المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَأَرَادَ بقوله راسيات ثَلَاث حِجَارَة الْقدر الثَّلَاثَة وَهُوَ مَعْطُوف على - خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب للبغدادي - جـ ١

[عبد القادر البغدادي]

فهرس الكتاب

- ‌ مُقَدّمَة تشْتَمل على أُمُور ثَلَاثَة

- ‌(الْأَمر الأول)(فِي الْكَلَام الَّذِي يَصح الاستشهاد بِهِ فِي اللُّغَة والنحو وَالصرْف)

- ‌(الْأَمر الثَّانِي ضروب وأجناس)

- ‌(الْأَمر الثَّالِث يتَعَلَّق بترجمة الشَّارِح الْمُحَقق والحبر المدقق رحمه الله وَتجَاوز عَنهُ)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ الشَّاهِد الثَّالِث

- ‌(أَقسَام التَّنْوِين)

- ‌ الشَّاهِد الرَّابِع

- ‌ الشَّاهِد الْخَامِس

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ الشَّاهِد السَّادِس

- ‌(المعرب والمبني)

- ‌ الشَّاهِد الثَّامِن

- ‌ الشَّاهِد التَّاسِع

- ‌ الشَّاهِد الْعَاشِر

- ‌ الشَّاهِد الْحَادِي عشر

- ‌ الشَّاهِد الثَّانِي عشر

- ‌ الشَّاهِد الثَّالِث عشر

- ‌ الشَّاهِد الرَّابِع عشر

- ‌ الشَّاهِد الْخَامِس عشر

- ‌ الشَّاهِد السَّادِس عشر

- ‌ الشَّاهِد السَّابِع عشر

- ‌ الشَّاهِد الثَّامِن عشر

- ‌ الشَّاهِد الْعشْرُونَ

- ‌ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌ الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالْعشْرُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(بَاب التَّنَازُع)

- ‌(تتمه)

- ‌(أَمرتك الْخَيْر)

- ‌(الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(اسْم مَا وَلَا المشبهين بليس)

الفصل: وَأَرَادَ بقوله راسيات ثَلَاث حِجَارَة الْقدر الثَّلَاثَة وَهُوَ مَعْطُوف على

وَأَرَادَ بقوله راسيات ثَلَاث حِجَارَة الْقدر الثَّلَاثَة وَهُوَ مَعْطُوف على منتضد وَكَذَلِكَ عَرصَة واستنت الرِّيَاح هبت عَلَيْهَا من هُنَا وَمن هُنَا والوله جمع الواله الْمَرْأَة الَّتِي فقدت وَلَدهَا وَالسَّلب بِضَمَّتَيْنِ اللابسة الثِّيَاب السود وتحن من الحنين بِمَعْنى الأنين وَقَوله وَإِذ أقرب مِنْهَا إِلَخ أَي أمني نَفسِي مِنْهَا مَا لَا يكون والمقلية بتَخْفِيف الْيَاء مصدر بِمَعْنى القلى وَهُوَ البغض والكراهية والارتقاب الِانْتِظَار وَأَن ألم أَي لِأَن أنزل وَأحل بِهِ والتغب بمثناة فوقية فغين مُعْجمَة قَالَ اللَّخْمِيّ هُوَ جمع تغبة وَهِي السقطة وَمَا يعاب بِهِ ابْنه والتغب أَيْضا الْهَلَاك وَقَالَ فِي الصِّحَاح تغب بِالْكَسْرِ تغبا هلك ونزه بِفَتْح وَسُكُون الزَّاي الْبعيد سكن الزَّاي وَهِي مَكْسُورَة للضَّرُورَة والمؤتشب الْمُخْتَلط يُقَال أشبت الْقَوْم إِذا خلطت بَعضهم بِبَعْض

(الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر)

أنْشد فِيهِ وَهُوَ الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ (المديد)

(غير مأسوف على زمن

يَنْقَضِي بالهم والحزن)

أوردهُ مِثَالا لإجراء غير قَائِم الزيدان مجْرى مَا قَائِم الزيدان لكَونه بِمَعْنَاهُ \ وَتَخْرِيج الْبَيْت على هَذَا أحد أَقْوَال ثَلَاثَة هُوَ أحْسنهَا وَإِلَيْهِ ذهب ملك النُّحَاة الْحسن بن أبي نزار وَابْن الشجري أَيْضا فِي أمالية

ص: 345

ومأسوف اسْم مفعول من الأسف وَهُوَ أَشد الْحزن وَبَاب فعله فَرح وعَلى زمن مُتَعَلق بِهِ على أَنه نَائِب الْفَاعِل وَجُمْلَة يَنْقَضِي صفة لزمن وبالهم حَال من ضَمِيره أَي مشوبا بالهم فَلَمَّا كَانَت غير للمخالفة فِي الْوَصْف وَجَرت لذَلِك مجْرى حرف النَّفْي وأضيفت إِلَى اسْم الْمَفْعُول الْمسند إِلَى الْجَار وَالْمَجْرُور والمتضايفان بِمَنْزِلَة الِاسْم الْوَاحِد سد ذَلِك مسد الْجُمْلَة كَأَنَّهُ قيل مَا يؤسف على زمن هَذِه صفته قَالَ أَبُو حَيَّان فِي تَذكرته وَلم أر لهَذَا الْبَيْت نظيرا فِي الْأَعْرَاب إِلَّا بَيْتا فِي قصيدة المتنبي يمدح بهَا بدر بن عمار الطبرستاني يَقُول فِيهَا (الرمل)

(لَيْسَ بالمنكر أَن برزت سبقا

غير مَدْفُوع عَن السَّبق العراب)

ف العراب مَرْفُوع بمدفوع وَمن جعله مُبْتَدأ فقد أَخطَأ لِأَنَّهُ يصير التَّقْدِير

العراب غير مَدْفُوع عَن السَّبق والعراب جم فَلَا أقل من أَن يَقُول غير مدفوعة لِأَن خبر الْمُبْتَدَأ لَا يتَغَيَّر تذكيره وتأنيثه بتقديمة وتأخيره وَالْقَوْل الثَّانِي لِابْنِ جني وَتَبعهُ ابْن الْحَاجِب وَهُوَ أَن غير خبر مقدم وَالْأَصْل زمن يَنْقَضِي بالهم والحزن غير مأسوف عَلَيْهِ ثمَّ قدمت عَلَيْهِ وَمَا بعْدهَا ثمَّ حذف زمن دون صفته فَعَاد الضَّمِير الْمَجْرُور بعلى على غير مَذْكُور فَأتى بِالِاسْمِ الظَّاهِر مَكَانَهُ وَحذف الْمَوْصُوف بِدُونِ شَرطه الْمَعْرُوف ضَرُورَة وَالثَّالِث وَهُوَ لِابْنِ الخشاب أَن غير خبر لأَنا محذوفا ومأسوف مصدر كالمعسور والميسور أُرِيد بِهِ اسْم الْفَاعِل وَالتَّقْدِير أَنا غير آسَف على زمن هَذِه صفته وَهَذَا الْبَيْت لأبي نواس وَهُوَ لَيْسَ مِمَّن يستشهد بِكَلَامِهِ وَإِنَّمَا أوردهُ

ص: 346

الشَّارِح مِثَالا للمسألة وَلِهَذَا لم يقل كَقَوْلِه وَبعده بَيت ثَان وَهُوَ

(إِنَّمَا يَرْجُو الْحَيَاة فَتى

عَاشَ فِي أَمن من المحن)

وأَبُو نواس هُوَ أَبُو عَليّ الْحسن بن هَانِئ بن عبد الأول بن الصَّباح الْحكمِي بِفَتْح الْحَاء وَالْكَاف نِسْبَة إِلَى الحكم بن سعد الْعَشِيرَة وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة مِنْهَا الْجراح ابْن عبد الله الْحكمِي أَمِير خُرَاسَان وَكَانَ جد أبي نواس من موَالِيه وَإِنَّمَا قيل لَهُ أَبُو نواس لذوابتين كَانَتَا لَهُ تنوسان على عاتقة والذؤابة بِهَمْزَة بعد الذَّال المضمومة الضفيرة من الشّعْر إِذا كَانَت غير ملوية فَإِن كَانَت ملوية فَهِيَ عقيصة والذؤابة أَيْضا طرف الْعِمَامَة وناس ينوس إِذا تدلى وتحرك والعاتق مَا بَين الْمنْكب والعنق وَهُوَ مَوضِع الرِّدَاء وَقيل إِن خلفا الْأَحْمَر كَانَ لَهُ وَلَاء فِي الْيمن وَكَانَ أميل النَّاس إِلَى أبي نواس فَقَالَ لَهُ يَوْمًا أَنْت من الْيمن فتكن باسم ملك من مُلُوكهمْ الأذواء فَاخْتَارَ ذَا نواس فكناه أَبَا نواس بِحَذْف صَدره وغلبت عَلَيْهِ ومولده بِالْبَصْرَةِ سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَة وَقيل سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَمَات بِبَغْدَاد سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة وَقيل سنة سِتّ وَقيل سنة ثَمَان وَنَشَأ بِالْبَصْرَةِ ثمَّ خرج إِلَى الْكُوفَة وَقيل بل ولد بالأهواز وَقيل بكورة من كور خوزستان سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَمِائَة وَنقل مِنْهَا وعمره سنتَانِ إِلَى الْبَصْرَة

وَأمه أهوازية اسْمهَا جلبان وَكَانَ أَبوهُ من أهل دمشق من جند مَرْوَان الْحمار انْتقل إِلَى الأهواز للرباط فَتَزَوجهَا وَقدم أَبُو نواس بَغْدَاد مَعَ والبة بن الْحباب الشَّاعِر وَبِه تخرج وَعرض الْقُرْآن على يَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ وَأخذ اللُّغَة عَن أبي زيد الْأنْصَارِيّ وَأبي عُبَيْدَة ومدح الْخُلَفَاء والوزراء وَكَانَ فِي الشّعْر من الطَّبَقَة الأولى من المولدين

ص: 347

قَالَ أَبُو عُبَيْدَة أَبُو نواس للمحدثين مثل امْرِئ الْقَيْس للْمُتَقَدِّمين وشعره عشرَة أَنْوَاع وَهُوَ مجيد فِي الْكل وَمَا زَالَ الْعلمَاء والأشراف يروون شعره ويتفكهون بِهِ ويفضلونه على أشعار القدماء وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ لَوْلَا أَن أَبَا نواس أفسد بِهَذِهِ الأقذار يَعْنِي الْخُمُور لَا حتججنا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُحكم القَوْل لَا يُخطئ وديوان شعره مُخْتَلف لاخْتِلَاف جامعيه فَإِنَّهُ أعتنى بجمعه جمَاعَة مِنْهُم أَبُو بكر الصولي وَهُوَ صَغِير وَمِنْهُم عَليّ بن حَمْزَة الْأَصْبَهَانِيّ وَهُوَ كَبِير جدا وَكِلَاهُمَا عِنْدِي وَللَّه الْحَمد على نعْمَة وَمِنْهُم إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الطَّبَرِيّ الْمَعْرُوف بتوزون وَلم أره إِلَى الْآن وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ (الطَّوِيل)

(على مثلهَا من أَربع وملاعب

تذال مصونات الدُّمُوع السواكب [)

على أَنه لما أنْشد المصراع الأول عَارضه شخص فَقَالَ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فانخزل مِنْهُ وَترك الإنشاد لِأَن تَقْدِيم الْخَبَر فِي مثله يُوهم الدُّعَاء

باللعنة وسمى ابْن أبي الإصبع هَذَا النَّوْع فِي تَحْرِير التحبير التوليد وَقَالَ التوليد على ضَرْبَيْنِ من الْأَلْفَاظ وَمن الْمعَانِي فَالَّذِي من الْأَلْفَاظ هُوَ أَن يُزَوّج الْمُتَكَلّم كلمة من لَفظه إِلَى كلمة من غَيره فيتولد بَينهمَا كَلَام

ص: 348

يُنَاقض غَرَض صَاحب الْكَلِمَة الْأَجْنَبِيَّة وَذَلِكَ فِي الْأَلْفَاظ المفرده دون الْجمل المؤتلفة ومثاله مَا حكى أَن مُصعب بن الزبير وسم خيله بِلَفْظِهِ عدَّة فَلَمَّا قتل وَصَارَت إِلَى الْعرَاق رَآهَا الْحجَّاج فوسم بعد لَفْظَة عدَّة لَفْظَة الْفِرَار فتولد بَين اللفظتين غير مَا أَرَادَهُ مُصعب وَمن توليد الْأَلْفَاظ توليد الْمَعْنى من تَزْوِيج الْجمل المفيدة وَمن لطيف التوليد قَول بعض الْعَجم (الوافر)

(كَأَن عذاره فِي الخد لَام

ومبسمه الشهي الطّعْم صَاد)

(وطرة شعره ليل بهيم

فَلَا عجب إِذا سرق الرقاد)

فَإِن هَذَا الشَّاعِر ولد من تَشْبِيه العذار بِاللَّامِ وتشبيه الْفَم بالصَّاد لَفظه لص وَولد من مَعْنَاهَا وَمعنى تَشْبِيه الطرة بِاللَّيْلِ ذكر سَرقَة النّوم فَجعل فِي هَذَا الْبَيْت توليدا وإدماجا وَهَذَا من أغرب مَا سَمِعت ومثاله مَا حُكيَ أَن أَبَا تَمام أنْشد أَبَا دلف

(على مثلهَا من أَربع وملاعب)

فَقَالَ بعض من أَرَادَ نُكْتَة لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ فولد من الْكَلَامَيْنِ كلَاما يُنَافِي غَرَض أبي تَمام من وَجْهَيْن أَحدهمَا خُرُوج الْكَلَام عَن التشبيب إِلَى الهجاء بِسَبَب مَا انْضَمَّ إِلَيْهِ من الدُّعَاء وَالثَّانِي خُرُوج الْكَلَام عَن أَن يكون بَيْتا من شعر إِلَى أَن صَار قِطْعَة من نثر وَمن هَذَا الضَّرْب قَول الشَّاعِر

ص: 349

(الطَّوِيل)

(ألوم زيادا فِي ركاكة عقله

وَفِي قَوْله أَي الرِّجَال الْمُهَذّب)

(وَهل يحسن التَّهْذِيب مِنْك خلائقا

أرق من المَاء الزلَال وَأطيب)

(تكلم والنعمان شمس سمائه

وكل مليك عِنْد نعْمَان كَوْكَب)

(وَلَو أَبْصرت عَيناهُ شخصك مرّة

لَأبْصر مِنْهُ شمسه وَهِي غيهب)

فَإِن هَذَا الشَّاعِر زوج مدح ممدوحه بتهذيب الْأَخْلَاق إِلَى قَول النَّابِغَة أَي الرِّجَال الْمُهَذّب فتولد بَين الْكَلَامَيْنِ مَا يُنَافِي غَرَض النَّابِغَة حَيْثُ أخرج الشَّاعِر كَلَامه مخرج الْمُنكر على النَّابِغَة ذَلِك الِاسْتِفْهَام وأوضح مناقضته للنابغة ببيته الثَّانِي وَهُوَ قَوْله وَهل يحسن التَّهْذِيب الْبَيْت وَزوج قَوْله فِي عجز الْبَيْت الثَّالِث وكل مليك عِنْد نعْمَان كَوْكَب إِلَى قَول النَّابِغَة بأنك شمس والملوك كواكب بِدَلِيل قَول الشَّاعِر يَعْنِي النَّابِغَة تكلم والنعمان شمس سمائه الْبَيْت فتولد بَين الْكَلَامَيْنِ قَوْله (الطَّوِيل)

(وَلَو أَبْصرت عَيناهُ شخصك مرّة

لَأبْصر مِنْهُ شمسه وَهِي غيهب)

