الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليس فيها إلا ما هو معدوم في الخارج، بل ليس فيها إلا ما هو ممتنع في الخارج، فإن الممكن إذا قدر عدم موجود بنفسه يبدعه كان ممتنعاً لغيره، فإذا قدر انه ليس في الخارج إلا ما ليس له وجود بنفسه، لم يكن في الخارج إلا ما هو ممتنع الوجود، وإما لنفسه إما لغيره، ولا يكون عدم شيء من ذلك مفتقراً إلى علة توجب عدمه، بل هو معدوم بنفسه سواء أمكن وجوده أو امتنع، وحينئذ فلا يكون في الخارج إلا العدم المستمر.
وإذا قيل، بعد هذا: الذي لا وجود له من نفسه موجود، بهذا الذي لا وجود له من نفسه وهلم جرا، كان بمنزلة أن يقال: هذا المعدوم موجود بهذا المعدوم وهلم جرا بل المعدوم أن يقال: هذا الممتنع موجود بهذا الممتنع فيكون هذا تناقضاً حيث جعلت المعدوم موجوداً بمعدوم، وسلسلت ذلك فجمعت بين تسلسل المعدومات وبين جعل كل واحد منها هو الذي أوجد المعدوم الآخر.
الرابع
أن يقال: الممكن لا يتحقق وجوده بمجرد ممكن آخر، فإن ذلك الممكن الآخر لا يترجح وجوده على عدمه إلا بغيره وإذا كان الممكن الذي قدر انه الفاعل المؤثر المرجح لم يترجح وجوده على عدمه، بل يقبل الوجود والعدم، فالممكن الذي قدر أنه الأثر المفعول المصنوع المرجح أولى أن لا يترجح وجوده على عدمه، بل هو قابل للوجود.
والعدم، بل الممكن لا يكون موجوداً إلا عند ما يجب به وجوده، فإنه ما دام متردداً بين إمكان الوجود والعدم لا يوجد فإذا حصل ما به يجب وجوده وجد، وإذا كان كذلك فنفس الممكن لا يجب به ممكن، بل لا يجب الممكن إلا بواجب، والواجب غما بنفسه، وإما بغيره، والواجب بغيره هو الممكن من نفسه الذي لا يوجد إلا بما يجب وجوده وحينئذ فيمتنع تسلسل الممكنات، بحيث يكون هذا الممكن هو الذي وجب به الآخر، بل إنما يجب الآخر بما هو واجب، وما كان ممكناً باقياً على الإمكان لم يكن واجباً: لا بنفسه ولا بغيره، فإذا قدر تسلسل الممكنات القابلة للوجود والعدم من غير أن يكون فيها موجود بنفسه كانت باقية على طبيعة الإمكان، ليس فيها واجب، فلا يكون فيها ما يجب به شيء من الممكنات بطريق الأولى، فلا يوجد شيء من الممكنات وقد وجدت الممكنات هذا خلف.
وإنما لزم هذا لما قدرنا ممكنات توجد بممكنات، ليس لها من نفسها وجود من غير أن يكون هناك واجب بنفسه.
واعلم أن الناس قد تنازعوا في الممكنات: هل يفتقر وجودها إلى ما به يجب وجودها، بحيث تكون إما واجبة الوجود معه، وإما ممتنعة العدم.
أو قد يحصل ما تكون معه بالوجود أولى مع إمكان العدم، وتكون موجودة لمرجح الوجود مع إمكان العدم.
فالأزل قول الجمهور والثاني قول من يقول ذلك من المعتزلة ونحوهم.