الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والكلام على إبطال الدور والتسلسل هو من هذا الباب، وما سلكوه من الطرق بقطع التسلسل والدور فهو طريق صحيح أيضاً.
وجماع ذلك أن الدور نوعان، والتسلسل نوعان
أما الدور: فقد يراد به أنه لا يوجد هذا إلا مع هذا، ولا هذا إلا مع هذا، ويسمى هذا الدور المعي الاقتراني.
ويراد به أنه لا يوجد هذا إلا بعد هذا، ولا هذا إلا بعد هذا ونحو ذلك، وهو الدور البعدي.
فالأول ممكن، كالأمور المتضايفة، مثل البنوة والأبوة، وكالمعلولين لعلة واحدة، وسائر الأمور المتلازمة التي لا يوجد منها إلا مع الآخر، كصفات الخالق سبحانه المتلازمة وكصفاته مع ذاته وكسائر الشروط كغير الشروط كغير ذلك مما هو من باب الشرط والمشروط.
وأما الثاني فممتنع، فإنه إذا كان هذا لا يوجد إلا بعد ذاك، وذاك لا يوجد إلا بعد هذا، لزم أن يكون ذاك موجوداً قبل هذا، وهذا قبل ذاك، فيكون كل من هذا وذاك موجوداً قبل أن يكون موجوداً، فيلزم
اجتماع الوجود والعدم غير مرة، وذلك كله ممتنع.
ومن هذا الباب أن يكون هذا فاعلاً لهذا، او علة فاعلة أو علة غائية، ونحو ذلك لأن الفاعل والعلة ونحو ذلك يمتنع أن يكون فعلاً لنفسه، فكيف يكون فاعلاً لفاعل نفسه؟ وكذلك العلة الفاعلة لا تكون علة فاعلة لنفسها فكيف لعلة نفسها؟ وكذلك العلة الغائية التي يوجدها الفاعل هي مفعولة للفاعل ومعلولة في وجودها له لا لنفسها، فإذا لم تكن معلولة لنفسها فكيف تكون معلولة لمعلول نفسها؟
فهذا ونحوه من الدور المستلزم تقدم الشيء على نفسه أو على المتقدم على نفسه، وكونه فاعلاً لنفسه المفعولة أو لمفعول نفسه، أو علة لنفسه المعلولة أو لمعلول معلول نفسه أو معلولاً مفعولاً لنفسه، أو لمعلول نفسه ومفعول نفسه كل ذلك ممتنع ظاهر الامتناع ولهذا اتفق لعقلاء على امتناع ذلك.
وأما التسلسل في الآثار والشروط ونحو ذلك، ففيه قولان معروفان لأصناف الناس وأما التسلسل في الفاعلين والعلل الفاعلة ونحو ذلك فهذا ممتنع بلا ريب.
فإذا تبين هذا فنقول: لو كان جميع الموجودات ممكناً مفتقراً إلى فاعل غيره فذلك الغير إن كان هو الغير الفاعل له، لزم كون كل منهما فاعلاً للآخر وهذا من الدور القبلي الممتنع باتفاق العقلاء وإن كان ذلك الغير غيراً آخر، لزم وجود فاعلين ومفعولين إلى غير غاية، وإن شئت قلت: لزم مؤثرون كل منهم مؤثر في الآخر إلى غير غاية وإن شئت قلت لزم علل كل منها معلول للآخر إلى غير غاية.
وكل من هؤلاء ممكن الوجود، مفتقر إلى غيره لا يوجد بنفسه.
فهنا سؤالان:
أحدهما: قول القائل: لم لا يجوز أن يكون المجموع واجباً بنفسه وإن كان كل فرد من أفراد ممكناً بنفسه؟ وقد أجيب عن هذا بأنه يستلزم ثبوت واجب الوجود بنفسه مع أنه باطل أيضاً لأن المجموع هو الأجزاء المجتمعة مع الهيئة الاجتماعية وكل من الأجزاء ممكن بنفسه والهيئة الاجتماعية عرض من الأعراض الذي لا يقوم بنفسه فهو
أيضاً ممكن لنفسه بطريق الأولى فكل من الأجزاء ومن الهيئة الاجتماعية ممكن لنفسه فامتنع أن يكون هناك ما يقدر واجباً بنفسه.
وأيضاً فإن ما توصف به الأفراد قد يوصف به المجموع وقد لا يوصف فإن كان اتصاف الأفراد به لطبيعة مشتركة بينها وبين المجموع وجب اتصاف المجموع بخلاف ما إذا حدث للمجموع بالتركيب وصف منتف في الأفراد.
ومعلوم أن كل واحد واحد إذا لم يكن موجوداً إلا بغيرة، وهو فقير محتاج فكثرة المفتقرات المحتاجات واجتماعها لا يوجب استغناءها إلا أن يكون في بعضها معاونة للآخر، كالضعيفين إذا اجتمعا حصل باجتماعهما قوة، لأن كلا منهما مستغن عن غيره من وجه محتاج إليه من وجه وأما إذا قدر أن كلا منهما مفتقر إلى غيره من كل وجه امتنع أن يحصل لهما بالاجتماع قوة أو معونة من أحدهما للأخر إذ التقدير أن كل كل منهما ليس له شيء إلا من الآخر وهذا هو الدور القبلي، دور الفاعلين والعلل الفاعلية والغائية فلا يحصل لأحدهما من الآخر شيء