعَاشِر

- ‌ الشَّاهِد الْحَادِي عشر

- ‌ الشَّاهِد الثَّانِي عشر

- ‌ الشَّاهِد الثَّالِث عشر

- ‌ الشَّاهِد الرَّابِع عشر

- ‌ الشَّاهِد الْخَامِس عشر

- ‌ الشَّاهِد السَّادِس عشر

- ‌ الشَّاهِد السَّابِع عشر

- ‌ الشَّاهِد الثَّامِن عشر

- ‌ الشَّاهِد الْعشْرُونَ

- ‌ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌ الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(بَاب التَّنَازُع)

- ‌(تتمه)

- ‌(أَمرتك الْخَيْر)

- ‌(الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(اسْم مَا وَلَا المشبهين بليس)

الفصل: لِسَانه وَيُقَال شَاة خطلاء إِذا كَانَت طَوِيلَة الْأُذُنَيْنِ والسراة الْأَشْرَاف

لِسَانه وَيُقَال شَاة خطلاء إِذا كَانَت طَوِيلَة الْأُذُنَيْنِ والسراة الْأَشْرَاف وَقَوله وَلَيْسوا بِالْوَفَاءِ إِلَخ أَي سأنتقم من أَشْرَافهم بِسَبَب عرضي وَإِن لم يوفوا بعرضي وَلَا يدانوه والحمالة بِالْفَتْح تحمل الدِّيَة والجرثومة التُّرَاب الْمُجْتَمع تجمعه الرّيح فِي أصُول الشّجر فيتلبد حَتَّى يصير كَأَنَّهُ خلقَة والزمع جمع زَمعَة بِالتَّحْرِيكِ وَهِي هنة زَائِدَة فِي قَوَائِم الشَّاة وَقَول النَّابِغَة جحفلة الأتان بدل من قَوْله لبيدأ وَهُوَ بِتَقْدِيم الْجِيم على الْمُهْملَة والأتان الحمارة وَهِي كلمة ذمّ وأزجى سَاق

(تَتِمَّة)

الْمَشْهُور فِي رِوَايَة هَذَا الْبَيْت

(فساغ لي الشَّرَاب وَكنت قبلا

أكاد أغص بِالْمَاءِ الْحَمِيم)

قَالَ الْعَيْنِيّ قَائِله عبد الله بن يعرب بن مُعَاوِيَة بن عبَادَة بن الْبكاء بن عَامر وَكَانَ لَهُ ثأر فأدركه فأنشده انْتهى وَرَوَاهُ الثعالبي والزمخشري

(أكاد أغص بِالْمَاءِ الْفُرَات)

وَلَعَلَّه من شعر آخر وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته عَن الْكسَائي

(أكاد أغص بِالْمَاءِ الْمعِين)

لكنه رَوَاهُ عَنهُ وَكنت قبل بِالرَّفْع والتنوين ثمَّ قَالَ قَالَ الْفراء هَذَا التَّنْوِين نَظِير تَنْوِين المنادى الْمُفْرد إِذا لحقه التَّنْوِين فِي ضَرُورَة الشّعْر كَمَا قَالَ

ص: 429

(الرمل)

(قدمُوا إِذْ قيل قيس قدمُوا

وَارْفَعُوا الْمجد بأطراف الأسل)

اراد يَا قيس فنونه ضَرُورَة والأجود النصب كَمَا قَالَ الآخر (الطَّوِيل)

(فطر خَالِدا إِن كنت تَسْتَطِيع طيرة

وَلَا تقعن إِلَّا وقلبك طَائِر)

قَالَ أَبُو حَيَّان وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْفراء من نصب المنادى الْمُفْرد فِي الضَّرُورَة هُوَ مَذْهَب أبي عَمْرو وَأَصْحَابه وَالْمذهب الأول وَهُوَ رَفعه منونا مَذْهَب الْخَلِيل وسيبويه وأصحابهما وَمذهب أبي عَمْرو أَقيس ا. هـ.

وَوجه كَونه أَقيس أَن المنادى مفعول وَالْقِيَاس إِذا نون فِي الضَّرُورَة أَن يرجع إِلَى أَصله وَهُوَ النصب فَإِن الضرائر ترجع الْأَشْيَاء إِلَى أُصُولهَا وَأما رفع قبل مَعَ التَّنْوِين فوجهه أَن أَصله كَانَ مَبْنِيا على ضمة لحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَإِرَادَة معناة فنون ضَرُورَة كتنوين الْعلم المنادى وَيزِيد هُوَ يزِيد بن عَمْرو بن خويلد بن نفَيْل بن عَمْرو بن كلاب الْكلابِي وخويلد يُقَال لَهُ الصَّعق قَالَ أَبُو عَمْرو وَابْن الْكَلْبِيّ ابْن الصَّعق إِنَّمَا سمي الصَّعق لِأَنَّهُ عمل طَعَاما لقوم بعكاظ فَجَاءَت ريح بغبار فسبها ولعنها فَأرْسل الله عَلَيْهِ صَاعِقَة فَأَحْرَقتهُ وَقَالَ ابْن دُرَيْد الصَّعق أَن يسمع الْإِنْسَان الهدة الشَّدِيدَة فيصعق لذَلِك وَيذْهب عقله والصعق الْكلابِي أحد فرسانهم سمي الصَّعق لِأَن بني تَمِيم ضربوه

ضَرْبَة على رَأسه فأمته فَكَانَ إِذا سمع الصَّوْت الشَّديد صعق فَذهب عقله وَالله أعلم

ص: 430

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السبعون وَهُوَ من شَوَاهِد س (الْبَسِيط)

(ترتع مَا رتعت حَتَّى إِذا ادكرت

فَإِنَّمَا هِيَ إقبال وإدبار)

على أَن اسْم الْمَعْنى يَصح وُقُوعه خَبرا عَن اسْم الْعين إِذا لزم ذَلِك الْمَعْنى لتِلْك الْعين حَتَّى صَار كَأَنَّهُ هِيَ هَذَا من قبيل زيد عدل وَفِيه ثَلَاث توجيهات أَحدهَا كَونه مجَازًا عقليا بحملة على الظَّاهِر وَهُوَ جعل الْمَعْنى نفس الْعين مُبَالغَة وَالثَّانِي أَن الْمصدر فِي تَأْوِيل اسْم الْفَاعِل فِي نَحوه وَتَأْويل اسْم الْمَفْعُول فِي نَحْو زيد خلق أَي مَخْلُوق وَالثَّالِث أَنه على تَقْدِير مُضَاف مَحْذُوف أَي ذَات إقبال وَهَذَا الْبَيْت للخنساء قَالَ سِيبَوَيْهٍ جَعلتهَا الإقبال والأدبار مجَازًا على سَعَة الْكَلَام كَقَوْلِك نهارك صَائِم وليلك قَائِم وَاسْتشْهدَ بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن الْبر من اتَّقى} على أَن الْإِسْنَاد مجازي بِدَعْوَى أَن المتقى هُوَ عين الْبر بِجعْل الْمُؤمن كَأَنَّهُ تجسد من الْبر وَكَانَ الزّجاج يَأْبَى غير هَذَا

قَالَ عبد القاهر لم ترد بالإقبال والأدبار غير مَعْنَاهُمَا حَتَّى يكون الْمجَاز فِي الْكَلِمَة وَإِنَّمَا الْمجَاز فِي أَن جَعلتهَا لِكَثْرَة مَا تقبل وتدبر كَأَنَّهَا تجسمت من الإقبال والأدبار وَلَيْسَ أَيْضا على حذف مُضَاف وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وَإِن كَانُوا يذكرُونَهُ مِنْهُ إِذْ لَو قُلْنَا أُرِيد إِنَّمَا هِيَ ذَات

ص: 431

إقبال وإدبار أفسدنا الشّعْر على أَنْفُسنَا وَخَرجْنَا إِلَى شَيْء مغسول وَكَلَام عَامي مرذول لَا مساغ لَهُ عِنْد من هُوَ صَحِيح الذَّوْق والمعرفة نسابة للمعاني وَمعنى تَقْدِير الْمُضَاف فِيهِ أَنه لَو كَانَ الْكَلَام قد جِيءَ بِهِ على ظَاهره وَلم تقصد لمبالغة لكل حَقه أَن يجاء بِلَفْظ الذَّات لَا أَنه مُرَاد وروى الْأَخْفَش فِي شرح ديوَان الخنساء عَن ابْن الْأَعرَابِي أَنه روى فَإِنَّمَا هُوَ أَرَادَ فَإِنَّمَا فعلهَا وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لَهَا ترثي بهَا أخاها صخرا تنيف على ثَلَاثِينَ بَيْتا فِي رِوَايَة الْأَخْفَش وَقَبله

(فَمَا عجول على بو تطيف بِهِ

قد ساعدتها على التحنان أظآر)

وَبعده

(لَا تسمن الدهرفي أَرض وَإِن رتعت

وَإِنَّمَا هِيَ تحنان وتسجار)

(يَوْمًا بأوجد مني يَوْم فارقني

صَخْر وللدهر إحلاء وإمرار)

العجول الثكول أَرَادَ بِهِ النَّاقة وروى مَا أم سقب وَهُوَ الذّكر من ولد النَّاقة وَلَا يُقَال للْأُنْثَى سقبة وَلَكِن حَائِل والبو جلد ولد النَّاقة إِذا مَاتَ حِين تَلد أمه يخْشَى تبنا وَهِي لَا ترَاهُ ويدنى مِنْهَا فتشمه وترأمه فتدر

عَلَيْهِ اللَّبن وساعدتها وافقتها والتحنان الحنين والأظآر جمع ظئر وَهِي الَّتِي تعطف على ولد غَيرهَا يُقَال رتعت الْإِبِل إِذا رعت وارتعتها تركتهَا ترعى وروى ترتع مَا غفلت واذكرت أَي تذكرت وَلَدهَا وَأَصله اذتكرت

ص: 432

وَزعم ابْن خلف عَن بَعضهم أَنه فِي وصف بقرة اخذ وَلَدهَا وَقَوْلها لَا تسمن الدَّهْر إِلَخ يُقَال حنت النَّاقة إِذا طربت فِي إِثْر وَلَدهَا فَإِذا مدت الحنين وطربت قيل سجرت بِالْجِيم وَقَوْلها بأوجد مني أَي بأشد مني وجدا وللدهر إحلاء وإمرار أَي سرُور وحزن يُقَال مَا أحلى وَلَا أَمر أَي مَا أَتَى بحلوة وَلَا مرّة وَمن هَذِه القصيدة

(وَإِن صخرا لمولانا وَسَيِّدنَا

وَإِن صخرا إِذا نشتوا لنحار)

(وَإِن صخرا لتأتم الهداة بِهِ

كَأَنَّهُ علم فِي رَأسه نَار)

قيل إِذا اجْتمع الْمولى وَالسَّيِّد قدم الْمولى كَمَا هُنَا وروى

(وَإِن صخرا لحامينا وَسَيِّدنَا)

