الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن أَبْيَات الْمُبَالغَة قَول امْرِئ الْقَيْس يصف نَارا وَإِن كَانَ فِيهِ إغراق نظرت إِلَيْهَا والنجوم الْبَيْت يَقُول نظرت إِلَى نَار هَذِه الْمَرْأَة تشب لقفال والنجوم كَأَنَّهَا مصابيح رُهْبَان وَقد قَالَ تنورتها من أَذْرُعَات الْبَيْت وَبَين المكانين بعد أَيَّام وَإِنَّمَا يرجع الْقفال من الْغَزْو والغارات وَجه الصَّباح فَإِذا رَآهَا من مسيرَة أَيَّام وَجه الصَّباح وَقد خمد سناها وكل موقدها فَكيف كَانَت أول اللَّيْل وَشبه النُّجُوم بمصابيح الرهبان لِأَنَّهَا فِي السحر يضعف نورها كَمَا يضعف نور المصابيح الموقدة لَيْلهَا أجمع لَا سِيمَا مصابيح الرهبان لأَنهم يكلون من سهر اللَّيْل فَرُبمَا نعسوا فِي ذَلِك الْوَقْت
وَقَالَ بَعضهم وَمن التَّشْبِيه الصَّادِق هَذَا الْبَيْت فَإِنَّهُ شبه النُّجُوم بمصابيح رُهْبَان لفرط ضيائها وتعهد الرهبان لمصابيحهم وقيامهم عَلَيْهَا لتزهر إِلَى الصُّبْح فَكَذَلِك النُّجُوم زاهرة طول اللَّيْل وتتضاءل إِلَى الصُّبْح كتضاؤل المصابيح لَهُ وَقَالَ تشب لقفال لِأَن أَحيَاء الْعَرَب بالبادية إِذا قفلت إِلَى موَاضعهَا الَّتِي تأوي إِلَيْهَا من مصيف إِلَى مشتى إِلَى مربع أوقدت لَهَا نيران على قدر كَثْرَة منازلها وقلتها ليهتدوا بهَا فَشبه النُّجُوم ومواقعها من السَّمَاء بتفرق تِلْكَ النيرَان واجتماعها من مَكَان بعد مَكَان على حسب منَازِل الْقفال بالنيران الموقدة لَهُم وَقد طَال الْكَلَام هُنَا وَلم يمكننا أَن نترجم امرا الْقَيْس ونترجمه إِن شَاءَ الله فِي الشَّاهِد الثَّانِي من شَوَاهِد شعره
(أَقسَام التَّنْوِين)
وَأنْشد بعده وَفِي آخر الشَّرْح فِي التَّنْوِين وَهُوَ
الشَّاهِد الرَّابِع
(الوافر)
(أقلي اللوم عاذل والعتابن
…
وَقَوْلِي إِن أصبت لقد اصابن)
على أَن تَنْوِين الترنم يلْحق الْفِعْل والمعرف بِاللَّامِ وَقد اجْتمعَا فِي هَذَا الْبَيْت وَالْفِعْل سَوَاء كَانَ مَاضِيا كَمَا ذكر أَو مضارعا كَقَوْلِه (الرجز)
(داينت أروى والديون تقضين)
وَقد لحقت الْمُضمر أَيْضا كَقَوْلِه
(يَا أبتا علك أَو عساكن)
قَالَ الشَّارِح وَلم يسمع دُخُولهَا على الْحَرْف وَلَا يمْتَنع ذَلِك فِي الْقيَاس أَقُول قد سمع فِي الْحَرْف أَيْضا كَمَا مثل لَهُ شرَّاح الألفية بقول النَّابِغَة (الْكَامِل)
(أفد الترحل غير أَن رِكَابنَا
…
لما تزل برحالنا وَكَأن قدن)
ولحاق هَذَا التَّنْوِين لما ذكر إِنَّمَا هُوَ عِنْد بني تَمِيم كَمَا قَالَ الشَّارِح وَعند قيس أَيْضا كَمَا قَالَه ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة وأقلي فعل أَمر مُسْند إِلَى ضمير العاذلة يُقَال أقللته وقللته بِمَعْنى جعلته قَلِيلا بتعدية قل بِالْهَمْزَةِ والتضعيف وَهَذَا الْمَعْنى لَيْسَ بِمُرَاد بل الْمَقْصُود اتركي اللوم فَإِن الْقلَّة يعبر بهَا عَن الْعَدَم كَمَا هُوَ مستفيض واللوم مفعول أقلي وَهُوَ مصدر لَام يلوم وَمَعْنَاهُ العذل والتوبيخ وعاذل منادى مَحْذُوف مِنْهُ حرف
