المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(الْبَسِيط) (يَا كأس وَيلك إِنِّي غالني خلقي … على السماحة صعلوكا - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ١

[عبد القادر البغدادي]

فهرس الكتاب

- ‌ مُقَدّمَة تشْتَمل على أُمُور ثَلَاثَة

- ‌(الْأَمر الأول)(فِي الْكَلَام الَّذِي يَصح الاستشهاد بِهِ فِي اللُّغَة والنحو وَالصرْف)

- ‌(الْأَمر الثَّانِي ضروب وأجناس)

- ‌(الْأَمر الثَّالِث يتَعَلَّق بترجمة الشَّارِح الْمُحَقق والحبر المدقق رحمه الله وَتجَاوز عَنهُ)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ الشَّاهِد الثَّالِث

- ‌(أَقسَام التَّنْوِين)

- ‌ الشَّاهِد الرَّابِع

- ‌ الشَّاهِد الْخَامِس

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ الشَّاهِد السَّادِس

- ‌(المعرب والمبني)

- ‌ الشَّاهِد الثَّامِن

- ‌ الشَّاهِد التَّاسِع

- ‌ الشَّاهِد الْعَاشِر

- ‌ الشَّاهِد الْحَادِي عشر

- ‌ الشَّاهِد الثَّانِي عشر

- ‌ الشَّاهِد الثَّالِث عشر

- ‌ الشَّاهِد الرَّابِع عشر

- ‌ الشَّاهِد الْخَامِس عشر

- ‌ الشَّاهِد السَّادِس عشر

- ‌ الشَّاهِد السَّابِع عشر

- ‌ الشَّاهِد الثَّامِن عشر

- ‌ الشَّاهِد الْعشْرُونَ

- ‌ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌ الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(بَاب التَّنَازُع)

- ‌(تتمه)

- ‌(أَمرتك الْخَيْر)

- ‌(الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(اسْم مَا وَلَا المشبهين بليس)

الفصل: (الْبَسِيط) (يَا كأس وَيلك إِنِّي غالني خلقي … على السماحة صعلوكا

(الْبَسِيط)

(يَا كأس وَيلك إِنِّي غالني خلقي

على السماحة صعلوكا ذَا مَال)

(تخيري بَين رَاع حَافظ برم

عبد الرشاء عَلَيْك الدَّهْر عُمَّال)

(وَبَين أروع مشمول خلائقه

مُسْتَغْرق المَال للذات مكسال)

(فَأَي ذَيْنك إِن نابتك نائبة

وَالْقَوْم لَيْسُوا وَإِن سووا بأمثال)

قَالَ أَبُو حَاتِم فَأَي بِالرَّفْع قَالَ أَبُو عَليّ أضمر اخْتَارِي لِأَن ذكره قد جرى فَهُوَ مَنْصُوب وَقَالَ أَخُوهُ يرد عَلَيْهِ (الطَّوِيل)

(ألم تَكُ قد جربت مَا الْفقر والغنى

وَمَا يعظ الضليل إِلَّا ألالكا)

(عقوقا وإفسادا لكل معيشة

فَكيف ترى أمست إِضَاعَة مَالِكًا)

قَالَ أَبُو حَاتِم إِضَاعَة بِالنّصب وَقَالَ أَبُو عَليّ ترى المتعدية لمفعولين ألغاها

(تَتِمَّة)

قد أَخذ الْبَيْت الشَّاهِد شبيب بن البرصاء وَغير قافيته وَقَالَ (الطَّوِيل)

(دَعَاني حُصَيْن للفرار فساءني

مَوَاطِن أَن يثنى على فأشتما)

(فَقلت لحصن نج نَفسك إِنَّمَا

يذود الْفَتى عَن حَوْضه أَن يهدما)

(تَأَخَّرت أستبقي الْحَيَاة فَلم أجد لنَفْسي حَيَاة مثل أَن أتقدما)

(سيكفيك أَطْرَاف الأسنة فَارس

إِذا ريع نَادَى بالجواد وألجما)

(إِذا الْمَرْء لم يغش الكريهة أوشكت

حبال الهوينى بالفتى أَن تجذما)

ص: 394

فِي الْقَامُوس وجذمه بِالْجِيم والذال الْمُعْجَمَة فانجذم وتجذم قطعه وَمثله كثير من الشُّعَرَاء وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى لَهُ نَظَائِر كَثِيرَة والبرصاء هِيَ أم شبيب وَأَبوهُ اسْمه يزِيد وتنتهي نسبته إِلَى قيس بن عيلان وَهُوَ ابْن خَالَة عقيل بن علفة وكل مِنْهُمَا كَانَ شريفا سيدا فِي قومه وَكَانَا من شعراء الدولة الأموية وترجمتها طَوِيلَة فِي الأغاني قَالَ صَاحبهَا كَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان يتَمَثَّل بِهَذِهِ الأبيات لشبيب بن البرصاء فِي بذل النَّفس عِنْد اللِّقَاء ويعجب مِنْهُ وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتُّونَ (الطَّوِيل)

(فَإِن فُؤَادِي عنْدك الدَّهْر أجمع)

صَدره

(فَإِن يَك جثماني بِأَرْض سواكم)

على أَن الضَّمِير انْتقل من مُتَعَلق الظّرْف إِلَى الظّرْف وَهُوَ عنْدك وَوجه الدّلَالَة أَنه لَيْسَ قبل أجمع مَا يَصح أَن يحمل عَلَيْهِ إِلَّا أسم إِن وَالضَّمِير الَّذِي فِي الظّرْف والدهر فاسم إِن والدهر منصوبان فَبَقيَ حمله على الْمُضمر فِي عنْدك قَالَ ابْن هِشَام هَذَا هُوَ الْمُخْتَار بدليلين أَحدهمَا امْتنَاع تَقْدِيم الْحَال فِي نَحْو زيد فِي الدَّار جَالِسا وَلَو كَانَ الْعَامِل الْفِعْل لم يمْتَنع وَلقَوْله

(فَإِن فُؤَادِي عنْدك الدَّهْر أجمع)

ص: 395

فأكد الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي الظّرْف وَالضَّمِير لَا يسْتَتر إِلَّا فِي عَامله وَلَا يَصح أَن يكون توكيدا لضمير مَحْذُوف مَعَ الِاسْتِقْرَار لِأَن التوكيد والحذف متنافيان وَلَا

لاسم إِن على مَحَله من الرّفْع بِالِابْتِدَاءِ لِأَن الطَّالِب للمحل قد زَالَ وَقَوله بِأَرْض سواكم قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح نَوَادِر أبي عَليّ القالي يرْوى بِأَرْض سواكم على الْإِضَافَة وَهَذَا بَين ويروى بِأَرْض سواكم يُرِيد بِأَرْض سوى أَرْضكُم فَحذف الْمُضَاف واقام الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه ا. هـ.

وَقَوله عنْدك بِكَسْر الْكَاف فَإِنَّهُ خطاب لامْرَأَة فَإِن قلت فَكيف قَالَ سواكم قلت قد تخاطب الْمَرْأَة بخطاب جمَاعَة الذُّكُور مُبَالغَة فِي سترهَا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {فَقَالَ لأَهله امكثوا} وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لجميل بن معمر يتغزل فِيهَا بمحبوبته بثينة وَمَا قبله

(أَلا تتقين الله فِيمَن قتلته

فأمسى إِلَيْكُم خَاشِعًا يتَضَرَّع)

وَبعده

(إِذا قلت هَذَا حِين أسلو وأجتري

على هجرها ظلت لَهَا النَّفس تشفع)

(أَلا تتقين الله فِي قتل عاشق

لَهُ كبد حرى عَلَيْك تقطع)

(غَرِيب مشوق مولع بأدكاركم

وكل غَرِيب الدَّار بالشوق مولع)

(فَأَصْبَحت مِمَّا أحدث الدَّهْر موجعا

وَكنت لريب الدَّهْر لَا أتخشع)

(فيا رب حببني إِلَيْهَا وَأَعْطِنِي الْمَوَدَّة

مِنْهَا أَنْت تُعْطِي وتمنع)

ص: 396

وَرَأَيْت فِي تذكره أبي حَيَّان أَن الْبَيْت لكثير عزة وَقَالَ بعده

(إِذا قلت هَذَا حِين أسلو ذكرتها

فظلت لَهَا نَفسِي تتوق وتنزع)

وَالصَّوَاب مَا قدمْنَاهُ وَجَمِيل هُوَ جميل بن عبد الله بن معمر كَذَا قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ وَفِي اسْم أَبِيه فَمن فَوْقه خلاف ذكره الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف وصاحبته بثينة

وهما من عذرة ويكنى أَبَا عَمْرو وَهُوَ أحد عشاق الْعَرَب الْمَشْهُورين وَكَانَت بثينه تكنى أم عبد الْملك وَلها يَقُول جميل

(يَا أم عبد الْملك اصرميني

وبيني صرمك أَو صليني)

وَيُقَال أَيْضا إِنَّه جميل بن معمر بن عبد الله وَالْجمال والعشق فِي عذرة كثير وعشق جميل بثينة وَهُوَ غُلَام صَغِير فَلَمَّا كبر خطبهَا فَرد! عَنْهَا فَقَالَ فِيهَا الشّعْر وَكَانَ يَأْتِيهَا وتأتيه ومنزلهما وَأدِّي الْقرى فَجمع لَهُ قَومهَا جمعا ليأخذوه فحذرته بثينة فاستخفى وَقَالَ (الطَّوِيل)

(وَلَو أَن ألفا دون بثنة كلهم

غيارى وكل مزمعون على قَتْلِي)

(لحاولتها إِمَّا نَهَارا مجاهرا

وَإِمَّا سرى ليل وَلَو قطعُوا رجْلي)

وهجا قَومهَا فَاسْتَعدوا عَلَيْهِ مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ على الْمَدِينَة من قبل مُعَاوِيَة فَنَذر ليقطعن لِسَانه فلحق بجذام فَقَالَ (الطَّوِيل)

