المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والمعلول من حيث هو معلول لا بد له من علة، - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌حدوث العالم والأجسام

- ‌معارضة الأرموي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌البرهان الثالث للرازي

- ‌معارضة الأرموي له

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌البرهان الرابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌البرهان الخامس

- ‌معارضة الأرموي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌طريقة الآمدي في الاستدلال على حدوث العالم

- ‌مسلك الآمدي على إثبات حدوث الأجسام

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌إيراد أحد المتكلمين الدليل على وجه آخر

- ‌حول إبطال القول بعدم النهاية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثالث

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الرابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام آخر للآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌قول آخر عن الآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الأقوال في مقارنة المعلول لعلته الثانية

- ‌إثبات الرازي للصانع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثالث

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الرابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الخامس

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم: فصل

- ‌كلام الآمدي في الأبكار في أثبات واجب الوجود

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌إبطال التسلسل

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌فصل

- ‌كلام الرازي في إثبات وجود الله

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الجويني في الإرشاد

- ‌كلام أبي القاسم الأنصاري

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كلام الشهر ستأتي في نهاية الإقدام

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌موافقة الرازي لابن سينا وإنكار ابن رشد على ابن سينا

- ‌وجماع ذلك أن الدور نوعان، والتسلسل نوعان

- ‌سؤال للآمدي وأجوبة عنه

- ‌الثاني

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌فصل

- ‌موقف الرازي من طريقة ابن سينا

- ‌كلام ابن سينا في إثبات وجود الله تعالى

- ‌تعليق على كلام ابن سينا

- ‌كلام الآمدي في دقائق الحقائق

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الآمدي

- ‌المجموع مغاير لكل واحد من الآحاد

- ‌كلام ابن سينا

- ‌كلام السهروردي

- ‌الرد على ذلك من وجوه

- ‌الرد على ذلك من وجوه

- ‌الوجه الثالث

- ‌كلام الآمدي في خطبة أبكار الأفكار

- ‌الرد على الآمدي

- ‌وجوه الرد على الآمدي

- ‌الثاني

- ‌الثالث

- ‌الرباع

- ‌الخامس

- ‌فصل: اعتراض الأبهري على حجة قطع التسلسل في العلل

- ‌الرد على الأبهري من وجوه

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌اعتراض الأبهري فاسد من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌يمكن إيراد الجواب على وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الرد على باقي الاعتراض

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌فصل غلط المبتدعة في الله سبحانه على طرفي نقيض

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الدليل الثالث على إبطال التسلسل

- ‌اعتراض الأبهري عليه

- ‌الجواب عن هذا الاعتراض من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌جهل المبتدعته وحيرتهم

- ‌الطرق المختلفة لإثبات الخالق تعالى

- ‌الطريقة الصحيحة الموافقة للفطرة في إثبات وجود الله تعالى

- ‌طريقة ابن سينا وأتباعه في إثبات وجود الله تعالى

- ‌بطلان قول الفلاسفة حول كمال النفس

- ‌بطلان هذا القول من وجوه والرد عليهم في ذلك

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌تقرير الآمدي لطريقة المتأخرين في إثبات واجب الوجود

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌الرد على قولهم

- ‌الوجه الثاني

- ‌الطريقة النبوية إيمانية وبرهانية

- ‌بيان ذلك من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌فصل

- ‌كلام لابن تيمية في مبحث التصورات

- ‌حقيقة الحدود

- ‌فصل طرق معرفة الله كثيرة ومتنوعة

- ‌ طريقة ابن سينا

- ‌عودة إلى كلام ابن سينا

- ‌التعليق على كلام ابن سينا

- ‌الاعتراض على ما سبق من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌الوجه الحادي عشر

- ‌فصل تقرير الآمدي للمسلك الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الآمدي

- ‌شبهة للملاحدة

- ‌الجواب عنها من وجوه

- ‌والثاني

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌كلام الشهر ستاني في نهاية الإقدام

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الشهرستاني

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌كلام الغزالي في تهافت الفلاسفة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه الثاني