النداء ومرخم عاذلة من عذل يعذل من بَابي ضرب وَقتل بِمَعْنى لَام والعتاب مَعْطُوف على اللوم مصدر عَاتب معاتبة وعتابا قَالَ الْخَلِيل العتاب مُخَاطبَة الإدلال ومذاكرة الموجدة أَي الْغَضَب وَهَذَا لَيْسَ بمقصود إِذْ هُوَ بِهَذَا الْمَعْنى لَا يكون إِلَّا بَين متحابين وَإِنَّمَا المُرَاد مصدر
عتب عَلَيْهِ عتبا من بَابي ضرب وَقتل بِمَعْنى لامه فِي تسخط وَقَوله قولي فعل أَمر أَيْضا مَعْطُوف على أقلي وَقَوله لقد أصابن مقول القَوْل وَجُمْلَة إِن أصبت مُعْتَرضَة بَينهمَا وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف وجوبا يفسره جملَة القَوْل وَهَذَا الْبَيْت مطلع قصيدة طَوِيلَة عدد أبياتها مائَة وَتِسْعَة لجرير يهجو عبيد الرَّاعِي النميري والفرزدق وَسبب هجوه إيَّاهُمَا على مَا حكى فِي شرح المناقضات أَن عَرَادَة النميري كَانَ نديما للفرزدق فَقدم الرَّاعِي الْبَصْرَة فَقدم عَرَادَة طَعَاما وَشَرَابًا فَدَعَا الرَّاعِي فَلَمَّا أخذت الكاس مِنْهُمَا قَالَ عراده لِلرَّاعِي يَا أَبَا جندل قل شعرًا تفضل الفرزدق على جرير فَلم يزل يزين لَهُ ذَلِك حَتَّى قَالَ (الْكَامِل)
(يَا صَاحِبي دنا الْأَصِيل فسيرا
…
غلب الفرزدق فِي الهجاء جَرِيرًا)
فغدا بِهِ عَرَادَة على الفرزدق فأنشده إِيَّاه وَكَانَ عبيد الرَّاعِي شَاعِر مُضر وَذَا سنّهَا فَحسب جرير أَنه مغلب الفرزدق عَلَيْهِ فَلَقِيَهُ يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ يَا أَبَا جندل إِنِّي أَتَيْتُك بِخَبَر أَتَانِي إِنِّي وَابْن عمي هَذَا يَعْنِي الفرزدق نستب صباحا وَمَسَاء وَمَا عَلَيْك غَلَبَة المغلوب وَلَا عَلَيْك غَلَبَة الْغَالِب فإمَّا أَن تدعني وصاحبي وَإِمَّا أَن تغلبني عَلَيْهِ لانقطاعي إِلَى قيس وحطي فِي حبلهم فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي صدقت لَا أبعدك من خير ميعادك المربد فصحبه جرير فَبَيْنَمَا هما يسْتَخْرج كل مِنْهُمَا مقَالَة صَاحبه رآهما جندل بن عبيد فَأقبل يرْكض على فرس لَهُ فَضرب بغلة أَبِيه الرَّاعِي وَقَالَ مَالك يراك النَّاس وَاقِفًا على كلب بني كُلَيْب فَصَرفهُ عَنهُ فَقَالَ جرير أما وَالله
لأثقلن رواحلك ثمَّ أقبل إِلَى منزلَة فَقَالَ للحسين رِوَايَته زد فِي دهن سراجك اللَّيْلَة وأعدد لوحا ودواة ثمَّ أقبل على هجاء بني نمير فَلم يزل يملي
حَتَّى ورد عَلَيْهِ قَوْله (الوافر)
(فغض الطّرف إِنَّك من نمير
…
فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا)
فَقَالَ حَسبك أطفئ سراجك ونم فرغت مِنْهُ ثمَّ إِن جَرِيرًا أتم هَذِه بعد وَكَانَ يسميها الدامغة أَو الدماغة وَكَانَ يُسمى هَذِه القافية المنصورة لِأَنَّهُ قَالَ قصائد فِيهَا كُلهنَّ أَجَاد فِيهَا وَبعد أَن أتمهَا أَدخل طرف ثَوْبه بَين رجلَيْهِ ثمَّ هدر فَقَالَ أخزيت ابْن يَرْبُوع حَتَّى إِذا أصبح غَدا وَرَأى الرَّاعِي فِي سوق الْإِبِل فَأَتَاهُ وأنشده إِيَّاهَا حَتَّى وصل إِلَى قَوْله