وَإِنَّمَا قَالَت إِذا نشتو لنحار لِأَن النَّحْر فِي الشتَاء لِأَن الْإِطْعَام فِيهِ أَشد مُؤنَة وَقَوْلها لتأتم الهداة بِهِ أَي تَجْعَلهُ الأدلاء إِمَامًا وَالْعلم الْجَبَل وكل مشرف شبه بِالْجَبَلِ وَفِي رَأسه نَار أَشد للدلالة وَالْهِدَايَة وَأشهر فِي الشّرف وَهَذَا إيغال وَهُوَ ختم الْبَيْت بِمَا يُفِيد نكته يتم الْمَعْنى بِدُونِهَا فَإِن قَوْلهَا كَأَنَّهُ علم يتم الْمَعْنى بِهِ وَهُوَ للتشبيه بِمَا هُوَ مَعْرُوف بالهداية فَإِنَّهَا جعلت أخاها جبلا مَشْهُورا يتَوَجَّه إِلَيْهِ وَلَا يخفى أمره على قاص ودان ثمَّ لما أَرَادَت الْمُبَالغَة لم تقنع بذلك واردفته بقولِهَا فِي رَأسه نَار فَجَعَلته بعد أَن كَانَ علما يشار إِلَيْهِ معلما بعلامة يعرفهُ كل من يرَاهُ والخنساء هِيَ بنت عَمْرو بن الشريد بن ريَاح بن يقظة بن عصية بن خفاف ابْن امْرِئ الْقَيْس بن بهثة بن سليم

ص: 433

وَاسْمهَا تماضر بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة قَالَ ابْن خلف قد قَالُوا للبياض تماضر وَأكْثر مَا يكون للنِّسَاء وَمِنْه قيل اشْتقت المضيرة لبياضها والخنساء مؤنث الْأَخْنَس والخنس تَأَخّر الْأنف عَن الْوَجْه مَعَ ارْتِفَاع قَلِيل فِي الأرنبة وَيُقَال لَهَا خناس أَيْضا بِضَم الْخَاء غير منصرف للعدل والتأنيث وَهِي صحابية رضي الله عنها قدمت على رَسُول الله

مَعَ قَومهَا من بني سليم وَأسْلمت مَعَهم وَهِي أم الْعَبَّاس بن مرداس وَهِي أم إخْوَته الثَّلَاثَة وَكلهمْ شَاعِر وَلم تَلد الخنساء إِلَّا شَاعِرًا وَمن وَلَدهَا أَبُو شَجَرَة السّلمِيّ وَقَالَ الْكَلْبِيّ أم ولد مرداس جَمِيعًا الخنساء إِلَّا الْعَبَّاس فَإِنَّهَا لَيست أمه وَلم يذكر من أمه وَذكر صَاحب الأغاني أَن الخنساء أمه وَكَانَ النَّبِي

يُعجبهُ شعرهَا ويستنشدها وَيَقُول هيه يَا خناس ويومئ بِيَدِهِ

وَلما قدم عدي بن حَاتِم على رَسُول

وحادثه فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن فِينَا أشعر النَّاس وأسخى النَّاس وأفرس النَّاس قَالَ سمهم قَالَ أما أشعر النَّاس فامرؤ الْقَيْس بن حجر وَأما أسخى النَّاس فحاتم بن سعد يَعْنِي أَبَاهُ وَأما أَفرس النَّاس فعمرو بن معد يكرب فَقَالَ رَسُول الله

لَيْسَ كَمَا قلت يَا عدي أما أشعر النَّاس فالخنساء بنت عَمْرو وَأما أسخى النَّاس فمحمد يَعْنِي نَفسه

وَأما أَفرس النَّاس فعلي بن أبي طَالب وَاتفقَ أهل الْعلم بالشعر أَنه لم تكن امْرَأَة قبلهَا وَلَا بعْدهَا أشعر مِنْهَا

ص: 434

وَقيل لجرير من أشعر النَّاس قَالَ أَنا لَوْلَا الخنساء قيل بِمَ فضلتك قَالَ بقولِهَا (الْبَسِيط)

(إِن الرُّمَّان وَمَا يفنى لَهُ عجب

أبقى لنا ذَنبا واستؤصل الراس)

(إِن الجديدين فِي طول اخْتِلَافهمَا

لَا يفسدان وَلَكِن يفْسد النَّاس)

وَكَانَت فِي أَوَائِل أمرهَا تَقول الْبَيْتَيْنِ وَالثَّلَاثَة حَتَّى قتل أَخُوهَا مُعَاوِيَة ثمَّ أَخُوهَا صَخْر فَأَكْثَرت من الشّعْر وأجادت وَكَانَ أحبهما إِلَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ حَلِيمًا جوادا

محبوبا فِي الْعَشِيرَة شريفا فِي قومه وَكَانَ أَبوهَا يَأْخُذ بيَدي ابنيه صَخْر وَمُعَاوِيَة وَيَقُول أَنا أَبُو خيري مُضر فتعترف لَهُ الْعَرَب بذلك وَمَا زَالَت ترثي صخرا وتبكيه حَتَّى عميت وَكَانَت تَقول بعد إسْلَامهَا كنت أبْكِي لصخر من الْقَتْل فَأَنا الْيَوْم أبْكِي لَهُ من النَّار وَدخلت على عَائِشَة رضي الله عنهما وَعَلَيْهَا صدار من شعر فَقَالَت لَهَا مَا هَذَا فو الله لقد مَاتَ رَسُول الله

فَلم ألبس صدارا عَلَيْهِ قَالَت إِن لَهُ حَدِيثا قَالَت وَمَا هُوَ قَالَت زَوجنِي أبي سيدا من سَادَات قومِي متلافأ معطاء فأنفد مَاله وَقَالَ لي إِلَى أَيْن يَا خنساء قلت إِلَى أخي صَخْر فأتيناه فقاسمنا مَاله وأعطانا خير النصفين فَأقبل زَوجي يُعْطي ويهب وَيحمل حَتَّى أنفده ثمَّ قَالَا لي إِلَى أَيْن يَا خنساء قلت إِلَى أخي صَخْر فأتيناه وقاسمنا مَاله وأعطانا خير النصفين إِلَى الثَّالِثَة فَقَالَت لَهُ امْرَأَته أما ترْضى أَن تقاسمهم مَالك حَتَّى تعطيهم خير النصفين فَقَالَ (الرجز)

(وَالله لَا أمنحها شِرَارهَا

وَلَو هَلَكت قددت خمارها)

(واتخذت من شعر صدارها)

ص: 435

فَذَاك الَّذِي دَعَاني إِلَى لبس الصدار وَكَانَ من حَدِيث قَتله أَنه جمع جمعا وأغار على بني أَسد بن خُزَيْمَة فطعنه ابْن ربيعَة بن ثَوْر الْأَسدي فَأدْخل فِي جَوْفه حلقا من الدرْع فاندمل عَلَيْهِ فأضناه وَطَالَ مَرضه ومله أَهله فَكَانُوا إِذا سَأَلُوا امْرَأَته سليمى عَنهُ قَالَت لَا هُوَ حَيّ فيرجى وَلَا هُوَ ميت فينعى وصخر يسمع كَلَامهَا فَيشق ذَلِك عَلَيْهِ وَإِذا سَأَلُوا أمه قَالَت أصبح صَالحا بنعمه الله فَلَمَّا أَفَاق بعض الْإِفَاقَة عمد إِلَى امْرَأَته فعلقها بعمود الْفسْطَاط حَتَّى مَاتَت

وَقيل بل قَالَ ناولوني سَيفي لأنظر كَيفَ قوتي وَأَرَادَ قَتلهَا وناولوه فَلم يطق السَّيْف فَفِي ذَلِك يَقُول (الطَّوِيل)

(أرى أم صَخْر مَا تمل عيادتي

وملت سليمى مضجعي ومكاني)

(وَمَا كنت أخْشَى أَن أكون جَنَازَة

عَلَيْك وَمن يغتر بالحدثان)

(أهم بِأَمْر الحزم لَو أستطيعه

وَقد حيل بَين العير والنزوان)

(لعمري لقد نبهت من كَانَ نَائِما

وأسمعت من كَانَ لَهُ أذنان)

(وللموت خير من حَيَاة كَأَنَّهَا

معرس يعسوب بِرَأْس سِنَان)

(وَأي امرىء سَاوَى بِأم حَلِيلَة

فَلَا عَاشَ إِلَّا فِي شقا وهوان)

وَقيل إِن الَّتِي قَالَت ذَلِك بديلة الأَسدِية كَانَ قد سباها من أَسد واتخذها لنَفسِهِ وَأنْشد مَكَان الْبَيْت الأول (الطَّوِيل)

(أَلا تلكم عرسي بديلة أوجست

فراقي وملت مضجعي ومكاني)

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة فَلَمَّا طَال عَلَيْهِ الْبلَاء وَقد نتأت قِطْعَة مثل اللبد

ص: 436

فِي مَوضِع الطعنة وَاسْتَرْخَتْ قَالُوا لَهُ لَو قطعتها لرجونا أَن تَبرأ قَالَ شَأْنكُمْ الْمَوْت أَهْون عَليّ مِمَّا أَنا فِيهِ فقطعها فيئس من نَفسه وَمَات وَرُوِيَ أَن امْرَأَته هَذِه كَانَت ذَات كفل وأوراك وَكَانَت قد مِلَّته وَكَانَ يكرمها ويقدمها على أَهله فَمر بهَا رجل وَهِي قَائِمَة فَقَالَ لَهَا أيباع هَذَا الكفل فَقَالَت عَمَّا قَلِيل وصخر يسمع فَقَالَ لَئِن اسْتَطَعْت لأقدمنك أَمَامِي ثمَّ قَالَ

لَهَا ناوليني السَّيْف أنظر هَل تقله يَدي فَدَفَعته إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ لَا يقلهُ فَعندهَا أنْشد الأبيات الْمَذْكُورَة ذكر ياقوت فِي مُعْجم الأدباء فِي تَرْجَمَة أبي أَحْمد الْحسن بن عبد الله العسكري وَقد ترجمناه نَحن أَيْضا فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعِشْرين أَن الصاحب بن عباد كَانَ يود الِاجْتِمَاع بِهِ ويكاتبه ويستميل قلبه فيعتل عَلَيْهِ بالشيخوخة وَالْكبر فَلَمَّا يئس مِنْهُ احتال فِي جذب السُّلْطَان إِلَى ذَلِك الصوب وَكتب إِلَيْهِ حِين قرب من عَسْكَر مكرم كتابا يتَضَمَّن علوما نظما ونثرا وَمِنْه قَوْله (الطَّوِيل)

(وَلما أَبَيْتُم أَن تزوروا وقلتم

ضعفنا فَمَا نقوى على الوخدان)