- ‌كلام الغزالي في مسألة صفات الله

- ‌تعليق ابن رشد على الغزالي

- ‌كلام آخر للغزالي في مسألة التركيب

- ‌تعليق ابن رشد على كلام الغزالي

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الغزالي وابن رشد

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام لابن رشد باطل من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌كلام ابن تومرت

- ‌ما ورد في كتاب الدليل والعلم

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الآمدي في تقرير هذا المسلك

- ‌ذكر الآمدي في حدوث الأجسام سبعة مسالك وزيف ستة منها

- ‌المسلك السابع الذي اعتمده

- ‌تعليق ابن تيمية

الفصل: والمعلول من حيث هو معلول لا بد له من علة،

والمعلول من حيث هو معلول لا بد له من علة، فكل منها لا بد له من علة، وتعاقب معلولات لا تتناهى لا يمنع ان يكون كل منها محتاجاً إلى العلة، فإذا لم يكن ثم مجموع إلا هذه الآحاد التي كل منها معلول محتاج، لزم أن لا يكون في الوجود إلا ما هو معلول محتاج، ومن المعلول بالضرورة أن المعلول المحتاج لا يوجد بنفسه.

فعلى هذا التقدير لا يكون في الوجود ما يوجد بنفسه، وما لا يوجد بنفسه لا يوجد إلا بموحد، والموجد إذا لم يكن موجوداً بنفسه كان مما لا يوجد بنفسه فلا يوجد فيلزم أن لا يوجد شيء، وقد وجدت الموجودات، فيلزم الجمع بين النقيضين: وهو أن لا يكون شيء من الموجودات موجوداً، إذا قدر انه ليس فيها شيء موجود بنفسه، وهي كلها موجودة، فلا بد من غير موجود بنفسه.

فيكون الموجود موجوداً بنفسه، غير موجود بنفسه، وهو جمع بين النقيضين.

‌الوجه الثالث

أن يقال: أردنا بجملة ما يفتقر إليه المجموع العلة الفاعلة، فغن الكلام إنما هو في إثبات الفاعل لمجموع الممكنات، ليس هو فيما هو أعم من ذلك قوله: إن أردتم العلة الفاعلة التامة، فلم قلتم: إنه يستلزم أن يكون بعض الأجزاء كافياً في المجموع؟

فيقال: قلنا ذلك لأنه إذا وجدت العلة الفاعلة التامة لزم وجود المعلول، فإنه إنما نعني بالعلة مجموع ما يلزم من وجوده وجود المعلول، فغن الممكن لا يوجد حتى يحصل المرجح التام المستلزم لوجوده، فإذا

ص: 245

كان الفاعل فاعلاً باختياره، فلا بد من القدرة التامة والإرادة الجازمة، فلا يحصل الممكن بدون ذلك، ومتى وجد ذلك وجب حصول المفعول الممكن، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاء الله وجب وجوده، وما لم يشأ الله امتنع وجوده، فإن حصل للمكن المؤثر التام وجب وجوده بغيره، وإن لم يحصل امتنع وجوده لانتفاء المؤثر التام، فوجوده لا يحصل إلا بغيره.

وأما عدمه فقد قيل: إنه أيضاً لا بد له من علة، وهو قول ابن سينا وأتباعه المتأخرين الذين يقولون: إن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح.

وقيل: لا يحتاج عدمه إلى علة، وهو قول نظار السنة المشهورين كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وهو آخر قول الرازي فإنه يقول بقول هؤلاء تارة، وهؤلاء تارة، لكن هذا آخر قوليه.

فإن العدم عندهم لا يفتقر إلى علة، وإذا قيل: عدم لعدم علته، فمعناه أن عدم علته مستلزم لعدمه، لا أنه هو الذي أوجب عدمه، بل إذا عدمت علته علمنا أنه معدوم فكان ذلك دليلاً على عدمه، لا أن أحد العدمين

ص: 246

أوجب الآخر، فإن العدم لا تأثير له في شيء أصلاً، بل عدمه يستلزم عدمه علته، وعدم علته يستلزم عدمه من غير أن يكون أحد العدمين مؤثراً في الآخر.

وأما وجوده فلا بد له من المؤثر التام، وإذا حصل المؤثر التام وجب وجوده، وإلا امتنع وجوده.