(أجندل مَا تَقول بَنو نمير
…
إِذا مَا الأير فِي أست أَبِيك غابا)
فَقَالَ الرَّاعِي شرا وَالله تَقول
(عَلَوْت عَلَيْك ذرْوَة خندفي
…
ترى من دونهَا رتبا صعابا)
(لنا حَوْض النَّبِي وساقياه
…
وَمن ورث النُّبُوَّة والكتابا)
(إِذا غضِبت عَلَيْك بَنو تَمِيم
…
حسبت النَّاس كلهم غضابا)
(فغض الطّرف إِنَّك من نمير)
(الْبَيْت) فَقَالَ الرَّاعِي وَهُوَ يُرِيد نقضهَا
(أَتَانِي أَن جحش بني كُلَيْب
…
تعرض حول دجلة ثمَّ هابا)
(فَأولى أَن يظل الْبَحْر يطفو
…
بِحَيْثُ يُنَازع المَاء السحابا)
(أَتَاك الْبَحْر يضْرب جانبيه
…
أغر ترى لجريته حبابا)
ثمَّ كف ورأي أَن لَا يجِيبه فَأجَاب عَنهُ الفرزدق على رُوِيَ قَوْله (الوافر)
(أَنا ابْن العاصمين بني تَمِيم
…
إِذا مَا أعظم الْحدثَان نابا)
ثمَّ إِن الرَّاعِي قَالَ لِابْنِهِ يَا غُلَام بئْسَمَا كسبنا قَومنَا ثمَّ قَامَ من سَاعَته وَقَالَ لأَصْحَابه ركابكم فَلَيْسَ لكم هَا هُنَا مقَام فضحكم جرير فَقَالَ لَهُ بعض الْقَوْم ذَلِك بشؤمك وشؤم ابْنك وَسَار إِلَى أَهله فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم سمع عِنْد الْقدوم
(فغض الطّرف إِنَّك من نمير)
(الْبَيْت) وَأقسم بِاللَّه مَا بلغَهَا إنسي وَإِن لجرير لأشياعا من الْجِنّ فتشاءمت بِهِ بَنو نمير وسبوه وسبوه ابْنه وهم يتشاءمون بِهِ إِلَى الْآن
قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة وَمِمَّنْ وَضعه مَا قيل فِيهِ من الشّعْر حَتَّى أنكر نسبه وَسقط عَن رتبته وعيب بفضيلته بَنو نمير كَانُوا جَمْرَة من جمرات الْعَرَب إِذا سُئِلَ أحدهم مِمَّن الرجل فخم لَفظه وَمد صَوته وَقَالَ من بني نمير إِلَى أَن صنع جرير قصيدته الَّتِي هجا بهَا عبيد بن حُصَيْن الرَّاعِي فسهر لَهَا فطالت ليلته إِلَى أَن قَالَ فغض الطّرف إِنَّك من نمير الْبَيْت فأطفأ سراجه ونام وَقَالَ وَالله قد أخزيتهم آخر الدَّهْر فَلم يرفعوا رَأْسا بعْدهَا إِلَّا نكس بِهَذَا الْبَيْت حَتَّى أَن مولى لباهلة كَانَ يرد سوق الْبَصْرَة ممتارا فَيَصِيح بِهِ بَنو نمير ياجوذاب بالهة فَقص الْخَبَر على موَالِيه وَقد ضجر من ذَلِك فَقَالُوا لَهُ إِذا نبزوك فَقل لَهُم
(فغض الطّرف أَنَّك من نمير)
(الْبَيْت) وَمر بهم بعد ذَلِك فنبزوه وَأَرَادَ الْبَيْت فنسيه فَقَالَ غمض وَإِلَّا جَاءَك
مَا تكره فكفوا عَنهُ وَلم يعرضُوا لَهُ بعْدهَا وَمَرَّتْ امْرَأَة بِبَعْض مجَالِس بني نمير فأداموا النّظر إِلَيْهَا فَقَالَت قبحكم الله يَا بني نمير مَا قبلتم قَول الله عز وجل {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} وَلَا قَول الشَّاعِر
(فغض الطّرف إِنَّك من نمير)
(الْبَيْت)
