الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محدث، فهذا ممتنع عند جماهير العقلاء.
وأكثر الفلاسفة من أتباع ارسطو وغيره مع الجمهور يقولون: إن الإمكان لا يعقل إلا في المحدثات وأما الذي أدعى ثبوت ممكن قديم فهو ابن سينا ومن وافقه ولهذا ورد عليهم في إثبات هذا الإمكان سؤالات لا جواب لهم عنها.
موافقة الرازي لابن سينا وإنكار ابن رشد على ابن سينا
والرازي لما كان مثبتاً لهذا الإمكان، لابن سينا، كان في كلامه من الاضطراب ما هو معروف في كتبه الكبار والصغار، مع أن هؤلاء كلهم يثبتون في كتبهم المنطقية ما يوافقون فيه سلفهم أرسطو وغيره: أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون إلا حادثاً كائناً بعد أن لم يكن، وقد ذكر أبو الوليد بن رشد الحفيد هذا وقال: ما ذكره ابن سينا ونحوه، من أن الشيء يكون ممكناً يقبل الوجود والعدم، مع كونه قديماً أزلياً قول لم يقله أحد من الفلاسفة قبل ابن سينا
قلت: وابن سينا قد ذكر أيضاً في غير موضع أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم، لا يكون إلا حادثاً، مسبوقاً بالعدم، كما قاله سلفه وسائر العقلاء، وقد ذكرت ألفاظه من كتاب الشفاء وغيره في غير هذا
الموضع، وهو مما يتبين به اتفاق العقلاء على أن كل ممكن يقبل الوجود والعدم فلا يكون إلا حادثاً كائناً بعد أن لم يكن، وهذا مما يبين أن كل ما سوى الواجب بنفسه فهو محدث، كائن بعد أن لم يكن، وهذا لا يناقض دوام فاعليته.
والمقصود هنا أن نفس الحدوث والإمكان دليل على الافتقار إلى الموثر، وأما كون أحدهما جعل نفس المخلوقات مفتقرة إلى الخالق فهذا خطأ، بل نفس المخلوقات مفتقرة إلى الخالق بذاتها، واحتياجها إلى المؤثر أمر ذاتي لها، لا يحتاج إلى علة، فإنه ليس كل حكم ثبت للذوات يحتاج إلى علة، إذ ذلك يفضي إلى تسلسل العلل.
وهو باطل باتفاق العلماء، بل من الأحكام ما هو لازم للذوات، لا يمكن أن يكون مفارقاً للذوات، ولا يفتقر إلى علة، وكون كل ما سوى الله فقيراً إليه محتاجاً إليه دائماً هو من هذا الباب.
فالفقر والاحتياج أمر لازم ذاتي لكل ما سوى الله، كما أن الغني والصمدية أمر لازم لذات الله، فيمتنع أن يكون سبحانه فقيراً، ويمتنع أن يكون إلا غنياً عن كل ما سواه، ويمتنع فيما سواه أن يكون غنياً عنه
بوجه من الوجوه، ويجب في كل ما سواه أن يكون فقيراً محتاجاً إليه دائماً في كل وقت.
وهنا ينشأ النزاع في المسألة الثانية، وهو أن المحدث المخلوق هل افتقار إلى الخالق المحدث وقت الإحداث فقط، أو هو دائماً مفتقر إليه، على قولين للنظار.
وكثير من أهل الكلام المحدث المتلقى عن جهم وأبي الهذيل ومن تبعهما من المعتزلة وغيرهم، يقولون إنه لا يفتقر إليه إلا في حال الإحداث لا في حال البقاء وهذا القول في مقابلة قول الفلاسفة الدهرية، الذين يقولون: افتقار الممكن إلى الواجب لا يستلزم حدوثه بل افتقاره إليه في حال بقائه دائماً ازلاً وأبداً.
فهؤلاء زعموا وجود الفعل بلا حدوث شيء وأولئك زعموا أن المخلوق لا يفتقر إلى الخالق لا يحتاج دائماً وكلا القولين باطل كما قد بسط في موضعه.
والمقصود هنا أن كثيراً مما يجعلونه مقدمات في أدله إثبات الصانع، وإن كان حقاً فإنه لا يحتاج إليه عامة الفطر السليمة، وإن كان من عرضت له شبهة قد ينتفع به.