ولهذا تنازع الناس في الممكن: هل من شرطه أن يكون معدوماً؟ فالذي عليه قدماء الفلاسفة كأرسطو وأتباعه من المتقدمين والمتأخرين كأبن رشد وغيره حتى الفارابي معلمهم الثاني، فإن أرسطو معلمهم الأول.

وحتى ابن سينا وأتباعه وافقوا هؤلاء أيضاً لكن تناقضوا وعليه جمهور نظار أهل الملل من المسلمين وغيرهم: أن من شرطه أن يكون معدوماً وأنه لا يعقل إلامكان فيما لم يكن معدوماً.

وذهب ابن سينا وأتباعه إلى أن القديم الموجود بغيره يوصف بالإمكان وإن كان قديماً أزلياً لم يزل واجباً بغيره، لكنه قد صرح هو وأصحابه في غير موضع بنقيض ذلك كما قاله الجمهور، وقد ذكرت بعض ألفاظه في كتابه المسمى بالشفاء في غير هذا الموضع وأصحابه الفلاسفة المتبعين لأرسطو وأصحابه مع الجمهور أنكروا ذلك عليه وقالوا إنه خالف به سلفهم، كما خالف به جمهور النظار وخالف به ما ذكره هو مصرحاً به في غير موضع.

ص: 247

وذلك لأن الممكن بنفسه هو الذي يمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد، وذلك أنما يعقل فيما يكون معدوماً، ويمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد، بل يستمر عدمه.

فأما ما لم يزل موجوداً بغيره فكيف يقال فيه إنه يمكن وجوده وعدمه؟ أو يقال فيه إنه يقبل الوجود والعدم؟

ومما يوضح ذلك أن القابل للموجود والعدم غما أن يكون هو الموجود في الخارج أو الماهية الموجودة في الخارج عند من يقول: الوجود زائد على الماهية أو ما ليس موجوداً في الخارج.

فإن قيل بالأول فهو ممتنع، لأن ما كان موجوداً في الخارج أزلاً وأبداً: واجباً بغيره فإنه لا يقبل العدم أصلاً.

فكيف يقال: إنه يقبل الوجود والعدم؟

وإن قيل أمر آخر، فذلك لا حقيقة له حتى يقبل وجوداً أو عدماً، لأن وجود كل شيء عين ماهيته في الخارج، ولكن الذهن قد يتصور ماهية غير الوجود الخارجي، فإذا اعتبرت الماهية في الذهن والوجود في الخارج أو

ص: 248

بالعكس فاحدهما غير الآخر، وأما إذا اعتبر ما في الخارج فقط أو ما في الذهن فقط فليس هناك وجود وماهية زائدة ومن تصور هذا تصوراً تاماً لم ينازع فيه، وإنما ينازع من لم يميز بين الذهني والخارجي، واشتبه عليه أحدهما بالآخر، وأيضاً فلو قدر أن في الخارج ماهية ووجوداً لواجب قديم أزلي، فهذه كما يقوله كثير من المتكلمين: إن لواجب الوجود ماهية غير زائدة على وجوده، وحينئذ فمثل وجود هذه الماهية لا يقبل العدم كما أن وجود الماهية الواجبة بنفسها لا تقبل العدم.

وإن قيل: نحن نريد بذلك أن ماهية الممكن الزائدة على وجوده القديم الأزلي كماهية الفلك هي من حيث هي هي مع قطع النظر عن وجودها وعدمها تقبل الوجود والعدم.

قيل: إثبات هذه الماهية زائدة على الوجود باطل.

كما قد بين في موضع آخر.

ص: 249

وبتقدير التسليم فهذا كما يقدر أن وجود واجب الوجود زائد على ماهيته.

ومعلوم أنه لا يستلزم ذلك كون ماهيته قابلة للعدم.

ثم يقال: قول القائل: الماهية من حيث هي هي تقدير للماهية مجردة عن الوجو د والعدم، وهذا تقدير ممتنع في نفسه، فإن الماهية لو قدر تحققها فإما أن تكون موجودة أو معدومة، فلا يمكن تقديرها مجردة في الخارج حتى يقال: إن تلك الماهية تقبل الوجود معدومة، فلا يمكن تقديرها مجردة في الخارج حتى يقال: إن تلك الماهية تقبل الوجود والعدم.