وَهَذِه القصيدة تسميها الْعَرَب الفاضحة وَقيل سَمَّاهَا جرير الدماغة تركت بني نمير بِالْبَصْرَةِ ينتسبون إِلَى عَامر بن صعصعة ويتجاوزون أباهم نميرا إِلَى أَبِيه هربا من ذكر نمير وفرارا مِمَّا وسم بِهِ من الفضيحة والوصمة وَأعلم أَن جمرات الْعَرَب ثَلَاث وهم بَنو نمير بن عَامر بن صعصعة وَبَنُو الْحَارِث بن كَعْب وَبَنُو ضبة بن أد فطفئت جمرتان وهما بَنو ضبة لِأَنَّهَا حالفت الربَاب وَبَنُو الْحَارِث بن كَعْب لِأَنَّهَا حالفت مذحجا وَبقيت نمير لم تحالف فَهِيَ على كثرتها ومنعتها وَكَانَ الرجل مِنْهُم إِذا قيل لَهُ من أَنْت قَالَ نميري إدلالا بنسبه وافتخارا بمنصبه حَتَّى قَالَ جرير
(فغض الطّرف إِنَّك من نمير)
(الْبَيْت) وَكَعب وكلاب ابْنا ربيعَة بن عَامر بن صعصعة والتجمير فِي كَلَام الْعَرَب التجميع وَإِنَّمَا سموا بذلك لأَنهم متوافرون فِي أنفسهم لم يدخلُوا مَعَهم غَيرهم وَفِي الْقَامُوس الْجَمْرَة النَّار المتقدة وَألف فَارس والقبيلة لَا تنضم إِلَى أحد أَو الَّتِي فِيهَا ثَلَاثمِائَة فَارس وجمرات الْعَرَب بَنو ضبة بن أد وَبَنُو الْحَارِث بن كَعْب وَبَنُو نمير بن عَامر أَو عبس والْحَارث وضبة لِأَن أمّهم رَأَتْ فِي الْمَنَام أَنه خرج من فرجهَا ثَلَاث جمرات فَتَزَوجهَا كَعْب بن عبد المدان
فَولدت لَهُ الْحَارِث وهم أَشْرَاف الْيمن ثمَّ تزَوجهَا بغيض بن ريث فَولدت لَهُ عبسا وهم فرسَان الْعَرَب ثمَّ تزَوجهَا أد فَولدت لَهُ ضبة فجمرتان فِي مُضر وجمرة فِي الْيمن وَجَرِير ابْن عَطِيَّة بن الخطفى بن بدر بن سَلمَة بن عَوْف بن كُلَيْب بن يَرْبُوع بن حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وَجَرِير من الْأَسْمَاء المنقولة لِأَن الْجَرِير حَبل يكون فِي عنق الدَّابَّة أَو النَّاقة من أَدَم كَذَا فِي أدب الْكَاتِب وَسمي جَرِيرًا لِأَن أمه كَانَت رَأَتْ فِي نومها وَهِي حاملة بِهِ أَنَّهَا تَلد جَرِيرًا فَكَانَ يلتوي على عنق رجل فيخنقه ثمَّ فِي عنق آخر ثمَّ فِي عنق آخر حَتَّى كَاد يقتل عدَّة من النَّاس فَفَزِعت من رؤياها وقصتها على معبر فَقَالَ لَهَا إِن صدقت رُؤْيَاك ولدت
ولدا يكون بلَاء على النَّاس فَلَمَّا وَلدته سمته جَرِيرًا وَكَانَ تَأْوِيل رؤياها أَنه هجا ثَمَانِينَ شَاعِرًا فَغَلَبَهُمْ كلهم إِلَّا الفرزدق وَكَانَت أمه ترقصه وَهُوَ صَغِير وَتقول (الرجز)
(قصصت رُؤْيَايَ على ذَاك الرجل
…
فَقَالَ لي قولا وليت لم يقل)
(لتلدن عضلة من العضل
…
ذَا منقق جزل إِذا قَالَ فضل)
(مثل الحسام العضب مَا مس فصل
…
يعدل ذَا الْميل وَلما يعتدل)
(ينهل سما من يعادي ويعل)
والخطفى لقب جده واسْمه حُذَيْفَة مصغر حذفة وَهِي الرَّمية بالعصا ولقب بالخطفى لقَوْله (الرجز)
(يرفعن بِاللَّيْلِ إِذا مَا أسدفا
…
أَعْنَاق جنان وهاما رجفا)
(وعنقا بَاقِي الرسيم خطفا)