وَأما الضَّرْب الثَّانِي وَهُوَ مَا تولد من الْمعَانِي كَقَوْل الْقطَامِي (الْبَسِيط)

(قدء يدْرك المتأني بعض حَاجته

وَقد يكون مَعَ المستعجل الزلل)

فَقَالَ من بعده (الْبَسِيط)

(عَلَيْك بِالْقَصْدِ فِيمَا أَنْت فَاعله

إِن التخلق يَأْتِي دونه الْخلق)

ص: 350

. فَمَعْنَى صدر هَذَا الْبَيْت معنى بَيت الْقطَامِي بِكَمَالِهِ وَمعنى عجز الْبَيْت مولد بَينهمَا وَهُوَ قَوْله

(إِن التخلق يَأْتِي دونه الْخلق)

والقطامي أَخذ مَعْنَاهُ من عدي بن زيد الْعَبَّادِيّ حَيْثُ قَالَ (السَّرِيع)

(قد يدْرك المبطئ من حَظه

وَالْخَيْر قد يسْبق جهد الْحَرِيص)

وعدي نظر إِلَى قَول جمانة الْجعْفِيّ (الطَّوِيل)

(ومستعجل والمكث أدنى لرشده

وَلم يدر فِي استعجاله مَا يُبَادر)

وَمن التوليد توليد بديع من بديع كَقَوْل أبي تَمام (الطَّوِيل)

(لَهَا منظر قيد النواظر لم يزل

يروح وَيَغْدُو فِي خفارته الْحبّ)

فَإِنَّهُ ولد قَوْله قيد النواظر من قَول امْرِئ الْقَيْس قيد الأوابد لِأَن هَذِه اللَّفْظَة الَّتِي هِيَ قيد انْتَقَلت بإضافتها من الطَّرْد إِلَى النسيب فَكَأَن النسيب تولد من الطَّرْد وَتَنَاول اللَّفْظ الْمُفْرد لَا يعد سَرقَة وَإِنَّمَا سقنا هَذَا الْفَصْل برمتِهِ لغرابته وقلما يُوجد فِي مَوضِع آخر وَقَول أبي تَمام على مثلهَا من أَربع ضمير مثلهَا مُفَسّر بالتمييز الْمَجْرُور بِمن وَالْأَكْثَر أَن يكون التَّمْيِيز مُفَسرًا لضمير نعم وَبئسَ وَرب قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي والزمخشري يُفَسر الضَّمِير بالتمييز فِي غير بَابي نعم وَرب وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِي فسواهن سبع سموات الضَّمِير فِي فسواهن ضمير مُبْهَم وَسبع سموات تَفْسِيره كَقَوْلِهِم ربه رجلا وَلَوْلَا تشبيهه بربه رجلا لحمل على الْبَدَل والأربع جمع ربع بِالْفَتْح وَهُوَ محلّة الْقَوْم ومنزلهم

ص: 351

والملاعب جمع ملعب وَهُوَ مَوضِع اللّعب وتذال مَبْنِيّ للْمَجْهُول مضارع أذاله بِمَعْنى أهانة وَهُوَ متعدي ذال الشَّيْء ذيلا هان وَالثَّابِت فِي نسخ ديوانه وشروحه أذيلت والمصونات من الصون وَهُوَ خلاف الابتذال والسواكب المنصبة فَإِن سكب يَأْتِي لَازِما يُقَال سكب المَاء سكبا وسكوبا أنصب وَيَأْتِي مُتَعَدِّيا يُقَال سكب زيد المَاء قَالَ الإِمَام أَبُو بكر بن يحيى الصولي فِي شَرحه قد أنكر بَعضهم مصونات الدُّمُوع السواكب وَقَالَ كَيفَ يكون من السواكب مَا هُوَ مصون وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو تَمام أذيلت مصونات الدُّمُوع الَّتِي هِيَ الْآن سواكب

ثمَّ قَوْله أذيلت بِمَعْنى صبَّتْ صبا سَائِلًا حَتَّى يصير لَهَا ذيل لَيْسَ بجيد فَإِن معنى الْبَيْت أهينت الدُّمُوع الغزيرة يسكبها على مثل هَذِه الْمنَازل لخلها من الحبائب وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة مدح بهَا أَبَا دلف الْقَاسِم بن عِيسَى الْعجلِيّ وَبعده (الطَّوِيل)

(أَقُول لقرحان من الْبَين لم يجد

رسيس الْهوى بَين الحشا والترائب)

(أَعنِي أفرق شَمل دمعي فإنني

ارى الشمل مِنْهُم لَيْسَ بالمتقارب)

إِلَى أَن قَالَ

(إِذا العيس لاقت بِي أَبَا دلف فقد

تقطع مَا بيني وَبَين النوائب)

(هُنَالك تلقى الْجُود حَيْثُ تقطعت

تمائمه وَالْمجد مرخى الذوائب)

(تكَاد عطاياه يجن جنونها

إِذا لم يعوذها بنغمة طَالب) قَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شرح ديوانه القرحان أَصله الَّذِي لم يصبهُ

ص: 352

الجدري واستعارة هُنَا لمن لم يمْتَحن بالنوى وَلم يدْخل فِي إسار الْهوى قَالَ فِي الصِّحَاح رس الْحمى ورسيسها أول مَسهَا وَقَوله أَعنِي أفرق الْبَيْت قَالَ الصولي اي لَا أرى شملهم مجتمعا بِالرُّجُوعِ إِلَيْهَا يَقُول قد اجْتمع دمعي لِأَنِّي لم أبك حَتَّى رَأَيْت مَنَازِلهمْ فأعني بوقفة ثمَّ معي حَتَّى أبكيهم فَأَسْتَرِيح وَقَوله إِذا العيس لاقت بِي الْبَيْت يَقُول إِذا أقدمتني الْإِبِل إِلَيْهِ انْقَطَعت الْأَسْبَاب بيني وَبَين النوائب أَي لم يبْق لَهَا سَبِيل عَليّ وَقَوله هُنَالك تلقى الْجُود الْبَيْت قَالَ الصولي يُقَال تقطعت تمائم فلَان فِي بني فلَان إِذا تربى وَنَشَأ فيهم وَأَرَادَ إِن الْمجد كالآمن فيهم أَن يتَحَوَّل إِلَى غَيرهم فَيكون قد أحَاط بِهِ الشّرف من كل جَانب ويروى وافي الذوائب وَقَوله تكَاد عطاياه الْبَيْت قَالَ الإِمَام المرزوقي يَقُول قد تعود هَذَا الرجل تَفْرِيق مَاله بالصلات وتبديده بالعطيات حَتَّى تقرب عطاياه لَو أمسك

يَوْمًا من أَن تجن إِن لم يعلق عَلَيْهَا عوذها من نغم الطلاب وَالزُّوَّارِ وَقَوله يجن جنونها إِنَّمَا يُرِيد يجن صِحَّتهَا أَي يصير بدل صِحَّتهَا جُنُون لكنه سَمَّاهَا بِمَا يؤول إِلَيْهِ كَمَا يُقَال خرجت خوارجه وَكَذَلِكَ عطاياه أَي أَمْوَاله الَّتِي تصير عطاياه فَسَماهُ بِمَا يؤول إِلَيْهِ وَقَالَ الصولي مِمَّا أنكر أَبُو الْعَبَّاس ابْن المعتز من رَدِيء طباقة قَوْله تكَاد عطاياه الْبَيْت وَفِيه اسْتِعَارَة فَقَالَ وَلم يجن جُنُون عطاياه انتظارا للطلب بل يبْدَأ بالعطاء ويستريح وَفِيه قبح لم يعودها بنغمة طَالب

ص: 353

يعطبها ليغر طَالب وَفِي هَذَا الآعتراض نظر فَإِن مُرَاده أَنه أغْنى النَّاس فَلم يبْق طَالب إِلَّا نَادرا فَإِذا أَبْطَأَ طَالب الْمَعْرُوف جنت عطاياه شوقا إِلَيْهِ فَتَأمل وَمِنْهَا وَهُوَ مِمَّا يستجاد

(يرى أقبح الْأَشْيَاء أوبة آمل

كسته يَد المأمول حلَّة خائب)

(وَأحسن من نور يَفْتَحهُ الندى

بَيَاض العطايا فِي سَواد المطالب)

(إِذا ألجمت يَوْمًا لجيم وحولها

بَنو الْحصن نجل الْمُحْصنَات النجائب)

(فَإِن المنايا والصوارم والقنا

أقاربهم فِي الروع دون الْأَقَارِب)

(جحافل لَا يتركن ذَا جبرية

سليما وَلَا يحربن من لم يحارب)

(يمدون من أيد عواص عواصم

تصول بأسياف قواض قواضب)

ولجيم بِالتَّصْغِيرِ أَبُو عجل جد أبي دلف والحصن هُوَ ثَعْلَبَة بن عكابة وَبَنُو الْحصن أَعْمَامه (الطَّوِيل)

(إِذا افتخرت يَوْمًا تَمِيم بقوسها

فخارا على مَا وطدت من مَنَاقِب)

(فَأنْتم بِذِي قار أمالت سُيُوفكُمْ

عروش الَّذين استرهنوا قَوس حَاجِب)

قَالَ الإِمَام المرزوقي يَعْنِي بِالْقَوْسِ قَوس حَاجِب بن زُرَارَة رَهنهَا عِنْد كسْرَى

وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن النَّبِي

كَانَ دَعَا على مُضر وَقَالَ اللَّهُمَّ أشدد وطأتك على مُضر وأبعث عَلَيْهِم سِنِين كَسِنِي يُوسُف فتوالت الجدوبة عَلَيْهِم سبع سِنِين فَلَمَّا رأى حَاجِب الْجهد على قومه جمع بني زُرَارَة وَقَالَ إِنِّي أزمعت على أَنِّي آتِي الْملك يَعْنِي

ص: 354

كسْرَى فأطلب أَن يَأْذَن لقومنا فَيَكُونُوا تَحت هَذَا الْبَحْر حَتَّى يحيوا فَقَالُوا رشدت فافعل غير أَنا نَخَاف عَلَيْك بكر بن وَائِل فَقَالَ مَا مِنْهُم وَجه إِلَّا ولي عِنْده يَد إِلَّا ابْن الطَّوِيلَة التَّيْمِيّ وسأداويه ثمَّ ارتحل فَلم يزل ينْتَقل فِي الإتحاف وَالْبر من النَّاس حَتَّى أنْتَهى إِلَى المَاء الَّذِي عَلَيْهِ ابْن الطَّوِيلَة فنزله لَيْلًا فَلَمَّا أَضَاء الْفجْر دَعَا بنطع ثمَّ أَمر فصب عَلَيْهِ التَّمْر ثمَّ نَادَى حَيّ على الْغَدَاء فَنظر ابْن الطَّوِيلَة فَإِذا هُوَ بحاجب فَقَالَ لأهل الْمجْلس أَجِيبُوهُ وَأهْدى إِلَيْهِ جزرا ثمَّ ارتحل فَلَمَّا بلغ كسْرَى شكا إِلَيْهِ الْجهد فِي أَمْوَالهم وأنفسهم وَطلب أَن بأذن لَهُم فَيَكُونُوا فِي حد بِلَاده فَقَالَ أَنْتُم معشر الْعَرَب أهل غدر فَإِذا أَذِنت لَهُم عاثوا فِي الرّعية وأغاروا قَالَ حَاجِب إِنِّي ضَامِن للْملك أَن لَا يَفْعَلُوا قَالَ فَمن لي بِأَن تفي أَنْت قَالَ أرهنك قوسي فَلَمَّا جَاءَ بهَا ضحك من حوله فَقَالَ الْملك مَا كَانَ ليلمسها اقبضوها مِنْهُ ثمَّ جَاءَت مُضر إِلَى النَّبِي

بعد موت حَاجِب فَدَعَا لَهُم فَخرج أَصْحَابه إِلَى بِلَادهمْ وارتحل عُطَارِد بن حَاجِب إِلَى كسْرَى يطْلب قَوس أَبِيه فَقَالَ مَا أَنْت بِالَّذِي وَضَعتهَا قَالَ أجل إِنَّه هلك وَأَنا ابْنه وَفِي للْملك قَالَ ردوا عَلَيْهِ وكساه حلَّة فَلَمَّا وَفد إِلَى النَّبِي

أهداها إِلَيْهِ فَلم يقبلهَا فَبَاعَهَا من يَهُودِيّ بأَرْبعَة آلَاف دِرْهَم فَصَارَ ذَلِك فخرا ومنقبة لحاجب وعشيرته فَيَقُول أَبُو تَمام إِذا افتخرت تَمِيم بذلك فَأنْتم قتلتم الَّذين كسبوهم هَذَا الْمجد مِمَّا ارتهنوه وهدمتم عزهم وَإِنَّمَا يَعْنِي وقْعَة ذِي قار حِين

قتلت بَنو شَيبَان الْعَجم

ص: 355

ونكلوا فيهم وَكَانَ رئيسهم سيار بن حَنْظَلَة الْعجلِيّ وَأَبُو دلف عجلي فَلذَلِك خاطبه بِهَذَا ا. هـ.

وَقد لمح بَعضهم إِلَى قَوس حَاجِب بقوله فِي مليح قلندري قد حلق حَاجِبه فَقَالَ (الطَّوِيل)

(حَبِيبِي بِحَق الله قل لي مَا الَّذِي

دعَاك إِلَى هَذَا فَقَالَ مجابي)

(وعدت بوصل العاشقين تعطفا

فَلم يثقوا واسترهنوا قَوس حاجبي)

وَلما أنْشد أَبُو تَمام أَبَا دلف هَذِه القصيدة استحسنها وَأَعْطَاهُ خمسين ألف دِرْهَم وَقَالَ وَالله إِنَّهَا لدوّنَ شعرك ثمَّ قَالَ لَهُ وَالله مَا مثل هَذَا القَوْل فِي الْحسن إِلَّا مَا رثيت بِهِ مُحَمَّد بن حميد الطوسي فَقَالَ وَأي ذَلِك أَرَادَ الْأَمِير قَالَ الرائية الَّتِي أَولهَا (الطَّوِيل)

(كَذَا فليجل الْخطب وليفدح الْأَمر

وَلَيْسَ لعين لم يفض مَاؤُهَا عذر)

وددت وَالله أَنَّهَا لَك فِي قَالَ بل أفدي الْأَمِير بنفسي وأكون الْمُقدم قبله فَقَالَ إِنَّه لم يمت من رثي بِهَذَا الشّعْر وأَبُو تَمام الطَّائِي هُوَ حبيب بن أَوْس بن الْحَارِث بن قيس بن الْأَشَج بن يحيى ابْن مَرْوَان بن مر بن سعد بن كَاهِل بن عَمْرو بن عدي بن عَمْرو بن الْغَوْث بن طَيئ

ص: 356

ولد فِي جاسم بِالْجِيم وَالسِّين الْمُهْملَة وَهِي قَرْيَة من قرى الجيدور بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَهُوَ إقليم من دمشق فِي آخر خلَافَة الرشيد سنة تسعين وَمِائَة وَقيل غير ذَلِك وَنَشَأ بِمصْر واشتغل إِلَى أَن صَار أوحد عصره كَانَ

يحفظ أَرْبَعَة عشر ألف أرجوزة للْعَرَب غير المقاطيع والقصائد وَله كتاب الحماسة الَّذِي دلّ على غزارة علمه وَكَمَال فَضله وإتقان مَعْرفَته بِحسن اخْتِيَاره وَهُوَ فِي جمعه للحماسة أشعر مِنْهُ فِي شعره وَله كتاب مُخْتَار أشعار الْقَبَائِل وَهُوَ دون الحماسة وَكِلَاهُمَا عِنْدِي وَمَات سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ وَقيل غير هَذَا وَكَانَ شعره غير مُرَتّب فرتبه الصولي على الْحُرُوف ثمَّ رتبه عَليّ بن حَمْزَة الْأَصْفَهَانِي على أَنْوَاع الشّعْر وترجمته طَوِيلَة تركناها لشهرتها وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الْكَامِل)

(وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني

فمضيت ثمت قلت لَا يعنيني)

على أَن التَّعْرِيف غير مَقْصُود قَصده فَإِن تَعْرِيف أل الجنسية لَفْظِي لَا يُفِيد التَّعْيِين وَإِن كَانَ فِي اللَّفْظ معرفَة وَقد أورد الشَّارِح هَذَا الْبَيْت فِي الْحَال وَالْإِضَافَة والنعت والموصوف والمعرف بأل أَيْضا وَجُمْلَة يسبني وصف اللَّئِيم فِي الْمَعْنى وَحَال مِنْهُ بِاعْتِبَار اللَّفْظ وَالْأول أظهر للمقصود وَهُوَ التمدح بالوقار

ص: 357

والتحمل لِأَن الْمَعْنى أَمر

على اللَّئِيم الَّذِي عَادَته سبي وَلَا شكّ أَنه لم يرد كل لئيم وَلَا لئيما معينا وَالْوَاو للقسم وَلَقَد أَمر جَوَابه والمقسم بِهِ مَحْذُوف وَعبر بالمضارع حِكَايَة للْحَال الْمَاضِيَة كَمَا فِي الخصائص لِابْنِ جني أَو للاستمرار التجددي ومضيت مَعْطُوف على أَمر بِمَعْنى أمضي وَعبر بِهِ للدلالة على تحقق إعراضه عَنهُ وَقَوله ثمت هِيَ ثمَّ العاطفة وَإِذا كَانَت مَعَ التَّاء اخْتصّت بعطف الْجمل وَقَوله لَا يعنيني أَي لَا يهمني أَو بِمَعْنى لَا يقصدني وروى بدل هَذَا المصراع وأعف ثمَّ أَقُول مَا يعنيني يُقَال عف عَن الشَّيْء من بَاب ضرب عفة وعفافا امْتنع وَهَذَا الْبَيْت أول بَيْتَيْنِ لرجل من بني سلول ثَانِيهمَا

(غَضْبَان ممتلئا عَليّ إهابه

إِنِّي وحقك سخطه يرضيني)

وغضبان بِالنّصب حَال من اللَّئِيم أَو بِالرَّفْع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف ومتلئا حَال سَبَبِيَّة من ضمير غَضْبَان وإهابه فَاعل ممتلئا وَهُوَ فِي الأَصْل الْجلد الَّذِي لم يدبغ وَقد استعير هُنَا لجلد الْإِنْسَان والسخط بِالضَّمِّ اسْم مصدر والمصدر بِفتْحَتَيْنِ بِمَعْنى الْغَضَب وَالْفِعْل من بَاب تَعب وروى الْأَصْمَعِي بَيْتَيْنِ فِي هَذَا الْمَعْنى وهما (السَّرِيع)

(لَا يغْضب الْحر على سفلَة

وَالْحر لَا يغضبه النذل)

(إِذا لئيم سبني جهده

أَقُول زِدْنِي فلي الْفضل)

وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ الْبَيْت الشَّاهِد على أَن أَمر قد وضع مَوضِع مَرَرْت وَجَاز أَمر فِي معنى مَرَرْت لِأَنَّهُ لم يرد مَاضِيا مُنْقَطِعًا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن هَذَا

ص: 358

أمره ودابه فَجعله كالفعل الدَّائِم وَقيل معنى وَلَقَد أَمر رُبمَا أَمر فالفعل على هَذَا مَوْضِعه وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّادِس وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الرجز)

(قد أَصبَحت أم الْخِيَار تَدعِي

عَليّ ذَنبا كُله لم أصنع)

على أَن الضَّمِير الْعَائِد على الْمُبْتَدَأ من جملَة الْخَبَر يجوز حذفه قِيَاسا عِنْد الْفراء إِذا كَانَ مَنْصُوبًا مَفْعُولا بِهِ والمبتدأ لفظ كل نقل الصفار أَنه مَذْهَب الْكسَائي أَيْضا وَقد نقل ابْن مَالك فِي التسهيل الْإِجْمَاع على جَوَاز ذَلِك وَزَاد على كل مَا أشبههَا فِي الْعُمُوم والافتقار من مَوْصُول وَغَيره نَحْو أَيهمْ يسألني أعطي وَنَحْو رجل يَدْعُو إِلَى الْخَيْر أُجِيب أَي أعْطِيه وأجيبه وَقَالَ شَارِح كَلَامه لم نر هَذَا الْإِجْمَاع بل مَنعه البصريون وَأما نَقله فِي شبه كل فقد قَالَ أَبُو حَيَّان لَا أعلم لَهُ سلفا فِي ذَلِك أَقُول الصَّحِيح جَوَازه بقلة لوروده فِي الْمُتَوَاتر قَرَأَ ابْن عَامر فِي سُورَة الْحَدِيد فَقَط وكل وعد الله الْحسنى وَأما فِي سُورَة النِّسَاء فقد قَرَأَ مثل الْجَمَاعَة بِالنّصب وَقَالَ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب لحذف هَذَا الضَّمِير وَجه من الْقيَاس وَهُوَ تَشْبِيه عَائِد الْخَبَر بعائد الْحَال أَو الصّفة وَهُوَ إِلَى الْحَال أقرب لِأَنَّهَا ضرب من الْخَبَر وَهُوَ فِي الصّفة أمثل بشبه الصّفة بالصلة وَفِي حذفه من لم أصنع مَا يقوم مقَامه ويخلفه لِأَنَّهُ يُعَاقِبهُ وَلَا يجْتَمع مَعَه وَهُوَ حرف الْإِطْلَاق

ص: 359

أَعنِي الْيَاء فِي أصنعي فَلَمَّا حضر مَا يُعَاقب الْهَاء صَارَت لذَلِك كَأَنَّهَا حَاضِرَة ا. هـ.

وَمَفْهُوم قَول الْفراء أَن الْمُبْتَدَأ إِذا لم يكن كلا يمْتَنع حذف الْعَائِد وَالصَّحِيح فِيهِ أَيْضا الْجَوَاز بقلة فِي الْكَلَام وَالشعر أما الأول فقد قَرَأَ يحيى وَإِبْرَاهِيم والسلمي فِي الشواذ أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة وَأما الثَّانِي فكثير مِنْهُ قَول الشَّاعِر

(فَخَالِد يحمد سَادَاتنَا)

أَي يحمده سَادَاتنَا وَأعلم أَن الشَّارِح الْمُحَقق أورد هَذَا الشَّاهِد فِي بَاب الإشتغال أَيْضا وَقَالَ يرْوى بِرَفْع كل ونصبه وَكَذَلِكَ رَوَاهُمَا سِيبَوَيْهٍ وَقد أنكر عَلَيْهِ الْمبرد رِوَايَة الرّفْع وَقَالَ الَّذِي رَوَاهُ الْجرْمِي وَغَيره من الروَاة النصب فَقَط وَمنع هَذِه الْمَسْأَلَة نظما ونثرا قَالَ ابْن ولاد س أَيْضا رَوَاهُ بِالنّصب وَقَالَ إِن النصب أَكثر وَأعرف فأغنى هَذَا الِاحْتِجَاج عَلَيْهِ بقول الْجرْمِي أَلا ترى قَوْله إِن الرّفْع ضَعِيف وَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي غير الشّعْر لِأَن النصب لَا يكسر وَلَا يخل بِهِ ترك إِضْمَار الْهَاء كَأَنَّهُ قَالَ كُله غير مَصْنُوع وَقد روى أهل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة هَذِه الشواهد رفعا كَمَا رَوَاهَا س ا. هـ.

وَظَاهر كَلَام س أَن الضَّرُورَة مَا لَيْسَ للشاعر عَنهُ فسحة وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي أول شَاهد من هَذِه الشواهد وَزعم تَقِيّ الدَّين السُّبْكِيّ فِي رِسَالَة كل وَفِي تَفْسِيره أَن رِوَايَة النصب

ص: 360

تَسَاوِي رِوَايَة الرّفْع فِي الْمَعْنى كُله غير مَصْنُوع وَهَذَا يَقْتَضِي أَن النصب أَيْضا يُفِيد الْعُمُوم وَأَنه لم يصنع شَيْئا مِنْهُ لما تقرر من دلَالَة الْعُمُوم وَقد تَأَمَّلت ذَلِك فَوجدت قَول س أصح من قَول البيانيين وَأَن الْمَعْنى حَضَره وَغَابَ عَنْهُم لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ فِي اللَّفْظ بِكُل وَمَعْنَاهَا كل فَرد فَكَانَ عاملها الْمُتَأَخر فِي معنى الْخَبَر لِأَن السَّامع إِذا سمع الْمَفْعُول تشوف إِلَى عَامله كَمَا يتشوف سامع الْمُبْتَدَأ إِلَى الْخَبَر وَبِه يتم الْكَلَام فَكَانَ كُله لم أصنع مَرْفُوعا ومنصوبا سَوَاء فِي الْمَعْنى وَإِن اخْتلفَا فِي الْإِعْرَاب وَيبعد كل الْبعد أَن يحمل كَلَام سِيبَوَيْهٍ على أَن كُله لم أصنع بِالرَّفْع وَالنّصب مَعْنَاهُ عدم صنع الْمَجْمُوع فَيكون قد صنع بعضه لِأَن معنى الحَدِيث على خلَافَة فِي قَوْله كل ذَلِك لم يكن إِلَى آخر مَا ذكره وَنقل الدماميني بعض هَذَا الْكَلَام فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَقَالَ وَكَأن ابْن هِشَام لم يقف على كَلَام س فَنقل تَسَاوِي الْمَعْنى فِي الرّفْع وَالنّصب عَن الشلوبين وَابْن مَالك وَلَو وقف على كَلَام سِيبَوَيْهٍ لم ينْقل عَنْهُمَا

(فَخَالِد يحمد سَادَاتنَا)

أَي: يحمده سَادَاتنَا. وَاعْلَم أَن الشَّارِح الْمُحَقق أورد هَذَا الشَّاهِد فِي بَاب الِاشْتِغَال أَيْضا وَقَالَ: " يرْوى بِرَفْع كل ونصبه ". وَكَذَلِكَ رَوَاهُمَا سبيويه. وَقد أنكر عَلَيْهِ الْمبرد رِوَايَة الرّفْع وَقَالَ: الَّذِي رَوَاهُ الْجرْمِي وَغَيره من الروَاة النصب فَقَط، وَمنع هَذِه الْمَسْأَلَة نظماً ونثراً. قَالَ ابْن ولاد: س أَيْضا رَوَاهُ بِالنّصب، وَقَالَ: إِن النصب أَكثر وَأعرف، فأغنى هَذَا عَن الِاحْتِجَاج عَلَيْهِ بقول الْجرْمِي، أَلا ترى قَوْله إِن الرّفْع ضَعِيف وَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي غير الشّعْر لِأَن النصب لَا يكسر، وَلَا يخل بِهِ ترك إِضْمَار الْهَاء، كَأَنَّهُ قَالَ كُله غير مَصْنُوع. وَقد روى أهل الْكُوفَة وَالْبَصْرَة هَذِه الشواهد رفعا كَمَا رَوَاهَا س ا. هـ. وَظَاهر كَلَام س أَن الضَّرُورَة مَا لَيْسَ للشاعر فسحة. وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي أول شَاهد من هَذِه الشواهد. وَزعم تَقِيّ الدَّين السُّبْكِيّ فِي رِسَالَة " كل " وَفِي تَفْسِيره: أَن رِوَايَة النصب تَسَاوِي رِوَايَة الرّفْع فِي الْمَعْنى؛ وَذَلِكَ أَنه قَالَ: " لَا فرق بَين الرّفْع وَالنّصب فِي قَول س: إِن الْمَعْنى: كُله غير مَصْنُوع. وَهَذَا يَقْتَضِي أَن النصب أَيْضا يُفِيد الْعُمُوم، وَأَنه لم يصنع شَيْئا مِنْهُ، لما تقرر من دلَالَة الْعُمُوم. قد تَأَمَّلت ذَلِك فَوجدت قَول س أصح من قَول البيانيين، وَأَن الْمَعْنى حَضَره وَغَابَ عَنْهُم؛ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ فِي اللَّفْظ بِكُل وَمَعْنَاهَا كل فَرد، فَكَانَ عاملها الْمُتَأَخر فِي معنى الْخَبَر، لِأَن السَّامع إِذا سمع الْمَفْعُول تشوف إِلَى عَامله كَمَا يتشوف سامع الْمُبْتَدَأ إِلَى الْخَبَر، وَبِه يتم الْكَلَام؛ فَكَانَ كُله لم أصنع مَرْفُوعا ومنصوباً سَوَاء فِي الْمَعْنى، وَإِن اخْتلفَا فِي الْإِعْرَاب. وَيبعد كل الْبعد أَن يحمل كَلَام سِيبَوَيْهٍ على أَن كُله لم أصنع بِالرَّفْع وَالنّصب مَعْنَاهُ عدم صنع الْمَجْمُوع فَيكون قد صنع بعضه؛ لِأَن معنى الحَدِيث على خِلَافه فِي قَوْله: كل ذَلِك لم يكن ". إِلَى آخر مَا ذكره. وَنقل الدماميني بعض هَذَا الْكَلَام فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة وَقَالَ: وَكَأن ابْن هِشَام لم يقف على كَلَام س فَنقل تَسَاوِي الْمَعْنى فِي الرّفْع وَالنّصب عَن الشلوبين وَابْن مَالك؛ وَلَو وقف على كَلَام سِيبَوَيْهٍ لم ينْقل عهما.

وَقد نقل الشَّيْخ بهاء الدَّين كَلَام سِيبَوَيْهٍ فِي عروس الأفراح وَبَينه تَابعا لوالده السُّبْكِيّ وَرِوَايَة الرّفْع عِنْد عُلَمَاء الْبَيَان هِيَ الجيدة فَإِنَّهَا تفِيد عُمُوم السَّلب وَرِوَايَة النصب سَاقِطَة عَن الِاعْتِبَار بل لَا تصح فَإِنَّهَا تفِيد سلب الْعُمُوم وَهُوَ خلاف الْمَقْصُود وَمَا ذكره السُّبْكِيّ لم يعرجوا عَلَيْهِ وَهُوَ مفصل فِي التَّلْخِيص وشروحه وَرَأَيْت للفاضل اليمني على هَذَا الْبَيْت كلَاما أَحْبَبْت إِيرَاده وَهُوَ قَوْله

ص: 361

معنى هَذَا الْبَيْت أَن هَذِه الْمَرْأَة أَصبَحت تَدعِي عَليّ ذَنبا وَهُوَ الشيب والصلع وَالْعجز وَغير ذَلِك من مُوجبَات الشيخوخة وَلم يقل ذنوبا بل قَالَ ذَنبا لِأَن المُرَاد كبر السن الْمُشْتَمل على كل عيب وَلم أصنع شَيْئا من ذَلِك الذَّنب وَلم ينصب كُله لِأَنَّهُ لَو نَصبه مَعَ تقدمه على ناصبه لأفاد تَخْصِيص النَّفْي بِالْكُلِّ وَيعود دَلِيلا على أَنه فعل بعض ذَلِك الذَّنب وَمرَاده تَنْزِيه نَفسه عَن كل جُزْء مِنْهُ فَلذَلِك رَفعه إِيذَانًا مِنْهُ بِأَنَّهُ لم يصنع شَيْئا مِنْهُ قطّ بل كُله بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ غير مَصْنُوع ثمَّ قَالَ وَلقَائِل أَن يَقُول لما كَانَ الضَّمِير فِي كُله عَائِدًا إِلَى ذَنبا وَهُوَ نكرَة والنكرة لوَاحِد غير معِين لابد أَن يكون الْمُضمر هُوَ ذَلِك الذَّنب الَّذِي لَيْسَ بِمعين فَقَط لإعادة الضَّمِير بِهِ فَلَا يكون نَفْيه نفيا لجَمِيع الذُّنُوب فَلَا يلْزم مَا ذكره من تَنْزِيه نَفسه من جملَة الذُّنُوب لَا يُقَال إِن الضَّمِير لما كَانَ عبارَة عَن النكرَة الْمَذْكُورَة وَدخُول النَّفْي عَلَيْهَا يَقْتَضِي الْعُمُوم فدخول النَّفْي عَلَيْهِ أَيْضا يَقْتَضِي ذَلِك لأَنا نقُول إِن الْفرق ظَاهر بَين قَوْلنَا لم أصنع ذَنبا وَبَين قَوْلنَا لم أصنع ذَلِك الذَّنب الْمَذْكُور الَّذِي لَيْسَ بِمعين فِي اقْتِضَاء الأول الْعُمُوم دون الثَّانِي ا. هـ.