وأيضاً، فلو قيل: إنه يمكن تقديرها مجردة، فهذا إنما يمكن في الماهية إذا كانت يمكن أن تكون موجودة ويمكن أن تكون معدومة.

وأما ما كان الوجود لازماً لها قديماً ازلياً يمتنع عدمه، فكيف يتصور ان يقال: إن هذه الماهية تقبل العدم وهي لم تزل واجبة الوجود، فليس لها وقت من الأوقات تقبل فيه العدم، وإذا قدرت مجردة في الذهن فليست هذه المقدرة في الذهن هي الموجودة في الخارج المستلزمة للوجود القديم الأزلي.

فإن قيل: هذا كما نقول في ماهية المحدث أنه يقبل الوجود والعدم.

قيل: إن سلم لكم أن ماهية المحدث زائدة على وجودهما موافقتكم لسائر العقلاء على أنه يمتنع تحققها في الخارج إلا إذا كانت موجودة،

ص: 250

وحين وجودها لا تكون معدومة، بمعنى كونها تقبل الوجود والعدم قيل أحد إمرين: إما ان يقال: الماهية المقدرة في الذهن يمكن أن تكون موجودة في الخارج، ويمكن أن تكون معدومة، وإما أن يقال: هذه الحقيقة يمكن أن تكون في الخارج معدومة، فإذا اخترنا من ذلك حال عدمها قيل: يمكن وجودها بعد العدم، وإن كان حين وجودها: قيل: يمكن عدمها بعد الوجود، ومثل هذا ممتنع في الماهية القديمة الازلية التي يجب وجودها ويمتنع عدمها، سواء قدر ان وجوبها بنفسها أو بغيرها كما أن صفات الرب عند من قال: ممكنة مع كونها قديمة أزلية واجبة بالذات، فإنها عندهم لا يمكن عدمها ولا تقبله، فإن ما وجب قدمه من الأمور الوجودية امتنع عدمه باتفاق العقلاء.

فإن ما يجب قدمه لا يكون إلا واجباً بنفسه ولا بغيره ليس قديما باتفاق العقلاء.

ص: 251

فإنه إذا قدر أنه ليس واجباً بنفسه فلا بد أن يكون من لوازم الواجب بنفسه، فإنه إذا لم يكن من لوازمه، بل جاز وجوده تارة وعدمه أخرى.

لم يكن هناك موجب لذاته ولا ذاته واجبة بنفسها فامتنع قدمه.

وإذا كان من لوازم الواجب بنفسه امتنع عدمه إلا إذا عدم الملزوم، فإن اللازم لا ينتفي إلا إذا انتفى الملزوم والملزوم الواجب بنفسه يمتنع عدمه فيمتنع عدم لازمه، وما امتنع عدمه لا يكون ممكن العدم.

فإن قيل: فالممكنات التي هي محدثة هي واجبة بغيرها، إذا وجدت تجب بوجوب سببها.

فما شاء الله كان وجب وجوده، وما لم يشأ لم يكن وامتنع وجوده.

وهي ممتنعة حال عدمها.

ومع هذا فهي تقبل الوجود والعدم، ولا يلزم من عدمها عدم الواجب.

قيل: الفرق بينهما من وجهين: أحدهما أن تلك كانت معدومة تارة وموجودة أخرى فثبت قبولها للوجود والعدم، فلا يمكن أن يقال: إنها لا تقبل

ص: 252

العدم بخلاف ما هو لم يعدم قط ولم يكن عدمه في وقت من الأوقات.

الثاني: أن هذه لا يوجبها نفس الواجب إذا لو كان كذلك لكانت لازمة لذاته قديمة أزلية، بل إنما توجبها الذات مع ما يحدث من الشروط التي بها تم حصول المقتضى التام، فحينئذ ليست من لوازم الواجب بنفسه بل من لوازم مؤثرها التام، ومن جملة ذلك الأمور الحادثة التي هي شرط في حدوثها، وإذا عدمت فأنها تعدم لانتفاء بعض هذه الشروط الشروط الحادثة، أو لحدوث مانع ضاد وجودها، ومنع تمام علتها التامة فعدمت لعدم بعض الحوادث أو وجود بعض الحوادث، كما وجدت لحدوث بعض الحوادث.