(أَتَيْنَاكُم من بعد أَرض نزوركم

على منزل بكر لنا وعوان)

(نسائلكم هَل من قرى لنزيلكم

بملء جفون لَا بملء جفان)

فَلَمَّا قَرَأَ أَبُو أَحْمد الْكتاب أقعد تلميذا فأملى عَلَيْهِ الْجَواب عَن النثر نثرا وَعَن النّظم نظما وَهُوَ

(أروم نهوضا ثمَّ يثني عزيمتى

تعوص أعضائي من الرجفان)

ص: 437

(فضمنت بَيت ابْن الشريد كَأَنَّمَا

تعمد تشبيهي بِهِ وعناني)

(أهم بِأَمْر الحزم لَو أستطيعه

وَقد حيل بَين العير والنزوان)

فَلَمَّا بلغت الصاحب استحسنها وَوَقعت مِنْهُ موقعا عَظِيما وَقَالَ لَو عرفت أَن هَذَا المصراع يَقع فِي هَذِه القافية لم أتعرض لَهَا وَبَقِيَّة الْحِكَايَة هُنَاكَ مسطورة وَفِي الِاسْتِيعَاب أَن الخنساء حضرت حَرْب الْقَادِسِيَّة وَمَعَهَا بنوها أَرْبَعَة رجال فَقَالَت لَهُم يَا بني أَنْتُم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين وَوَاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا غَيره إِنَّكُم لبنو رجل وَاحِد كَمَا أَنكُمْ بَنو امْرَأَة وَاحِدَة مَا خُنْت أَبَاكُم وَلَا

فضحت خالكم وَلَا هجنت حسبكم وَلَا غيرت نسبكم وَقد تعلمُونَ مَا أعد الله للْمُسلمين من الثَّوَاب الْعَظِيم فِي حَرْب الْكَافرين وأعلموا أَن الدَّار الْبَاقِيَة خير من الدَّار الفانية يَقُول الله عز وجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون} فَإِذا أَصْبَحْتُم غَدا فاغدوا إِلَى قتال عَدوكُمْ مستبصرين وَبِاللَّهِ على أعدائه مستنصرين فَلَمَّا أَضَاء لَهُم الصُّبْح باكروا مراكزهم فتقدموا وَاحِدًا بعد وَاحِد ينشدون الأراجيز فَقَاتلُوا حَتَّى اسْتشْهدُوا جَمِيعًا فَلَمَّا بلغَهَا الْخَبَر قَالَت الْحَمد لله الَّذِي شرفني بِقَتْلِهِم وَأَرْجُو من رَبِّي أَن يجمعني بهم فِي مُسْتَقر رَحمته فَكَانَ عمر رضي الله عنه يُعْطِيهَا أرزاق أَوْلَادهَا الْأَرْبَعَة لكل وَاحِد مِنْهُم مائَة دِرْهَم حَتَّى قبض وَمَاتَتْ الخنساء

ص: 438

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ (الرجز)

(أَنا أَبُو النَّجْم وشعري شعري)

على أَن عدم مُغَايرَة الْخَبَر للمبتدأ إِنَّمَا هُوَ للدلالة على الشُّهْرَة أَي شعري الْآن هُوَ شعري الْمَشْهُور الْمَعْرُوف بِنَفسِهِ لَا شَيْء آخر اسْتشْهد بِهِ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} على أَن المُرَاد السَّابِقُونَ من عرفت حَالهم وبلغك وَصفهم كَمَا فِي شعري شعري أَي شعري مَا بلغك وَصفه وَسمعت ببراعته وفصاحته وَصَحَّ إِيقَاع أبي النَّجْم خَبرا لتَضَمّنه نوع وَصفِيَّة واشتهاره بالكمال وَالْمعْنَى أَنا ذَلِك الْمَعْرُوف الْمَوْصُوف بالكمال وشعري هُوَ الْمَوْصُوف بالفصاحة.

وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة لأبي النَّجْم الْعجلِيّ وَبعده (الرجز)

(لله دري مَا أجن صَدْرِي

من كَلِمَات باقيات الْحر)

(تنام عَيْني وفؤادي يسري

مَعَ العفاريت بِأَرْض قفر)

الدّرّ فِي الأَصْل اللَّبن يُقَال فِي الْمَدْح لله دره أَي عمله وَقد شَرحه الشَّارِح فِي بَاب التَّمْيِيز بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَقَوله مَا أجن صَدْرِي هُوَ صِيغَة تعجب من الْجُنُون قَالَ فِي الصِّحَاح وَقَوله مَا أجنه فِي الْمَجْنُون شَاذ لَا يُقَاس عَلَيْهِ وَمن كَلِمَات مُتَعَلق بِهِ وَمن ابتدائية أَو تعليلية وَأَبُو النَّجْم تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السَّابِع

ص: 439

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ (الطَّوِيل)

(رفوني وَقَالُوا يَا خويلد لَا ترع

فَقلت وَأنْكرت الْوُجُوه هم هم)

لما تقدم فِي الْبَيْت قبله أَي هم الَّذين يطردونني وَيطْلبُونَ دمي وَهَذَا الْبَيْت لأبي خرَاش الْهُذلِيّ مطلع قصيدة وَهِي سِتَّة عشر بَيْتا ذكر فِيهَا تفلته من أعدائه حِين صادفهم فِي الطَّرِيق كامنين لَهُ وَسُرْعَة عدوه حَتَّى نجا مِنْهُم روى السكرِي فِي شرح أشعار الهذليين عَن الْأَخْفَش قَالَ خرج أَبُو خرَاش وَأم خرَاش يُريدَان بعض أهلهما فمرا بخزاعة فَلَمَّا رأتهما خُزَاعَة قَالُوا هَذَا أَبُو خرَاش وَامْرَأَته فَلَا تهيجوهما حَتَّى يدنوا منا فَقَالَ أَبُو خرَاش لأم خرَاش

فَإِن سألوك فَقولِي تخلف كَأَنَّهُ يقْضِي حَاجَة وَهُوَ مار بكم فمضت حَتَّى إِذا علم أَبُو خرَاش أَنَّهَا قد جَاوَزت الثَّنية وأمنهم جَاءَ يمشي رويدأ حَتَّى مر فِي وَسطهمْ فَسلم فَردُّوا عليه السلام فَقَالَ مِمَّن أَنْتُم قَالُوا إخْوَتك وَبَنُو عمك فتباعد مِنْهُم فَهموا بِهِ فَعدا وعدوا على إثره فَأَعْجَزَهُمْ وَجعلُوا ينظرُونَ إِلَيْهِ ويرمونه وَنَجَا مِنْهُم ا. هـ.

وَفِي الأغاني بِسَنَدِهِ أَن أَبَا خرَاش الْهُذلِيّ خرج من أَهله هُذَيْل يُرِيد مَكَّة فَقَالَ لزوجته أم خرَاش وَيحك إِنِّي أُرِيد مَكَّة لبَعض الْحَاجة وَإِن بني الديل يطلبونني بترات فإياك أَن تذكريني فَخرج بهَا وَكَمن لِحَاجَتِهِ

ص: 440

وَخرجت إِلَى السُّوق لتشتري عطرا وَمَا تحتاجه النِّسَاء فَمر بهَا فتيَان من بني الديل فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه أم خرَاش وَرب الْكَعْبَة فسلما عَلَيْهَا فَقَالَت بِأبي أَنْتُمَا من أَنْتُمَا فَقَالَا رجلَانِ من أهلك هُذَيْل قَالَت فَإِن أَبَا خرَاش معي فَلَا تذكراه لأحد وَنحن رائحون العشية فَجمع الرّجلَانِ جمَاعَة وكمنوا فِي طَريقَة فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم قَالَ لَهَا قتلتني قَالَت مَا ذكرتك وَرب الْكَعْبَة إِلَّا لفتيين من هُذَيْل فَقَالَ وَالله مَا هما من هُذَيْل ولكنهما من بني الديل وَقد جلسا لي وجمعا جمَاعَة من قومهما فَإِذا جزت عَلَيْهِم فَإِنَّهُم لن يعرضُوا لَك لِئَلَّا أستوحش فأفوتهم فاركضي بعيرك وضعي عَلَيْهِ الْعَصَا فَكَانَت على قعُود يسابق الرّيح فَلَمَّا دنا مِنْهُم وَقد تلثموا وَوَضَعُوا تَمرا على طَريقَة على كسَاء فَوقف قَلِيلا كَأَنَّهُ يصلح شَيْئا وجازتهم أم خرَاش وَوضعت الْعَصَا على قعودها وتوثبوا إِلَيْهِ فَوَثَبَ يعدو وسبقهم وَلم يلحقوه وَقَالَ أَبُو خرَاش فِي ذَلِك هَذِه القصيدة ا. هـ.

ورفوني قَالَ الْمفضل بن سَلمَة فِي الفاخر والمرزوقي فِي شرح الفصيح رفوت الرجل إِذا سكنته وَأنْشد هَذَا الْبَيْت ثمَّ قَالَا وَيُقَال رافيت فلَانا أَي وافقته قَالَ الشَّاعِر (الوافر)

(وَلما أَن رَأَيْت أَبَا رُوَيْم

يرافيني وَيكرهُ أَن يلاما)

وَأما رفأت الثَّوْب إِذا أصلحت خرقه أرفؤه رفئا فبالهمز وَمِنْه بالرفاء والبنين إِذا دعى للمتزوج وَفِي الْمَقْصُود والممدود للقالي الرفاء بِالْمدِّ الِاتِّفَاق والالتئام وَمِنْه قَوْلهم بالرفاء والبنين وَنهى رَسُول الله

أَن يُقَال

ص: 441

بالرفاء والبنين وَقَالَ أَبُو عبيد قَالَ الْأَصْمَعِي الرفاء يكون على مَعْنيين يكون من الِاتِّفَاق وَحسن الِاجْتِمَاع قَالَ وَمِنْه أَخذ رفء الثَّوْب لِأَنَّهُ يرفأ فيضم بعضه إِلَى بعض ويلأم وَيكون الرفاء من الهدو والسكون قَالَ

(رفوني وَقَالُوا يَا خويلد الْبَيْت)

وحَدثني أَبُو بكر بن دُرَيْد قَالَ قَالَ الْأَصْمَعِي فِي بَيت أبي خرَاش أَرَادَ رفئوني بِالْهَمْز وَالدَّلِيل على صِحَة مَا روى أَبُو بكر قَول الْأَصْمَعِي فِي كتاب الْهَمْز وَيُقَال رفأت الرجل إِذا سكنته حَتَّى يسكن وَكَذَلِكَ المرافأة مَهْمُوز وَالدَّلِيل على ذَلِك قَول أبي زيد فِي كتاب الْهَمْز رفأت الثَّوْب أرفؤه رفئا ورفأت المملك ترفئة إِذا دَعَوْت لَهُ ورافأني الرجل فِي البيع مرافأة ا. هـ.

