الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى {الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون} الروم 40.
كلام الشهر ستأتي في نهاية الإقدام
وهذا الذي ذكرناه، من أن نفس الأعيان المحدثة كالإنسان تستلزم وجود الصانع الخالق.
وأن علم الإنسان بأنه مصنوع يستلزم العلم بصانعه بذاته من غير احتياج إلى قضية كلية، تقترن بهذا وهو معنى ما يذكره كثير من الناس، مثل قول الشهر ستأتي: أما تعطيل العالم عن الصانع العليم القادر الحكيم، فليست أراها مقالة ولا عرفت عليها صاحب مقالة إلا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية أنهم قالوا: كان العالم في الأزل أجزاء مبثوثة تتحرك على غير استقامة فاصطكت اتفاقاً فحصل العالم بشكله الذي تراه عليه
قال: ولست أرى صاحب هذه المقالة ممن ينكر الصانع، بل هو يعترف بالصانع لكنه يحيل سبب وجود العالم على البخت والاتفاق احترازاً عن التعليل، فما عدت هذه المسألة من النظريات التي يقام عليها برهان، فإن الفطرة السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها، بصانع عليم قادر حكيم {أفي الله شك} إبراهيم 10 {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} الزخرف 87 {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} الزخرف 9 وإن هو غفلوا عن هذه الفطرة في حال السراء فلا شك أنهم يلوذون إليها في حال الضراء {دعوا الله مخلصين له الدين} يونس 22 {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه} الإسراء 67.
قال ولهذا لم يرد التكليف بمعرفة الصانع، وإنما ورد بمعرفة التوحيد ونفي الشرك: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله
إلا الله فأعلم انه لا إله إلا الله ولهذا جعل محل النزاع بين الرسل وبين الخلق في التوحيد {ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا} غافر 12 {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة} الزمر 45 {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا} الإسراء 46.
قال وقد سلك المتكلمون طريقاً في إثبات الصانع، وهو الاستدلال بالحوادث على محدث صانع وسلك الأوائل طريقاً آخر وهو الاستدلال بإمكان الممكنات على مرجح لأحد طرفي الإمكان.
قلت: وهذا الطريق الثاني لم يسلكه الأوائل، وإنما سلكه ابن سينا ومن وافقه ولكن الشهرستاني وأمثاله لا يعرفون مذهب أرسطو والأوائل إذ كان عمدتهم فيما ينقلونه من الفلسفة على كتب ابن سينا.
قال ويدعي كل واحد في جهة الاستدلال ضرورة وبديهة.
قال وأنا أقول: ما شهد به الحدوث، أو دل عليه الإمكان بعد تقديم المقدمات دون ما شهدت به الفطرة الإنسانية من احتياجه في ذاته إلى مدبر هو منتهى مطلب الحاجات، يرغب إليه، ولا يرغب عنه، ويستغنى به ولا يستغنى عنه ويتوجه إليه ولا يعرض عنه ويفزع إليه في الشدائد والمهمات فإن احتياج نفسه أوضح من احتياج الممكن الخارج إلى الواجب والحادث إلى المحدث.
وعن هذا المعنى كانت تعريفات الحق سبحانه في التنزيل على هذا المنهاج {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} النمل 62 {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} الأنعام 63 {قل من
يرزقكم من السماوات والأرض} يونس {أمن يبدأ الخلق ثم يعيده} النمل 64.
وعن هذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم «خلق الله العباد على معرفته فاجتالتهم الشياطين عنها» .
قلت: لفظ الحديث في الصحيح: «يقول الله خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا»
قال: فتلك المعرفة هي ضرورة الاحتياج، وذلك الاجتيال من الشيطان هو تسويلة الاستغناء ونفي الحاجة والرسل مبعوثون لتذكير وضع الفطرة وتطهيرها عن تسويلات الشياطين فإنهم الباقون على أصل الفطرة وما كان له عليهم من سلطان {فذكر إن نفعت الذكرى * سيذكر من يخشى} الأعلى 10 - 11
{فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} طه 44.
قلت: الذي في الحديث: إن الشياطين امرتهم أن يشركوا به ما لم ينزل به سلطاناً وهذا المرض العام في أكثر بني آدام وهو الشرك كما قال تعالى {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} يوسف 106 وأما التعطيل فهو مرض خاص لا يكاد يقع إلا عن عناد كما وقع لفرعون.
وليس في الحديث أن الشياطين سولت لهم الاستغناء عن الصانع فإن هذا لا يقع إلا خاصاً لبعض الناس أو لكثير منهم في بعض الأحوال وهو جنس السفسطة بل هو شر السفسطة والسفسطة لا تكون عامة لعدد كثير دائماً بل تعرض لبعض الناس أو لكثير منهم في بعض الأشياء
قال: ومن رحل إلى الله قربت مسافته حيث رجع إلى نفسه أدنى رجوع فعرف احتياجه إليه في تكوينه وبقائه وتقلبه في أحواله وأنحائه ثم استبصر من آيات الآفاق إلى آيات الأنفس ثم استشهد به على الملكوت لا بالملكوت عليه
…
الخ