ص: 253

وقدم بعضها أيضا.

فلهذا لم تكن من لوازم ذاته المجدة في الأزل.

بخلاف ما كان من لوازم ذاته في الأزلية الواجبة الوجود، وعدمها ممتنع تحقق ذاته في الأزل بدونها فمتى قدر عدمه لزم عدم الذات الأزلية الواجبة الوجود ن وعدمها ممتنع، فعدم لازمها الأزلي ممتنع، فلا يكون لازمه الأزلي ممكنا ً البتة، بل لا يكون إلا واجباً قديماً أزلياً لا تقبل ذاته العدم.

وهذا هو المطلوب.

فقد تبين أن ما كان أزلياً فإنه واجب الوجود يمتنع عدمه لا يكون ممكناً البتة، وهذا مما اتفق عليه العقلاء أولوهم وأخرون.

حتى أرسطو وجميع أتباعه الفلاسفة إلى الفارابي وغيره، وكذلك ابن سينا وأتباعه.

لكن هؤلاء تناقضوا فوافقوا سلفهم والجمهور في موضع، وخالفوا العقلاء قاطبة مع مخالفتهم لأنفسهم في هذا الموضع.

حيث قضوا بوجود موجود ممكن يقبل الوجود والعدم مع كونه قديماً أزلياً وأجباً، وإن قيل: هو واجب بغيره.

ص: 254

ولهذا لا يوجد هذا القول عن أحد من عقلاء قبل هؤلاء، ولا نقله أهل المقالات عن احد من الطوائف.

وإنما يوجد في كلام هؤلاء وأتباعهم وإذا عرف هذا فإن قال هؤلاء: نحن نريد به العدم الاستقبالي أي يقبل ان يعدم في المستقبل قيل فهذا يبطل قولكم.

لأن ما كان واجباً بغيره أزلياً لم يقبل العدم لا في الماضي ولا في المستقبل.

وكذلك هو عندكم أزلياً كان أبديا يمتنع عندكم عدمه.

وإن قيل: نريد به أن ما تصور في الذهن يمكن وجوده في الخارج ويمكن أن لا يوجد.

قيل: إذا كان أزلياً واجباً بغيره لم يمكن أن يقبل العدم بحال فلا يكون ممكناً، فالممكن لا يكون ممكنا إن لم يكن معدوماً في الماضي أو المستقبل.

وإذا قيل: إن من الممكن يقبل الوجود والعدم لم نرد به انه يقبلهما على سبيل الجمع، فإن هذا جمع بين النقيضين بل المراد به أنه يقبل الوجود بدلاً عن العدم، والعدم بدلاً عن الوجود، فإذا كان معدوماً كان قابلاً لدوام العدم وقابلاً لحدوث الوجود، وإذا كان موجوداً قبل دوام الوجود، فإذا كان معدوما كان قابلاً لدوام العدم وقابلاً لحدوث الوجود، وإذا كان موجوداً قبل دوام الوجود وقبل حدوث العدم هذا إذا اعتبر حاله في الخارج وإن اعتبر حاله في الذهن فالمراد

ص: 255

أن ما يتصوره في الذهن يمكن أن يوجد في الخارج، ويمكن ان لا يوجد فبكل حال إذا اعتبر الممكن ذهنياً أو خارجياً لا يتحقق فيه الإمكان إلا مع إمكان العدم تارةً ووجود أخرى، فما كان ضروري العدم كالجمع بين النقيضين لا يكون ممكنا ً ن وما كان ضروري الوجود وهو القديم الأزلي لا يكون ممكناً وقد وافق على هذا جميع الفلاسفة: ارسطو وجميع أصحابه المتقدمين والمتأخرين والعقلاء أما مع وجوب وجوده بنفسه أو بغيره دايماً، فليس هناك ممكن يحكم عليه بقبول الوجود والعدم.