وَقَوله وَلقَائِل أَن يَقُول إِلَخ فِيهِ إِنَّه قَالَ أَولا إِن قَالَ أَولا إِن ذَنْب الشيخوخة يسْتَلْزم ثُبُوته جَمِيع الذُّنُوب وَحِينَئِذٍ نَفْيه يسْتَلْزم نفي جَمِيع الذُّنُوب وَقَوله والنكرة لوَاحِد غير معِين فِيهِ أَنه حمل الذَّنب \ سَابِقًا على كبر السن الْمُشْتَمل على كل عيب فَالْمُرَاد بِهِ معِين وَأفَاد أَن كلا حِينَئِذٍ لاستغراق أَجزَاء هَذَا الذِّئْب الْمعِين فَإِن رفع كل أَفَادَ استغراق جَمِيع أَجزَاء ذَلِك الذَّنب وَإِن نصب كل أَفَادَ سلب الْعُمُوم لجَمِيع الْأَجْزَاء وَاقْتضى ثُبُوت بعض الْأَجْزَاء فَهَذَا الْبَحْث غير وَارِد فَتَأمل

ص: 362

وَبِهَذَا يسْقط قَوْله بعد هَذَا ثمَّ نقُول فَتكون الْقَضِيَّة حِينَئِذٍ شخصية وَالتَّقْدِير كل ذَلِك الذَّنب غير مَصْنُوع لي وَإِنَّمَا يكون ذَلِك إِذا كَانَ هُنَالك ذَنْب

ذُو أَجزَاء يُمكن الاتصاف بِبَعْضِه دون بعض وعَلى هَذَا إِمَّا أَن يكون المُرَاد بِالْكُلِّ الْكل المجموعي وَهُوَ الْغَالِب الظَّاهِر من دُخُوله فِي الشخصيات فَلَا تفَاوت فِي تقدم السَّلب عَلَيْهِ وتقديمه على السَّلب فِي عدم اقْتِضَاء شُمُول النَّفْي جَمِيع الْأَجْزَاء أَو يكون المُرَاد كل وَاحِد من الْأَجْزَاء كَمَا يسْتَعْمل فِي الْكُلِّي بِاعْتِبَار الجزئيات فقد يظْهر الْفرق بَينهمَا فَإنَّك إِن رفعت كلا لزم عُمُوم النَّفْي لجَمِيع الْأَجْزَاء وَإِن نصبتها لَا يلْزم مَعَ أَن الِاسْتِعْمَال على هَذَا الْوَجْه فِي الشخصي قَلِيل فَإِنَّهُ لَا يلْزم صدق مَا ذكره من تبرئة نَفسه من جملَة أَجزَاء ذَلِك الذَّنب الْوَاحِد 1 ،. هـ وَقَالَ ابْن خلف قَوْله كُله لم أصنع يحْتَمل أَمريْن أَحدهمَا أَنه أَرَادَ أَنه لم يصنع جَمِيعهَا وَلَا شَيْئا مِنْهَا وَالْوَجْه الآخر أَنه صنع بَعْضهَا وَلم يصنع جَمِيعهَا كَمَا تَقول لمن يدعى عَلَيْك أَشْيَاء لم تفعل جَمِيعهَا مَا فعلت جَمِيع مَا ذكرت بل فعلت بَعْضهَا ا. هـ.

أَقُول احْتِمَاله لوَجْهَيْنِ غير صَحِيح فَإِن كلا مِنْهُمَا مَدْلُول رِوَايَة يعلم وَجههَا مِمَّا تقدم وَقَوله أَرَادَ بقوله ذَنبا ذنوبا لكنه اسْتعْمل الْوَاحِد فِي مَوضِع الْجمع لَيْسَ كَذَلِك كَمَا علم من كَلَام الْفَاضِل اليمني وَهَذَا الْبَيْت مطلع أرجوزة لأبي النَّجْم الْعجلِيّ وَبعده (الرجز)

(من أَن رَأَتْ رَأْسِي كرأس الأصلع

ميز عَنهُ قنزعا عَن قنزع)

(جذب اللَّيَالِي أبطئي أَو أسرعي

قرنا أشيبيه وقرنا فانزعي)

(أفناه قيل الله للشمس أطعي

حَتَّى إِذا واراك أفق فارجعي)

ص: 363

(حَتَّى بدا بعد السخام الأفرع

يمشي كمشي الأهدأ المكنع)

(يَا ابْنة عَمَّا لَا تلومي واهجعي

لَا يخرق اللوم حجاب مسمعي)

(الم يكن يبيض إِن لم يصلع

إِن لم يُصِبْنِي قبل ذَاك مصرعي)

(أفناه مَا أفنى إيادا فاربعي

وَقوم عَاد قبلهم وَتبع)

(لَا تسمعيني مِنْك لوما واسمعي

أيهات أيهات فَلَا تطلعي)

(هِيَ الْمَقَادِير فلومي أَو دعِي

لَا تطمعي فِي فرقتي لَا تطمعي)

(وَلَا تروعيني لَا تروعي

واستشعري الْيَأْس وَلَا تفجعي)

(فَذَاك خير لَك من أَن تجزعي

فتحبسي وتشتمي وتوجعي)

وأم الْخِيَار هِيَ زَوْجَة أبي النَّجْم وَقَوله من أَن رَأَتْ إِلَخ من تعليلية وَزعم القونوي فِي شرح تَلْخِيص الْمِفْتَاح أَنَّهَا بَيَانِيَّة ثمَّ قَالَ فَإِن قلت كَيفَ يبين الذَّنب بِرُؤْيَة أم الْخِيَار فَإِن الرُّؤْيَة قَائِمَة بهَا والذنب قَائِم بِهِ قلت أَرَادَ المرئي وَأطلق عَلَيْهِ الرُّؤْيَة للملابسة انْتهى والأصلع هُوَ الَّذِي لم يكن شعر على رَأسه وصلع الرَّأْس صلعا من بَاب تَعب والصلع يحدث للمشايخ إِذا طعنوا فِي السن قَالَ ابْن سينا وَلَا يحدث الصلع للنِّسَاء لِكَثْرَة رطوبتهن وَلَا للخصيان لقرب أمزجتهم من أمزجة النِّسَاء والتمييز الْعَزْل وَفصل شَيْء من شَيْء وَالتَّشْدِيد للكثرة فَإِنَّهُ يُقَال مازه ميزا وَيكون فِي المشتبهات وَضمير عَنهُ للرأس والقنزع كقنفذ والقنزعة بِضَم الزَّاي وَفتحهَا وَهِي الشّعْر حوالي الرَّأْس والخصلة من الشّعْر تتْرك على رَأس الصَّبِي أَو هِيَ مَا ارْتَفع من الشّعْر وَطَالَ وَأما نهى النَّبِي

عَن القنازع فَهِيَ أَن يُؤْخَذ الشّعْر وَيتْرك مِنْهُ مَوَاضِع كَذَا فِي الْقَامُوس

ص: 364

وَجعل النُّون أَصْلِيَّة وَعَن بِمَعْنى بعد وجذب اللَّيَالِي فَاعل ميز قَالَ فِي الصِّحَاح جذب الشَّهْر مضى عامته وَقَوله أبطئي أَو أسرعي حَال من اللَّيَالِي على تَقْدِير القَوْل أَو كَون الْأَمر بِمَعْنى الْخَبَر وَصحت من الْمُضَاف إِلَيْهِ لِأَن الْمُضَاف عَامل فيهمَا وَقيل صفة اللَّيَالِي وَيجوز أَن يكون مُنْقَطِعًا أَي أصنعي أيتها اللَّيَالِي فَلَا أُبَالِي بعد هَذَا وَقَالَ القونوي وَقد يجوز أَن يكون استئنافا أمرا لأم الْخِيَار على معنى أَن حَالي مَا قررت لَك فَعِنْدَ ذَلِك أبطئي أَو أسرعي فِي قبُول الْعذر فِيهِ فَلَا محيص لي عَن ذَلِك وَهَذَا بديع انْتهى وَهَذِه غَفلَة عَمَّا بعده وَهُوَ قرنا أشيبيه إِلَخ فَإِنَّهُ خطاب لليالي والقرن بِفَتْح الْقَاف الْخصْلَة من الشّعْر ونصبه من بَاب الِاشْتِغَال والقرن الثَّانِي مفعول لما بعده وأشيبيه فعل أَمر وَالْيَاء ضمير اللَّيَالِي يُقَال أشاب الْحزن رَأسه وبرأسه بِمَعْنى شَيْبه وَقَوله وانزعي من النزع بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ انحسار الشّعْر عَن جَانِبي

الْجَبْهَة من الرَّأْس وَهُوَ أنزع وَذَلِكَ الْموضع النزعة محركة وَقَوله أفناه قيل الضَّمِير لجذب وَقيل لشعر رَأسه وَقيل لأبي النَّجْم وَهُوَ الْمُنَاسب لما بعده وَقيل الله أمره وَهُوَ فَاعل أفناه وَهَذَا يدل على أَن الشَّاعِر لَا يُرِيد أَن الْمُمَيز هُوَ جذب اللَّيَالِي الَّذِي هُوَ ظَاهر كَلَامه بل يُرِيد أَن الْمُمَيز قَول الله وَأمره وَقَوله حَتَّى بدا فَاعله الْمُسْتَتر ضمير أبي النَّجْم والسخام بِضَم السِّين وَالْخَاء الْمُعْجَمَة اللين يُقَال ثوب سخام إِذا كَانَ لين الْمس مثل الْخَزّ وَرِيش سخام أَي لين رَقِيق والأفرع بِالْفَاءِ هُوَ التَّام الشّعْر قَالَ فِي الصِّحَاح وَلَا يُقَال للرجل إِذا كَانَ

ص: 365

عَظِيم اللِّحْيَة أَو الجمة أفرع وَإِنَّمَا يُقَال رجل أفرع بضد الأصلع والأهدأ مَهْمُوز كجعفر الأحدب والتكنع التقبض كنع كفرح يبس وتشنج وَشَيخ كنع ككتف شنج وكنع كمنع كنوعا انقبض وانضم يَقُول يمشى أَبُو النَّجْم بعد الشَّبَاب كَمَا يمشي الأحدب المتقبض الكز من الْكبر وَقَوله يَا ابْنة عَمَّا إِلَخ اسْتشْهد بِهِ شرَّاح الألفية على أَن أَصله يَا أبنه عمي فابدلت الْيَاء ألفا وفاعل يبيض ضمير الرَّأْس وإياد بِالْكَسْرِ حَيّ من معد وَقَوله فاربعي فِي الصِّحَاح ربع الرجل يربع بفتحهما إِذا وقف وتحبس وَمِنْه قَوْلهم أَربع على نَفسك أَي ارْفُقْ بِنَفْسِك وكف وأيهات أيهات لُغَة فِي هَيْهَات وتطلعي بِفَتْح التَّاء وَتَشْديد اللَّام وَأَصله تتطلعي بتاءين من التطلع للشَّيْء وَقَوله واستشعري يُقَال استشعر خوفًا أَي أضمره واليأس ضد الرَّجَاء وترجمة أبي النَّجْم تقدّمت فِي الشَّاهِد السَّابِع وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السَّابِع وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الوافر)

(ثَلَاث كُلهنَّ قتلت عمدا

فأخزى الله رَابِعَة تعود)

لما تقدم فِي الْبَيْت قبله وَهُوَ أَنه حذف عَائِد الْمُبْتَدَأ الَّذِي هُوَ كُلهنَّ من جملَة الْخَبَر حذفا قياسيا عِنْد الْفراء قَالَ الأعلم اسْتشْهد بِهِ س على رفع كل مَعَ حذف الضَّمِير من الْفِعْل وَجعله مثل زيد ضربت وَلَو نصب وَقَالَ كُله لم أصنع وكلهن قتلت لأجراه على مَا يَنْبَغِي وَلم يحْتَج

ص: 366

إِلَى الرّفْع مَعَ حذف الضَّمِير وَالْقَوْل عِنْدِي أَن الرّفْع هُنَا أقوى من زيد ضربت لِأَن كلا لَا يحسن حملهَا على الْفِعْل لِأَن أَصْلهَا أَن تَأتي تَابِعَة للاسم مُؤَكدَة كَقَوْلِك ضربت الْقَوْم كلهم أَو مُبتَدأَة بعد كَلَام نَحْو الْقَوْم كلهم ذَاهِب فَإِن قلت ضربت كل الْقَوْم وبنيتها على الْفِعْل لَخَرَجت عَن الأَصْل فَيَنْبَغِي أَن يكون الرّفْع أقوى من النصب وَتَكون الضَّرُورَة حذف الْهَاء لَا رفع كل انْتهى وَتَبعهُ فِي هَذَا ابْن الْحَاجِب فِي شرح الْمفصل وَنَقله عَنهُ السعد فِي المطول وَنقل ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْإِنْصَاف أَن هَذَا الْبَيْت مِمَّا اسْتدلَّ بِهِ الْكُوفِيُّونَ على جَوَاز تَأْكِيد النكرَة قَالَ وَلَا حجَّة لَهُم فِيهِ لِأَنَّهُ مَحْمُول على أَنه بدل لَا تَأْكِيد وَيجوز أَن يكون أَيْضا ثَلَاث مُبْتَدأ وكلهن مُبْتَدأ ثَان وَقتلت خبر كُلهنَّ وهما جَمِيعًا خبر ثَلَاث انْتهى وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس وَلَا ينشد ثَلَاثًا بنصبه بقتلت لِأَن قَوْله كُلهنَّ قتلت جملَة فِي مَوضِع نعت لثلاث وَمن رفع قدره لي ثَلَاث وَيكون كُلهنَّ قتلت نعتا وَإِنَّمَا لم يجز أَن يرْوى ثَلَاثًا لِئَلَّا يتَقَدَّم النَّعْت على المنعوت انْتهى أَقُول من رفع وَجعل الْجُمْلَة بعده نعتا قدر لي وَنَحْوه خَبرا للمبتدأ وَقَوله وَإِنَّمَا لم يجز أَن يرْوى ثَلَاثًا إِلَخ مُرَاده أَنه إِذا نصب ثَلَاث بقتلت كَانَ ثَلَاثًا منعوتا بجملة كُلهنَّ قتلت فَيكون قتلت من أَجزَاء

ص: 367

النَّعْت لثلاثا لِأَنَّهُ بعض الْجُمْلَة المنعوت بهَا وَمَعَ كَونه من أَجزَاء النَّعْت هُوَ عَامل فِي المنعوت الْمُتَقَدّم فَيكون المنعوت مُتَأَخِّرًا فِي الرُّتْبَة فَيلْزم تَقْدِيم النَّعْت على المنعوت من حَيْثُ الرُّتْبَة وَهَذَا