(أَتَانِي عَن مَرْوَان بِالْغَيْبِ أَنه

مُقَيّد دمي أَو قَاطع من لسانيا)

(فَفِي العيس منجاة وَفِي الأَرْض مَذْهَب

إِذا نَحن رفعنَا لَهُنَّ المثانيا)

ص: 397

فَأَقَامَ هُنَاكَ إِلَى أَن عزل مَرْوَان ثمَّ انْصَرف إِلَى بَلَده وَمن شعره فِيهَا

(علقت الْهوى مِنْهَا وليدا فَلم يزل

إِلَى الْيَوْم ينمي حبها وَيزِيد)

(وأفنيت عمري] بانتظار نوالها

فباد بِذَاكَ الدَّهْر وَهُوَ جَدِيد)

(فَلَا أَنا مَرْدُود بِمَا جِئْت طَالبا

وَلَا حبها فِيمَا يبيد يبيد)

ويستجاد لَهُ قَوْله (الطَّوِيل)

(خليلي فِيمَا عشتما هَل رَأَيْتُمَا

قَتِيلا بَكَى من حب قَاتله قبلي)

وَقَالَت بثينة وَلَا يعرف لَهَا شعر غَيره (الطَّوِيل)

(وَإِن سلوي عَن جميل لساعة

من الدَّهْر مَا حانت وَلَا حَان حينها)

(سَوَاء علينا يَا جميل بن معمر

إِذا مت بأساء الْحَيَاة ولينها)

وترجمة جميل فِي الأغاني طَوِيلَة جدا وَمَا ذَكرْنَاهُ ملخص من طَبَقَات الشُّعَرَاء لِابْنِ قُتَيْبَة وَذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف ثَلَاثَة مِمَّن اسْمه جميل أحدهم هَذَا وَالثَّانِي جميل بن الْمُعَلَّى الْفَزارِيّ وَهُوَ شَاعِر فَارس وَمن شعره (الوافر)

(فَلَا وَأَبِيك مَا فِي الْعَيْش خير

وَلَا الدُّنْيَا إِذا ذهب الْحيَاء)

وَالثَّالِث جميل بن سيدان الْأَسدي وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالسِّتُّونَ

ص: 398

(الوافر)

(أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق

عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام)

لما تقدم فِي الْبَيْت قبله بِدَلِيل الْعَطف عَلَيْهِ فَإِن قَوْله وَرَحْمَة الله عطف على الضَّمِير المستكن فِي عَلَيْك الرَّاجِع إِلَى السَّلَام لِأَنَّهُ فِي التَّقْدِير السَّلَام حصل عَلَيْك فَحذف حصل وَنقل ضَمِيره إِلَى عَلَيْك واستتر فِيهِ وَلَو كَانَ الْفِعْل محذوفا مَعَ الضَّمِير لزم الْعَطف بِدُونِ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَبِهَذَا الْبَيْت سقط قَول ابْن خروف بِأَن الظّرْف إِنَّمَا يتَحَمَّل الضَّمِير إِذا تَأَخّر عَن الْمُبْتَدَأ قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَول ابْن خروف مُخَالف لإطلاقهم وَلقَوْل ابْن جني فِي هَذَا الْبَيْت إِن الأولى حمله على الْعَطف على ضمير الظّرْف لَا على تَقْدِيم الْمَعْطُوف على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ قد اعْترض بِأَنَّهُ تخلص من ضَرُورَة بِأُخْرَى وَهُوَ الْعَطف مَعَ عدم الْفَصْل وَلم يعْتَرض بِعَدَمِ الضَّمِير وَجَوَابه أَن عدم الْفَصْل أسهل لوروده فِي النثر كمررت بِرَجُل سَوَاء والعدم حَتَّى قيل إِنَّه قِيَاس 1. وَإِنَّمَا نسب الْأَوْلَوِيَّة إِلَى ابْن جني لِأَنَّهُ ذهب تبعا لغيره فِي حرف الْوَاو من الْمُغنِي إِلَى أَنه من بَاب تقدم الْمَعْطُوف على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَأَنه من خَصَائِص الْوَاو وَمَا زَعمه الدماميني فِي الِاخْتِصَاص بِأَن السعد قَالَ فِي شرح الْمِفْتَاح إِن تَقْدِيم الْمَعْطُوف جَائِز بِشَرْط الضَّرُورَة وَعدم التَّقْدِيم على الْعَامِل وَكَون العاطف أحد حُرُوف خَمْسَة الْوَاو وَالْفَاء وَثمّ وأو وَلَا صرح بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أَبْيَات الْجمل مَذْهَب الْأَخْفَش أَنه أَرَادَ عَلَيْك السَّلَام ورَحِمَهُ اللَّهُ فَقدم الْمَعْطُوف ضَرُورَة لِأَن السَّلَام عِنْده فَاعل عَلَيْك وَلَا يلْزم هَذَا سِيبَوَيْهٍ لِأَن السَّلَام عِنْده مُبْتَدأ وَعَلَيْك خَبره ورَحِمَهُ اللَّهُ مَعْطُوف على الضَّمِير المستر

ص: 399

وَأنْشد ثَعْلَب فِي أمالية هَذَا الْبَيْت هَكَذَا (الوافر)

(إِلَّا يَا نَخْلَة من ذَات عرق

برود الظل شاعكم السَّلَام)

شاعكم تبعكم وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ وأنشده صَاحب الْجمل فِي بَاب النداء قَالَ اللَّخْمِيّ ونخلة منادى مُنكر وَهُوَ الشَّاهِد وَحكى الأعلم أَن كل نكرَة تؤنث فَلَا تكون إِلَّا مَنْصُوبَة وَإِن كَانَت مَقْصُودَة مُعينَة ونخلة عِنْده منادى مَقْصُود وَلَكِن لما نونها نصبها قَالَ وَذَات عرق مَوضِع بالحجاز

وَسلم على النَّخْلَة لِأَنَّهُ معهد أحبابه وملعبه مَعَ أترابه لِأَن الْعَرَب تقيم الْمنَازل مقَام سكانها فتسلم عَلَيْهَا وتكثر من الحنين إِلَيْهَا قَالَ الشَّاعِر (الْخَفِيف)

(وكمثل الأحباب لَو يعلم العاذل

عِنْدِي منَازِل الأحباب)

وَيحْتَمل أَن يكون كنى عَن محبوبته بالنخلة لِئَلَّا يشهرها وخوفا من أَهلهَا وأقاربها وعَلى هَذَا الْأَخير اقْتصر ابْن أبي الإصبع فِي تَحْرِير التحبير فِي بَاب الْكِنَايَة قَالَ وَمن نخوة الْعَرَب وغيرتهم كنايتهم عَن حرائر النِّسَاء بالبيض وَقد جَاءَ الْقُرْآن الْعَزِيز بذلك فَقَالَ سُبْحَانَهُ {كأنهن بيض مَكْنُون} وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس (الطَّوِيل)

(وبيضة خدر لَا يرام خباؤها

تمتعت من لَهو بهَا غير معجل)

وَمن مليح الْكِنَايَة قَول بعض الْعَرَب (الوافر)

(أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق

عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام)

(سَأَلت النَّاس عَنْك فخبروني

هُنَا من ذَاك تكرههُ الْكِرَام)

(وَلَيْسَ بِمَا أحل الله بَأْس

إِذا هُوَ لم يخالطه الْحَرَام)

ص: 400

فَإِن هَذَا الشَّاعِر كنى عَن الْمَرْأَة بالنخلة وبالهناة عَن الرَّفَث فَأَما الهناة فَمن عَادَة الْعَرَب الْكِنَايَة بهَا عَن مثل ذَلِك وَأما الْكِنَايَة بالنخلة عَن الْمَرْأَة فَمن ظريف الْكِنَايَة وغريبها ا. هـ.

وَقَالَ شرَّاح أَبْيَات الْجمل وَغَيرهم بَيت الشَّاهِد لَا يعرف قَائِله وَقيل هُوَ للأحوص وَالله أعلم

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالسِّتُّونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الطَّوِيل)

(أحقا بني أَبنَاء سلمى بن جندل

تهددكم إيَّايَ وسط الْمجَالِس)

على أَن تهددكم فَاعل الظّرْف أَعنِي قَوْله حَقًا لاعتماده على الِاسْتِفْهَام وَالتَّقْدِير أَفِي حق تهددكم إيَّايَ كَمَا قَالَ الآخر (الطَّوِيل)

(أَفِي الْحق أَنِّي مغرم بك هائم)

وَجَاز وُقُوعه ظرفا وَهُوَ مصدر فِي الأَصْل لما بَين الْفِعْل وَالزَّمَان من المضارعة وَكَأَنَّهُ على حذف الْوَقْت وَإِقَامَة الْمصدر مقَامه كَمَا قَالُوا أَتَيْتُك خفوق النَّجْم أَي وَقت خفوق النَّجْم فَكَأَن تَقْدِيره أَفِي وَقت حق وَقَالَ ابْن الشجري فِي أمالية قَالُوا حَقًا إِنَّك ذَاهِب وأكبر ظَنِّي أَنَّك مُقيم يُرِيدُونَ فِي حق وَفِي أكبر ظَنِّي

ص: 401

وَلَك فِي أَن مذهبان فمذهب سِيبَوَيْهٍ والأخفش والكوفيين رفع أَن بالظرف وكل اسْم حدث يتقدمه ظرف يرْتَفع عِنْد سِيبَوَيْهٍ بالظرف ارْتِفَاع الْفَاعِل وَقد مثل ذَلِك بقوله غَدا الرحيل وأحقا أَنَّك ذَاهِب قَالَ حملوه على أَفِي حق أَنَّك ذَاهِب وَالْحق أَنَّك ذَاهِب وَالْمذهب الآخر مَذْهَب الْخَلِيل وَذَلِكَ أَنه يرفع اسْم الْحَدث بِالِابْتِدَاءِ ويخبر عَنهُ بالظرف الْمُتَقَدّم حكى ذَلِك عَنهُ سِيبَوَيْهٍ فِي قَوْله وَزعم الْخَلِيل أَن التهدد هَا هُنَا بِمَنْزِلَة الرحيل بعد غَد وَأَن أَن بِمَنْزِلَتِهِ ا. هـ.