فَجعله مهموزا لَا غير وَكَذَلِكَ قَالَ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف أخبرنَا ابْن أبي سعيد أَخْبرنِي طَابع سَمِعت قعنب بن مُحرز يسْأَل الْأَصْمَعِي عَن قَول الشَّاعِر رفوني وَقَالُوا يَا خويلد الْبَيْت فَقَالَ قعنب رقوني بِالْقَافِ فَقَالَ الْأَصْمَعِي مَا معنى رقوني قَالَ رقوه بالْكلَام قَالَ يصحف ويفسر التَّصْحِيف إِنَّمَا هُوَ رفوني بِالْفَاءِ وَأَصله رفئوني من رفأت فأزال الْهمزَة الشَّاعِر ا. هـ.

وخويلد اسْم الشَّاعِر وَلَا ترع نهي بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول

ص: 442

أَي لَا يحصللك روع وَخَوف وَجُمْلَة أنْكرت حَال من ضمير قلت بِتَقْدِير قد وَجُمْلَة هم هم مقول القَوْل

وأَبُو خرَاش قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي الطَّبَقَات هُوَ خويلد بن مرّة أحد بني قرد بن عَمْرو بن مُعَاوِيَة بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل أحد فرسَان الْعَرَب وفتاكهم أسلم وَهُوَ شيخ كَبِير وَحسن إِسْلَامه وَفِي تَارِيخ الذَّهَبِيّ مَا يدل على أَن إِسْلَامه كَانَ يَوْم حنين وَذكره ابْن حجر فِي الْقسم الثَّالِث من الْإِصَابَة وهم المخضرمون الَّذين لم يرد فِي خبر قطّ أَنهم اجْتَمعُوا بِالنَّبِيِّ

وَفِي الأغاني عَن الْأَصْمَعِي قَالَ دخل أَبُو خرَاش مَكَّة فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ مِمَّن يعدو على رجلَيْهِ فَيَسْبق الْخَيل فَرَأى الْوَلِيد بن الْمُغيرَة لَهُ فرسَان يُرِيد أَن يرسلهما فِي الحلبة فَقَالَ مَا تجْعَل لي إِن سبقتهما عدوا قَالَ إِن فعلت فهما لَك فسبقهما وَقَالَ الْكَلْبِيّ والأصمعي مر على أبي خرَاش نفر من الْيمن حجاجا فنزلوا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا أَمْسَى عِنْدِي مَاء وَلَكِن هَذِه برمة وشَاة وقربة فَردُّوا المَاء فَإِنَّهُ غير بعيد ثمَّ اطبخوا الشَّاة وذروا البرمة والقربة عِنْد المَاء نأخذهما فامتنعوا وَقَالُوا لَا نَبْرَح فَأخذ أَبُو خرَاش الْقرْبَة وسعى نَحْو المَاء تَحت اللَّيْل فاستقى ثمَّ أقبل فنهشتة حَيَّة

ص: 443

فَأقبل مسرعا حَتَّى أَعْطَاهُم المَاء وَلم يعلمهُمْ بِمَا أَصَابَهُ فَبَاتُوا يَأْكُلُون فَلَمَّا أَصْبحُوا وجدوه فِي الْمَوْت فأقاموا حَتَّى دفنوه فَبلغ عمر بن الْخطاب رَضِي الله

عَنهُ خَبره فَقَالَ وَالله لَوْلَا أَن تكون سنة لأمرت أَن لَا يُضَاف يماني بعْدهَا ثمَّ كتب إِلَى عَامله أَن يَأْخُذ النَّفر الَّذين نزلُوا بِهِ فيغرمهم دِيَته وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ (الطَّوِيل)

(بنونا بَنو أَبْنَائِنَا وبناتنا

بنوهن أَبنَاء الرِّجَال الأباعد)

على أَن الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر إِذا تَسَاويا تعريفا وتخصيصا يجوز تَأْخِير الْمُبْتَدَأ إِذا كَانَ هُنَاكَ قرينَة معنوية على تعْيين الْمُبْتَدَأ فَإِنَّهُ قدم الْخَبَر هُنَا على الْمُبْتَدَأ لوُجُود الْقَرِينَة من حَيْثُ الْمَعْنى فَإنَّك عرفت أَن الْخَبَر هُوَ محط الْفَائِدَة فَمَا يكون فِيهِ التَّشْبِيه الَّذِي تذكر الْجُمْلَة لأَجله فَهُوَ الْخَبَر وَهُوَ قَوْله بنونا إِذْ الْمَعْنى أَن بني أَبْنَائِنَا مثل بنينَا لَا أَن بنينَا مثل بني أَبْنَائِنَا قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح شَوَاهِد ابْن النَّاظِم وَقد يُقَال إِن هَذَا الْبَيْت لَا تَقْدِيم فِيهِ وَلَا تَأْخِير وَإنَّهُ جَاءَ على عكس التَّشْبِيه كَقَوْل ذِي الرمة (الطَّوِيل)

(وَرمل كأوراك العذارى قطعته)

فَكَانَ يَنْبَغِي للشَّارِح يَعْنِي ابْن النَّاظِم أَن يسْتَدلّ بِمَا أنْشدهُ وَالِده فِي شرح التسهيل من قَول حسان بن ثَابت رضي الله عنه (الْبَسِيط)

(قَبيلَة ألأم الْأَحْيَاء أكرمها

وأغدر النَّاس بالجيران وافيها)

ص: 444

إِذْ المُرَاد الْإِخْبَار عَن أكرمها بِأَنَّهُ ألأم الْأَحْيَاء وَعَن وافيها بِأَنَّهُ أغدر النَّاس لَا الْعَكْس انْتهى المُرَاد مِنْهُ وَقد منع الْكُوفِيُّونَ تَأْخِير الْمُبْتَدَأ قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف ذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنه لَا يجوز تَقْدِيم خبر الْمُبْتَدَأ عَلَيْهِ مُفردا كَانَ أَو جملَة فَالْأول نَحْو قَائِم زيد وَالثَّانِي نَحْو أَبوهُ قَائِم زيد وَأَجَازَهُ البصريون لمجيئه فِي كَلَام الْعَرَب نظما ونثرا وَمن النّظم قَوْله بنونا بَنو أَبْنَائِنَا الْبَيْت وَأطَال الْكَلَام فِيهِ وَهَذَا الْبَيْت لَا يعرف قَائِله مَعَ شهرته فِي كتب النُّحَاة وَغَيرهم قَالَ الْعَيْنِيّ وَهَذَا الْبَيْت اسْتشْهد بِهِ النُّحَاة على جَوَاز تَقْدِيم الْخَبَر والفرضيون على دُخُول أَبنَاء الْأَبْنَاء فِي الْمِيرَاث وَأَن الانتساب إِلَى الْآبَاء وَالْفُقَهَاء كَذَلِك فِي الْوَصِيَّة وَأهل الْمعَانِي وَالْبَيَان فِي التَّشْبِيه وَلم أر أحدا مِنْهُم عزاهُ إِلَى قَائِله ا. هـ.

وَرَأَيْت فِي شرح الْكرْمَانِي فِي شرح شَوَاهِد الكافية للخبيصي أَنه قَالَ هَذَا الْبَيْت قائلة أَبُو فراس همام الفرزدق بن غَالب ثمَّ تَرْجمهُ وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ قَول أبي تَمام (الطَّوِيل)

(لعاب الأفاعي القاتلات لعابه

وأري الجنى اشتارته أيد عواسل)

لما تقدم فِي الْبَيْت قبله أَي لعابه مثل لعاب الأفاعي

ص: 445

وَهَذَا الْبَيْت أحد أَبْيَات عشرَة فِي وصف الْقَلَم من قصيدة لأبي تَمام مدح بهَا مُحَمَّد بن عبد الْملك الزيات وأبيات الْقَلَم هِيَ هَذِه وَهِي أحسن وأفخم من جَمِيع مَا قيل فِي الْقَلَم

(لَك الْقَلَم الْأَعْلَى الَّذِي بشباته

ينَال من الْأَمر الكلى والمفاصل)

(لَهُ الخلوات اللاء لَوْلَا نجيها

لما أحتفلت للْملك تِلْكَ المحافل)

(لعاب الأفاعي القاتلات لعابه الْبَيْت)

(لَهُ ريقة طل وَلَكِن وقعها

بآثاره فِي الشرق والغرب وابل)

(فصيح إِذا استنطقته وَهُوَ رَاكب

وأعجم إِن ناطقته وَهُوَ راجل)

(إِذا مَا امتطى الْخمس اللطاف وأفرغت

عَلَيْهِ شعاب الْفِكر وَهِي حوافل)

(أَطَاعَته أَطْرَاف الرماح وقوضت

لنجواه تقويض الْخيام الجحافل)

(إِذا استغزر الذِّهْن الخلي وَأَقْبَلت

أعاليه فِي القرطاس وَهِي أسافل)

(وَقد رفدته الخنصران وسددت

ثَلَاث نواحيه الثَّلَاث الأنامل)

(رَأَيْت جَلِيلًا شَأْنه وَهُوَ مرهف

ضنى وسمينا خطبه وَهُوَ ناحل)

الشبا بِفَتْح الشين وَالْقصر حد كل شَيْء وَقَوله ينَال من الْأَمر روى أَيْضا يصاب من الْأَمر والكلى جمع كُلية وكلوه جَاءَ بِالْيَاءِ وَالْوَاو والمفاصل جمع مفصل وَهُوَ ملتقى كل عظمين أَرَادَ أَن الْقَلَم يطبق الْمفصل ويصادف المحز وَبِه ينَال مَقَاصِد الْأُمُور فَإِنَّهُ ينَال بالأقلام مَا يعجز عَنهُ مجالدة الحسام وَقَوله لَهُ الخلوات إِلَخ يَعْنِي أَن أَصْحَاب الْقَلَم هم أهل المشورة وَمَوْضِع السِّرّ يخلي لَهُم الْمُلُوك الْمجَالِس للمشورة وبهم يحصل نظام الْملك والنجي

ص: 446

المسار والتناجي المسارة وَأَرَادَ بِهِ المشير فَإِن المشورة تكون سرا غَالِبا والاحتفال حسن الْقيام بالأمور والمحافل جمع محفل كمجلس ومقعد وَهُوَ الْمُجْتَمع واللعاب مَا يسيل من الْفَم والقاتلات صفة كاشفة للأفاعي ذكرهَا تهويلا والأري بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء مَا لزق من الْعَسَل فِي جَوف الخلية والجنى بِفَتْح الْجِيم وَالْقصر الْعَسَل وَالْإِضَافَة للتخصيص فَإِن الأري يَأْتِي أَيْضا بِمَعْنى مَا لزق بِأَسْفَل الْقدر من الطبيخ وَإِن جعلت الأري بِمَعْنى الْعَسَل والجني بِمَعْنى كل مَا يجنى من ثَمَرَة وَنَحْوهَا يلْزم إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة واشتارته استخرجته يُقَال شار فلَان الْعَسَل شورا وشيارا وشيارة إِذا استخرجه وَكَذَلِكَ أشارة واشتاره وأيد جمع يَد والعواسل جمع عاسلة أَي مستخرجة الْعَسَل والعاسل مشتار الْعَسَل من مَوْضِعه والمصراع الأول بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَعْدَاء وَالثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوْلِيَاء يَعْنِي أَن لعاب قلمه بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَعْدَاء سم