ويروى خطيفا وَهُوَ السَّرِيع ويكنى جرير أَبَا حزرة بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة بِابْن كَانَ لَهُ والحزرة فعلة من حزرت الشَّيْء إِذا خرصته وخمنته والحزرة أَيْضا خِيَار المَال وحموضة اللَّبن قَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشّعْر وَالشعرَاء وَكَانَ لَهُ عشرَة من الْوَلَد فيهم ثَمَانِيَة ذُكُور مِنْهُم بِلَال وَكَانَ أفضلهم وأشعرهم وَله عقب مِنْهُم عمَارَة ابْن عقيل بن بِلَال وَمن ولد جرير نوح وَعِكْرِمَة وَكَانَا شاعرين أَيْضا وَكَانَ
جرير من فحول شعراء الْإِسْلَام وَكَانَ يشبه بالأعشى مَيْمُون وَكَانَ من أحسن النَّاس تشبيبا قَالَ الْأَصْمَعِي سَمِعت الْحَيّ يتحدثون عَن جرير أَنه قَالَ لَوْلَا مَا شغلني من هَذِه الْكلاب لشببت تشبيبا تحن مِنْهُ الْعَجُوز إِلَى شبابها حنين النَّاقة إِلَى سقبها وَكَانَ من أَشد النَّاس هجاء وَقد أجمع عُلَمَاء الشّعْر على أَن جَرِيرًا والفرزدق والأخطل مقدمون على سَائِر شعراء الْإِسْلَام وَاخْتلفُوا فِي أَيهمْ أفضل وَقد حكم مَرْوَان بن أبي حَفْصَة بَين الثَّلَاثَة بقوله (الْكَامِل)
(ذهب الفرزدق بالفخار وَإِنَّمَا
…
حُلْو الْكَلَام ومره لجرير)
(وَلَقَد هجا فأمض أخطل تغلب
…
وحوى اللهى بمديحه الْمَشْهُور)
فَحكم للفرزدق بالفخار وللأخطل بالمدح والهجو ولجرير بِجَمِيعِ فنون الشّعْر قَالَ الْمَدَائِنِي كَانَ جرير أعق النَّاس لِأَبِيهِ وَكَانَ أبنه بِلَال أعق النَّاس بِهِ فراجع جرير بِلَالًا فِي الْكَلَام فَقَالَ بِلَال الْكَاذِب من ناك أمه
فَأَقْبَلت عَلَيْهِ وَقَالَت لَهُ يَا عَدو الله أَتَقول هَذَا لأَبِيك قَالَ جرير فوَاللَّه لكَأَنِّي أسمعها وَأَنا أقولها لأبي وَلما بلغ موت الفرزدق جَرِيرًا قَالَ (الْكَامِل)
(هلك الفرزدق بعد مَا جدعته
…
لَيْت الفرزدق كَانَ عَاشَ قَلِيلا)
ثمَّ أطرق طَويلا وَبكى فَقيل لَهُ مَا أبكاك قَالَ بَكَيْت على نَفسِي وَالله إِنِّي لأعْلم أَنِّي عَن قَلِيل لاحقه فَلَقَد كَانَ نجمنا وَاحِدًا وكل وَاحِد منا مَشْغُول بِصَاحِبِهِ وقلما مَاتَ ضد أَو صديق إِلَّا تبعه الآخر ثمَّ أنشأ يرثيه (الطَّوِيل)
(فجعنا بحمال الدِّيات ابْن غَالب
…
وحامي تَمِيم عرضهَا والبراجم)
(بكيناك حدثان الْفِرَاق وَإِنَّمَا
…
بكناك إِذْ نابت أُمُور العظائم)
(فَلَا حملت بعد ابْن ليلى مهيرة
…
وَلَا شدّ أنساع الْمطِي الرواسم)
ثمَّ لم يلبث أَن مَاتَ بعد قَلِيل بِالْيَمَامَةِ وَذكر الْآمِدِيّ فِي المؤتلف والمختلف من اسْمه جرير من الشُّعَرَاء سَبْعَة أحدهم هَذَا وَتُوفِّي فِي سنة عشر وَقيل إِحْدَى عشرَة وَمِائَة وعمره قد قَارب التسعين وَالثَّانِي جرير الْعجلِيّ وَهُوَ عصري الأول وَقد رد على الفرزدق الثَّالِث جرير بن عبد الله أحد بني عَامر بن عقيل فَارس شَاعِر وَالرَّابِع جرير بن عبد الْمَسِيح الضبعِي وَهُوَ المتلمس صَاحب طرفَة بن العَبْد وَالْخَامِس جرير بن كُلَيْب ابْن نَوْفَل وَهُوَ إسلامي السَّادِس جرير بن الْغَوْث