وَقَالَ ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب أَن وصلتها مُبْتَدأ والظرف خَبره وَقَالَ الْمبرد حَقًا مصدر لحق محذوفا وَأَن وصلتها فَاعل ا. هـ.

وَقد اسْتشْكل النّحاس قَول الْخَلِيل أَن التهدد هُنَا بِمَنْزِلَة الرحيل بعد غَد إِلَخ فَقَالَ وَهَذَا مُشكل وسالت عَنهُ أَبَا الْحسن فَقَالَ لِأَنَّك تَقول أحقا أَن تتهددوا وَكَذَا أحقا أَنَّك منطلق قَالَ فحقا عِنْده ظرف كَأَنَّهُ قَالَ أَفِي حق انطلاقك قَالَ وَحَقِيقَته أزمن حق أَنَّك منطلق مثل وأسأل الْقرْيَة قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد لم يجز الْخَلِيل كسر إِن هُنَا لِأَنَّهُ يكون التَّقْدِير إِنَّك ذَاهِب حَقًا ثمَّ تقدم ومحال أَن يعْمل مَا بعد إِن فِيمَا قبلهَا وَلَو كَانَ الْعَامِل فِيهَا جَازَ فِيهِ التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير نَحْو حَقًا ضربت زيدا وَلَا يجوز حَقًا زيد فِي الدَّار فَلذَلِك اضْطر إِلَى تَقْدِير فِي وَإِن قلت أحقا أَنَّك ذَاهِب جَازَ لِأَن الْعَامِل معنى ا. هـ.

قَالَ النّحاس وَسمعت أَبَا الْحسن يَقُول

ص: 402

نظرت فِي أحقا فَلم أجد يَصح فِيهِ إِلَّا قَول سِيبَوَيْهٍ على حذف فِي ا. هـ.

أَرَادَ بِهَذَا الرَّد على الْجرْمِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْبَيْت وَنَحْوه هُوَ على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَلَا يكون على مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ من أَنه ظرف لِأَن الظّرْف لم يَجِيء مصدرا فِي غير هَذَا وَهَذَا الَّذِي قَالَه قَبِيح من جِهَة أَن مَا ينْتَصب لدلَالَة الْجُمْلَة عَلَيْهِ مُتَقَدم قَالَ أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة هَذَا لَيْسَ بالْحسنِ على أَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ غير ذِي شكّ أَنه خَارج وَقَوْلهمْ غير ذِي شكّ فِيهِ دلَالَة على جَوَاز نصب حَقًا على الظّرْف أَلا ترى أَنه إِنَّمَا أجَاز تَقْدِيمه حَيْثُ كَانَ غير ذِي شكّ بِمَنْزِلَة حَقًا وَفِي مَعْنَاهُ فلولا أَن حَقًا فِي معنى الظّرْف عِنْدهم لم يستعملوا تَقْدِيم مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ إِذْ الْعَامِل إِذا كَانَ معنى لم يتَقَدَّم عَلَيْهِ معموله فلولا أَن حَقًا بِمَنْزِلَة الظّرْف لما تقدم على الْعَامِل فِيهِ وَهُوَ معنى ويؤكد ذَلِك أَيْضا قَوْلهم أكبر ظَنِّي أَنَّك منطلق فإجراؤهم إِيَّاه مجْرى الظّرْف يدل على أَن حَقًا أَيْضا قد أجْرى مجْرى الظّرْف إِذْ كَانَا متقاربي الْمَعْنى وَقد أجْرى الْجرْمِي هَذِه الأبيات الَّتِي أنشدها سِيبَوَيْهٍ على أَنَّهَا مَحْمُولَة على الْمصدر وَأَن مَا بعد الْمصدر مَحْمُول على الْفِعْل أَو على الْمصدر

فإمَّا أَن يعْمل فِيهِ الْمصدر وَإِمَّا أَن يعْمل فِيهِ الْفِعْل الْعَامِل فِي الْمصدر وَهَذَا الَّذِي أجَازه جَائِز غير مُمْتَنع وَهُوَ ظَاهر وَقد كنت سَأَلت أَبَا بكر عَنهُ فَقلت مَا تنكر أَن يكون مَحْمُولا على الْفِعْل فَأجَاز ذَلِك وَلم يمْتَنع مِنْهُ ا. هـ.

وبني منادى مُضَاف لما بعده وسلمى بِفَتْح السِّين وَرُوِيَ وعيدكم بدل تهددكم وسط بِسُكُون السِّين ظرف بِمَعْنى بَين وَهَذَا الْبَيْت للأسود بن يعفر أول أَبْيَات أَرْبَعَة وَهَذَا مَا بعده (الطَّوِيل)

(فَهَلا جعلتم نَحوه من وعيدكم

على رَهْط قعقاع ورهط ابْن حَابِس)

ص: 403

(هم منعُوا مِنْكُم تراث أبيكم

فَصَارَ التراث للكرام الأكايس)

(وهم أوردوكم ضفة الْبَحْر طاميا

وهم تركوكم بَين خاز وناكس)

نَحوه أَي مثله أَي مثل مَا هددتموني بِهِ والأكايس جمع أَكيس من الكياسة وَهِي الظرافة والضفة بِالْفَتْح وَالْكَسْر جَانب الْبَحْر وَالنّهر والبئر وطاميا من طما المَاء يطمو طموا ويطمي طميا فَهُوَ طام إِذا ارْتَفع وملأ النَّهر وَهُوَ بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وخاز من خزي بِالْكَسْرِ يخزى خزيا إِذا ذل وَهَان والناكس المطأطئ رَأسه وَالسَّبَب فِي هَذِه الأبيات كَمَا فِي الأغاني أَن أَبَا جعل أَخا بني عَمْرو ابْن حَنْظَلَة من البراجم جمع من شذاذ أَسد وَتَمِيم وَغَيرهم فغزوا بني الْحَارِث بن تيم الله بن ثَعْلَبَة فنذروا بهم وقاتلوهم قتالا شَدِيدا حَتَّى فضوا جمعهم فلحق رجل من بني الْحَارِث بن تيم الله بن ثَعْلَبَة جمَاعَة من بني نهشل فيهم جراح بن الْأسود بن يعفر وحرير بن شمر بن هزان بن زُهَيْر بن جندل وَرَافِع بن صُهَيْب بن حَارِثَة ابْن جندل وَعَمْرو والْحَارث ابْنا حَرِير بن سلمى ابْن جندل فَقَالَ لَهُم الْحَارِثِيّ هَلُمَّ إِلَيّ يَا طلقاء فقد أعجبني قتالكم وَأَنا خير لكم من الْعَطش قَالُوا نعم فَنزل ليجز نواصيهم فَنظر جراح بن الْأسود إِلَى فرسه فَإِذا هُوَ أَجود فرس فِي الأَرْض

يُقَال لَهُ العصماء فَوَثَبَ فركبها وركضها وَنَجَا عَلَيْهَا فَقَالَ الْحَارِثِيّ للَّذين بقوا مَعَه أتعرفون هَذَا قَالُوا نعم نَحن لَك عَلَيْهِ خفراء فَلَمَّا أَتَى جراح أَبَاهُ أمره فهرب بهَا فِي بني سعد فابتطنها

ص: 404

ثَلَاثَة أبطن وَكَانَ يُقَال لَهَا العصماء فَلَمَّا رَجَعَ النَّفر النهشليون إِلَى قَومهمْ قَالُوا إِنَّا خفراء فَارس العصماء فوَاللَّه لنأخذنها فأوعدوه وَقَالَ حَرِير وَرَافِع نَحن الخفيران لَهَا وَكَانَ بَنو جَرْوَل حلفاء بني سلمى ابْن جندل على بني حَارِثَة بن جندل فأعانه على ذَلِك التيجان بن بلج بن جَرْوَل ابْن نهشل فَقَالَ الْأسود بن يعفر يهجوه (الطَّوِيل)

(أَتَانِي وَلم أخش الذ ي ابتعثا بِهِ

خفيرا بني سلمى حَرِير وَرَافِع)

(هم خيبوني كل يَوْم غنيمَة

وأهلكتهم لَو أَن ذَلِك نَافِع)

وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى شرح هَذَا مَعَ بَقِيَّة الأبيات فِي آخر الْكتاب فِي حُرُوف الشَّرْط قَالَ فَلَمَّا رأى الْأسود أَنهم لَا يقلعون عَن الْفرس أَو يردهَا أحلفهم عَلَيْهَا فَحَلَفُوا أَنهم خفراء لَهَا فَرد الْفرس عَلَيْهِم وَأمْسك أمهارها فَردُّوا الْفرس إِلَى صَاحبهَا ثمَّ أظهر الأمهار بعد ذَلِك فأوعدوه فِيهَا أَن يأخذوها فَقَالَ الْأسود أحقا بني أَبنَاء سلمى بن جندل الأبيات الْأَرْبَعَة وَالْأسود هُوَ ابْن يعفر بن عبد الْأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مَالك بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم قَالَ السُّيُوطِيّ وَجعله مُحَمَّد بن سَلام فِي الطَّبَقَة الثَّانِيَة مَعَ خِدَاش بن زُهَيْر والمخبل السَّعْدِيّ والنمر بن تولب وكنيته أَبُو الْجراح وَكَانَ مِمَّن

ص: 405

يهجو قومه

وترجمه الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف فِيمَن لقب بالأعشى فَقَالَ وَمِنْهُم أعشى بني نهشل وَهُوَ الْأسود بن يعفر بن الْأسود بن حَارِثَة بن جندل بن نهشل بن دارم الشَّاعِر الْمَشْهُور ا. هـ.