قَاتل وبالنسبة إِلَى الْأَوْلِيَاء شِفَاء عَاجل فَقَوله لعابه مُبْتَدأ مُؤخر ولعاب الأفاعي خبر مقدم وَأرى مَعْطُوف على الْخَبَر وَجَاز هَذَا مَعَ تعرف الطَّرفَيْنِ لِأَن الْمَعْنى دَال عَلَيْهِ فَإِن اللعاب الْقَاتِل إِنَّمَا هُوَ لعاب الأفاعي فلعاب الْقَلَم مشبه بِهِ فِي التَّأْثِير وَعلم من هَذَا أَنه لَيْسَ من التَّشْبِيه المقلوب فَإِن لعاب الْقَلَم قد شبه بشيئين وهما السم وَالْعَسَل باعتبارين وَإِن جعلته من التَّشْبِيه المقلوب كَانَ من عطف الْجمل وَالْخَبَر فِي الْمَعْطُوف مَحْذُوف وَفِيه تكلّف

ص: 447

وَقَوله لَهُ ريقة طل ريقة مُبْتَدأ وطل وَصفه والظرف قبله خَبره والطل الْمَطَر الضَّعِيف والوابل وَكَذَا الوبل الْمَطَر الشَّديد الضخم الْقطر إِن مَا يجْرِي من الْقَلَم حقير تافه فِي ظَاهر الْأَمر وَلَكِن لَهُ أثر خير عَم الْمَشَارِق والمغارب وَأَرَادَ ب الْخمس اللطاف الْأَصَابِع الْخمس والشعاب جمع شعب بكسرهما الطَّرِيق فِي الْجَبَل والحوافل جمع حافلة يُقَال حفل اللَّبن وَغَيره حفلا وحفولا اجْتمع واحتفل الْوَادي امْتَلَأَ وسال وَقَوله أَطَاعَته أَطْرَاف إِلَخ هُوَ جَوَاب إِذا وروى أَطَاعَته أَطْرَاف القنا وتقوضت يُقَال تقوضت الصُّفُوف إِذا انتقضت وَأَصله من تقويض الْبناء وَهُوَ نقضه من غير هدم والنجوى السِّرّ وتقويض أَي كتقويض الْخيام والجحافل فَاعل قوضت وَهُوَ جمع جحفل بِتَقْدِيم الْجِيم على الْمُهْملَة كجعفر الْجَيْش واستغزر الذِّهْن وجده غزيرا وفاعله ضمير الْقَلَم والخلي الْخَالِي وروى بدله الذكي أَي المتوقد وَإِنَّمَا تكون أعالي الْقَلَم أسافل حِين الْكِتَابَة ورفدته أعانته وَرَأَيْت جَوَاب إِذا وشأنه فَاعل جَلِيلًا وَجُمْلَة وَهُوَ مرهف حَال وَهُوَ اسْم مفعول من أرهفت السَّيْف وَنَحْوه إِذا رققت شفرتيه وَيُقَال أَيْضا رهفته رهفا فَهُوَ رهيف ومرهوف وضنى تَمْيِيز وَهُوَ مصدر ضني من بَاب تَعب إِذا مرض مَرضا ملازما وسمينا مَعْطُوف على جَلِيلًا وناحل من نحل الْجِسْم ينْحل بفتحهما نحولا سقم وَمن بَاب تَعب لُغَة

ص: 448

وَأَبُو تَمام الطَّائِي مَضَت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخمسين وَلم يُورد الشَّارِح الْمُحَقق بَيته هُنَا شَاهدا وَإِنَّمَا أوردهُ نظيرا لما قبله وَأما ابْن الزيات الَّذِي مدحه أَبُو تَمام بِهَذِهِ القصيدة فَهُوَ أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبان الْمَعْرُوف بِابْن الزيات كَانَ جده أبان من قَرْيَة يُقَال لَهَا الدسكرة يجلب الزَّيْت وَكَانَ مُحَمَّد من أهل الْأَدَب فَاضلا عَالما بالنحو واللغة وَلما قدم الْمَازِني بَغْدَاد فِي أَيَّام المعتصم كَانَ أَصْحَابه وجلساؤه يحْضرُون بَين يَدَيْهِ فِي علم النَّحْو فَإِذا اخْتلفُوا فِيمَا يَقع فِيهِ الشَّك يَقُول لَهُم الْمَازِني ابْعَثُوا إِلَى هَذَا الْفَتى الْكَاتِب يَعْنِي مُحَمَّد بن عبد الْملك فَاسْأَلُوهُ واعرفوا جَوَابه وَكَانَ يصوب جَوَابه فعلا شَأْنه بذلك وَكَانَ فِي أول أمره من جملَة الْكتاب وَكَانَ أَحْمد بن عمار الْبَصْرِيّ وَزِير المعتصم فورد على المعتصم كتاب من بعض الْأَعْمَال فقرأه الْوَزير عَلَيْهِ فَإِذا فِي الْكتاب ذكر الْكلأ فَقَالَ لَهُ المعتصم مَا الْكلأ فَقَالَ لَا أعلم فَقَالَ المعتصم خَليفَة أُمِّي ووزير عَامي ثمَّ قَالَ أبصروا من بِالْبَابِ من الْكتاب فوجدوا مُحَمَّد بن عبد الْملك فَقَالَ لَهُ مَا الْكلأ فَقَالَ هُوَ العشب على الْإِطْلَاق فَإِن كَانَ رطبا فَهُوَ الخلا وَإِذا يبس فَهُوَ الْحَشِيش وَشرع فِي تَقْسِيم أَنْوَاع النَّبَات فَعلم المعتصم فَضله فاستوزره وَحكمه وَبسط يَده ومدحه أَبُو تَمام بقصائد ومدحه البحتري بقصيدته الدالية وَأحسن فِي وصف خطه وبلاغته

ص: 449

وَكَانَ ابْن الزيات هجا القَاضِي ابْن أبي دؤاد الْإِيَادِي بتسعين بَيْتا فَعمل القَاضِي فِيهِ بَيْتَيْنِ وَقَالَ (السَّرِيع)

(أحسن من تسعين بَيْتا سدى

جمعك معناهن فِي بَيت)

(مَا أحْوج الْملك إِلَى مطرة

تغسل عَنهُ وضر الزَّيْت)

وَقيل هما لعَلي بن الجهم وَبعد المعتصم وزر لِابْنِهِ الواثق هَارُون فَقَالَ ابْن الزيات (المنسرح)

(قد قلت إِذا غيبوه وَانْصَرفُوا

من خير قبر لخير مدفون)

(لن يجْبر الله أمه فقدت

مثلك إِلَّا بِمثل هَارُون)

وَبعد الواثق وزر للمتوكل وَكَانَ ابْن الزيات يدْخل عَلَيْهِ المتَوَكل أَيَّام المعتصم والواثق فَكَانَ يتجهمه ويحتقره ويستهزئ بِهِ فحقد عَلَيْهِ المتَوَكل وَبعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا من ولَايَته قبض عَلَيْهِ واستصفى أَمْوَاله وَكَانَ ابْن الزيات قد اتخذ تنورا من حَدِيد وأطراف مَسَامِيرهُ المحدودة إِلَى دَاخله وَهِي قَائِمَة مثل رُؤُوس المسال وَكَانَ يعذب فِيهِ أَيَّام وزارته فكيفما انْقَلب المعذب أَو تحرّك من حرارة الْعقُوبَة تدخل المسامير فِي جِسْمه وَإِذا قَالَ لَهُ أحد أرحمني أَيهَا الْوَزير فَيَقُول لَهُ الرَّحْمَة خور فِي الطبيعة فَلَمَّا

ص: 450

اعتقله المتَوَكل أَمر بإدخاله فِي التَّنور وقيدة بِخَمْسَة عشر رطلا من الْحَدِيد فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ارْحَمْنِي فَقَالَ لَهُ الرَّحْمَة خور فِي الطبيعة كَمَا كَانَ يَقُول للنَّاس وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَت مُدَّة تعذيبه فِي التَّنور أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَى أَن مَاتَ فِيهِ وَوجد مَكْتُوبًا بالفحم فِي جَانب التَّنور (مجزوء الرمل)

(من لَهُ عهد بنوم

يرشد الصب إِلَيْهِ)

(رحم الله رحِيما

دلّ عَيْني عَلَيْهِ)

(سهرت عَيْني ونامت

عين من هنت عَلَيْهِ)

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ (المتقارب)

(إِلَى الْملك القرم وَابْن الْهمام

وَلَيْث الكتيبة فِي المزدحم)

على أَن يجوز عطف أحد الْخَبَرَيْنِ على الآخر كَمَا يجوز عطف بعض الْأَوْصَاف على بَعْضهَا كَمَا هُنَا قَالَ ابْن الْهمام وَلَيْث الكتيبة وصفان للْملك وَقد عطفا على الصّفة الأولى وَهِي القرم وَاسْتشْهدَ بِهِ الْفراء فِي مَعَاني الْقُرْآن وَصَاحب الْكَشَّاف أَيْضا لهَذَا الْأَمر وَبعده بَيت أوردهُ ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف وَهُوَ

(وَذَا الرَّأْي حِين تغم الْأُمُور

بِذَات الصليل وَذَات اللجم)

وَقَالَ نصب ذَا الرَّأْي على الْمَدْح وَالْقَرْمُ بِفَتْح الْقَاف السَّيِّد

ص: 451

والهمام الْملك الْعَظِيم الهمة وَالسَّيِّد الشجاع السخي والكتيبة الْجَيْش وَقيل جمَاعَة الْخَيل إِذا أغارت من الْمِائَة إِلَى الْألف والمزدحم مَحل الازدحام يُقَال ازْدحم الْقَوْم وتزاحموا أَي تضايقوا وَأَرَادَ بِهِ المعركة وَالْغَم فِي الأَصْل ستر كل شَيْء وَمِنْه الْغَمَام لِأَنَّهُ يستر الضَّوْء وَالشَّمْس وَمِنْه أَيْضا الْغم الَّذِي يغم الْقلب أَي يستره ويغشيه وَقَوله بِذَات الصليل مُتَعَلق بِالرَّأْيِ وَهُوَ الْبَيْضَة يُقَال صل الْبيض يصل صليلا سمع لَهُ طنين عِنْد القراع وَذَات اللجم الْخَيل وَهُوَ جمع لجام أَرَادَ أَنه يمدهُمْ بِالسِّلَاحِ وَالرِّجَال وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالسَّبْعُونَ (الطَّوِيل)