كَلَام مُخَالف للقواعد لَا يَنْبَغِي تسطيره من مثله وَنقل ابْن خلف عَن أبي عَليّ أَن ثَلَاث مُبْتَدأ وكلهن قتلت خبر كَأَنَّهُ فِي تَقْدِير زيد أَخَاهُ ضَربته وَفِيه نظر فَإِن الشَّاهِد لَيْسَ من بَاب الِاشْتِغَال لعدم الضَّمِير فَتَأمل وَأعلم أَن الضَّمِير الْمَحْذُوف من الشَّاهِد تَقْدِيره قتلتها لِأَن كلا المضافة إِلَى الْمعرفَة يكون عائدها مُفردا قَالَ تَعَالَى {وَكلهمْ آتيه} وَفِي الحَدِيث كلكُمْ جَائِع إِلَّا من أطعمته وَقَالَ الشَّاعِر (الطَّوِيل)

(وَكلهمْ قد نَالَ شبعا لبطنه

وشبع الْفَتى لؤم إِذا جَاع صَاحبه

وَقَالَ آخر (الوافر)

(وكل الْقَوْم يسْأَل عَن نفَيْل

كَأَن عَليّ للحبشان دينا)

قَالَ أَبُو حَيَّان وَلَا يكَاد يُوجد فِي لِسَان الْعَرَب كلهم يقومُونَ وَلَا كُلهنَّ قائمات وَإِن كَانَ مَوْجُودا فِي تَمْثِيل كثير من النُّحَاة قَالَ السُّبْكِيّ فِي رِسَالَة كل وَقد طلبته فَلم أَجِدهُ وَجوز ابْن مَالك وَغَيره أَن يحمل على الْمَعْنى فَيجمع وَجعلُوا مِنْهُ أَنْتُم كلكُمْ بَيْنكُم دِرْهَم قَالُوا يجوز كلكُمْ بَينه دِرْهَم على اللَّفْظ وَبَيْنكُم على الْمَعْنى وَإِن جعل كلكُمْ توكيدا جوز بَعضهم أَيْضا أَن يَقُول بَينه وَالْمَشْهُور بَيْنكُم انْتهى

ص: 368

وَقدر الضَّمِير هُنَا بَعضهم قتلتهن وَكَأَنَّهُ بناه على مَذْهَب ابْن مَالك وَقدره ابْن خلف نقلا عَن بَعضهم قتلته أَو قَتلتهمْ وَلَا أعرف وَجهه وَقَوله فأخزى الله هَذِه جملَة دعائية يُقَال خزي الرجل خزيا من بَاب علم ذل وَهَان وأخزاه الله أذله وأهانه وتعود من الْعود وَهُوَ

الرُّجُوع قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح عَاد إِلَى كَذَا وَعَاد لَهُ أَيْضا عودا وعودة صَار إِلَيْهِ فالصلة هُنَا محذوفة أَي تعود إِلَيّ قَالَ ابْن خلف يجوز أَن يُرِيد بِالثلَاثِ ثَلَاث نسْوَة تزوجهن وَيجوز أَن يُرِيد ثَلَاث نسْوَة هوينه فقتلهن هَوَاهُ أَو يعْنى غير ذَلِك مِمَّا يحْتَملهُ الْمَعْنى وَجعل مَجِيء الرَّابِعَة عودا وَإِن لم تكن جَاءَت قبل لِأَنَّهُ جعل فعل صواحبها الماضيات كَأَنَّهُ فعلهَا انْتهى وَقَالَ شَارِح أَبْيَات الموشح ويروى تقود من الْقود وَهُوَ الْقصاص وَهَذَا الْبَيْت وَإِن كَانَ من شَوَاهِد س لَا يعرف مَا قبله وَلَا مَا بعده وَلَا قائلة فَإِن سِيبَوَيْهٍ إِذا اسْتشْهد بِبَيْت لم يذكر ناظمه وَأما الأبيات المنسوبة فِي كِتَابه إِلَى قائليها فالنسبة حَادِثَة بعده اعتنى بنسبتها أَبُو عمر الْجرْمِي قَالَ الْجرْمِي نظرت فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ فَإِذا فِيهِ ألف وَخَمْسُونَ بَيْتا فَأَما ألف فَعرفت أَسمَاء قائليها فأثبتها وَأما خَمْسُونَ فَلم أعرف أَسمَاء قائليها وَإِنَّمَا امْتنع سِيبَوَيْهٍ من تَسْمِيَة الشُّعَرَاء لِأَنَّهُ كره أَن يذكر الشَّاعِر وَبَعض الشّعْر يروي لشاعرين وَبَعضه منحول لَا يعرف قَائِله لِأَنَّهُ قدم الْعَهْد بِهِ وَفِي كِتَابه

ص: 369

شَيْء مِمَّا يرْوى لشاعرين فاعتمد على شُيُوخه وَنسب الإنشاد إِلَيْهِم فَيَقُول أنشدنا يَعْنِي الْخَلِيل وَيَقُول أنشدنا يُونُس وَكَذَلِكَ يفعل فِيمَا يحكيه عَن أبي الْخطاب وَغَيره مِمَّن أَخذ عَنهُ وَرُبمَا قَالَ أَنْشدني أَعْرَابِي فصيح وَزعم بعض الَّذين ينظرُونَ فِي الشّعْر أَن فِي كِتَابه أبياتا لَا تعرف فَيُقَال لَهُ لسنا ننكر أَن تكون أَنْت لَا تعرفها وَلَا أهل زَمَانك وَقد خرج كتاب سِيبَوَيْهٍ إِلَى النَّاس وَالْعُلَمَاء كثير والعناية بِالْعلمِ وتهذيبه أكيده وَنظر فِيهِ وفتش فَمَا طعن أحد من الْمُتَقَدِّمين عَلَيْهِ وَلَا أدعى أَنه أَتَى بِشعر مُنكر وَقد روى فِي كِتَابه قِطْعَة من اللُّغَة غَرِيبَة لم يدْرك أهل اللُّغَة معرفَة جَمِيع مَا فِيهَا وَلَا ردوا حرفا مِنْهَا

قَالَ أَبُو إِسْحَاق إِذا تَأَمَّلت الْأَمْثِلَة من كتاب سِيبَوَيْهٍ تبينت أَنه أعلم النَّاس باللغة قَالَ أَبُو جَعْفَر النّحاس وَحدثنَا عَليّ بن سُلَيْمَان قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد أَن المفتشين من أهل الْعَرَبيَّة وَمن لَهُ الْمعرفَة باللغة تتبعوا على سِيبَوَيْهٍ الْأَمْثِلَة فَلم يجدوه ترك من كَلَام الْعَرَب إِلَّا ثَلَاثَة أَمْثِلَة مِنْهَا الهندلع وَهِي بقلة والدرداقس وَهُوَ عظم فِي الْقَفَا وشنمصير وَهُوَ اسْم أَرض وَقد فسر {الْأَصْمَعِي حروفا من اللُّغَة الَّتِي فِي كِتَابه وَفسّر الْجرْمِي الْأَبْنِيَة وفسرها أَبُو حَاتِم وَأحمد بن يحيى وكل وَاحِد مِنْهُم يَقُول مَا عِنْده فِيمَا يُعلمهُ وَيقف عَمَّا لَا علم لَهُ بِهِ وَلَا يطعن على مَا لَا يعرفهُ ويعترف لسيبويه فِي اللُّغَة بالثقة وَأَنه علم مَا لم يعلمُوا وروى مَا لم يرووا

ص: 370

قَالَ أَبُو جَعْفَر لم يزل أهل الْعَرَبيَّة يفضلون كتاب سِيبَوَيْهٍ حَتَّى لقد قَالَ مُحَمَّد بن يزِيد لم يعْمل كتاب فِي علم من الْعُلُوم مثل كتاب سِيبَوَيْهٍ وَذَلِكَ أَن الْكتب المصنفة فِي الْعُلُوم مضطرة إِلَى غَيرهَا وَكتاب سِيبَوَيْهٍ لَا يحْتَاج من فهمه إِلَى غَيره وَقَالَ أَبُو جَعْفَر سَمِعت أَبَا بكر بن شقير يَقُول حَدثنِي أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ قَالَ سَمِعت الْجرْمِي يَقُول هَذَا وَأَوْمَأَ بيدَيْهِ إِلَى أذنية وَذَلِكَ أَن أَبَا عمر الْجرْمِي كَانَ صَاحب حَدِيث فَلَمَّا علم كتاب سِيبَوَيْهٍ تفقه فِي الحَدِيث إِذْ كَانَ كتاب سِيبَوَيْهٍ يتَعَلَّم مِنْهُ النّظر والتفتيش قَالَ أَبُو جَعْفَر وَقد حكى بعض النَّحْوِيين أَن الْكسَائي قَرَأَ على الْأَخْفَش كتاب سِيبَوَيْهٍ وَدفع إِلَيْهِ مِائَتي دِينَار وَحكى أَحْمد بن جَعْفَر أَن كتاب سِيبَوَيْهٍ وجد بعضه تَحت وسَادَة الْفراء الَّتِي كَانَ يجلس عَلَيْهَا وَكَانَ الْمبرد يَقُول إِذا أَرَادَ مُرِيد أَن يقْرَأ عَلَيْهِ كتاب سِيبَوَيْهٍ هَل ركبت الْبَحْر تَعْظِيمًا لما فِيهِ واستصعابا لألفاظه ومعانيه وَقَالَ الْمَازِني من أَرَادَ أَن يعْمل كتابا كَبِيرا فِي النَّحْو بعد كتاب سِيبَوَيْهٍ فليستحي مِمَّا أقدم عَلَيْهِ وَقَالَ أَيْضا مَا أَخْلو فِي كل زمن من أعجوبة فِي كتاب

سِيبَوَيْهٍ وَلِهَذَا سَمَّاهُ النَّاس قُرْآن النَّحْو وَقَالَ ابْن كيسَان نَظرنَا فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ فوجدناه فِي الْموضع الَّذِي يسْتَحقّهُ وَوجدنَا أَلْفَاظه تحْتَاج إِلَى عبارَة وإيضاح لِأَنَّهُ كتاب ألف فِي زمَان كَانَ أَهله يألفون مثل هَذِه الْأَلْفَاظ فاختصر على مذاهبهم

ص: 371

قَالَ أَبُو جَعْفَر وَرَأَيْت عَليّ بن سُلَيْمَان يذهب إِلَى غير مَا قَالَ ابْن كيسَان قَالَ عمل سِيبَوَيْهٍ كِتَابه على لُغَة الْعَرَب وخطبها وبلاغتها فَجعل فِيهِ بَينا مشروحا وَجعل فِيهِ مشتبها ليَكُون لمن استنبط وَنظر فضل وعَلى هَذَا خاطبهم الله عز وجل بِالْقُرْآنِ قَالَ أَبُو جَعْفَر وَهَذَا الَّذِي قَالَه عَليّ بن سُلَيْمَان حسن لِأَن بِهَذَا يشرف قدر الْعَالم وتفضل مَنْزِلَته إِذْ كَانَ ينَال الْعلم بالفكرة واستنباط الْمعرفَة وَلَو كَانَ كُله بَينا لاستوى فِي علمه جَمِيع من سَمعه فَيبْطل التَّفَاضُل وَلَكِن يسْتَخْرج مِنْهُ الشَّيْء بالتدبر وَلذَلِك لَا يمل لِأَنَّهُ يزْدَاد فِي تدبره علما وفهما وَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد الْمبرد قَالَ يُونُس وَقد ذكر عِنْده سِيبَوَيْهٍ أَظن هَذَا الْغُلَام يكذب على الْخَلِيل فَقيل لَهُ قد روى عَنْك أَشْيَاء فَانْظُر فِيهَا فَنظر وَقَالَ صدق فِي جَمِيع مَا قَالَ هُوَ قولي وَمَات سِيبَوَيْهٍ قبل جمَاعَة قد كَانَ أَخذ عَنْهُم كيونس وَغَيره وَقد كَانَ يُونُس مَاتَ فِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَذكر أَبُو زيد النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ كالمفتخر بذلك بعد موت سِيبَوَيْهٍ قَالَ كل مَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَأَخْبرنِي الثِّقَة فَأَنا أخْبرته بِهِ وَمَات أَبُو زيد بعد موت سِيبَوَيْهٍ بنيف وَثَلَاثِينَ سنة وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ

ص: 372

(المتقارب)

اوله

(فَأَقْبَلت زحفا على الرُّكْبَتَيْنِ)

على أَن حذف الضَّمِير الْمَنْصُوب بِالْفِعْلِ من الْخَبَر سَمَاعي أَي فثوب نَسِيته وثوب أجره قَالَ ابْن عقيل فِي شرح الألفية وَجَاز الِابْتِدَاء بِثَوْب وَهُوَ نكرَة لِأَنَّهُ قصد بِهِ التنويع قَالَ الأعلم وَيجوز عِنْدِي أَن يكون نسيت وَأجر من نعت الثَّوْبَيْنِ فَيمْتَنع أَن يعْمل فِيهِ لِأَن النَّعْت لَا يعْمل فِي المنعوت فَيكون التَّقْدِير فثوباي ثوب منسي وثوب مجرور وَقَالَ ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب وَمِمَّا ذكرُوا من المسوغات أَن تكون النكرَة للتفصيل نَحْو فثوب نسيت وثوب أجر وَفِيه نظر لاحْتِمَال نسيت وَأجر للوصفية وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي فَمن أثوابي ثوب نَسِيته وَمِنْهَا ثوب أُجْرَة وَيحْتَمل أَنَّهُمَا خبران وَثمّ صفتان مقدرتان أَي فثوب لي نَسِيته وثوب لي أُجْرَة وَإِنَّمَا نسي ثَوْبه لشغل قلبه كَمَا قَالَ (الطَّوِيل)

(لعوب تنسيني إِذا قُمْت سربالي)

وَإِنَّمَا جر الاخر ليعفي الْأَثر على الْقَافة وَلِهَذَا زحف على الرُّكْبَتَيْنِ انْتهى والقافة جمع قائف وَهُوَ من يعرف الْآثَار يُقَال قفا أَثَره أَي تبعه وروى

(فَلَمَّا دَنَوْت تسديتها

فثوب نسيت إِلَخ)

ص: 373

. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات يُقَال تسديته إِذا تخطيت إِلَيْهِ وَقيل علوته وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وروى

(فثوبا نسيت وثوبا أجر)

وَعَلِيهِ فَهُوَ مفعول لما بعده وَهُوَ من قصيدة لامرئ الْقَيْس عدتهَا اثْنَان وَأَرْبَعُونَ بَيْتا ومطلعها (المتقارب)

(لَا وَأَبِيك ابْنة العامري لَا يَدعِي الْقَوْم أَنِّي أفر)

وَسَيَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حُرُوف الزِّيَادَة فِي آخر الْكتاب وَأثبت هَذِه القصيدة لَهُ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ والمفضل وَغَيرهمَا وَزعم الْأَصْمَعِي فِي رِوَايَته عَن أبي عَمْرو بن الْعَلَاء أَنَّهَا لرجل من أَوْلَاد النمر بن قاسط يُقَال لَهُ ربيعَة ابْن جعْشم وأولها عِنْده

(أحار بن عَمْرو كَأَنِّي خمر

ويعدو على الْمَرْء مَا يأيمر)

وَبِه اسْتشْهد ابْن أم قَاسم فِي شرح الألفية لتنوين الغالي حَيْثُ لحق الروي

الْمُقَيد رَوَاهُ مَا يأتمرون بِضَم الرَّاء والهمزة للنداء وحار مرخم حَارِث قَالَ فِي الصِّحَاح والخمار بَقِيَّة السكر تَقول مِنْهُ رجل خمر بِفَتْح فَكسر أَي فِي عقب خمار وَيُقَال هُوَ الَّذِي خامره الدَّاء أَي خالطه وعد عَلَيْهِ جَار والائتمار الِامْتِثَال أَي مَا تَأمر بِهِ نَفسه فَيرى أَنه رشد فَرُبمَا كَانَ هَلَاكه فِيهِ والوا عطفت جملَة فعلية على جملَة إسمية على قَوْلَيْنِ من

