الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنه من المعلوم ببدائه العقول أن المجموع إذا لم يجز أن يكون موجداً ولا مقتضيا ولا فاعلاً ولا علة فاعلة فبعضه إولى أن لا يكون كذلك فإن المجموع يدخل فيه بعضه، فإذا كان بجميع أبعاضه لا يكفي في الاقتضاء والفعل والإيجاد فكيف يكفي بعضه في ذلك؟
وهذا دليل مستقل في هذا المقام وهو أن المجموع إذا لم يكن علة فاعلة بل هو معلول مفتقر فيعضه إولى أن لا يكون علة فاعلة، بل معلول مفتقر فعلم أن مجموع الممكنات إذا كان مفتقراً إلى المؤثر فكل من أبعاض المجموع إولى بالافتقار إلى المؤثر فتبين أن كل ممكن ومجموع الممكنات مفتقر إلى المؤثر، وهو المطلوب ولله الحمد والمنة.
الرد على باقي الاعتراض
وأما قول المعترض: لانسلم أن كل ممكن فهو محتاج إلى علة خارجة عنه إن المجموع المركب من الواجب والممكن ممكن لافتقاره إلى الممكن وليس محتاجاً إلى علة خارجة عنه.
الوجه الأول
فيقال له: اولاً: منشأ هذه الشبهة أنلفظ المجموع فيه إجمال يراد به نفس الهيئة الاجتماعية ن ويراد به جميع الأفراد ويراد به المجموع، والمجموع المركب الذي هو كل واحد واحد من الأفراد لا يفتقر
إلى الممكن فإن منها الواجب وهو لا يفتقر إلى الممكن ولكن الهيئة الاجتماعية إذا قدر أن لها تحققاً في الخارج فهي التي يقال: أنها متوقفة على الممكن.
وحينئذ فيظهر الفرق بين مجموع الممكنات ومجموع الموجودات، فإن مجموع الممكنات هو نفس الهيئة الممكنة، وكل من الأفراد ممكن والمجموع المتوقف على الممكن أولى بالإمكان وأما مجموع الموجودات فليس كل منها ممكناً، بل منه الواجب، فليس المجموع ممكناً، بمعنى ان كل واحد منها ممكن، فظهر الفرق.
وحينئذ فيقال له: هذا باطل من وجوه:
أحدها: أن يقال: أنت قد قلت في الاعتراض على الدليل الأول: إن الواجب بذاته علة لمجموع الموجودات.
وقلت هنا إن المجموع مفتقر إلى الممكن فإن كان معلول الواجب يجب استغناؤه عن الممكنات بطل اعتراضك الأول وصح الدليل الأول لأنه حينئذ لا يكون المجموع مستغنياً بالواجب، بل هو محتاج إلى الممكنات، فلا يكون الواجب علة للمجموع إلا مع اقتضائه لجميع الممكنات، ثم هو مع الممكنات إما المجموع وإما علة المجموع، ومثل هذا منتف في مجموع الممكنات فإن الواحد منها لا يجوز أن يكون علة لسائرها، إذ ليس علة لنفسه ولا لعلته وعلة علته، وإذا لم يكن في الممكنات إلا ما هو
معلول لم يكن فيها ما يوجب سائرها، فلم يكن فيها ما يصلح أن يكون علة للمجموع بوجه من الوجوه.
وإن قلت: إن معلول الواجب يجب استغناؤه عن الممكنات، سواء اقتضاه بوسط أو بغير وسط، وإنه لما كان الواجب مقتضياً للوسط كانت الحاجة في الحقيقة إلى الواجب والغنى به، إذ كان هو مبدع الممكنات التي هي لغيرها شروط أو وسائط أو علل أو ما قيل من الأمور.
فيقال لك: على هذا التقدير فمجموع الموجودات التي فيها الواجب بنفسه ليس مفتقراً إلى شيء من الممكنات بل افتقاره إلى الواجب وحده، فبطل اعتراضك على هذا الدليل الثاني، وأي الدليلين صح حصل المقصود.
وتلخيص هذا الجواب: أن مجموع الموجودات من حيث هو مجموع، إن قال هو معلول الواجب وحده او بوسط بحيث لا يقال مفتقر إلى غيره بطل هذا الاعتراض وهو كونه مفتقراً إلى الممكن.
وإن قال: هو معلول الواجب، لكون الممكن من معلول الواجب وهو معلول الممكن والواجب كان هذا مفسداً لاعتراضه على الدليل الأول، لكون مجموع الممكنات لا يكون معلولاً لواحد منها بوجه من الوجوه.