(فاما الْقِتَال لَا قتال لديكم)

على أَن حذف الْفَاء الدَّاخِلَة على خبر الْمُبْتَدَأ الْوَاقِع بعد أما ضَرُورَة فَإِن الْقِتَال مُبْتَدأ وَجُمْلَة لَا قتال لديكم خبْرَة والرابط الْعُمُوم الَّذِي فِي اسْم لَا قَالَه ابْن إياز فِي شرح الْفُصُول وَمثله بَيت الْكتاب لِابْنِ ميادة (الطَّوِيل)

(أَلا لَيْت شعري هَل إِلَى أم معمر

سَبِيل فَأَما الصَّبْر عَنْهَا فَلَا صبرا)

قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة هُوَ بِمَنْزِلَة قَوْلهم نعم الرجل زيد وَذَلِكَ أَن الصَّبْر عَنْهَا فِي بعض الصَّبْر لَا جَمِيعه وَقَوله فَلَا صَبر نفي للْجِنْس أجمع فَدخل الصَّبْر عَنْهَا وَهُوَ الْبَعْض فِي جملَة مَا نفي من الْجِنْس كَمَا أَن زيدا بعض الرِّجَال فَأَما الْبَيْت الآخر (الطَّوِيل)

(فَأَما الصُّدُور لَا صُدُور لجَعْفَر

وَلَكِن أعجازا شَدِيدا ضريرها)

ص: 452

فَالثَّانِي هُوَ الأول سَوَاء وَكَذَلِكَ قَول الآخر

(فَأَما الْقِتَال لَا قتال لديكم الْبَيْت)

فَالثَّانِي هُوَ الأول وَكِلَاهُمَا جنس انْتهى وَهَذَا المصراع صدر وعجزه

(وَلَكِن سيرا فِي عراض المواكب)

لَكِن اسْمهَا مَحْذُوف وسيرا مفعول مُطلق عَامله مَحْذُوف وَهُوَ خبر لَكِن أَي وَلَكِنَّكُمْ تسيرون سيرا وَيجوز أَن يكون سيرا اسْم لَكِن وَالْخَبَر محذوفا أَي وَلَكِن لكم سيرا وَفِي عراض مُتَعَلق بتسيرون الْمَحْذُوف وَهُوَ جمع عرض بِضَم الْعين وَسُكُون الرَّاء وَآخره ضاد مُعْجمَة بِمَعْنى النَّاحِيَة والمواكب الْجَمَاعَة ركبانا أَو مشَاة وَقيل ركاب الْإِبِل للزِّينَة من وكب يكب وكوبا مَشى فِي درجان وَقبل هَذَا الْبَيْت بَيت وَهُوَ

(فضحتم قُريْشًا بالفرار وَأَنْتُم

قمدون سودان عِظَام المناكب)

والقمد بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الدَّال الطَّوِيل وَقيل الطَّوِيل الْعُنُق الضخمة من القمد بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الطول وَقيل ضخامة الْعُنُق فِي طول وَالْوَصْف أقمد وقمد وَالْأُنْثَى قمداء وقمدة وقمدانية والسودان أَرَادَ بِهِ الْأَشْرَاف جمع سود وَهُوَ جمع أسود أفعل تَفْضِيل من السِّيَادَة والبيتان لِلْحَارِثِ بن خَالِد المَخْزُومِي كَذَا قَالَ ابْن خلف وَقَالَ صَاحب الأغاني هما مِمَّا هجا بهما قَدِيما بني أسيد بن أبي الْعيص بن أُميَّة بن عبد شمس ا. هـ.

والْحَارث هُوَ ابْن خَالِد بن الْعَاصِ بن هِشَام بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عَمْرو بن مَخْزُوم

ص: 453

قَالَ الزبير بن بكار فِي أَنْسَاب قُرَيْش كَانَ الْحَارِث شَاعِرًا كثير الشّعْر وَهُوَ الَّذِي يَقُول (الْبَسِيط)

(من كَانَ يسْأَل عَنَّا أَيْن منزلنا

فالأقحوانة منا منزل قمن)

(إِذْ نلبس الْعَيْش غضا لَا يكدره

خوف الوشاة وَلَا ينبو بِنَا الزَّمن)

والأقحوانة مَاء بَين بِئْر مَيْمُون إِلَى بِئْر ابْن هِشَام وَكَانَ يزِيد اسْتَعْملهُ على مَكَّة وَابْن الزبير يَوْمئِذٍ بهَا فَمَنعه ابْن الزبير فَلم يزل فِي دَاره مُعْتَزِلا لِابْنِ الزبير حَتَّى ولي عبد الْملك بن مَرْوَان فولاه مَكَّة ثمَّ عَزله فَقدم عَلَيْهِ دمشق فَلم ير لَهُ عِنْده مَا يحب فَانْصَرف عَنهُ وَقَالَ (الطَّوِيل)

(عطفت عَلَيْك النَّفس حَتَّى كَأَنَّمَا

بكفيك بؤسي أَو لديك نعيمها)

(فَمَا بِي إِن أقصيتني من ضراعة

وَلَا افْتَقَرت نَفسِي إِلَى من يضيمها)

انْتهى وَمن شعره (الْكَامِل)

(أظلوم إِن مصابكم رجلا

أهْدى السَّلَام تَحِيَّة ظلم)

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالسَّبْعُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س

ص: 454

(الطَّوِيل)

عَجزه

(وأكرومة الْحَيَّيْنِ خلو كَمَا هيا)

على أَن الْفَاء فِي فانكح زَائِدَة عِنْد الْأَخْفَش وخولان مُبْتَدأ وانكح خَبره وَعند سِيبَوَيْهٍ غير زَائِدَة وَالْأَصْل هَذِه خولان فانكح فَتَاتهمْ قَالَ ابْن خلف قَالَ أَبُو عَليّ من جعل الْفَاء زَائِدَة أجَاز فِي خولان الرّفْع وَالنّصب كَقَوْلِك زيدا فَاضْرِبْهُ فَإِن قلت زيدأ فَاضْرب جَازَ عِنْد الْجَمِيع قَالَ تَعَالَى {وثيابك فطهر} وَنقل أَبُو جَعْفَر النّحاس عَن الْمبرد أَنه قَالَ لَو قلت هَذَا زيدا فَاضْرِبْهُ جَازَ أَن تجْعَل زيدا عطف بَيَان أَو بَدَلا فَلَو رفعت خولان بِالِابْتِدَاءِ لم يجز من أجل الْفَاء وَإِنَّمَا جَازَ مَعَ هَذَا لِأَن فِيهَا معنى التَّنْبِيه وَالْإِشَارَة وَقَالَ أَبُو الْحسن وَيجوز النصب على الذَّم انْتهى وَالظَّاهِر أَن يَقُول وَيجوز النصب على الْمَدْح كَمَا قَالَ غَيره فَإِن المرغب لَا يذم وعَلى قَول س فالفاء إِمَّا لعطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر وَهُوَ جَائِز فِيمَا لَهُ مَحل من الْإِعْرَاب وَأما لربط جَوَاب شَرط مَحْذُوف أَي إِذا كَانَ كَذَلِك فانكح قَالَ سِيبَوَيْهٍ قد يحسن ويستقيم أَن تَقول عبد الله فَاضْرِبْهُ إِذا كَانَ الْخَبَر مَبْنِيا على مُبْتَدأ مظهر أَو مُضْمر نَحْو هَذَا زيد فَاضْرِبْهُ والهلال وَالله فَانْظُر إِلَيْهِ وَقَالَ السيرافي الْجمل كلهَا يجوز أَن تكون أجوبتها بِالْفَاءِ نَحْو زيد أَبوك فَقُمْ إِلَيْهِ فَإِن كَونه أَبَاهُ سَبَب وَعلة للْقِيَام إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْفَاء فِي فانكح يدل على أَن وجود هَذِه الْقَبِيلَة عِلّة لِأَن يتَزَوَّج مِنْهُم ويتقرب إِلَيْهِم لحسن نسائها وشرفها وَفِيه إِشَارَة إِلَى ترَتّب الحكم على الْوَصْف وأرده صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى {رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض

ص: 455

وَمَا بَينهمَا فاعبده} قَالَ إِن رب خبر مُبْتَدأ أَي هُوَ رب السَّمَاوَات كَمَا فِي خولان

بِالرَّفْع أَي هَؤُلَاءِ خولان وخولان حَيّ بِالْيمن وروى فانكح فتاتها لِأَنَّهُ أَرَادَ الْقَبِيلَة وجملتا هَذِه خولان فانكح فَتَاتهمْ فِي مَحل نصب على أَنَّهَا مقول القَوْل وَإِنَّمَا عمل فِيهَا النصب وَهُوَ قائلة لاعتماده على الْمَوْصُوف الْمُقدر أَي رب امْرَأَة قائلة وَبِه يدْفع مَا يرد عَلَيْهِ من أَن مجرور رب غير مَوْصُوف بِشَيْء مَعَ أَن وَصفه وَاجِب فَإِن الْمَجْرُور هُوَ الْوَصْف والموصوف مَحْذُوف أَو تَقول الصّفة محذوفة أَي رب قائلة قَالَت لي لَكِن يرد عَلَيْهِ أَن مَا بعد رب يلْزمه الْمُضِيّ وَالْوَصْف هُنَا مُسْتَقْبل بِدَلِيل إعماله وَيدْفَع أَيْضا بِأَنَّهُ أَرَادَ حِكَايَة الْحَال الْمَاضِيَة بِدَلِيل أَن الْمَعْنى قد قيل لي ذَلِك فِيمَا مضى وَلَيْسَ المُرَاد أَنه يُقَال لي هَذَا فِيمَا يسْتَقْبل أَو أَنه مَاض وَعمل على مَذْهَب الْكسَائي قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي وَسمع أَعْرَابِي يَقُول بعد انْقِضَاء رَمَضَان رب صائمه لن يَصُومهُ وَيَا رب قائمه لن يقومه وَهُوَ مِمَّا تمسك بِهِ الْكسَائي على إِعْمَال اسْم الْفَاعِل الْمُجَرّد بِمَعْنى الْمَاضِي وَرب هُنَا للتكثير وَهِي حرف جر لَا يتَعَلَّق بِشَيْء وَالْفِعْل المعدى مَحْذُوف أَي رب قائلة هَذَا القَوْل أدركتها ورأيتها فمجرور رب جَاءَ فِي مَحل رفع على الِابْتِدَاء أَو فِي مَحل نصب على المفعولية على شريطة التَّفْسِير وَإِن قدرت أدْركْت فمحله نصب لَا غير وَقَوله وأكرومة الْحَيَّيْنِ خلو الأكرومة فعل الْكَرم مصدر بِمَعْنى اسْم الْمَفْعُول أَي ومكرمة الْحَيَّيْنِ وَأَرَادَ بالحيين حَيّ أَبِيهَا وَحي أمهَا والخلو بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة الَّتِي لَا زوج لَهَا وَهَذِه الْجُمْلَة الظَّاهِر أَنَّهَا فِي مَحل نصب على الْحَال وَالْمعْنَى رب قائلة قَالَت لي هَؤُلَاءِ خولان فانكح فتاتها فَقلت كَيفَ أنْكحهَا وأكرومة الْحَيَّيْنِ خَالِيَة عَن الزَّوْج قيل