ص: 374

ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَوَاز مُطلقًا وَالْمَنْع مُطلقًا وَالْجَوَاز مَعَ الْوَاو فَقَط وَلَيْسَت للاستئناف وَلَا للتَّعْلِيل وَلَا زَائِدَة كَمَا زعمها الْعَيْنِيّ وَبعد بَيت الشَّاهِد (المتقارب)

(وَلم يرنا كالئ كاشح

وَلم يفش منا لَدَى الْبَيْت سر)

(وَقد رَابَنِي قَوْلهَا يَا هَناه وَيحك ألحقت شرا بشر)

والكالئ بِالْهَمْز الحارس والرقيب والكاشح الْمُبْغض ورابني أوقعني فِي الرِّيبَة وهناه كلمة يكنى بهَا عَن النكرات كَمَا يكنى بفلان عَن الْأَعْلَام فَمَعْنَى يَا هَناه يَا رجل وَلَا يسْتَعْمل إِلَّا فِي النداء عِنْد الْجفَاء والغلظة وَقَوله ألحقت شرا بشر أَي كنت مُتَّهمًا فَلَمَّا صرت إِلَيْنَا ألحقت تُهْمَة بعد تُهْمَة وَهَذِه الضمائر المؤنثة رَاجِعَة إِلَى هر بِكَسْر الْهَاء وَتَشْديد الرَّاء وكنيتها أم الْحُوَيْرِث وَهِي الَّتِي كَانَ يشبب بهَا فِي أشعاره وَكَانَت زوجه وَالِده فَلذَلِك كَانَ طرده وهم بقتْله من أجلهَا وَفِي هَذِه القصيدة بَيت فِي وصف فرسه يَأْتِي شَرحه إِن شَاءَ الله فِي أَفعَال الْقُلُوب وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الطَّوِيل)

(لعمرك مَا معن بتارك حَقه

وَلَا منسئ معن وَلَا متيسر)

ص: 375

على أَن وضع الظَّاهِر مقَام الضَّمِير إِن لم يكن فِي معرض التفخيم فَعِنْدَ س يجوز فِي الشّعْر بِشَرْط أَن يكون بِلَفْظ الأول كَهَذا الْبَيْت وَهُوَ للفرزدق أول بَيْتَيْنِ ثَانِيهمَا

(أتطلب يَا عوران فضل نبيذهم

وعندك يَا عوران زق موكر] )

واللَّام لَام الِابْتِدَاء والعمر الْحَيَاة وَالْمعْنَى أَنه أقسم بحياة مخاطبه لعزته عَلَيْهِ والعمر فتحا وضما وَاحِد غير أَنه مَتى اتَّصل بلام الِابْتِدَاء مقسمًا بِهِ وَجب فتح عينه وَإِلَّا جَازَ الْأَمْرَانِ وَهُوَ مُبْتَدأ خَبره مَحْذُوف تَقْدِيره قسمي وسياتي الْكَلَام عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله فِي الْمَفْعُول الْمُطلق وَجُمْلَة مَا معن إِلَخ جَوَاب الْقسم وَمَا نَافِيَة تميمية زيدت الْبَاء فِي خَبَرهَا ومعن قَالَ أَبُو عَليّ القالي فِي ذيل أمالية قَالَ أَبُو محلم هُوَ رجل كَانَ كلاء بالبادية يَبِيع بالكالئ أَي بِالنَّسِيئَةِ وَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فِي شدَّة التقاضي قَالَ سيار بن هُبَيْرَة يُعَاتب خَالِدا وزيادا أَخَوَيْهِ (الطَّوِيل)

(يؤذنني هَذَا وَيمْنَع فَضله

وَهَذَا كمعن أَو أَشد تقاضيا)

يؤذنني يحرمني مضارع أُذُنه بتَشْديد الذَّال الْمُعْجَمَة قَالَ فِي الْمِصْبَاح وكلأ الدَّين يكلأ مَهْمُوز بِفتْحَتَيْنِ كلوءا تَأَخّر فَهُوَ كالئ بِالْهَمْز وَيجوز تخفيفه فَيصير كَالْقَاضِي وَقَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ مثل القَاضِي وَلَا يجوز همزه وَنهي عَن بيع الكالئ بالكالئ أَي بيع النَّسِيئَة بِالنَّسِيئَةِ قَالَ أَبُو عبيد صورته أَن يسلم الرجل الدَّرَاهِم فِي طَعَام إِلَى أجل فَإِذا حل الْأَجَل يَقُول الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَام لَيْسَ عِنْدِي طَعَام وَلَكِن بِعني إِيَّاه إِلَى أجل فَهَذِهِ نَسِيئَة

ص: 376

انقلبت إِلَى نَسِيئَة فَلَو قبض الطَّعَام ثمَّ بَاعه مِنْهُ أَو من غَيره لم يكن كالئا بكالئ ويعدى بِالْهَمْزَةِ والتضعيف انْتهى وَقَالَ شرَّاح أَبْيَات الْكتاب عَنى بِالْبَيْتِ معن بن زَائِدَة الشَّيْبَانِيّ وَهُوَ أحد أجواد الْعَرَب وسمحائهم فوصفه ظلما بِسوء الِاقْتِضَاء وَأخذ الْغَرِيم على عسرة وَأَنه لَا ينسئه بِدِينِهِ انْتهى

وَهَذَا غير صَحِيح فَإِن معن بن زَائِدَة مُتَأَخّر عَن الفرزدق فَإِنَّهُ قد توفّي الفرزدق فِي سنة عشر وَمِائَة وَتُوفِّي معن بن زَائِدَة فِي سنة ثَمَان وَخمسين وَمِائَة

وَقَوله وَلَا منسئ هُوَ اسْم فَاعل من أنسات الشَّيْء أَخَّرته وَيُقَال أَيْضا نسأته فعلت وأفعلت بِمَعْنى فالمفعول مَحْذُوف أَي حَقه قَالَ الشَّارِح الرِّوَايَة بجر منسئ وَإِذا رفعته فَهُوَ خبر مقدم على الْمُبْتَدَأ أَقُول الْجَرّ يكون بالْعَطْف على مَدْخُول الْبَاء الزَّائِدَة ومعن فَاعله أقيم مقَام الضَّمِير فَيكون من تَتِمَّة الْجُمْلَة الأولى وَإِذا رفع كَانَ من جملَة أُخْرَى وبالرفع أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ قَالَ الأعلم اسْتشْهد بِهِ سِيبَوَيْهٍ على أَن تَكْرِير الِاسْم مظْهرا من جملتين أحسن من تكريره فِي جملَة وَاحِدَة فَلَو حمل الْبَيْت على أَن التكرير من جملَة وَاحِدَة لقَالَ وَلَا منسئ معن عطف على قَوْله بتارك حَقه وَلكنه كَرَّرَه مظْهرا وَلما أمكنه أَن يَجْعَل الْكَلَام جملتين اسْتَأْنف الْكَلَام فَرفع الْخَبَر وَقَالَ أعلم أَن الِاسْم الظَّاهِر مَتى احْتِيجَ إِلَى تَكْرِير ذكره فِي جملَة وَاحِدَة كَانَ الِاخْتِيَار أَن يذكر ضَمِيره لِأَن ذَلِك أخف وأنفى للشُّبْهَة واللبس كَقَوْلِك زيد ضَربته وَلَو أعدت لَفظه بِعَيْنِه فِي مَوضِع

ص: 377

كنايته لجَاز وَلم يكن وَجه الْكَلَام كَقَوْلِك زيد ضربت زيدا على معنى زيد ضَربته وَإِذا أعدت ذكره فِي غير تِلْكَ الْجُمْلَة جَازَ إِعَادَة ظَاهره وَحسن كَقَوْلِك مَرَرْت بزيد وَزيد رجل صَالح قَالَ تَعَالَى {وَإِذا جَاءَتْهُم آيَة قَالُوا لن نؤمن حَتَّى نؤتى مثل مَا أُوتِيَ رسل الله الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} فَأَعَادَ الظَّاهِر لِأَن قَوْله الله أعلم ابْتِدَاء وَخبر وَقد مرت الْجُمْلَة الأولى فَإِذا قلت مَا زيد ذَاهِبًا وَلَا محسن زيد جَازَ الرّفْع وَالنّصب فَإِذا نصبت فَقلت وَلَا محسنا زيد جعلت زيدا هَذَا الظَّاهِر بِمَنْزِلَة كنايته فكأنك قلت مَا زيد ذَاهِبًا وَلَا محسنا كَمَا تَقول وَلَا محسنا أَبوهُ فتعطف محسنا على ذَاهِبًا وترفع زيدا بِفِعْلِهِ وَهُوَ محسن فَإِذا رفعت جعلت زيدا كَالْأَجْنَبِيِّ ورفعته بِالِابْتِدَاءِ وَجعلت محسنا خَبرا مقدما

وأختار سِيبَوَيْهٍ الرّفْع لِأَن الْعَرَب لَا تعيد لفظ الظَّاهِر إِلَّا أَن تكون الْجُمْلَة الأولى غير الْجُمْلَة الثَّانِيَة وَتَكون الثَّانِيَة مستأنفة كَمَا قُلْنَا فِي رسل الله الله أعلم فَإِذا رفعته فَهُوَ مُطَابق لما ذَكرْنَاهُ وَخرج عَن بَاب الْعَيْب لِأَنَّك جعلته جملَة مستانفة وَاسْتشْهدَ سِيبَوَيْهٍ لجَوَاز النصب وَجعل الظَّاهِر بِمَنْزِلَة الْمُضمر بقوله

(لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شَيْء)

فَأَعَادَ الْإِظْهَار وَذَلِكَ أَن قَوْله لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شَيْء الْمَوْت الأول هُوَ الْمَفْعُول الأول لأرى ويسبق الْمَوْت شَيْء فِي مَوضِع الْمَفْعُول الثَّانِي وهما فِي جملَة وَاحِدَة وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول يسْبقهُ شَيْء فيضمره وَاسْتشْهدَ لاختيار الرّفْع فِيمَا اخْتَارَهُ فِيهِ بقول الفرزدق

(لعمرك مَا معن بتارك حَقه الْبَيْت)

ومعن الثَّانِي هُوَ الأول فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله مَا زيد ذَاهِبًا وَلَا محسن زيد وللمعترض أَن يَقُول الفرزدق تميمي وَهُوَ يرفع خبر مَا على كل حَال مكنيا كَانَ أَو ظَاهرا أَلا ترى أَن الفرزدق من لغته أَن يَقُول مَا معن تَارِك حَقه وَلَا منسئ هُوَ فَالظَّاهِر والمكنى على لغته سَوَاء انْتهى وَأنْشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد السِّتُّونَ وَهُوَ من شَوَاهِد س (الْخَفِيف)

(لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شَيْء)

ص: 378

تَمَامه

(نغص الْمَوْت ذَا الْغنى والفقيرا)

لما تقدم فِي الْبَيْت قبله أَي لَا أرى الْمَوْت يسْبقهُ شَيْء أَي لَا يفوتهُ وأنشده ثَانِيًا فِي الْإِخْبَار بِالَّذِي وَجعله من قبيل الحاقة مَا الحاقة مِمَّا إِظْهَاره يُفِيد التفخيم فَخَالف كَلَامه هُنَا وَتبع الشَّارِح هُنَا س وَخَالفهُ الْمبرد فِي هَذَا وَفرق بَينه وَبَين مَا ذكر لِأَن الْمَوْت جنس وَإِنَّمَا كره زيد قَامَ زيد لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن الثَّانِي خلاف الأول وَهَذَا لَا يتَوَهَّم

ص: 379

فِي الْأَجْنَاس قَالَ تَعَالَى {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} وأخرجت الأَرْض أثقالها وَكَذَا إِذا اقْترن بِالِاسْمِ الثَّانِي حرف الِاسْتِفْهَام بِمَعْنى التَّعْظِيم والتعجب كَانَ الْبَاب الْإِظْهَار كَقَوْلِه تَعَالَى (القارعة مَا القارعة والحاقة مَا (الحاقة) والإضمار جَائِز كَمَا قَالَ تَعَالَى (فأمة هاوية وَمَا أَدْرَاك مَا هيه) وَكَذَلِكَ لم يرتضه شرَّاح أبياته قَالَ الأعلم وَتَبعهُ ابْن خلف وَمثله لأبي جَعْفَر النّحاس اسْتشْهد بِهَذَا الْبَيْت سِيبَوَيْهٍ على إِعَادَة الظَّاهِر مَوضِع الْمُضمر وَفِيه قبح إِذا كَانَ تكريره فِي جملَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي بَعْضهَا عَن بعض فَلَا يكَاد يجوز إِلَّا فِي ضَرُورَة كَقَوْلِك زيد ضربت زيدا فَإِن كَانَ إِعَادَته فِي جملتين حسن كَقَوْلِك زيد شتمته وَزيد أهنته لِأَنَّهُ قد يُمكن أَن تسكت عَن الْجُمْلَة الأولى ثمَّ تسْتَأْنف الْأُخْرَى بعد ذكر رجل غير زيد فَلَو قيل زيد ضَربته وَهُوَ أهنته لجَاز أَن يتَوَهَّم الضَّمِير لغير زيد فَإِذا أُعِيد مظْهرا وَزَالَ التَّوَهُّم وَمَعَ إِعَادَته مضمرا فِي الْجُمْلَة الْوَاحِدَة كَقَوْلِك زيد ضَربته لَا يتَوَهَّم الضَّمِير لغيره لِأَنَّك لَا تَقول زيد ضربت عمرا والإظهار فِي مثل هَذَا أحسن مِنْهُ فِي هَذَا وَنَحْوه لِأَن الْمَوْت اسْم جنس فَإِذا

أُعِيد مظْهرا لم يتَوَهَّم أَنه اسْم لشَيْء آخر فَلذَلِك كَانَ الْإِظْهَار فِي هَذَا أمثل لِأَنَّهُ أشكل وَقَوله نغص الْمَوْت إِلَخ يُرِيد نغض عَيْش ذِي الْغنى وَالْفَقِير يَعْنِي أَن خوف الْغَنِيّ من الْمَوْت ينغص عَلَيْهِ الالتذاذ بالغنى وَالسُّرُور بِهِ وَخَوف الْفَقِير من الْمَوْت ينغص عَلَيْهِ السَّعْي فِي التمَاس الْغنى لِأَنَّهُ لَا يعلم أَنه

ص: 380

إِذا وصل إِلَيْهِ الْغنى هَل يبْقى حَتَّى ينْتَفع بِهِ أَو يقتطعه الْمَوْت عَن الِانْتِفَاع وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لعدي بن زيد وَقيل لِابْنِهِ سوَاده بن عدي وَالصَّحِيح الأول وأولها

(طَال ليلِي أراقب التنويرا

ارقب اللَّيْل بالصباح بَصيرًا)

(شط وصل الَّذِي تريدين مني

وصغير الْأُمُور يجني الكبيرا)

(إِن للدهر صولة فاحذرنها

لَا تبيتن قد أمنت الدهورا)

(قد يبات الْفَتى صَحِيحا فيردى

وَلَقَد بَات آمنا مَسْرُورا)

(لَا أرى الْمَوْت يسْبق الْمَوْت شَيْء

نغص الْمَوْت ذَا الْغنى والفقيرا)

(للمنايا مَعَ الغدو رواح

كل يَوْم ترى لَهُنَّ عقيرا)

(كم ترى الْيَوْم من صَحِيح تمنى

وَغدا حَشْو ريطة مقبورا)

(أَيْن أَيْن الْفِرَار مِمَّا سَيَأْتِي

لَا أرى طائرا نجا أَن يطيرا)

