الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلنا إما ان يقال تترجح الجملة بمجموع الآحاد الداخلة فيها أو بواحد منها، فإن كان يوجد منها فالمحال الذي ألزمناه حاصل، وإن كان بمجموع الآحاد فهو نفس الجملة المفروضة، وفيه ترجح الشيء بنفسه، وهو محال.
تعليق ابن تيمية
قلت ولقائل أن يقول الحجة المذكورة لا تحتاج إلى إثبات كون الجملة غير الآحاد، وإن كان ذلك حقاً فإنه يقال لمن قال لا نسلم وجود ما يسمى جملة في غير المتناه لا يخلو إما أن يكون هنا جملة غير الآحاد، وإما أن لا يكون. فإن كان بطل سؤال، وإن لم يكن كان ذلك أبلغ في الحجة، فإن كل واحد من الآحاد ممكن، وليس هنا جملة يمكن أن تكون واجبة، فكل من الممكنات يمتنع أن يوجد بنفسه أو بممكن آخر، كامتناع وجود الجملة الممكنة بكل من الممكنات
وقد أورد هو هذا السؤال، فكان فيه كفاية من ان يقرر أموراً إذا حذفها كان أبلغ في الحجة وأقوى لها
وكذلك السؤال الثاني وهو قوله سلمنا أن مفهوم الجملة حاصل فيما لا يتناهى وانه ممكن، لكن لا نسلم أنه زائد على الآحاد المتعاقبة، فلا يكون معللاً بغير علة الآحاد فإن هذا السؤال هو
نظير الأول بل هو هو مع تغير العبارة، فإن من نفي وجود ما يسمى جملة في غير المتناهي، لم ينازع في وجود كل واحد واحد من الآحاد المتعاقبة، فإذا سلم مفهوم الجملة فيما لا يتناهي وفسر ذلك بالآحاد المتعاقبة، كان باقياً على منعه الأول 0 لكن من الناس من يقول الجملة لا تعقل إلا في المتناهي، ومنهم من قد ينازع في الجملة هل لها حقيقة غير كل واحد من الآحاد فلهذا جعلهما سؤالين
وبكل حال فالسؤال إن كان متوجهاً كان ذلك أقوى في الحجة، وغن لم يكن متوجهاً لم يرد بحال وذلك انه لم يكن للجملة حقيقة غير كل واحد واحد لم يكن هنا مجموع نحتاج أن نصفه بوجوب أو إمكان غير كل واحد واحد وتلك كلها ممكنة فتكون الحجة على هذا التقدير أقل مقدمات، فإنه إذا كانت الجملة غير الآحاد، احتيج إلى نفي وجوبها بنفسها أو بالآحاد، أما إذا قدر انتفاء ذلك، لم يحتج إلى ذلك، فلا يحتاج إلى نفي الوجوب عنها، لا بنفسها ولا بالآحاد
ولهذا قال في الاعتراض إذا لم تكن الجملة غير الآحاد لم يلزم ان تكون معللة بغير علة الآحاد
وهذا مما يقوي الحجة فإنها إذا لم تكن معللة بغير علة الآحاد ومعلوم أنه لا بد من إثبات علة الآحاد فذلك وحده كاف بخلاف ما إذا كانت غير الآحاد، فإنه يحتاج إلى نفي وجوبها بنفسها أو الآحاد
وهذا هو السؤال الثالث وهو قوله ما المانع أن يكون المجموع وهو الجملة مترجحاً بآحاده الداخلة فيه لا بواحد منها، بل طريق ترجحه بالآحاد الداخلة فيه بترجح كل واحد من آحاده بالآخر إلى غير نهاية
وقد أجاب عن هذا بقوله مجموع الآحاد نفس الجملة المفروضة، وفيه ترجح الشيء بنفسه وهو محال
وهذا السؤال هو الذي ذكره في كتابه الآخر، وذكر أنه لا يعرف له جواباً حيث قال ما المانع من ترجحها بترجح آحادها، وترجح آحادها كل واحد بالآخر إلى غير نهاية
قال وهذا إشكال مشكل، وربما يكون عند غيري حله
والجواب الذي ذكر عنه إنما يستقيم إذا أرادوا بالجملة كل واحد واحد من الأجزاء، ولم يجعلوا للاجتماع قدراً زائداً، وجعلوا الاجتماع جزءاً، فإنه حينئذ يقال الجملة هي الآحاد، فأما إذا أريد بالجملة الاجتماع، وهو الهيئة الاجتماعية وأن ترجحها بالآحاد المتعاقبة، لم يكن الجواب صحيحاً