وَفِي الصِّحَاح الْأسود بن يعفر الشَّاعِر إِذا قلته بِفَتْح الْيَاء لم تصرفه لِأَنَّهُ مثل يقتل وَقَالَ يُونُس سَمِعت رؤبة يَقُول اسود بن يعفر بِضَم الْيَاء أَي وبضم الْفَاء أَيْضا وَهَذَا ينْصَرف لِأَنَّهُ قد زَالَ عَنهُ شبه الْفِعْل ا. هـ.

وَهُوَ شَاعِر مقدم فصيح من شعراء الْجَاهِلِيَّة لَيْسَ بمكثر وَله القصيدة الْمَشْهُورَة الَّتِي أَولهَا (الْكَامِل)

(نَام الخلي وَمَا أحس رقادي

والهم محتضر لدي وِسَادِي)

وفيهَا أَبْيَات شَوَاهِد فِي الْمُغنِي لِأَبْنِ هِشَام تشرح هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهِي من مُخْتَار أشعار الْعَرَب وَحكمهَا مأثورة وَكَانَ ينادم النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَلما أسن كف بَصَره فَكَانَ يُقَاد إِذا ذهب إِلَى مَوضِع وَابْنه الْجراح وَأَخُوهُ حطائط شاعران وَمن شعر حطائط يَقُول لأمه وَقد عاتبته على جوده (الطَّوِيل)

(أريني جوادا مَاتَ هزلا لعلني

أرى مَا تَرين أَو بَخِيلًا مخلدا)

(ذرين أكن لِلْمَالِ رَبًّا وَلَا يكن

لي المَال رَبًّا تحمدي غب غَدا)

ذَرِينِي يكن مَالِي لعرضي وقاية

يقي المَال عرضي قبل أَن يتبددا)

ص: 406

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالسِّتُّونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س

(أكل عَام نعم تحوونه)

على أَنه بِتَقْدِير حواية نعم ليَصِح الْإِخْبَار عَن اسْم الْعين باسم الزَّمَان فَإِن قَوْله أكل عَام مَنْصُوب على الظّرْف فِي مَوضِع خبر لقَوْله نعم فَوَجَبَ تَقْدِير مُضَاف وَقدره الشَّارِح الْمُحَقق حواية بِدَلِيل تحوونه وَهُوَ مصدر حويت الشَّيْء أحويه إِذا ضممته واستوليت عَلَيْهِ وملكته وَقدره ابْن النَّاظِم فِي شرح الْخُلَاصَة إِحْرَاز نعم وَقدره ابْن هِشَام نهب نعم وَقدره ابْن خلف أَخذ نعم أَو تَحْصِيل نعم وَقَالَ النّحاس كَانَ الْمبرد يذهب إِلَى أَن الْمَعْنى أكل عَام حُدُوث نعم فَيكون كل مَنْصُوبًا بالحدوث كَمَا تَقول اللَّيْلَة الْهلَال قَالَ أَبُو الْحسن ردا عَلَيْهِ لَيْسَ النعم شَيْئا

يحدث لم يكن كَيَوْم الْجُمُعَة وَمَا أشبهه وَلَكِن الْعَامِل فِي كل الِاسْتِقْرَار وَالْخَبَر مَحْذُوف كَأَنَّهُ قَالَ نعم تحوونه لكم ا. هـ.

أَقُول الْمبرد قدر هَذَا الْمُضَاف لصِحَّة الْإِخْبَار لَا لِأَنَّهُ عَامل فِي الظّرْف وَكَيف يكون الْعَامِل فِي كل الِاسْتِقْرَار مَعَ كَون الْخَبَر محذوفا مُقَدرا بلكم فَتَأمل وَقدر صَاحب اللب الْمَحْذُوف مثل الْمبرد قَالَ شَارِحه يحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَن الْمُضَاف هُنَا مَحْذُوف أَي أحدوث نعم حصل فِي كل عَام أَو أحصل فِي كل عَام حُدُوث نعم فَحذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه فَيكون الْمُبْتَدَأ أَو الْعَامِل فِي التَّقْدِير حَدثا غير مُسْتَمر وَأَن يكون مُرَاده أَن

ص: 407

للنعم فِي نَفسه تجددا وحدوثا فِي كل عَام كَمَا أَن فِي نفس الْهلَال تجددا وحدوثا فِي كل شهر ا. هـ.

وَفهم من كَلَامه شيئآن

الأول الرَّد على أبي الْحسن فِي قَوْله لَيْسَ النعم شَيْئا يحدث وَالثَّانِي أَن نعما لَا يتَعَيَّن أَن يكون مُبْتَدأ بل يجوز أَيْضا أَن يكون فَاعل الظّرْف وَمثله قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد الْأَحْسَن أَن يكون نعم فَاعِلا بالظرف لاعتماده فَلَا مُبْتَدأ وَلَا خبر وَمَعَ هَذَا فلابد من التَّقْدِير أَيْضا لِأَنَّهُ لأجل الْمَعْنى لَا لأجل الْمُبْتَدَأ إِذْ الَّذِي يحكم لَهُ بالاستقرار هُوَ الْأَفْعَال لَا الذوات ا. هـ.

وَأورد س هَذَا الْبَيْت على أَن جملَة تحوونه صفة لنعم وَاسْتشْهدَ بِهِ أَيْضا صَاحب الْكَشَّاف على تذكير الْأَنْعَام فِي قَوْله تَعَالَى (وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونه لِأَنَّهُ مُذَكّر كَمَا ذكر الشَّاعِر الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي تحوونه الرَّاجِع إِلَى النعم لِأَنَّهُ النعم اسْم مُفْرد بِمَعْنى الْجمع قَالَ الْفراء هُوَ مُفْرد لَا يؤنث يُقَال هَذَا نعم وَارِد وَقَالَ الْهَرَوِيّ وَالنعَم يذكر وَيُؤَنث وَكَذَلِكَ الْأَنْعَام تذكر وتؤنث وَلِهَذَا قَالَ مِمَّا فِي بطونه وَفِي مَوضِع آخر مِمَّا فِي بطونها قَالَ الرَّاغِب فِي مَوضِع النعم مُخْتَصّ بِالْإِبِلِ قَالَ وتسميته بذلك لكَون الْإِبِل عِنْدهم أعظم نعْمَة ثمَّ قَالَ لَكِن الْأَنْعَام يُقَال لِلْإِبِلِ وَالْبَقر وَالْغنم وَلَا يُقَال لَهَا أنعام حَتَّى يكون فِيهَا إبل وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى (مِمَّا يَأْكُل النَّاس والأنعام) إِن الْأَنْعَام هَا هُنَا عَام فِي الْإِبِل وَغَيرهَا

ص: 408

وَرُوِيَ أَيْضا فِي كل عَام بالجار بدل الْهمزَة والهمزة للاستفهام الإنكاري وَبعده (الرجز)

(يلقحه قوم وتنتجونه

أربابه نوكى فَلَا يحمونه)

(وَلَا يلاقون طعانا دونه

أنعم الْأَبْنَاء تحسبونه)

(أيهات أيهات لما ترجونه)

يَقُول يحملون الفحولة على النوق فَإِذا حملت أَغَرْتُم أَنْتُم عَلَيْهَا فأخذتموها وَهِي حوامل فتلد عنْدكُمْ يُقَال ألقح الْفَحْل النَّاقة إِذا أحبلها واللقاح

كسحاب مَاء الْفَحْل وتنتجونه بتاء الْخطاب يُقَال نتج النَّاقة أَهلهَا أَي استولدوها وأنتجت الْفرس بِالْهَمْزَةِ حَان نتاجها قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح النِّتَاج بِالْكَسْرِ اسْم يَشْمَل وضع الْبَهَائِم من الْغنم وَغَيرهَا وَإِذا ولي الْإِنْسَان نَاقَة أَو شَاة ماخضا حَتَّى تضع قيل نتجها نتجا من بَاب ضرب فالإنسان كالقابلة لِأَنَّهُ يتلَقَّى الْوَلَد وَيصْلح من شَأْنه فَهُوَ ناتج والبهيمة منتوجة وَالْولد نتيجة وَالْأَصْل فِي الْفِعْل أَن يتَعَدَّى إِلَى مفعولين فَيُقَال نتجها ولدا لِأَنَّهُ بِمَعْنى وَلَدهَا ولدا وَيَبْنِي الْفِعْل للْمَفْعُول فيحذف الْفَاعِل ويقام الْمَفْعُول الأول مقَامه وَيُقَال نتجت النَّاقة ولدا إِذا وَضعته وَيجوز حذف الْمَفْعُول الثَّانِي اقتصارا لفهم الْمَعْنى فَيُقَال نتجت الشَّاة وَيجوز إِقَامَة الْمَفْعُول الثَّانِي مقَام الْفَاعِل وَحذف الْمَفْعُول الأول لفهم الْمَعْنى فَيُقَال نتج الْوَلَد ونتجت السخلة أَي ولدت وَقد يُقَال نتجت النَّاقة ولدا بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل على معنى ولدت أَو حملت قَالَ السَّرقسْطِي نتج الرجل الْحَامِل وضعت عِنْده ونتجت هِيَ أَيْضا حملت لُغَة قَليلَة وأنتجت الْفرس وَذُو الْحَافِر بِالْألف استبان حملهَا فَهِيَ نتوج ا. هـ.