ص: 456

وَيجوز أَن الْجُمْلَة من تَمام قَول القائلة وَلَا يخفى أَنه لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ الْوَجْه أَن يُقَال فأكرومة الْحَيَّيْنِ بِالْفَاءِ فَتَأمل وَقَوله كَمَا هيا صفة لخلو وَفِيه فعل مَحْذُوف أَي كَمَا كَانَت خلوا فَلَمَّا حذفت كَانَ برز الضَّمِير وَمَا مَصْدَرِيَّة فِي الْجَمِيع وَيجوز أَيْضا أَن يكون هِيَ مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف وَمَا مَوْصُولَة أَي كالحالة الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا فِيمَا عهدته وَالْكَاف بِمَعْنى على وَيحْتَمل أَن مَا زَائِدَة فَيكون ضمير الرّفْع قد استعير فِي مَوضِع الضَّمِير الْمَجْرُور وَالْمعْنَى أَنَّهَا خلو الْآن كهي فِيمَا مضى وَالْكَاف للتشبيه وَيحْتَمل أَيْضا أَنَّهَا كَافَّة وَهِي مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف أَي

هِيَ عَلَيْهِ وَقد جوزوا هَذِه الْوُجُوه إِلَّا المصدرية فِي قَوْلهم كن كَمَا أَنْت نقلهَا ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي فِي الْكَاف وَزَاد عَلَيْهَا وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ الْخمسين الَّتِي لم يعرف لَهَا ناظم وَالله أعلم وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد جمل الزجاجي (الْخَفِيف)

(إِن من يدْخل الْكَنِيسَة يَوْمًا

يلق فِيهَا جآذرا وظباء)

على أَن اسْم إِن ضمير شَأْن وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة بعْدهَا خَبَرهَا وَإِنَّمَا لم يَجْعَل من اسْمهَا لِأَنَّهَا شَرْطِيَّة بِدَلِيل جزمها الْفِعْلَيْنِ وَالشّرط لَهُ الصَّدْر فِي جملَته فَلَا يعْمل فِيهِ مَا قبله

ص: 457

قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل هَذَا الْبَيْت للأخطل وَكَانَ نَصْرَانِيّا فَلذَلِك ذكر الْكَنِيسَة وَقَالَ ابْن هِشَام اللَّخْمِيّ فِي شرحها لم أَجِدهُ فِي ديوَان الأخطل أَقُول قد فتشت ديوَان الأخطل من رِوَايَة السكرِي فَلم أظفر بِهِ فِيهِ

وَلَعَلَّه ثَابت فِي رِوَايَة أُخْرَى وَنسبه السُّيُوطِيّ فِي شَوَاهِد الْمُغنِي إِلَى الأخطل وَقَالَ وَبعده

(مَالَتْ النَّفس بعْدهَا إِذْ رأتها

فَهِيَ ريح وَصَارَ جسمي هباء)

(لَيْت كَانَت كَنِيسَة الرّوم إِذْ ذَاك

علينا قطيفة وخباء)

الْكَنِيسَة هُنَا متعبد النَّصَارَى وَأَصله متعبد الْيَهُود مُعرب كنشت بِالْفَارِسِيَّةِ والجآذر جمع جؤذر وَهُوَ ولد الْبَقَرَة بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَحكى الْكُوفِيُّونَ فتحهَا أَيْضا وسردوا ألفاظا كَثِيرَة على فعلل بِضَم الأول وَفتح الثَّالِث مِنْهَا جؤذر وبرقع وطحلب وجخدب وضفدع والبصريون لَا يعْرفُونَ فِيهَا إِلَّا ضم الثَّالِث والظباء الغزلان الْوَاحِد ظَبْيَة يَقُول من يدْخل الْكَنِيسَة يلق فِيهَا أشباه الجآذر من أَوْلَاد النَّصَارَى وَأَشْبَاه الظباء من نِسَائِهِم فكنى عَن الصّبيان بالجآذر وَعَن النِّسَاء بالظباء وَقَالَ اللَّخْمِيّ وَيحْتَمل أَن يُرِيد الصُّور الَّتِي يصورونها فِيهَا لِأَن كنائس الرّوم قل أَن تَخْلُو من الصُّور شَبيهَة بالجآذر والغزلان قَالَ عمر بن أبي ربيعَة

ص: 458

(الْخَفِيف)

(دمية عِنْد رَاهِب ذِي اجْتِهَاد

صوروها بِجَانِب الْمِحْرَاب)

وَيَعْنِي ب الدمية الصُّورَة والهباء الْغُبَار الرَّقِيق والقطيفة كسَاء ذُو خمل والأخطل هَذَا هُوَ التغلبي الشَّاعِر الْمَشْهُور من الأراقم واسْمه غياث بن غوث بن الصَّلْت بن طارقة وأنهى نسبته الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف إِلَى تغلب

قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب وَسمي الأخطل من الخطل وَهُوَ استرخاء الْأُذُنَيْنِ وَمِنْه قيل لكلاب الصَّيْد خطل قَالَ شَارِحه ابْن السَّيِّد لَا أعلم أحدأ ذكر أَن الأخطل كَانَ طَوِيل الْأُذُنَيْنِ مسترخيهما وَالْمَعْرُوف أَنه لقب الأخطل لبذاءته وسلاطه لِسَانه وَذَلِكَ أَن ابْني جعيل)

(لعمرك إِنَّنِي وَابْني جعيل

وأمهما لإستار لئيم)

فَقيل إِنَّه لأخطل فَلَزِمَهُ هَذَا اللقب والإسنار مُعرب جهار وَهُوَ أَرْبَعَة من الْعدَد بِالْفَارِسِيَّةِ وَقَالَ بعض الروَاة وَحكى نَحْو ذَلِك أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني

ص: 459

إِن السَّبَب فِي تلقيبه بالأخطل أَن كَعْب بن جعيل كَانَ شَاعِر تغلب فِي وقته وَكَانَ لَا يلم برهط مِنْهُم إِلَّا أكرموه وَأَعْطوهُ فَنزل على رَهْط الأخطل فأكرموه وجمعوا لَهُ غنما وحظروا عَلَيْهَا حَظِيرَة فجَاء الأخطل فأخرجها من الحظيرة وفرقها فَخرج كَعْب وَشَتمه واستعان بِقوم من تغلب فجمعوها لَهُ وردوها إِلَى الحظيرة فَارْتَقِبْ الأخطل غفلته ففرقها ثَانِيَة فَغَضب كَعْب وَقَالَ كفوا عني هَذَا الْغُلَام وَإِلَّا هجوتكم فَقَالَ لَهُ الأخطل إِن هجوتنا هجوناك وَكَانَ الأخطل يَوْمئِذٍ يقرزم والقرزمة أَن يَقُول الشّعْر فِي أول أمره قبل أَن يستحكم طبعه وتقوى قريحته فَقَالَ كَعْب وَمن يهجوني فَقَالَ أَنا فَقَالَ كَعْب

(ويل لهَذَا الْوَجْه غب الحمه)

فَقَالَ الأخطل

(فناك كَعْب بن جعيل أمه)

فَقَالَ كَعْب إِن غلامكم هَذَا لأخطل ولج الهجاء بَينهمَا فَقَالَ الأخطل (المتقارب)

(سميت كَعْبًا بشر الْعِظَام

وَكَانَ أَبوك يُسمى الْجعل)

(وَأَنت مَكَانك من وَائِل

مَكَان القراد من است الْجمل)

فَفَزعَ كَعْب وَقَالَ وَالله لقد هجوت نَفسِي بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وَعلمت أَن ساهجى بهما وَقيل بل قَالَ هجوت نَفسِي بِالْبَيْتِ الأول من هذَيْن الْبَيْتَيْنِ

ص: 460

وَقيل إِن الأخطل اسْمه غويث ويكنى أَبَا مَالك ويلقب دوبلا أَيْضا والدوبل الْحمار الْقصير الذَّنب وَيُقَال إِن جَرِيرًا هُوَ الَّذِي لقبه بذلك بقوله (الطَّوِيل)

(بَكَى دوبل لَا يرقىء الله دمعه

إِلَّا إِنَّمَا يبكى من الذل دوبل)

وَمَات على نصرانيته وَكَانَ مقدما عِنْد خلفاء بني أُميَّة لمدحه لَهُم وانقطاعه إِلَيْهِم ومدح مُعَاوِيَة وأبنه يزِيد وهجا الْأَنْصَار رضي الله عنهم بِسَبَبِهِ فلعنه الله وأخزاه وخذله وَعمر عمرا طَويلا إِلَى أَن ذهب إِلَى النَّار وَبئسَ الْقَرار قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة وَمن الفحول الْمُتَأَخِّرين الأخطل وَبَلغت بِهِ الْحَال فِي الشّعْر إِلَى أَن نادم عبد الْملك بن مَرْوَان واركبه ظهر جرير بن عَطِيَّة الشَّاعِر وَهُوَ مُسلم تَقِيّ وَقيل أمره بذلك عبد الْملك بِسَبَب شعر (فاخره) فِيهِ

بَين يَدَيْهِ وَطول لِسَانه حَتَّى قَالَ مجاهرا لعنة الله عَلَيْهِ لَا يسْتَتر فِي الطعْن على الدَّين وَالِاسْتِخْفَاف بِالْمُسْلِمين (الوافر)

(وَلست بصائم رَمَضَان طَوْعًا

وَلست بآكل لحم الْأَضَاحِي)

(وَلست بزاجر عنسا بكورا

إِلَى بطحاء مَكَّة للنجاح)

(وَلست مناديا أبدا بلَيْل

كَمثل العير حَيّ على الْفَلاح)

(وَلَكِنِّي سأشربها شمولا

وأسجد عِنْد منبلج الصَّباح)

وَقد رد على جرير أقبح رد وَتَنَاول من أَعْرَاض الْمُسلمين وقبائل الْعَرَب وأشرافهم مَا لَا ينجو من مثله علوي فضلا عَن نَصْرَانِيّ وعد الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف من لقب الأخطل أَرْبَعَة أحدهم

ص: 461

هَذَا وَالثَّانِي الأخطل الضبعِي كَانَ شَاعِرًا وَادّعى النُّبُوَّة وَكَانَ يَقُول لمضر صدر النُّبُوَّة وَلنَا عجزها فَأَخذه ابْن هُبَيْرَة فِي دولة الأمويين فَقَالَ أَلَسْت الْقَائِل (الطَّوِيل)