وهذا هو الذي استشكله في كتابه الآخر، وحينئذ يكون السؤال لم لا يجوز ترجح الاجتماع بالآحاد المجتمعة، وترجح كل واحد بالآخر وليس الجملة هو الآحاد المتعاقبة كما تقدم بل هو الهيئة الاجتماعية، ولكن يمكن تقرير هذا الجواب إذا جعلت الهيئة الاجتماعية جزءاً من أجزاء الجملة وهذا أمر اصطلاحي، فإن المجموع المركب من أجزاء قد يجعل نفس الاجتماع، ليس جزءاً من المجموع، وقد يجعل جزءاً من المجموع، فإذا جعل الاجتماع جزءاً من المجموع، كان تقرير السؤال أن هذا الجزء معلل بسائر الأجزاء، وترجح كل جزء بالآخر، وترجح جزء ممكن بجزء ممكن، كترجح جزء ممكن بأجزاء ممكنة، وحينئذ فإجابته بقوله مجموع الآحاد نفس الجملة المفروضة، وفيه ترجح الشيء بنفسه، ليس بجواب مطابق، فإنهم لم يدعوا ترجح المجموع بالمجموع، بل ترجح الاجتماع بكل واحد واحد من الأجزاء المتعاقبة، والاجتماع وإن كان جزءاً فليس هو من الأجزاء المتعاقبة، لكن هذا فيه ترجيح بعض الأجزاء ببعض، فهو كتعليل بعض الممكنات ببعض، فيعود الأمر ويقال فالجموع هو واجب بنفسه أو ممكن، معلول لنفسه أو معلول ببعضه أو بخارج عنه كما تقدم تقرير ابن سينا لحجته
وقد تقدم أن المجموع إما أن لا يكون له علة، بل هو واجب
بنفسه، وهذا باطل كما تقدم وإما أن يكون له علة وهو المجموع أو بعضه أو ما هو خارج عنه، كما يقال نظير ذلك في دلالة المطابقة والتضمن والالتزام
فلهذا قال في القسم الثاني وأما أن يقتضي المجموع علة هي الآحاد باسرها فتكون معلولة لذاتها، فإن تلك الجملة والكل شيء واحد، واما الكل بمعنى كل واحد فليس تجب به الجملة
يقول إن كان المقتضي للمجموع هي الآحاد بأسرها بحيث تدخل فيها الهيئة الاجتماعية، لزم أن تكون الجملة الممكنة معلولة لذاتها، فإن الجملة والكل والمجموع شيء واحد، بخلاف ما إذا أريد باكل كل واحد واحد، فإن الجملة لا تجب بكل واحد واحد، إنما تجب بمجموع الآحاد، كالعشرة لا تحصل بكل فرد فرد من أفرادها، وكذلك سائر المركبات، وإنما يحصل المركب بمجموع اجزائه التي من جملتها الهيئة الاجتماعية، إن جعلت الهيئة الاجتماعية امراً وجودياً وإن لم تجعل كذلك لم يحتج إلى هذا، بل يقال المجموع هو الآحاد بأسرها، وليس هنا غير الآحاد
ولعل ابن سينا أراد هذا ولهذا أوردوا عليه تلك الأسولة،
وهو أن المجموع مغاير للآحاد، وأنه يجوز أن يجب المجموع بالآحاد المتعاقبة، ونحو ذلك مما تقدم
وأما القسم الثالث وهو أن يكون للمجموع علة هي بعضه، فهذا قد أبطله بقول ليس بعض الآحاد أولى بذلك من بعض، إن كان كل واحد منها معلولاً، ولأن علته اولى بذلك
وهذان وجهان في تقرير ذلك أحدهما أن كل جزء من الأجزاء إذا كان ممكناً ومن ذلك الهيئة الاجتماعية فليس وجوب المجموع بهذا الجزء بأولى من هذا لأنه متوقف على كل جزء جزء منها
والثاني أن كل واحد من تلك الأجزاء معلول لغيره، فعلته أولى أن تكون هي الموجبة للجميع منه، سواء قيل: إن علة المجموع واحد معين، أو واحد منها غير معين.
واما إذا قيل: كل واحد واحد، فذلك أبعد لأنه يقتضي اجتماع مؤثرين مستقلين على أثر واحد، وهو ممتنع بصريح العقل واتفاق العقلاء.
فإن قيل: إذا كان المجموع هو الأجزاء ونفس الاجتماع، فهذا لا يفتقر إلى شيء منفصل.
قيل: هذا هو القول بوجوب ذلك بنفسه، وقد تقدم إبطاله، فإنه يكون كل جزء ممكناً بنفسه، والاجتماع ممكن بنفسه، ولم يكن هنا