ص: 409

وَهَذَا التَّفْصِيل لَا يُوجد فِي غير هَذَا الْكتاب وَلِهَذَا نقل برمتِهِ ونوكى بِفَتْح النُّون جمع أنوك وَهُوَ الأحمق الضَّعِيف التَّدْبِير وَالْعَمَل وَالِاسْم النوك بِالضَّمِّ وَالْفَتْح نوك كفرح نواكة ونوكا محركة واستنوك وَهُوَ أنوك ومستنوك وَالْجمع نوكي كسكري ونوك كهوج وَامْرَأَة نوكاء من نوك أَيْضا وأنوكه صادفة أنوك وَقَوله فَلَا يحمونه أَي لَا يمْنَعُونَ من أَرَادَ الإغارة عَلَيْهِ وَالْأَبْنَاء كل بني سعد بن زيد إِلَّا بني كَعْب بن سعد وتحسبونه بِالْخِطَابِ أَيْضا وأيهات لُغَة فِي هَيْهَات وَقَوله لما ترجونه بِالْخِطَابِ أَيْضا أَي رجوا أَن يَدُوم لَهُم هَذَا الْفِعْل فِي النَّاس فمنعناهم مِنْهُ وحمينا مَا يَنْبَغِي أَن نحميه وَهَذِه الأبيات قيلت فِي يَوْم الْكلاب الثَّانِي فَإِن للْعَرَب فِيهِ يَوْمَيْنِ عظيمين وَهُوَ بِضَم الْكَاف وَتَخْفِيف اللَّام وَهُوَ مَاء لبني تَمِيم بَين الْكُوفَة وَالْبَصْرَة

وَكَانَ من حَدِيث هَذَا الْيَوْم على مَا فِي شرح المناقضات وَفِي الأغاني أَنه لما أوقع كسْرَى ببني تَمِيم وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا أَغَارُوا على لطيمته فَلَجَئُوا إِلَى الْكلاب وَذَلِكَ فِي القيظ وَقد أمنُوا أَن تقطع عَلَيْهِم تِلْكَ الصحارى فَدلَّ عَلَيْهِم بَنو الْحَارِث ابْن عبد المدان فقتلت الْمُقَاتلَة وَبَقِي الذَّرَارِي وَالْأَمْوَال بلغ ذَلِك مذحجا فَمشى بَعضهم إِلَى بعض وَقَالُوا اغتنموا بني تَمِيم ثمَّ بعثوا الرُّسُل فِي قبائل الْيمن وأحلافها من قضاعة فَقَالَت مذْحج للْمَأْمُور

ص: 410

الْحَارِثِيّ الكاهن مَا ترى فَأَشَارَ بالكف عَن غزوهم وَزَعَمُوا أَنه اجْتمع من مذْحج ولفها اثْنَا عشر ألفا فَكَانَ رَئِيس مذْحج عبد يَغُوث بن وَقاص وَرَئِيس هَمدَان رجل يُقَال لَهُ مشرح وَرَئِيس كِنْدَة الْبَراء ابْن قيس بن الْحَارِث الْملك فَأَقْبَلُوا إِلَى بني تَمِيم فَبلغ ذَلِك سَعْدا والرباب فَانْطَلق نَاس من أَشْرَافهم إِلَى أَكْثَم بن صَيْفِي فاستشارة فَقَالَ أقلوا الْخلاف على أمرائكم وَاعْلَمُوا أَن كَثْرَة الصياح من الفشل تثبتوا فَإِن أحزم الْفَرِيقَيْنِ الركين وَرُبمَا عجدلة تهب ريثا وابرزوا للحرب وأدرعوا اللَّيْل فَإِنَّهُ أخْفى للويل فَلَمَّا انصرفوا من عِنْد أَكْثَم تهيؤوا للغزو واستعدوا للحرب وَأَقْبل أهل الْيمن فِي بني الْحَارِث من أَشْرَافهم يزِيد بن عبد المدان وَيزِيد بن المخرم وَيزِيد بن اليكسم ابْن الْمَأْمُور وَيزِيد بن هوبر حَتَّى إِذا كَانُوا بتيمن وَهِي مَا بَين نَجْرَان إِلَى بِلَاد بني تَمِيم نزلُوا قَرِيبا من الْكلاب وَرجل من بني زيد بن ريَاح بن يَرْبُوع يُقَال لَهُ مشمت بن زنباع فِي إبل لَهُ وَهُوَ عِنْد خَال لَهُ من بني سعد] وَمَعَهُ رجل من

بني سعد يُقَال لَهُ زُهَيْر بن بو فَلَمَّا أبصرهم المشمت قَالَ لزهير دُونك الْإِبِل وَتَنَحَّى عَن طريقهم حَتَّى أَتَى الْحَيّ فأنذرهم فأعدوا للْقَوْم وصبحوهم فَأَغَارُوا على النعم فأطردوه وَجعل رجل من أهل الْيمن يَقُول

ص: 411

(الرجز)

(فِي كل عَام نعم ننتابه

على الْكلاب غيبا أربابه فَأَجَابَهُ غُلَام من بني سعد كَانَ فِي النعم على فرس لَهُ فَقَالَ)

(عَمَّا قَلِيل يلحقن أربابه)

وروى

(عَمَّا قَلِيل سترى أربابه)

(صلب الْقَنَاة حازما شبابه

على جِيَاد ضمر غيابه)

وَأَقْبل بَنو سعد والرباب وَرَئِيس الربَاب النُّعْمَان بن جساس بِكَسْر الْجِيم وَتَخْفِيف السِّين وَرَئِيس بني سعدج قيس بن عَاصِم وَأجْمع الْعلمَاء على أَن قيس بن عَاصِم كَانَ الرئيس يَوْمئِذٍ فَقَالَ رجل من بني ضبة حِين دنا من الْقَوْم وَقَالَ شرَّاح أَبْيَات سِيبَوَيْهٍ هُوَ قيس بن حُصَيْن بن يزِيد الْحَارِثِيّ

(فِي كل عَام نعم تحوونه الأبيات)

وَتَقَدَّمت سعد والرباب فَالْتَقوا فِي أَوَائِل النَّاس فَلم يلتفتوا إِلَيْهِم واستقبلوا النعم من قبل وجوهه فَجعلُوا يصرفونه بأرماحهم وَاخْتَلَطَ الْقَوْم فَاقْتَتلُوا قتالا شَدِيدا يومهم حَتَّى إِذا كَانَ آخر النَّهَار قتل النُّعْمَان بن جساس وَظن أهل الْيمن أَن بني تَمِيم لَيْسُوا بِكَثِير حَتَّى قتل النُّعْمَان فَلم يزدهم ذَلِك إِلَّا جَرَاءَة فَاقْتَتلُوا حَتَّى حجز

. بَينهم اللَّيْل فَلَمَّا صبحوا غدوا على الْقِتَال فَنَادَى قيس بن عَاصِم يَا آل مقاعس وَهُوَ الْحَارِث بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم فَسمع الصَّوْت وَعلة بن عبد الله بن الْجرْمِي

ص: 412

وَكَانَ صَاحب اللِّوَاء يَوْمئِذٍ فطرحه وَكَانَ أول من انهزم مِنْهُم وحملت عَلَيْهِم سعد والرباب فهزموهم وَجعل رجل مِنْهُم يَقُول (الرجز)

(يَا قوم لَا يفلتكم اليزيدان

يزِيد حزن وَيزِيد الريان)

(مخرم أَعنِي بِهِ وَالديَّان)

مخرم هُوَ ابْن شُرَيْح بن المخرم بن حزن بن زِيَاد بن الْحَارِث بن مَالك بن ربيعَة بن كَعْب بن الْحَارِث وَهُوَ صَاحب المخرم بِبَغْدَاد وَجعل قيس يُنَادي يال تَمِيم لَا تقتلُوا إِلَّا فَارِسًا فَإِن الرجالة لكم وَجعل يَأْخُذ الأسرى فَمَا زَالُوا فِي آثَار الْقَوْم يقتلُون وَيَأْسِرُونَ حَتَّى أَسرُّوا عبد يَغُوث بن وَقاص وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب المنادى عِنْد شرح قَوْله (الطَّوِيل)

(فيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن

نداماي من نَجْرَان أَن لَا تلاقيا)

وَأما وَعلة فَإِنَّهُ لحق رجلا من بني نهد يُقَال لَهُ سليط بن قتب فَقَالَ لَهُ وَعلة أردفني خَلفك فإنني أَتَخَوَّف الْقَتْل فَأبى أَن يردفه فطرحه عَن قربوسه وَركب عَلَيْهَا وَأدْركت بَنو سعد النَّهْدِيّ فَقَتَلُوهُ فَقَالَ وَعلة لما أَتَى أَهله (الطَّوِيل)

(لما سَمِعت الْخَيل تَدْعُو مقاعسا

تطلع مني ثغرة النَّحْر جَائِر)

يَعْنِي الْقلب

(نجوت نجاء لَيْسَ فِيهِ وتيرة

كَأَنِّي عِقَاب دون تيمن كاسر)

(وَقد قلت للنهدي هَل أَنْت مردفي

وَكَيف رداف الفل أمك عَابِر)

من الْعبْرَة يَقُول عبرت أمك كَيفَ تردفني وَإنَّك فل مُنْهَزِم

(أناشده وَالرحم بيني وَبَينه

وَقد كَانَ فِي نهد وجرم تدابر)

أَي تقاطع وتباغض

(فَمن يَك يَرْجُو فِي تَمِيم هوادة

فَلَيْسَ لجرم فِي تَمِيم أواصر)

أَي قَرَابَات

(فدى لَكمَا رجْلي أُمِّي وخالتي

غَدَاة الْكلاب إِذْ تجز الدوابر)

وَذَلِكَ أَن قيس بن عَاصِم لما أَكثر قومه الْقَتْل فِي الْيمن أَمرهم بالكف عَن الْقَتْل وَأَن يجزوا عراقيبهم

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالسِّتُّونَ (الطَّوِيل)

(إِلَّا جبرئيل أمامها)

ص: 414

وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ

(شَهِدنَا فَمَا نلقى لنا من كَتِيبَة

يَد الدَّهْر إِلَّا جبرئيل أمامها)

على أَن الظّرْف الْوَاقِع خَبرا إِذا كَانَ معرفَة يجوز رَفعه بمرجوحية وَالرَّاجِح نَصبه وَهَذَا لَا يخْتَص بالشعر خلافًا للجرمي والكوفيين وجبرئيل مُبْتَدأ وأمامها بِالرَّفْع خَبره وَالْجُمْلَة صفة للكتيبة وَقد أورد هَذَا الْبَيْت ابْن هِشَام فِي شرح بَانَتْ سعاد عِنْد قَوْله (الْبَسِيط)

(غلباء وجناء علكوم مذكرة)

وروى نصرنَا بدل شَهِدنَا ثمَّ قَالَ قوافي هَذَا الشّعْر مَرْفُوعَة وَإِنَّمَا استشهدت على جَوَاز رفع الإِمَام لِأَن بعض العصريين وهم فِيهِ فَزعم أَنه لَا يتَصَرَّف ا. هـ.