(فامش قصدا إِذا مشيت وَأبْصر

إِن للقصد منهجا وجسورا)

(إِن فِي الْقَصْد لِابْنِ آدم خيرا

وسبيلا على الضَّعِيف يَسِيرا)

وعدي بن زيد بن حَمَّاد بن زيد بن أَيُّوب من بني امْرِئ الْقَيْس بن زيد مَنَاة بن تَمِيم قَالَ صَاحب الأغاني وَكَانَ أَيُّوب هَذَا أول من سمي من الْعَرَب أَيُّوب وَكَانَ عدي شَاعِرًا فصيحا من شعراء الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ نَصْرَانِيّا وَكَذَلِكَ أَبوهُ وَأمه

وَأَهله وَلَيْسَ مِمَّن يعد فِي الفحول وَهُوَ قروي

ص: 381

قد أخذُوا عَلَيْهِ أَشْيَاء عيب فِيهَا وَكَانَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو عُبَيْدَة يَقُولَانِ عدي بن زيد فِي الشُّعَرَاء بِمَنْزِلَة سُهَيْل فِي النُّجُوم يعارضها وَلَا يجْرِي مَعهَا مجْراهَا وَكَذَلِكَ عِنْدهم أُميَّة بن أبي الصَّلْت وَمثلهمَا من الإسلاميين الْكُمَيْت والطرماح وَكَانَ سَبَب نزُول آل عدي بن زيد الْحيرَة أَن جدة أَيُّوب بن محروف كَانَ منزله الْيَمَامَة فِي بني امْرِئ الْقَيْس بن زيد مَنَاة بن تَمِيم فَأصَاب دَمًا فِي قومه فهرب إِلَى أَوْس بن قلام أحد بني الْحَارِث بن كَعْب بِالْحيرَةِ وَكَانَ بَينهمَا نسب من قبل النِّسَاء فَأكْرمه وابتاع لَهُ مَوضِع دَار هـ بثلاثمائة أُوقِيَّة من ذهب وَأنْفق عَلَيْهَا مِائَتي أُوقِيَّة ذَهَبا وَأَعْطَاهُ مِائَتَيْنِ من الْإِبِل برعاتها وفرسا وقينة واتصل بملوك الْحيرَة فعرفوا حَقه وَحقّ ابْنه زيد بن أَيُّوب فَلم يكن مِنْهُم ملك يملك إِلَّا ولولد أَيُّوب مِنْهُ جوائز ثمَّ إِن زيدا بن أَيُّوب نكح امْرَأَة من آل قلام فَولدت لَهُ حمادا فَخرج زيد بن أَيُّوب يَوْمًا يَوْمًا للصَّيْد فَلَقِيَهُ رجل من بني امْرِئ الْقَيْس الَّذين كَانَ لَهُم الثأر فاغتال زيدا وهرب وَمكث حَمَّاد فِي أَخْوَاله حَتَّى أَيفع وعلمته أمه الْكِتَابَة فَكَأَن أول من كتب من بني أَيُّوب فَخرج من أكتب النَّاس وَطلب حَتَّى صَار كَاتب الْملك النُّعْمَان الْأَكْبَر فَلبث كَاتبا لَهُ حَتَّى ولد لَهُ ولد فَسَماهُ زيدا باسم أَبِيه وَكَانَ لحماد صديق من دهاقين الْفرس اسْمه فرخ ماهان فَلَمَّا حضرت الْوَفَاة حمادا أوصى بِابْنِهِ زيد إِلَى الدهْقَان وَكَانَ من المرازبة فَأَخذه إِلَيْهِ وَكَانَ زيد قد حذق الْكِتَابَة والعربية قبل أَن يَأْخُذهُ الدهْقَان وَعلمه الدهْقَان الفارسية وَكَانَ لبيبا فَأَشَارَ الدهْقَان إِلَى كسْرَى أَن يَجعله على الْبَرِيد فِي حَوَائِجه فولاه وَبَقِي زَمَانا ثمَّ إِن النُّعْمَان النصري هلك فَاخْتلف أهل

ص: 382

الْحيرَة فِيمَن يملكونه إِلَى أَن يعْقد كسْرَى الْأَمر لرجل مِنْهُم فَأَشَارَ الْمَرْزُبَان عَلَيْهِم بزيد بن حَمَّاد فَكَانَ على الْحيرَة إِلَى أَن ملك كسْرَى الْمُنْذر بن مَاء السَّمَاء

ونكح زيد نعْمَة بنت ثَعْلَبَة العدوية فَولدت لَهُ عديا وَولد للمرزبان وَسَماهُ شاهان مرد فَلَمَّا أَيفع عدي أرْسلهُ الْمَرْزُبَان مَعَ ابْنه إِلَى كتاب الفارسية وَتعلم الْكِتَابَة وَالْكَلَام بِالْفَارِسِيَّةِ حَتَّى خرج من أفهم النَّاس بهَا وأفصحهم بِالْعَرَبِيَّةِ وَقَالَ الشّعْر وَتعلم الرَّمْي بالنشاب فَخرج من الأساورة الرُّمَاة وَتعلم لعب الْعَجم على الْخَيل بالصوالجة وَغَيرهَا ثمَّ إِن الْمَرْزُبَان لما اجْتمع بكسرى قَالَ لَهُ إِن عِنْدِي غُلَاما من الْعَرَب هُوَ أفْصح النَّاس وأكتبهم بِالْعَرَبِيَّةِ والفارسية وَالْملك يحْتَاج إِلَى مثله فأحضر الْمَرْزُبَان عدي بن زيد وَكَانَ جميل الْوَجْه فائق الْحسن وَكَانَت الْفرس تتبرك بالجميل الْوَجْه فَرغب فِيهِ فَكَانَ عدي أول من كتب بِالْعَرَبِيَّةِ فِي ديوَان كسْرَى فَرغب أهل الْحيرَة إِلَى عدي ورهبوه وَلم يزل بِالْمَدَائِنِ فِي ديوَان كسْرَى مُعظما وَأَبوهُ زيد كَانَ حَيا إِلَّا أَن صيته قد حمل بِذكر ابْنه عدي ثمَّ لما هلك الْمُنْذر اجْتهد عدي عِنْد كسْرَى حَتَّى ملك النُّعْمَان بن الْمُنْذر الْحيرَة ثمَّ بعد مُدَّة افتروا على عدي وَقَالُوا للنعمان إِن عديا يزْعم أَنَّك عَامله على الْحيرَة فاغتاظ مِنْهُ النُّعْمَان وَأرْسل إِلَى عدي بِأَنَّهُ مشتاق إِلَيْهِ يستزيره فَلَمَّا أَتَى إِلَيْهِ حَبسه وَبَقِي فِي الْحَبْس إِلَى أَن جَاءَ رَسُول كسْرَى ليخرجه فخاف النُّعْمَان من خُلَاصَة فغمة حَتَّى مَاتَ وَنَدم النُّعْمَان على قَتله وَعرف أَنه غلب على رَأْيه ثمَّ إِنَّه خرج يَوْمًا إِلَى الصَّيْد فلقي ابْنا لعدي يُقَال لَهُ زيد

ص: 383

فَلَمَّا رَآهُ عرف شبهه فَقَالَ لَهُ من أَنْت قَالَ أَنا زيد بن عدي فَكَلمهُ فَإِذا هُوَ غُلَام ظريف ففرح بِهِ فَرحا شَدِيدا فقربه وَاعْتذر إِلَيْهِ من أَمر أَبِيه ثمَّ كتب إِلَى كسْرَى يربيه ويشفع لَهُ مَكَان أَبِيه فولاه كسْرَى وَكَانَ يَلِي الْكِتَابَة عِنْده إِلَى مُلُوك الْعَرَب وَفِي خَواص أُمُور الْملك وَكَانَت لملوك الْعَجم صفة النِّسَاء مَكْتُوبَة عِنْدهم وَكَانُوا يبعثون فِي تِلْكَ الْأَرْضين تِلْكَ الصّفة فَإِذا وجدت حملت إِلَى الْملك غير أَنهم لم يَكُونُوا يطلبونها فِي أَرض الْعَرَب

فَلَمَّا كتب كسْرَى فِي طلب تِلْكَ الصّفة قَالَ لَهُ زيد بن عدي أَنا عَارِف بآل الْمُنْذر وَعند عَبدك النُّعْمَان بَين بَنَاته وأخواته وَبَنَات عَمه أَكثر من عشْرين امْرَأَة على هَذِه الصّفة فابعثني مَعَ ثِقَة من رجالك يفهم الْعَرَبيَّة حَتَّى أبلغ مَا تحبه فَبعث مَعَه رجلا فطنا وَخرج بِهِ زيد فَجعل يكرم الرجل ويلطفه حَتَّى بلغ الْحيرَة فَلَمَّا دخل على النُّعْمَان قَالَ لَهُ إِن كسْرَى قد احْتَاجَ إِلَى نسَاء لنَفسِهِ ولولده واراد كرامتك بصهره فَبعث إِلَيْك فَقَالَ النُّعْمَان لزيد وَالرَّسُول يسمع أما فِي مها السوَاد وَعين فَارس مَا يبلغ بِهِ كسْرَى حَاجته فَقَالَ الرَّسُول لزيد بِالْفَارِسِيَّةِ مَا المها فَقَالَ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ كاوان أَي الْبَقر فَأمْسك الرَّسُول وَقَالَ زيد للنعمان إِنَّمَا أَرَادَ الْملك أَن يكرمك وَلَو علم أَن هَذَا يشق عَلَيْك لم يكْتب إِلَيْك بِهِ فأنزلهما عِنْده يَوْمَيْنِ ثمَّ كتب إِلَى كسْرَى إِن الَّذِي طلب الْملك لَيْسَ عِنْدِي وَقَالَ لزيد اعذرني عِنْده فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى كسْرَى قَالَ زيد للرسول أصدق الْملك عَمَّا سَمِعت فَإِنِّي سأحدثه بِمثل حَدِيثك وَلَا أخالفك فِيهِ فَلَمَّا دخلا على كسْرَى قَالَ زيد هَذَا كِتَابه فقرأه عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ كسْرَى وَأَيْنَ الَّذِي كنت خبرتني بِهِ قَالَ قد كنت خبرتك ببخلهم بنسائهم على غَيرهم وَأَن ذَلِك من شقائهم واختيارهم الْجُوع والعري على الشِّبَع والرياش وإيثارهم السمُوم

ص: 384

على طيب أَرْضك حَتَّى إِنَّهُم ليسمونها السجْن فسل هَذَا الرَّسُول الَّذِي كَانَ معي عَمَّا قَالَ فَإِنِّي أكْرم الْملك عَن مشافهته بِمَا قَالَ فَقَالَ للرسول وَمَا قَالَ النُّعْمَان فَقَالَ لَهُ الرَّسُول إِنَّه قَالَ أما كَانَ فِي بقر السوَاد وَفَارِس مَا يَكْفِيهِ حَتَّى يطْلب مَا عندنَا فَعرف الْغَضَب فِي وَجهه وَسكت كسْرَى أشهرا وَسمع النُّعْمَان غَضَبه ثمَّ كتب إِلَيْهِ كسْرَى أَن أقبل فَإِن لي حَاجَة بك فخافه النُّعْمَان وَحمل سلاحه وَمَا قدر عَلَيْهِ ولجأ إِلَى قبائل الْعَرَب فَلم يجره أحد وَقَالُوا لَا طَاقَة لنا بكسرى حَتَّى نزل بِذِي قار فِي بني شَيبَان سرأ فلقي هَانِئ بن قبيصَة فأجاره وَقَالَ لزمني ذِمَامك وَإِنِّي مانعك مِمَّا أمنع مِنْهُ نَفسِي وَأَهلي وَإِن ذَلِك مهلكي ومهلكك وَعِنْدِي راي لست أُشير بِهِ لأدفعك عَمَّا تريده من مجاورتي وَلكنه الصَّوَاب فَقَالَ هاته قَالَ إِن كل أَمر يجمل بِالرجلِ أَن يكون عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون بعد الْملك سوقة وَالْمَوْت نَازل بِكُل أحد وَلِأَن تَمُوت كَرِيمًا خير من أَن تتجرع الذل أَو تبقى سوقة بعد الْملك امْضِ إِلَى صَاحبك وأحمل إِلَيْهِ هَدَايَا ومالا والق نَفسك

بَين يَدَيْهِ فإمَّا أَن يصفح عَنْك فعدت ملكا عَزِيزًا وَإِمَّا أَن يصيبك فالموت خير من أَن تتلعب بك صعاليك الْعَرَب ويتخطفك ذئابها قَالَ فَكيف بحرمي وَأَهلي قَالَ هن فِي ذِمَّتِي لَا يخلص إلَيْهِنَّ حَتَّى يخلص إِلَى بَنَاتِي فَقَالَ هَذَا وَأَبِيك الرَّأْي ثمَّ اخْتَار خيلا وحللا من عصب الْيمن وجواهر وطرفا كَانَت عِنْده وَوجه بهَا إِلَى كسْرَى وَكتب إِلَيْهِ يعْتَذر ويعلمه أَنه صائر إِلَيْهِ فقبلها كسْرَى وَأمره بالقدوم فَعَاد إِلَيْهِ الرَّسُول

ص: 385

وَأخْبرهُ بذلك وَأَنه لم ير لَهُ عِنْد كسْرَى سوءا فَمضى إِلَيْهِ حَتَّى إِذا وصل إِلَى ساباط لقِيه زيد بن عدي فَقَالَ لَهُ انج نعيم إِن اسْتَطَعْت النجَاة فَقَالَ لَهُ النُّعْمَان أفعلتها يَا زيد أما وَالله لَئِن عِشْت لأَقْتُلَنك قَتله لم يَقْتُلهَا عَرَبِيّ قطّ فَقَالَ لَهُ زيد قد وَالله أخيت لَك آخية لَا يقطعهَا الْمهْر الأرن فَلَمَّا بلغ كسْرَى أَنه بِالْبَابِ بعث إِلَيْهِ فقيده وسجنه فَلم يزل فِي السجْن حَتَّى هلك وَقيل أَلْقَاهُ تَحت أرجل الفيلة فوطئته حَتَّى مَاتَ وَذَلِكَ قبيل الْإِسْلَام بِمدَّة وغضبت لَهُ الْعَرَب حِينَئِذٍ فَكَانَ قَتله سَبَب وقْعَة ذِي قار وانشد بعده وَهُوَ الشَّاهِد الْحَادِي وَالسِّتُّونَ (الطَّوِيل)

(إِذا الْمَرْء لم يغش الكريهة أوشكت

حبال الهوينى بالفتى أَن تقطعا)

على ان الِاسْم إِن أُعِيد ثَانِيًا وَلم يكن بِلَفْظ الأول لم يجز عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَيجوز عِنْد الْأَخْفَش سَوَاء كَانَ فِي شعر أم فِي غَيره كَهَذا الْبَيْت قَالَ ابْن حني فِي إِعْرَاب الحماسة عِنْد قَول أبي النشناش (الطَّوِيل)

(إِذا الْمَرْء لم يسرح سواما وَلم يرح

سواما وَلم تعطف عَلَيْهِ أَقَاربه)

(فللموت خير للفتى من حَيَاته

فَقِيرا وَمن مولى تدب عقاربه)

كَانَ يجب أَن يَقُول فللموت خير لَهُ فَعدل عَن الْمظهر والمضمر جَمِيعًا إِلَى لفظ آخر كَقَوْلِه

ص: 386

(إِذا الْمَرْء لم يغش الكريهة الْبَيْت)

وَسبب ذَلِك أَن هَذَا الْمظهر الْمُخَالف للفظ الْمظهر قبله قد أشبه عِنْدهم الْمُضمر من حَيْثُ كَانَ مُخَالفا للفظ الْمظهر قبله خلاف الْمُضمر لَهُ وَقَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة قَوْله بالفتى حَشْو وَكَانَ الْوَاجِب أَن يَقُول بِهِ لِأَن ذكر الْمَرْء قد تقدم إِلَّا أَن يُرِيد بالفتى معنى الزراية والأطنوزة فَإِنَّهُ مُحْتَمل ا. هـ.

