الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن المرحج أعم من أن يكون مختاراً أو غير مختار.
فإذا قدر المرجح أمراً مستلزماً لذلك القدر إما أمر قائم به أو أمر منفصل عنه حصل المرجح للقدر.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام على هذا إذا ذكرنا اعتراضات الآمدي على هذا.
البرهان الثالث للرازي
قال الرازي: (البرهان الثالث: لو كان الجسم أزلياً لكان في الأزل مختصاً بحيز معين، لأن كل موجود مشار إليه حساً بأنه هنا أو هناك يجب كونه كذلك، والأزلي يمتنع زواله لما تقدم، فامتنعت الحركة عليه، وقد ثبت جوازها) .
معارضة الأرموي له
قال الأرموي: (ولقائل أن يقول: معنى الأزلي الدائم لا إلى أول، فيكون معنى قولنا: لو كان الجسم أزلياً لكان في الأزل مختصاً بحيز معين، أنه لو كان الجسم دائماً لا إلى أول لكان حصوله في حيز واحد معين دائماً، وهو معنى السكون.
وهذا ممنوع، بل دائماً يكون حصوله في موضع معين إما عيناً وإما على البدل: أي يكون في كل وقت في حيز معين غير الذي كان حاصلاً فيه قبله) .
انتهى.
تعليق ابن تيمية
قلت: مضمون هذا الاعتراض: أن المشار إليه بأنه هنا أو هناك لا يستلزم حيزاً معيناً يمتنع انتقاله عنه.
غاية ما يقال: إنه لا بد من حيز، أما كونه واحداً بعينه في جميع الأوقات فلا.
وإذا استلزم نوع الحيز لا عينه أمكن كونه تارة في هذا وتارة في هذا.
يوضح هذا: أن هذا الحكم لازم للجسم، سواء قدر أزلياً أو محدثاً، فإن الجسم المحدث لا بد له من حيز أيضاً، مع إمكان انتقاله عنه.
فإن قال: لا بد للجسم من حيز معين يكون فيه، إذ المطلق لا وجود به في الخارج.
فإذا كان أزلياً امتنع زواله، بخلاف المحدث.
قيل: ليس الحيز أمراً وجودياً، بل هو تقدير المكان.
ولو قدر وجودي فكونه فيه نسبة وإضافة ليس أمراً وجودياً أزلياً.
وأيضاً فيقال: مضمون هذا الكلام: لو كان أزلياً لزم أن يكون ساكناً لا يتحرك عن حيزه، لأن الموجود الأزلي لا يزول.
فيقال: إن لم يكن السكون وجودياً بطل الدليل.
وإن كان وجودياً فأنت لم تقم دليلاً على إمكان زوال السكون الوجودي الأزلي.
وإنما أقمت الحجة على أن جنس الجسم يقبل الحركة.
ومعلوم أنه إذا كان كل جسم يقبل الحركة وغيرها من الصفات كالطعم واللون والقدرة والعلم وغير ذلك، ثم قدر أن في هذه الصفات الوجودية ما هو أزلي قديم لوجوب قدم ما يوجبه لم يلزم إمكان زوال هذه الصفة التي وجب قدم ما يوجبها.
فإن ما وجب قدم موجبه وجب قدمه.
وامتنع حدوثه ضرورة.
فإن قيل: نحن نشاهد حركة الفلك فامتنع أن يقال: لم يزل ساكناً.
قيل: أولاً: ليس الكلام في حدوث الفلك بعينه، بل في حدوث كل جسم، فإذا قدر جسم أزلي ساكن غير الفلك لم يكن فيما ذكره ولا في حركة الفلك دليل على حدوثه، لا سيما عند من يقول القديم الأزلي الخالق جسم لم يزل ساكناً، كما يقوله كثير من النظار من الهشامية والكرامة وغيرهم.
وقيل: ثانياً: الفلك - وإن كان متحركاً - فحيزه واحد لم يخرج عن ذلك الحيز، وحركته وضعية ليست حركة مكانية تتضمن نقله من حيز إلى حيز.
وحينئذ فقوله (وقد ثبت جواز الحركة) إن أراد به الحركة المكانية كان ممنوعاً، وإن أراد غيرها كالحركة الوضعية لم يلزم من ذلك جواز انتقاله من هذا الحيز إلى غيره.
وقد سبق الآمدي إلى هذا الاعتراض، فإنه قال في الأعتراض على المقدمة الأولى: (الأزل ليس هو عبارة عن زمان مخصوص ووقت مقدر حتى يقال بحصول الجسم في الحيز فيه، بل الأزل لا معنى له غير كون الشيء لا أول له، والأزل على هذا يكون صادقاً على ذلك الشيء في كل وقت يفرض كون ذلك الشيء فيه.
فقول القائل: (الجسم في الأزل موصوف بكذا) أي في حالة كونه متصفاً بالأزلية.
وما من وقت يفرض ذلك الجسم فيه إلا وهو موصوف بالأزلية.
وأي وقت قدر حصول ذلك الجسم فيه وهو في حيز معين لم
يلزم أن يكون حصوله في ذلك الحيز المعين أزلياً، لأن نسبة حصوله في ذلك الحيز المعين كنسبة حصولة في ذلك الوقت المعين.
وما لزم من كون الجسم الازلي لا يخلو عن وقت معين أن يكون كونه في الوقت المعين أزلياً، فكذلك الحصول في الحيز المعين) .
قال: (وفيه دقة مع ظهوره) .
قلت: ويوضح فساد هذه الحجة أن قوله: (كل جسم يجب اختصاصه بحيز معين، لأن كل موجود مشار إليه حساً بأنه هنا أو هناك يجب كونه كذلك) يجاب عنه بأن يقال: أتريد به أنه يجب اختصاصه بحيز معين مطلقاً، أو يجب اختصاصه بحيز معين حين الإشارة إليه؟ أما الأول فباطل، فليس كل مشار إليه إشارة حسية يجب اختصاصه دائماً بحيز معين، فإنه ما من جسم إلا وهو يقبل الإشارة الحسية، مع العلم بأنا نشاهد كثيراً من الأجسام تتحول عن أحيازها وأمكنتها.
فإن قال: (بل يجب أن يكون حين الإشارة إليه له حيز معين) فهذا حق، لكن الإشارة إليه ممكنة في كل وقت، فالاختصاص بمعين يجب أن يكون في كل وقت.
أما كونه في كل الأوقات لا يكون إلا في ذلك المعين لا في غيره فلا، والأزلي: هو الذي لم يزل، فليس بعض الأوقات أخص به من بعض حتى يقال: يكون في ذلك الوقت