الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن أردتم الأول، لم يكن أحدهما محتاجاً إلى الآخر بل غنياً عن كونه فاعلاً له ولا يلزم أن يكونا واجبي الوجود بمعنى أن كلا منهما هو الواجب بنفسه المبدع للممكنات.
وإن قيل: إن كلا منهما واجب الوجود بمعنى أنه لا مبدع له.
قيل: نعم، ولا نسلم امتناع تعدد مسمى واجب الوجود بهذا التفسير، وإنما يمتنع تعدده بالتفسير الأول فإن الأدلة قامت على أن خالق الممكنات رب واحد لم تقم على نفي صفاته، بل كل من صفاته اللازمة له قديم أزلي، ممتنع عدمه، ليس له فاعل، فإذا عبر عن هذا المعنى بأنه واجب الوجود فهو حق، وإن عني بواجب الوجود ما ليس ملازماً لغيره فليست الذات وحدها واجبة الوجود ولا الصفات بل الواجب الوجود هو الذات المتصفة بصفاتها اللازمة لها، لا سيما وهم يقولون إنها مستلزمة للمعلول، فامتناع ذلك على أصلهم أبلغ، وقد عرف أن كلا من الصفات الذاتية ملازمة للأخرى والصفات ملازمة للذات وليس كل منهما مبدعاً للآخر.
وإن قلتم: كل منهما محتاج إلى الآخر بمعنى انه ملازم له لم يلزم من كونه ملازماً أن يكون معلولاً.
الوجه الثاني
وهذا الجواب الثاني وهو أن يقال: ما تعني بواجب الوجود؟
أتعني به مالا فاعل له، أو تعني به القائم بنفسه الذي لا فاعل له؟
فإن عنيت الأول لم يمتنع أن يكون كل الصفات والذات واجب الوجود بهذا التفسير ولم يدل على امتنع تعدد الواجب بهذا التفسير دليل، كما لم يدل على امتناع تعدد القديم بهذا التفسير دليل، وإنما دل الدليل على أنه لا إله إلا الله وأن الله رب العالمين واحد لا شريك له، وهو التوحيد الذي دل عليه الشرع والعقل.
فأما نفي الصفات وتسمية ذلك توحيداً فهو مخالف للشرع والعقل.
وإن أراد بواجب الوجود: القائم بنفسه الذي لا فاعل له كانت الذات واجبة الوجود، وهي بالصفة واجبة الوجود ولم تكن الصفة وحدها واجبة الوجود.
وإن أريد بحاجة كل من الصفة والموصوف إلى الآخر التلازم، أختير إثبات ذلك، ولم يلزم من ذلك كون أحدهما معلول الآخر، فإن المتضايفين متلازمين وليس أحدهما معلول الآخر وإن أريد بذلك كون أحدهما فاعلاً اختير نفي الحاجة بهذا التفسير وهو القسم الأول، وهو انه ليس أحدهما محتاجاً إلى الآخر.
وإن أريد أن أحدهما محل للآخر، أختير جواب الغزالي وهو ان الصفة محتاجة إلى الذات من غير عكس.
وعلى هذا فقول القائل: إن أحدهما معلول للآخر إن أراد به أحدهما فاعل للآخر فهو باطل فإنه لا يجب من قيام الصفة بالموصوف أن يكون الموصوف فاعلاً للصفة بل الأمر بالعكس فإن المفعول يمتنع ان يكون من باب الصفات اللازمة للموصوف.
وإن أريد بذلك أن يكون أحدهما قابلاً للآخر، فلا امتناع في ذلك وإن قيل بل إن المحل علة للحال.
واعلم أن هذه الحجة وأمثالها غنما نشأت الشبهة فيها من جهة أن ألفاظها مجملة فلفظ العلة يراد به العلة الفاعلة والعلة القابلة، ولفظ الحاجة إلى الغير يراد به الملازم للغير ويراد به حاجة المشروط إلى شرطه ويراد به حاجة المفعول إلى فاعله.
وإذا عرف هذا فالصفات اللازمة مع الذات متلازمة وليس أحدهما فاعلا للآخر بل الذات محل للصفات وليس الواحد منهما علة فاعلة بل الموصوف قابل للصفات وهذا لا امتناع فيه بل هو الذي يدل عليه صريح المعقول وصحيح المنقول.
لكن الغزالي لم يجب إلا بجواب واحد، ومضمون كلامهم أنهم في جميع كلامهم في نفي الصفات ينتهي أمرهم إلى أن هذا