ولما سلك الرازي ونحوه مسلك ابن سينا في إثبات إمكان مثل هذا اضطربوا في الممكن وورد عليهم فيه إشكالات كثيرة، كما هو موجود في كتبهم كما أوردوه الرازي في محصله من الحجج الدالة على نفي هذا الممكن ولم يكن عنها جواب إلا دعواه أن ما كان متغيراً فإنه يعلم إمكانة بالضرورة.

وهذه الدعوى يخالفه فيها جمهور العقلاء، حتى ارسطو واصحابه ن وهذا الذي نبهنا عليه هو أحد ما يستدل به على أن كل ممكن فهو مسبوق بالعدم ن وكل ما سوى الله ممكن، فكل ما سوى الله حادث عن عدم ن كما قد بسط في موضعه.

ص: 256

والمقصود هنا ان الدين بهذه الأدلة على افتقار الممكنات إلى واجب خارج عنها.

فإن مرادهم بقولهم: جملة ما يفتقر إليه مجموع الممكنات هو المؤثر التام، وهو المرجح التام الذي يلزم من وجوده بتأثيره التام وجودها، كما ذكرناه من أن الفاعل باختياره إذا وجدت قدرته التامة وإرادته التامة وجب وجود المقدور.

وهي الممكنات.

وأما قوله: فلم قلتم: إنه يلزم أن يكون بعض الجزاء كافياً في المجموع فلما ذكرناه من أن المؤثر التام يستلزم وجود أثره، فإذا قدر أن المؤثر التام في المجموع هو بعض المجموع، لزم أن يكون بعض أجزاء المجموع هو المؤثر في المجموع فيكون مؤثراً في نفسه وفي غيره

وهذا ظاهر فإنه إذا قدر مجموع الممكنات وقدرنا أن واحداً منها مؤثر في نفسه وفي غيره فيكون بعض أجزاء المجموع موجباً لحصول المجموع المذكور ومن المجموع نفسه وهذا ممتنع وأما المجموع المركب من الواجب والممكن، فهناك ليس بعضه مؤثراً في كل واحد واحد وفي الهيئة الإجتماعية 0 فإن من المجموع الواجب بنفسه لم يؤثر فيه شيء فظهر الفرق

وأيضاً فالواجب مؤثر في الممكن وفي الهيئة الاجتماعية، ليس مؤثراً في نفسه، بخلاف مجموع الممكنات، فإن كل واحد منها لا بد من مؤثر، والاجتماع لا بد له من مؤثر، فالمجموع مفتقر إلى المؤثر بأي تفسير

ص: 257

فسر، فإن فسر بالهيئة الاجتماعية فهي متوقفة على الأفراد الممكنة، والمتوقف على الممكن أولى أن يكون ممكناً، مع أن الهيئة الاجتماعية نسبة وإضافة متوقفة على غيرها، فهي ادخل في الإمكان والافتقار من غيرها وهي من أضعف الأعراض المفتقرة إلى الأعيان إن قدر لها ثبوتاً وجودياً وإلا فلا وجود لها وإن فسر المجموع بكل واحد واحد، أو فسر بالأمرين بكل واحد بالاجتماع، أو بغير ذلك بأي شيء فسر، لم يكن إلا ممكناً مفتقراً إلى غيره، وكلما كثرت الإمكانات كثر الافتقار والحاجة

فإذا قيل: المؤثر في ذلك واحد منها وهو ممكن لزم أن يكون الممكن الذي لم يوجد بعد فاعلاً لجميع الممكنات، ونفسه من الممكنات، فإن نفسه لا بد له من فاعل أيضاً

وهذا المعترض اخذ المجموع المركب من الواجب والممكن فعارض به المجموع من الممكنات. ولفظ المجموع فيه إجمال يراد به الاجتماع، ويراد به جميع الأفراد، ويراد به الأمران، فكانت معارضته في غاية الفساد 0 فإن ذلك المجموع فيه واجب بنفسه لا يحتاج إلى غيره، وما سواه من الأفراد والهيئة الإجتماعية مفعول له، فهذا معقول

ص: 258