وَهَذَا تخيل دَقِيق والغشيان الْإِتْيَان يُقَال غَشيته من بَاب تَعب أَتَيْته والكريهة الْحَرْب وَقيل شدتها وَقيل النَّازِلَة وَهَذَا هُوَ المُرَاد هُنَا وأوشكت قاربت وَدنت والحبال جمع حَبل بِمَعْنى السَّبَب استعير لكل شَيْء يتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَمر من الْأُمُور والهويني الرِّفْق والراحة وعدة ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة فِي الْكَلِمَات الَّتِي وَردت مصغرة لَا غير قَالَ والسكون والخفض قَالَ السمين فِي عُمْدَة الْحفاظ يُقَال فلَان يمشي الهوينى وَهُوَ مصغر الهونى والهونى تَأْنِيث الأهون كالفضلى تَأْنِيث الْأَفْضَل وبالفتى الْبَاء للمصاحبة فَيكون حَالا أَو بِمَعْنى عَن فَيتَعَلَّق بِمَا بعْدهَا وَجَاز لِأَنَّهُ ظرف وَمثله قَوْله تَعَالَى {وتقطعت بهم الْأَسْبَاب} قَالَ السمين فِي الْبَاء أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا للْحَال أَي تقطعت مَوْصُولَة بهم الْأَسْبَاب الثَّانِي للتعدية أَي قطعتهم الْأَسْبَاب كَقَوْلِهِم تَفَرَّقت بهم الطّرق أَي فرقتهم الثَّالِث للسَّبَبِيَّة أَي تقطعت بِسَبَب كفرهم الْأَسْبَاب الَّتِي كَانُوا يرجون بهَا النجَاة وَالرَّابِع بِمَعْنى عَن أَي تقطعت عَنْهُم الْأَسْبَاب الموصلات بَينهم وَهِي مجَاز

ص: 387

وَالسَّبَب فِي الأَصْل الْحَبل ثمَّ أطلق على كل مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى شَيْء عينا كَانَ أَو

معنى وتقطعا أَصله تتقطع بتاءين وفاعله ضمير حبال وَهَذَا الْبَيْت آخر أَبْيَات للكلحبة العريني وَهِي (الطَّوِيل)

(فَإِن تنج مِنْهَا يَا حزيم بن طَارق

فقد تركت مَا خلف ظهرك بلقعا)

(ونادى مُنَادِي الْحَيّ أَن قد أتيتم

وَقد شربت مَاء المزادة أجمعا)

(وَقلت لكأس ألجميها فَإِنَّمَا

نزلنَا الْكَثِيب من زرود لنفزعا)

(فَأدْرك إبْقَاء العرادة ظلعها

وَقد جَعَلتني من حزيمة إصبعا)

(أَمرتكُم أَمْرِي بمنعرج اللوى

وَلَا أَمر للمعصي إِلَّا مضيعا)

(إِذا الْمَرْء لم يغش الكريهة الْبَيْت)

وَسبب هَذِه الأبيات أَن الكلحبة كَانَ نازلا بزرود وَهِي أَرض بني مَالك ابْن حَنْظَلَة وَهُوَ من بني يَرْبُوع فأغارت بَنو تغلب على بني مَالك وَكَانَ رئيسهم حزيمة بن طَارق فاستاق إيلهم فَأتى الصَّرِيخ إِلَى بني يَرْبُوع فَرَكبُوا فِي إثره فهزموه واستقذوا مَا كَانَ أَخذه فَقَوله إِن تنج مِنْهَا الضَّمِير رَاجع إِلَى فرس الكلحبة وحزيم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الزَّاي الْمُعْجَمَة مرخم حزيمة وَهَذَا الْبَيْت يشْهد بانفلاته وَشعر جرير يشْهد بأسره وَهُوَ (الْكَامِل)

(قدنا حزيمة قد علمْتُم عنْوَة)

وَلَا مَانع مِنْهُ بِأَن أدْركهُ غير الكلحبة وأسره لما ظلعت فرسه قيل وَلما أسر اخْتصم فِيهِ اثْنَان أَحدهمَا أنيف بن جبلة الضَّبِّيّ وَهُوَ أحد بني عبد مَنَاة بن سعد بن ضبة وَكَانَ أنيف يؤمئذ نازلا فِي بني يَرْبُوع وَلَيْسَ مَعَه من قومه أحد وَثَانِيهمَا أسيد بن حناءة السليطي فاختصما

ص: 388

إِلَى الْحَارِث بن قراد فَحكم

أَن جز ناصيته لأنيف وَأَن لأسيد عِنْده مائَة من الْإِبِل فرضيا بذلك والْحَارث بن قراد من بني حميري بن ريَاح بن يَرْبُوع وَأمه من بني عبد مَنَاة بن بكر بن سعد بن ضبة وَقَوله فقد تركت إِلَخ الْعَرَب كثيرا مَا تذكر أَن الْخَيل فعلت كَذَا وَكَذَا وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ أَصْحَابهَا لأَنهم عَلَيْهَا فعلوا وأدركوا يَقُول إِن تنج يَا حزيمة من فرسي لم تفلت إِلَّا بِنَفْسِك وَقد استبيح مَالك وَمَا كنت حويته وغنمته فَلم تدع لَك هَذِه الْفرس شَيْئا وَقَوله ونادى مُنَادِي الْحَيّ إِلَخ كَأَن الكلحبة يعْتَذر من انفلات حزيمة يَقُول أُتِي الصَّرِيخ وَقد شربت فرسي ملْء الْحَوْض مَاء وخيل الْعَرَب إِذا علمت أَنه يغار عَلَيْهَا وَكَانَت عطاشا فَمِنْهَا مَا يشرب بعض الشّرْب وَلَا يرْوى وَبَعضهَا لَا يشرب الْبَتَّةَ لما قد جربت من الشدَّة الَّتِي تلقي إِذا شربت المَاء وحورب عَلَيْهَا وفاعل شربت ضمير الْفرس وَجُمْلَة قد شربت حَال أَي أتيتم فِي هَذِه الْحَال وَقَوله وَقلت لكأس الْبَيْت كأس بنت الكلحبة وَقيل جَارِيَته وَالْعرب لَا تثق فِي خيلها إِلَّا بِأَوْلَادِهَا ونسائها وَقَوله لنفزعا أَي لنغيث يَقُول مَا نزلنَا فِي هَذَا الْموضع إِلَّا لنغيث من اسْتَغَاثَ بِنَا والفزع من الأضداد بِمَعْنى الإغاثة والاستغاثة وَقَوله فَأدْرك إبْقَاء العرادة إِلَخ العرادة بِفَتْح الْعين وَالرَّاء وَالدَّال المهملات اسْم فرس الكلحبة كَانَت أُنْثَى والإبقاء مَا تبقية الْفرس من الْعَدو إِذْ من عتاق الْخَيل مَا لَا تُعْطِي مَا عِنْدهَا من الْعَدو بل تبقي مِنْهُ شَيْئا

ص: 389

إِلَى وَقت الْحَاجة يُقَال فرس مبقية إِذا كَانَت تَأتي بجري عِنْد انْقِطَاع جريها وَقت الْحَاجة يُرِيد أَنَّهَا شربت المَاء فقطعها عَن إبقائها ففأته حزيمة

وروى أنقاء العرادة بِفَتْح الْهمزَة وبالنون جمع نقو بِالْكَسْرِ وَهُوَ كل عظم ذِي مخ يَعْنِي ظلعها وصل إِلَى عظامها وروى أَيْضا إرقال العرادة بِكَسْر الْهمزَة وبالقاف وَهُوَ السّير السَّرِيع وَهُوَ مفعول والظلع فَاعل قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي الظلوع فِي الْإِبِل بِمَنْزِلَة الغمز أَي العرج الْيَسِير يُقَال ظلع يظلع بفتحهما ظلعا وظلوعا وَلَا يكون الظلوع فِي الْحَافِر إِلَّا اسْتِعَارَة يَقُول فَاتَنِي حزيمة وَمَا بيني وَبَينه إِلَّا قدر إِصْبَع وَأورد الشَّارِح هَذَا الْبَيْت فِي بَاب الْإِضَافَة على أَن فِيهِ حذف ثَلَاثَة مضافات أَي جَعَلتني ذَا مِقْدَار مَسَافَة إِصْبَع وَالْأولَى تَقْدِير مضافين أَي ذَا مَسَافَة إِصْبَع كَمَا قدر ابْن هِشَام فِي مغنى اللبيب فَإِن الْمسَافَة مَعْنَاهَا الْبعد والمقدار لَا حَاجَة إِلَيْهِ والمسافة وَزنهَا مفعلة أَي مَحل السوف وَهُوَ الشم وَكَانَ الدَّلِيل إِذا سلك الطّرق الْقَدِيمَة المهجورة أَخذ ترابها فشمه ليعلم أَعلَى قصد هُوَ أم على جور وَإِنَّمَا يقْصد بشم التُّرَاب رَائِحَة الأبوال والأبعار فَيعلم بذلك أَنه مسلوك وَكَذَلِكَ أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى {فَكَانَ قاب قوسين} قَالَ فِيهِ حذف مضافين كَمَا فِي هَذَا الْبَيْت لَكِن تَقْدِيره مِقْدَار مَسَافَة إِصْبَع يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل لصِحَّة الْحمل وَقَوله أَمرتكُم أَمْرِي إِلَخ اللوى بِالْقصرِ هُوَ لوى الرمل أَي

ص: 390

منقطعه حَيْثُ يَنْقَطِع ويفضي إِلَى الجدد ومنعرجه حَيْثُ انثنى مِنْهُ وانعطف وَإِنَّمَا قَالَ بمنعرج اللوى ليعلم أَيْن كَانَ أمره إيَّاهُم كَمَا قَالَ الآخر (الْكَامِل)

(وَلَقَد أمرت أَخَاك عمرا أمره

فَأبى وضيعه بِذَات العجرم)

وَهَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ أوردهُ الشَّارِح أَيْضا فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء على أَن نصب الْمُسْتَثْنى فِي مثله قَلِيل وَقَالَ الْخَلِيل مضيعا حَال وَجَاز تنكير ذِي الْحَال لكَونه عَاما كَأَنَّهُ قَالَ للمعصي أمره مضيعا وَبِهَذَا يسْقط قَول الأعلم حَيْثُ قَالَ

الشَّاهِد فِيهِ نصب مضيع على الْحَال من الْأَمر وَهُوَ حَال من نكرَة وَفِيه ضعف لِأَن أصل الْحَال أَن تكون للمعرفة ا. هـ.

أَقُول إِن جعل حَالا من الضَّمِير المستقر فِي قَوْله للمعصي فَإِنَّهُ خبر لَا النافية فَلَا يرد عَلَيْهِ مَا ذكر وَقَالَ النّحاس وَيجوز أَن يكون حَالا للمضمر التَّقْدِير إِلَّا أمرا فِي حَال تضييعه فَهُوَ حَال من نكرَة أَقُول هَذَا التَّقْدِير من بَاب الِاسْتِثْنَاء ومضيعا وصف للمضمر لَا حَال مِنْهُ وَقَالَ الأعلم وَيجوز نَصبه على الِاسْتِثْنَاء وَالتَّقْدِير إِلَّا أمرا مضيعا وَفِيه قبح لوضع الصّفة مَوضِع الْمَوْصُوف أَقُول لَا قبح فَإِن الْمَوْصُوف كثيرا مَا يحذف لقَرِينَة وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع أَقُول التفريغ لَا يكون

ص: 391

فِي الْمُنْقَطع ثمَّ قَالَ وَلَو رفع فِي غير هَذَا الْموضع لجَاز بجعله خَبرا ل لَا أَقُول يجب حِينَئِذٍ أَن يُقَال وَلَا أمرا للمعصي بِالتَّنْوِينِ إِلَّا على مَذْهَب البغدادين وَقد أورد أَبُو زيد فِي نوادره هَذِه الأبيات على غير هَذَا التَّرْتِيب وروى أَولهَا

(أَمرتهم أَمْرِي بمنعرج اللوى)

والكلحبة لقب الشَّاعِر وَهُوَ بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون اللَّام وَبعدهَا حاء مُهْملَة فباء مُوَحدَة وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَة صَوت النَّار ولهبها كَذَا فِي الْعباب وَزَاد فِي الْقَامُوس وكلحبه بِالسَّيْفِ ضربه والعريني نِسْبَة إِلَى عرين بِفَتْح الْعين وَكسر الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْيَاء فِي فعيل تثبت فِي النّسَب وَهُوَ جده الْقَرِيب وَيُقَال لَهُ الْيَرْبُوعي أَيْضا نِسْبَة إِلَى جده الْبعيد وَقَوْلهمْ الكلحبة عرني نِسْبَة

إِلَى عرينه كجهني نِسْبَة إِلَى جُهَيْنَة تَحْرِيف فَإِن عرينة بِالتَّصْغِيرِ بطن من بجيلة وَلَيْسَ من نسبه قَالَ الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف الكلحبة الْيَرْبُوعي اسْمه هُبَيْرَة بن عبد منَاف بن عرين بن ثَعْلَبَة بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم أحد فرسَان بني تَمِيم وساداتها وشاعر وَهُوَ الْقَائِل

(فَقلت لكأس ألجميها الْبَيْت)

وَكَذَا قَالَ أَبُو زيد فِي نوادره اسْمه هُبَيْرَة بن عبد منَاف عَم وَاقد بن عبد الله ابْن عبد منَاف

ص: 392

وَمثله قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي الكلحبة اسْمه هُبَيْرَة بن عبد منَاف وَقَالَ الصَّاغَانِي فِي الْعباب قَالَ أَبُو عبيد كلحبة اسْمه عبد الله بن كلحبة وَيُقَال هُبَيْرَة بن كلحبة فَارس العرادة وَيُقَال اسْمه حَرِير وَأثبت من ذَلِك أَن اسْمه هُبَيْرَة بن عبد الله بن عبد منَاف إِلَى آخر نسبه وَقَالَ صَاحب الْقَامُوس الكلحبة شَاعِر عرني ولقب هُبَيْرَة بن عبد الله بن عبد منَاف بن عرين العرني فَارس العرادة ذ هـ. فَتَأمل مَا فِيهِ وَالظَّاهِر أَن حَرِيرًا ابْنه وَهُوَ بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء الأولى كَمَا يفهم من قَوْله (الطَّوِيل)

(لَعَلَّ حَرِيرًا أخطأته منية

ستأتيك بِالْعلمِ العشية أَو غَد)

(تَقول لَهُ إِحْدَى بلي شماتة

من الْحَنْظَلِي الْفَارِس المتفقد)

فَإِنَّهُ كَانَ أَرَادَ بعض مُلُوك الشَّام فَسَار حَتَّى إِذا صَار فِي مَوضِع يُقَال لَهُ قرن ظَبْي رَجَعَ وَقَالَ (الوافر)

(رددت ظعائني من قرن ظَبْي

وَهن على شمائلهن زور فجاور فِي بلي بن عَمْرو بن الحاف بن قضاعة فَأَغَارَ عَلَيْهِم بَنو جشم بن

بكر من بني تغلب فقاتل مَعَ بلي هُوَ وَابْنه وَقد أَخذ بَنو جشم أَمْوَالهم حَتَّى ردهَا وجرح ابْنه فَمَاتَ من جراحته وَمن شعر الكلحبة يُخَاطب جَارِيَته كأسا رَوَاهُ أَبُو زيد فِي نوادره

ص: 393