وَقَوله يَد الدَّهْر بِمَعْنى مدى الدَّهْر ظرف مُتَعَلق بقوله نلقى وَمن زَائِدَة وكتيبة مفعول لنلقي وَلنَا كَانَ فِي الأَصْل صفة لكتيبة فَلَمَّا قدم صَار حَالا مِنْهُ والكتيبة طَائِفَة من الْجَيْش مجتمعة من الْكتب وَهُوَ الْجمع ونلقى بالنُّون وبالقاف الْفَوْقِيَّة من اللقى يُقَال لَقيته أَلْقَاهُ من بَاب تَعب لقيا وَالْأَصْل على فعول وكل شَيْء اسْتقْبل شَيْئا أَو صادفة فقد لقِيه وَشَهِدْنَا من شهِدت الْمجْلس مثلا إِذا حَضرته فالمفعول مَحْذُوف أَي شَهِدنَا عزوات النَّبِي

فَمَا لَقينَا كَتِيبَة وَعبر بالمستقبل لحكاية الْحَال الْمَاضِيَة

ص: 415

وَهَذَا الْبَيْت لم أر من ذكره ابْتِدَاء إِلَّا أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن السّري الزّجاج فِي

تَفْسِيره أوردهُ عِنْد قَوْله تَعَالَى {قل من كَانَ عدوا لجبريل} قَالَ جِبْرِيل فِي اسْمه لُغَات قد قرئَ بِبَعْضِهَا وَمِنْهَا مَا لم يقْرَأ بِهِ فأجود اللُّغَات جبرئيل بِفَتْح الْجِيم والهمز لِأَن الَّذِي يرْوى عَن النَّبِي

فِي صَاحب الصُّور جبرئيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره هَذَا الَّذِي ضَبطه أَصْحَاب الحَدِيث وَيُقَال جِبْرِيل بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا وَيُقَال جبرئل بِحَذْف الْيَاء وَإِثْبَات الْهمزَة وَيُقَال جبرين بالنُّون وَهَذَا لَا يجوز فِي الْقُرْآن لِأَنَّهُ خلاف الْمُصحف قَالَ الشَّاعِر

(شَهِدنَا فَمَا نلقى لنا من كَتِيبَة الْبَيْت)

وَهَذَا على لفظ مَا فِي الحَدِيث وَمَا عَلَيْهِ كثير من الْقُرَّاء وَقد جَاءَ فِي شعر جِبْرِيل قَالَ الشَّاعِر الوافر

(وَجِبْرِيل رَسُول الله فِينَا

وروح الْقُدس لَيْسَ لَهُ كفاء ا. هـ.

وَلم يبين قَائِل الْبَيْتَيْنِ وَقد بَينهمَا الصَّاغَانِي فِي الْعباب قَالَ وجبرئيل اسْم يُقَال هُوَ جبر أضيف إِلَى إيل وجبر هُوَ العَبْد وإيل هُوَ الله تَعَالَى وَفِيه لُغَات جبرئيل كجبرعيل وجبرييل بِغَيْر همز وَأنْشد الْأَخْفَش لكعب بن مَالك الْأنْصَارِيّ

(شَهِدنَا فَمَا نلقى لنا من كَتِيبَة الْبَيْت)

وَيُقَال جِبْرِيل كحزقيل وَأنْشد لحسان بن ثَابت

(وَجِبْرِيل رَسُول الله فِينَا الْبَيْت)

ثمَّ ذكر بَقِيَّة اللُّغَات

ص: 416

وَنسبَة ابْن هِشَام فِي شرح بَانَتْ سعاد وَابْن عَادل فِي تَفْسِيره هَذَا الْبَيْت إِلَى حسان غير صَحِيحَة لنه غير مَوْجُود فِي ديوانه

وَكَعب بن مَالك هُوَ أحد شعراء رَسُول الله

الَّذين كَانُوا يردون الْأَذَى عَنهُ وَكَانَ مجودا مطبوعا قد غلب عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة أَمر الشّعْر وَعرف بِهِ ثمَّ أسلم وَشهد الْعقبَة وَلم يشْهد بَدْرًا والمشاهد كلهَا حاشا تَبُوك فَإِنَّهُ تخلف عَنْهَا وَقد قيل إِنَّه شهد بَدْرًا وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الْأَنْصَار الَّذين قَالَ الله فيهم {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض} الْآيَة وَالثَّانِي وَالثَّالِث هِلَال بن أُميَّة ومرارة بن الرّبيع تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك فَتَابَ الله عَلَيْهِم وَعذرهمْ وَغفر لَهُم وَنزل الْقُرْآن المتلو فِي شَأْنهمْ وَتُوفِّي كَعْب بن مَالك فِي مُدَّة مُعَاوِيَة سنة خمسين وَقيل سنة ثَلَاث وَخمسين وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة وَلبس كَعْب يَوْم أحد لأمة النَّبِي

وَكَانَت صفراء وَلبس النَّبِي

لأمته فجرح كَعْب أحد عشر جرحا وَلما قَالَ كَعْب (الْكَامِل)

(جَاءَت سخينة كي تغالب رَبهَا

فليغلبن مغالب الغلاب)

قَالَ رَسُول الله

لقد شكرك الله يَا كَعْب على قَوْلك هَذَا وَله أشعار حسان جدا فِي الْمَغَازِي وَغَيرهَا كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب

ص: 417

وَأورد لَهُ ابْن هِشَام فِي سيرته مِمَّا قَالَه يَوْم بدر (الطَّوِيل)

(أَلا أهل أَتَى غَسَّان فِي ناي دارها

وَأخْبر شَيْء بالأمور عليمها)

(بِأَن قد رمتنا عَن قسي عَدَاوَة

معد مَعًا جهالها وحليمها)

(لأَنا عَبدنَا الله لم نرج غَيره

رَجَاء الْجنان إِذا أَتَانَا زعيمها)

(نَبِي لَهُ فِي قومه إِرْث عزة

وأعراق صدق هذبتها أرومها)

(فَسَارُوا وسرنا فالتقينا كأننا

أسود لِقَاء لَا يُرْجَى كليمها)

(ضربناهم حَتَّى هوى فِي مكرنا

لمنخر سوء من لؤَي عظيمها)

(فَوَلوا ودسناهم ببيض صوارم

سَوَاء علينا حَلفهَا وصميمها)

ا. هـ.

وَفِي نُسْخَة نفيته وسخينة لقب قُرَيْش قَالَ فِي الصِّحَاح والسخينة طَعَام يتَّخذ من الدَّقِيق دون العصيدة فِي الرقة وَفَوق الحساء وَإِنَّمَا يَأْكُلُون السخينة فِي شدَّة الدَّهْر وَغَلَاء السّعر وعجف المَال وَكَانَت قُرَيْش تعير بهَا ا. هـ.

وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالسِّتُّونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الْكَامِل)

(فوردن والعيوق مقْعد رابء الضرباء

خلف النَّجْم لَا يتتلع)

على أَن معقد ظرف مَنْصُوب رقع خَبرا عَن اسْم عين وَهُوَ العيوق

ص: 418

وَاسْتشْهدَ بِهِ س على نصب المقعد على الظَّرْفِيَّة مَعَ اخْتِصَاصه بِهِ تَشْبِيها لَهُ بِالْمَكَانِ لِأَن مقْعد الرابئ مَكَان من الْأَمَاكِن الْمَخْصُوصَة وَجَاز عمل الْفِعْل فِي مثله وَلم يجز فِي الدَّار وَنَحْوه لأَنهم أَرَادوا بِهِ التَّشْبِيه والمثل فكأنهم قَالُوا والعيوق من الثريا مَكَان قعُود الرابئ من الضرباء فحذفوا اختصارا وَجعلُوا المقعد ظرفا لذَلِك وَلَا تقع الدَّار وَنَحْوهَا هَذَا الْموقع فَلذَلِك اخْتلف حكمهمَا كَذَا قَالَ الأعلم

وَقَالَ الإِمَام المرزوقي ومقعد وَإِن كَانَ مُخْتَصًّا فِي الْأَمْكِنَة جَائِز أَن يكون ظرفا لانتقاله عَن بَابه إِلَى معنى الْقرب كَمَا أَن مقْعد الْإِزَار ومقعد الْقَابِلَة منقولان إِلَيْهِ وَجعلا ظرفين وكما أَن منَاط الثريا ومزجر الْكَلْب نقلا إِلَى معنى الْبعد والإهانة وَجعلا ظرفين وَقَالَ السيرافي أعلم أَن هَذَا الْبَاب يَنْقَسِم قسمَيْنِ أَحدهمَا يُرَاد بِهِ تعْيين الْمنزلَة من بعد أَو قرب وَالْآخر يُرَاد بِهِ تَقْدِير الْقرب والبعد فَأَما مَا كَانَ من ذَلِك يُرَاد بِهِ تعْيين الْموضع وَذكر الْمحل من قرب أَو بعد فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ النصب على الظّرْف وَالرَّفْع على خبر الأول تَشْبِيها وَالْأَكْثَر فِيهِ النصب ويدلك على ذَلِك أَنه تدخل الْبَاء عَلَيْهِ فَتَقول هُوَ مني بِمَنْزِلَة كَأَنَّهُ قَالَ هُوَ مني اسْتَقر بِمَنْزِلَة وَالْبَاء وَفِي بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ مني بمزجر الْكَلْب إِذا أردْت هُوَ مهان مباعد فَإِذا نصبت فالناصب اسْتَقر وَإِذا رفعت فَقلت هُوَ مني مقْعد الْقَابِلَة جعلته بِمَنْزِلَة قَوْلك هُوَ قريب كمقعد الْقَابِلَة فَإِن قلت هُوَ مني منَاط الثريا فكأنك قلت هُوَ بعيد وَجَاز أَن تكون هَذِه الْأَشْيَاء ظروفا لأَنهم قد اتسعوا فِيمَا هُوَ من الْأَمَاكِن أخص من هَذِه فجعلوه ظرفا ونصبوه كَقَوْلِهِم ذهبت الشَّام وَدخلت الْبَيْت تَشْبِيها بالأماكن المحيطة كخلف وَقُدَّام قَالَ سِيبَوَيْهٍ إِنَّمَا يجوز هَذَا فِيمَا تستعمله

ص: 419

الْعَرَب ظرفا من هَذِه الْأَمَاكِن وَلَا يجوز الْقيَاس عَلَيْهَا ا. هـ.

وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة مَشْهُورَة لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ يرثي بهَا أَوْلَاده عدتهَا أثنان وَسِتُّونَ بَيْتا مطْلعهَا (الْكَامِل)

(أَمن الْمنون وريبها تتوجع

والدهر لَيْسَ بمعتب من يجزع)

وَمِنْهَا

(أودى بني وأعقبوني غصه

بعد الرقاد وعبرة لَا تقلع)

(فغبرت بعدهمْ بعيش ناصب

وإخال أَنِّي لَاحق مستتبع)

(وَلَقَد حرصت بِأَن أدافع عَنْهُم

فَإِذا الْمنية أَقبلت لَا تدفع)

(وَإِذا الْمنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تَمِيمَة لَا تَنْفَع)

(وتجلدي للشامتين أريهم

أَنِّي لريب الدَّهْر لَا أتضعضع)

(وَالنَّفس راغبة إِذا رغبتها

وَإِذا ترد إِلَى قَلِيل تقنع)

(والدهر لَا يبْقى على حدثانه

جون السراة لَهُ جدائد أَربع)

على بِمَعْنى مَعَ والحدثان بِمَعْنى الْحَادِثَة والسراة بِفَتْح السِّين أَعلَى الظّهْر وسراة كل شَيْء أَعْلَاهُ والجون بِفَتْح الْجِيم الْأسود المائل إِلَى الْحمرَة وَأَرَادَ بجون السراة الْحمار الوحشي والجدائد الأتن الَّتِي لَا ألبان لَهَا وَاحِدهَا جدود بِفَتْح الْجِيم أَخذ يسلي نَفسه وَيَقُول إِن أصبت ببني فتكدر بموتهم عيشي فَإِن الدَّهْر لَا يسلم على نوائبه عير أسود الظّهْر لَهُ أتن أَربع قد خفت أَلْبَانهَا وَالْمعْنَى أَن الْوَحْش فِي تباعدها عَن كثير من الْآفَات الَّتِي يقاربها الْإِنْس وَفِي انصرافها بطبعها وحدسها عَن جلّ مراصد الدَّهْر وعَلى نفارها الشَّديد وحذارها

ص: 420

الْكثير وَبعد مراتعها من الصياد لَيست تتخلص بجهدها من حوادث الدَّهْر بل لابد من هلاكها وَبعد هَذَا الْبَيْت وصفهَا بِطيب الْعَيْش فِي عشْرين بَيْتا إِلَى أَن قَالَ

(فوردن والعيوق مقْعد الْبَيْت)

والعيوق كَوْكَب أَحْمَر يطلع حِيَال الثريا وَفَوق الجوزاء والمقعد بِفَتْح الْمِيم مَكَان الْقعُود وَيَأْتِي مصدرا أَيْضا والرابئ مَهْمُوز الآخر اسْم فَاعل من ربأهم من بَاب منع بِمَعْنى علا وارتفع وَرفع وأشرف كارتبأ ورابئ الضرباء هُوَ الَّذِي يقْعد خلف ضَارب قداح الميسر يرتبئ لَهُم فِيمَا يخرج من القداح فيخبرهم بِهِ ويعتمدون على قَوْله فِيهِ وَهُوَ مَأْخُوذ من ربيئة الْقَوْم وَهُوَ طليعتهم والضرباء جمع ضريب ككريم وكرماء وَهُوَ الَّذِي يضْرب بِالْقداحِ وَهُوَ الْمُوكل بهَا وَيُقَال لَهُ الضَّارِب أَيْضا والنجم الثريا ويروى فَوق النّظم يَعْنِي نظم الجوزاء ويتتلع يتَقَدَّم ويرتفع مَأْخُوذ من التلعة فَقَوله والعيوق مقْعد جملَة اسمية حَال من نون وردن يَقُول وَردت الأتن

المَاء والعيوق من النَّجْم مقْعد رابئ الضرباء من الضرباء أَي خَلفه لَا يتَقَدَّم وَهَذَا إِنَّمَا يكون فِي صميم الْحر عِنْد الإسحار وَإِنَّمَا قَالَ خلف النَّجْم لِأَنَّك فِي الصَّيف ترى المجرة عِنْد الإسحار كَأَنَّهَا ملوية فترى العيوق مُتَخَلِّفًا عَن الثريا وَهَذَا الْوَقْت

ص: 421

الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ وَقت وُرُود الْوَحْش المَاء وَلذَلِك يكمن الصيادون فِيهِ عِنْد المشارع ونواحيها ومقعد وَخلف منصوبان على الظّرْف وَقع الأول خَبرا لقَوْله والعيوق وَالثَّانِي بَدَلا مِنْهُ كَأَنَّهُ أَرَادَ والعيوق من خلف النَّجْم مقْعد رابئ الضرباء من الضرباء فَحذف من خلف لِأَن الْبَدَل وَهُوَ قَوْله خلف النَّجْم يدل عَلَيْهِ كَمَا حذف من الضرباء لِأَن جملَة الْكَلَام يدل عَلَيْهِ وَيجوز أَن يكون خلف النَّجْم فِي مَوضِع الْحَال كَأَنَّهُ قَالَ والعيوق من النَّجْم قريب مُتَخَلِّفًا عَنهُ وَيجوز الْعَكْس فَيكون خلف النَّجْم خبر الْمُبْتَدَأ ومقعد حَالا وَالْعَامِل فِيهِ الظّرْف كَأَنَّهُ قَالَ والعيوق مُسْتَقر خلف النَّجْم قَرِيبا وَجُمْلَة لَا يتتلع إِمَّا خبر بعد خبر وَإِمَّا حَال بعد قَالَ أَبُو سعيد الضَّرِير إِنَّمَا اشْترط التتلع لِأَن العيوق مادام مُتَقَدما على الثريا فَفِي الزَّمَان بَقِيَّة من الأبارد والأبارد برد أَطْرَاف النَّهَار فَإِذا اسْتَوَى العيوق مَعهَا فقد بَقِي من الأبارد شَيْء قَلِيل فَإِذا اسْتَأْخَرَ عَنْهَا استحكم الْحر ثمَّ ذكر أَبُو ذُؤَيْب فِيمَا بعد هَذَا من أَبْيَات أَن الصياد كمن لَهُنَّ فأهلكها جَمِيعًا وأَبُو ذُؤَيْب اسْمه خويلد بن خَالِد بن محرث بن زبيد بن مَخْزُوم بن صاهلة ابْن كَاهِل أَخُو بني مَازِن بن مُعَاوِيَة بن تَمِيم بن سعد بن هُذَيْل بن مدركة بن إلْيَاس ابْن مُضر ومحرث بتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة وزبيد تَصْغِير الزّبد وَهُوَ الْعَطِيَّة وَقيل برَاء مُهْملَة وَكَانَ هلك لأبي ذُؤَيْب بنُون خَمْسَة فِي عَام وَاحِد أَصَابَهُم الطَّاعُون وَكَانُوا

هَاجرُوا إِلَى مصر وَهلك هُوَ فِي زمن عُثْمَان

ص: 422

رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فِي طَرِيق مصر وَدَفنه ابْن الزبير وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ مَاتَ فِي طَرِيق إفريقية وَهُوَ شَاعِر فَحل مخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَهُوَ أشعر هُذَيْل من غير مدافعة وَفد على النَّبِي

فِي مرض مَوته فَمَاتَ النَّبِي

قبل قدومه بليلة أدْركهُ وَهُوَ مسجى وَصلى عَلَيْهِ وَشهد دَفنه

وَحكى عَن نَفسه قَالَ بلغنَا أَن رَسُول الله

عليل وأوجس أهل الْحَيّ خيفة واستشعرت حَربًا فَبت بليلة طَوِيلَة حَتَّى إِذا كَانَ وَقت السحر هتف الْهَاتِف يَقُول (الْكَامِل)

(خطب أجل أَنَاخَ بِالْإِسْلَامِ

بَين النخيل ومقعد الْآطَام)

(قبض النَّبِي مُحَمَّد فعيوننا

تذري الدُّمُوع عَلَيْهِ بالتسجام)

فَوَثَبت من نومي فَزعًا فَنَظَرت إِلَى السَّمَاء فَلم ار إِلَّا سعد الذَّابِح فتفاءلت بِهِ ذبحا يَقع فِي الْإِسْلَام وَعلمت أَن النَّبِي

قد قبض وَسَيَأْتِي لَهُ أَخْبَار فِي هَذَا الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالسِّتُّونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س

ص: 423

(هم درج السُّيُول)

هُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ (الوافر)

(أنصب للمنية يعتريهم

رجالي أم هم درج السُّيُول)