(لنا شطر هَذَا الْأَمر قسمه عَادل

مَتى جعل الله الرسَالَة ترتبا)

أَي راتبة دائمة فِي وَاحِد قَالَ وَأَنا الْقَائِل (الطَّوِيل)

(وَمن عجب الْأَيَّام أَنَّك حَاكم

عَليّ وَأَنِّي فِي يَديك أَسِير)

قَالَ أَنْشدني شعرك (فِي الدَّجَّال) قَالَ اغرب وَيلك فَأمر بِهِ فَضربت عُنُقه وَالثَّالِث الأخطل الْمُجَاشِعِي وَهُوَ الأخطل بن غَالب أَخُو الفرزدق وَكَانَ شَاعِرًا وَإِنَّمَا كسفه الفرزدق فَذهب شعره وَالرَّابِع الأخطل بن حَمَّاد بن الأخطل بن ربيعَة بن النمر بن تولب

وَأنْشد بعده

(وَلَو أَن مَا أسعى لأدنى معيشة)

تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ (البيسط)

(قَالَت أُمَامَة لما جِئْت زائرها

هلا رميت بِبَعْض الأسهم السود)

(لَا در دَرك إِنِّي قد رميتهم

لَوْلَا حددت وَلَا عذرى لمحدود)

على أَنه رُبمَا دخلت لَوْلَا على الفعلية كَمَا هُنَا أَي لَوْلَا الْحَد وَهُوَ

ص: 462

الحرمان وَهَذَا الْبَيْت يرد مَذْهَب الْفراء الْقَائِل بِأَن مَا بعد لَوْلَا مَرْفُوع بهَا فَلَو كَانَت عاملة للرفع لذكر بعْدهَا هُنَا مَرْفُوع فَوَجَبَ كَونهَا غير عاملة لعدم مَرْفُوع وَهَذَا الَّذِي نسبه الشَّارِح الْمُحَقق إِلَى الْفراء نسبه ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف وَابْن الشجري فِي أمالية إِلَى الْكُوفِيّين وَذهب ابْن الْأَنْبَارِي إِلَى صِحَة مَذْهَبهم وَقَالَ الصَّحِيح مَا ذهب إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ من أَن لَوْلَا نائبة عَن الْفِعْل الَّذِي لَو ظهر لرفع الِاسْم فَإِن التَّقْدِير فِي لَوْلَا زيد لأكرمتك لَو لم يَمْنعنِي زيد من إكرامك لأكرمتك إِلَّا أَنهم حذفوا الْفِعْل تَخْفِيفًا وَزَادُوا لَا على لَو فَصَارَ بِمَنْزِلَة حرف وَاحِد وَأجَاب عَن الْبَيْت بِأَن لَوْلَا هُنَا هِيَ لَو الامتناعية وَلَا مَعهَا بِمَعْنى لم لِأَن لَا مَعَ الْمَاضِي بِمَنْزِلَة لم مَعَ الْمُسْتَقْبل فَكَأَنَّهُ قَالَ قد رميتهم لَو لم أحد وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {فَلَا اقتحم الْعقبَة} أَي لم يقتحمها ا. هـ.

وَقَالَ يُوسُف بن السيرافي فِي شرح شَوَاهِد الْغَرِيب المُصَنّف لأبي عبيد

الْقَاسِم بن سَلام لَوْلَا لَا يَقع بعْدهَا إِلَّا الْأَسْمَاء وَتَكون مُبتَدأَة وتحذف أَخْبَارهَا وجوبا وَتَقَع بعْدهَا أَن الْمَفْتُوحَة الْمُشَدّدَة وَهِي وَاسْمهَا وخبرها فِي تَقْدِير اسْم وَاحِد فَلَمَّا اضْطر الشَّاعِر حذف أَن وَاسْمهَا أَي لَوْلَا أَنِّي حددت يَقُول لَوْلَا أَنِّي حددت لقتلت الْقَوْم وَهَذَا قَبِيح لِأَنَّهُ يجْرِي مجْرى حذف الْمَوْصُول وإبقاء الصِّلَة وَيجوز أَن يكون شبه لَوْلَا بلو فأولاها الْفِعْل أَو شبه أَن الشَّدِيدَة بِأَن الْخَفِيفَة فَأن الْخَفِيفَة قد تحذف كَقَوْلِه (الطَّوِيل)

(أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى)

ص: 463

فَلَمَّا استجازوا حذفهَا حذفوا الثَّقِيلَة لِأَنَّهُمَا حرفا مصدر وَهَذَا الشّعْر للجموح أحد بني ظفر بن سليم بن مَنْصُور وبعدهما بيتان آخرَانِ وهما (الْبَسِيط)

(إِذْ هم كَرجل الدبى لَا در دِرْهَم

يغزون كل طوال الْمَشْي مَمْدُود)

(فَمَا تركت أَبَا بشر وَصَاحبه

حَتَّى أحَاط صَرِيح الْمَوْت بالجيد)

وروى هَذِه الأبيات الْأَرْبَعَة أَبُو تَمام فِي كِتَابه مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل لراشد بن عبد الله السّلمِيّ ونسبها ابْن السيرافي وَابْن الشجري للجموح كَمَا ذكرنَا وَقَالَ ابْن السيرافي كَانَ من خبر الجموح الظفري أَنه بَيت بني لحيان وَبني سهم ابْن هُذَيْل بواد يُقَال لَهُ ذَات البشام وَكَانَ الجموح قد جمع جمعا من بني سليم

وَفِيهِمْ رجل يقودهم مَعَه يكنى بِأبي بشر فتحالف الجموح وَأَبُو بشر على الْمَوْت وَكَانَ فِي كنَانَة الجموح نبل معلمة بسواد حلف ليرمين بهَا جمع قبل رجعته فِي عدوه فَقتل أَبُو بشر وَهزمَ أَصْحَابه وأصابتهم بَنو لحيان تِلْكَ اللَّيْلَة وأعجز الجموح فَقَالَت لَهُ امْرَأَته وَهِي تلومه هلا رميت تِلْكَ النبل الَّتِي كنت آلَيْت لترمين بهَا وأمامه زَوجته وروى لما جِئْت طارقها وروى هلا رميت بباقي الأسهم الْأسود قَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات وتتخذ السِّهَام من القنا وقلما يرغب فِيهَا أهل الْبَوَادِي لِأَنَّهَا خفاف وَإِن كَانَ مداها أبعد وقداح أهل الْبَوَادِي غِلَاظ ثقال عراض الحدائد فَهِيَ قَوِيَّة إِذا نشبت فِي الصَّيْد

ص: 464

فعضها لم تنكسر وَكَانَت جراحاتها وَاسِعَة لأَنهم أَصْحَاب صيد وحروب وسهام القنا سود الألوان وَإِيَّاهَا عَنى الشَّاعِر بقوله

(هلا رميت بِبَعْض الأسهم السود ا. هـ.

وَقَوله لَا در دَرك أَي فَقلت لَهَا لَا كَانَ فِيك خير وَلَا أتيت بِخَير يَدْعُو عَلَيْهَا وَالْكَاف مَكْسُورَة وحددت بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول حرمت ومنعت قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات يُقَال حددته حدا إِذا منعته وَقد حد الرجل عَن الرزق إِذا منع مِنْهُ وَهُوَ مَحْدُود وَأنْشد هَذَا الْبَيْت يَقُول قد رميت وَاجْتَهَدت فِي قِتَالهمْ وَلَكِنِّي حرمت النَّصْر عَلَيْهِم وَلَا يقبل عذر المحروم وروى لَا در كسبك وروى أَبُو تَمام لله دَرك فَيكون دُعَاء لَهَا والعذرى بِضَم الْعين وَالْقصر اسْم بِمَعْنى المعذرة قَالَ فِي الصِّحَاح عذرته فِيمَا صنع أعذره عذرا وعذرا وَالِاسْم المعذرة والعذرى وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَالرجل بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْجِيم الْقطعَة الْعَظِيمَة من الْجَرَاد والدبى بِفَتْح الدَّال وبالموحدة وبالقصر أَصْغَر الْجَرَاد والطوال كغراب (الطَّوِيل)

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّمَانُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ (الطَّوِيل)

(وَمَا ليل الْمطِي بنائم)

أَصله

(لقد لمتنا يَا أم غيلَان بالسرى

ونمت وَمَا ليل الْمطِي بنائم)

ص: 465

على أَن الزَّمَان يسند إِلَيْهِ كثيرا مَا يَقع فِيهِ فَإِن النّوم يَقع فِي اللَّيْل وَقد أسْند إِلَيْهِ مجَازًا عقليا كَقَوْل رؤبة (الرجز)

(فَنَامَ ليلِي وتجلى همي)

فَإِن قلت إِن الشَّاعِر قد نفى النّوم عَن اللَّيْل فَكيف ذَلِك مَعَ قَول الشَّارِح بِأَن النّوم قد أسْند إِلَى اللَّيْل قلت النَّفْي فرع الْإِثْبَات وَقد أوردهُ سِيبَوَيْهٍ على أَن وصف اللَّيْل بِأَنَّهُ غير نَائِم على طَرِيق الاتساع وَاللَّيْل لَا ينَام وَلَا يُوصف بِأَنَّهُ غير نَائِم لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْحَيَوَان وَكَانَ حَقه بمنوم فِيهِ وَأَرَادَ وَمَا ليل أَصْحَاب الْمطِي فَحذف وَأَرَادَ بأصحاب الْمطِي من يركب ويسافر فَلَا يَنْبَغِي أَن ينَام من أول اللَّيْل إِلَى آخِره وَأم غيلَان قَالَ ابْن خلف هِيَ بنت جرير يَقُول لمتنا فِي تركنَا النّوم واشتغالنا بالسرى والمطي جمع مَطِيَّة وَهِي الرَّاحِلَة الَّتِي يمتطى ظهرهَا أَي يركب والسرى سير اللَّيْل وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لجرير يرد بهَا على الفرزدق مطْلعهَا (الطَّوِيل)

(لَا خير فِي مستعجلات الملاوم

وَلَا فِي حبيب وَصله غير دَائِم)

(تركت الصِّبَا من رهبة أَن يهيجني

بتوضح رسم الْمنزل المتقادم)

وَقَالَ صَحَابِيّ مَاله قلت حَاجَة

تهيج صدوع الْقلب بَين الحيازم)

(تَقول لنا سلمى من الْقَوْم أَن رَأَتْ

وُجُوهًا عتاقا لوحت بالسمائم)

(لقد لمتنا يَا أم غيلَان بالسرى الْبَيْت)

والملاوم جمع ملامة والمستعجلات بِكَسْر الْجِيم والحيازم جمع حيزوم وَهُوَ وسط الصَّدْر وَقَوله من الْقَوْم بالاستفهام وَأَن رَأَتْ بِفَتْح همزَة

ص: 466