على أَن درجا ظرف مَنْصُوب وَقع خَبرا لقَوْله هم وَتقدم الْكَلَام على نَظِيره قبله وَهَذَا الْبَيْت لإِبْرَاهِيم بن هرمه يبكي بِهِ قومه لِكَثْرَة من فقد مِنْهُم وَالنّصب بِالضَّمِّ الشَّيْء الْمَنْصُوب وَالشَّر وَالْبَلَاء أَيْضا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (مسني الشَّيْطَان بِنصب وَعَذَاب ودرج السُّيُول الْموضع الَّذِي يمر بِهِ السَّيْل فَينزل من مَوضِع إِلَى مَوضِع حَتَّى يسْتَقرّ والدرج بِفتْحَتَيْنِ الطَّرِيق وَرجع أدراجه وَيكسر أَي فِي الطَّرِيق الَّذِي جَاءَ مِنْهُ يَقُول قومِي كَانُوا غَرضا للمنية فأهلكتهم أم كَانُوا فِي ممر السَّيْل فاجترفهم ف رجالي مُبْتَدأ وَنصب خَبره وَجُمْلَة يعتريهم بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّة صفة لنصب وبالتاء الْفَوْقِيَّة حَال من الْمنية أَي تنزل بهم وَإِبْرَاهِيم هُوَ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن هرمة بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة ابْن عَليّ بن سَلمَة بن عَامر بن هرمة قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي الطَّبَقَات هُوَ من الخلج من قيس عيلان وَيُقَال إِنَّهُم من قُرَيْش

ص: 424

وَفِي الأغاني أَن نسبه يَنْتَهِي إِلَى قيس بن الْحَارِث وَقيس هم الخلج وَكَانُوا فِي عدوان ثمَّ انتقلوا إِلَى بني نصر بن مُعَاوِيَة بن بكر فَلَمَّا اسْتخْلف عمر أَتَوْهُ ليفرض لَهُم فَأنْكر نسبهم فَلَمَّا تولى عُثْمَان أثبتهم فِي بني الْحَارِث بن فهر وَجعل لَهُم ديوانا فسموا الخلج لأَنهم اختلجوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ من عدوان وَقيل لأَنهم نزلُوا

بِالْمَدِينَةِ خلف بطحان يدْفع عَلَيْهِم إِذا جَاءَ السَّيْل ثَلَاثَة خلج جمع خليج وَابْن هرمة آخر الشُّعَرَاء الَّذين يحْتَج بِشَعْرِهِمْ قَالَ ابْن قُتَيْبَة حَدثنِي عبد الرَّحْمَن عَن عَمه الْأَصْمَعِي أَنه قَالَ ساقة الشُّعَرَاء ابْن ميادة وَابْن هرمة ورؤبة وَحكم الخضري حَيّ من محَارب وَقد رَأَيْتهمْ أَجْمَعِينَ وَكَانَ من مخضرمي الدولتين مدح الْوَلِيد بن يزِيد ثمَّ أَبَا جَعْفَر الْمَنْصُور وَكَانَ مُنْقَطِعًا إِلَى الطالبيين وَكَانَ مولده سنة سبعين ووفاته فِي خلَافَة الرشيد بعد الْخمسين وَمِائَة تَقْرِيبًا وَله فِي آل الْبَيْت أشعار لَطِيفَة مِنْهَا قَوْله (المتقارب)

(وَمهما ألام على حبهم

فَإِنِّي أحب بني فاطمه)

(بنى بنت من جَاءَ بالمحكمات وَالدّين وَالسّنة القائمه)

قَالَ ابْن قُتَيْبَة وَكَانَ ابْن هرمة مُولَعا بِالشرابِ وَأَخذه صَاحب شرطة

ص: 425

زِيَاد على الْمَدِينَة فجلده فِي الْخمر وَهُوَ زِيَاد بن عبيد الله الْحَارِثِيّ وَكَانَ واليا عَلَيْهَا فِي ولَايَة أبي الْعَبَّاس فَلَمَّا ولي الْمَنْصُور شخص إِلَيْهِ فامتدحه فَاسْتحْسن شعره وَقَالَ سل حَاجَتك قَالَ تكْتب إِلَى عَامل الْمَدِينَة لَا يحدني فِي الْخمر قَالَ هَذَا حد من حُدُود الله وَمَا كنت لأعطلة قَالَ فاحتل لي فِيهِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَكتب إِلَى عاملة من أَتَاك بِابْن هرمه سَكرَان فاجلده مائَة جلدَة وَأجْلَد ابْن هرمة ثَمَانِينَ فَكَانَ النَّاس يَمرونَ بِهِ وَهُوَ سَكرَان فَيَقُولُونَ من يشترى ثَمَانِينَ بِمِائَة وترجمته

فِي الأغاني طَوِيلَة وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتُّونَ (الوافر)

(فساغ لي الشَّرَاب وَكنت قبلا)

على أَن أَصله قبل هَذَا فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ وَلم ينْو لَفظه وَلَا مَعْنَاهُ وَلِهَذَا نكر فنون وتتمته

(أغص بِنُقْطَة المَاء الْحَمِيم)

وَهَذَا آخر أَبْيَات خَمْسَة ليزِيد بن الصَّعق وَهِي

(أَلا أبلغ لديك أَبَا حُرَيْث

وعاقبه الْمَلَامَة للمليم)

(فَكيف ترى معاقبتي وسعيي

بأذواد القصيبة والقصيم)

(وَمَا بَرحت قلوصي كل يَوْم

تكر على الْمُخَالف والمقيم)

(فَنمت اللَّيْل إِذْ أوقعت فِيكُم

قبائل عَامر وَبني تَمِيم)

(وساغ لي الشَّرَاب وَكنت قبلا

أغص بِنُقْطَة المَاء الْحَمِيم)

ص: 426

أَبُو حُرَيْث كنية الرّبيع بن زِيَاد الْعَبْسِي والمليم من ألام الرجل إِذا أَتَى بِمَا يلام عَلَيْهِ والمعاقبة المناوبة من الْعقبَة بِالضَّمِّ وَهِي النّوبَة والذود من الْإِبِل مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْر لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا وَالْكثير اذواد والقصيبة على لفظ مصغر القصبة والقصيم بِفَتْح الْقَاف وَكسر الصَّاد موضعان والمخالف من الخلوف وهم المقيمون فِي الْحَيّ حِين تذْهب الرِّجَال

للغزو وَقَوله وساغ إِلَى آخِره مَعْطُوف على قَوْله فَنمت وروى فساغ بِالْفَاءِ وَهُوَ خطأ وَالْحَمِيم المَاء الْحَار وَلَيْسَ بِمُرَاد وَإِنَّمَا أوردهُ للقافية هُوَ من الأضداد يُطلق على المَاء الْبَارِد أَيْضا وساغ من بَاب قَالَ إِذا سهل مدخله فِي الْحلق وأسغته جعلته سائغا وَيَتَعَدَّى بِنَفسِهِ فِي لُغَة وَمن هُنَا قيل سَاغَ فعل الشَّيْء وسوغته إِذا أبحته وَالشرَاب مَا يشرب من الْمَائِعَات وأغص مضارع غصصت بِالطَّعَامِ غصصا من بَاب تَعب وَمن بَاب قتل لُغَة والغصة مَا غص بِهِ الْإِنْسَان من طَعَام أَو غيظ على التَّشْبِيه وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمل مَكَان الشرق لِأَنَّهُ مَخْصُوص بِالْمَاءِ يُقَال شَرق بِالْمَاءِ وبريقة إِذا لم يبلعهما والشجى بِالْقصرِ يكون فِي الْعظم يُقَال شجى بالعظم من بَاب فَرح إِذا وقف فِي حلقه والجرض بإعجام الطَّرفَيْنِ يكون من ألهم والحزن يُقَال جرض بريقه وَهُوَ أَن يبتلع رِيقه على هم وحزن بالجهد وَهُوَ من بَاب فَرح وَالِاسْم الجرض بِفتْحَتَيْنِ وَمَا أحسن قَول بَعضهم (الْبَسِيط)

(ذل السُّؤَال شجى فِي الْحلق معترض

من دونه شَرق من بعده جرض)

وَالسَّبَب فِي هَذِه الأبيات هُوَ مَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدَة قَالَ كَانَت بِلَاد

ص: 427

بني غطفان مخصبة فرعت بَنو عَامر بن صعصعة نَاحيَة مِنْهَا فَأَغَارَ الرّبيع بن زِيَاد الْعَبْسِي على يزِيد بن الصَّعق وَكَانَ فِي كرش النَّاس أَي فِي جَمَاعَتهمْ فَلم يستطعه الرّبيع فاستفاء سروح بني جَعْفَر والوحيد ابْني كلاب واستفاء من الْفَيْء وَهِي الْغَنِيمَة أَي ردهَا مَعَه وَالْمعْنَى فاستاق سروحهم والسرح الْإِبِل الَّتِي ترعى فَقَالَ فِي ذَلِك الرّبيع (الوافر)

(فَإِذا أَخْطَأت قَوْمك يَا يزيدا

فأنعى جعفرا لَك والوحيدا)

فَحرم على نَفسه يزِيد بن الصَّعق الطّيب وَالنِّسَاء حَتَّى يُغير عَلَيْهِ فَجمع قبائل شَتَّى ثمَّ أغار فاستاق نعما لَهُم وَأصَاب عصافير النُّعْمَان بن الْمُنْذر وَهِي إبل مَعْرُوفَة يُقَال لَهَا العصافير فَقَالَ يزِيد فِي ذَلِك هَذِه الأبيات

وَقَالَ لبيد بن ربيعَة أَيْضا يرد على الرّبيع بن زِيَاد حِين ذكر جعفرا والوحيد (الوافر)

(لست بغافر لبني بغيض

سفاهتهم وَلَا خطل اللِّسَان)

(سآخذ من سراتهم بعرضي

وَلَيْسوا بِالْوَفَاءِ وَلَا المداني)

(فَإِن بَقِيَّة الأحساب منا

وَأَصْحَاب الْحمالَة والطعان)

(جراثيم منعن بَيَاض نجد

وَأَنت تعد فِي الزمع الدواني)

وأجابه النَّابِغَة الذبياني وَقَالَ (الوافر)

(أَلا من مبلغ عني لبيدا

أَبَا الدَّرْدَاء جحفلة الأتان)

(فقد أزجى مطيته إِلَيْنَا

بمنطق جَاهِل خطل اللِّسَان)

وَقَول لبيد خطل اللِّسَان يُرِيد طول اللِّسَان وَسمي الأخطل لطول

ص: 428