الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسمع والبصر أكمل من الجماد الذي لا يقبل ذلك ن فإذا كان يمتنع كون الواجب يقبل صفات الكمال ولا يتصف بها، فلأن يمتنع كونه لا يقبلها بطريق الأولى
والثاني
أن كل صفة من صفات الكمال إذا لم تستلزم نقصاً فالواجب أولى بها من الممكن، واتصافه بها أولى من الممكن لأنه أكمل، ولأن كل كمال حصل للممكن فهو من الواجب، وهم يسلمون أن كل كمال حصل للمعلوم فهو من علته، فالمعلول أولى بذلك
الثالث
أن كل ما أمكن اتصاف الربسبحانه فهو واجب له، لامتناع توقف شيء من صفاته على غيره
الرابع
أن نفي هذه الصفات نقص، وإن لم يسم جهلاً وصماً وبكماً
الخامس
أن ما ذكروه من التفريق بين السلب والإيجاب، والعدم والملكة، بتسمية هذا ميتاً دون هذا، اصطلاح لهم لا يجب أتباعه والله قد سمى الجماد مواتاً في مثل قوله تعالى {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون * أموات غير أحياء} النحل 20-21 وفي قوله تعالى {وآية لهم الأرض الميتة} يس: 33 وأمثال ذلك
فإذا كان قد علم انه لا بد من موجود بنفسه مختص بخصائص لا يشركه فيها غيره، مباين له، توهماً باطلاً شيطانياً وهو من جنس ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما قال يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا فيقول الله فيقول من خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته
وفي حديث آخر لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا الله كل شيء فمن خلق الله؟
وهذا لكون الوسواس الشيطاني الباطل لا يقف عند حد الموجود الواجب القديم الخالق وهذا المقام ضل فيه طوائف من الناس صاروا ينفون ما يجب إثباته لله تعالى من الصفات لعدم علمهم بما يوجب اختصاصه بذلك
ثم إنهم يتناقضون، فالمعتزلة فرقوا بين كونه عالماً وقادراً، وكونه متكلماً مريداً بأن العلم عام التعلق، فإنه سبحانه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير والكلام خاص، فإنه يتكلم بشيء دون شيء فإنه لا يتكلم إلا بالصدق والإرادة خاصة، فإنه يريد شيئاً دون شيء، لا يريد إلا ما علم أن سيكون
فقال لهم الناس هب أن الأمر كذلك، لكن ما الموجب للتكلم ببعض الكلام دون بعض، ولإرادة بعض الأمور دون بعض؟ فلا بد
من سبب يوجب التخصيص، فلا بد حينئذ أن يكون هو المخصص. فقالوا القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مخصص
فيقال لهم هذا مع بطلانه يوجب تناقضكم، فإنكم قلتم لا بد للتخصيص من مخصص، ثم قلتم كل الممكنات مخصصة ووجدت بدون مخصص، بل رجح المرجح أحد المتاثلين على الآخر من غير مخصص، وإذا جوزتم في الممكنات وجود المخصصات بدون مخصص، مع أن نسبة القادر واحدة، فالموجود بنفسه أولى أن يستغني عن مخصص مما اختص به من ذاته وصفاته، وذلك أنه من المعلوم أن وجود ذاته وصفاته أولى من وجود مفعولاته، وإذا جوزتم أن يكون مخصصاً لمفعولاته المختصة بحقيقة وقدر وصفة بلا مخصص أصلاً، فتجويزكم أن تكون ذاته المختصة الواجبة بنفسها لا تفتقر إلى مخصص بطريق الأولى
وهذا لا ينعكس، فإنه إذا قيل إن أفعاله تفتقر إلى مخصص، لم يلزم أن تكون ذاته مفتقرة إلى مخصص، فإن ذاته واجبة الوجود بنفسها، فهي لا تفتقر إلى سبب أصلاً، بخلاف مفعولاته فإنها مفتقرة إلى سبب، وما افتقر إلى فاعل جاز أن يقال هو مفتقر إلى مخصص، بخلاف ما لا يفتقر إلى فاعل، فإنه لا يجب أن يفتقر إلى مخصص
فإذا قيل ما افتقر إلى سبب أو ما افتقر إلى
فاعل، أو ما افتقر إلى علم افتقر إلى مخصص، وما لم يفتقر إلى شيء من ذلك لم يفتقر، كان هذا كاملاً معقولاً
بخلاف ما إذا قيل المفتقر إلى الفاعل لا يفتقر إلى نخصص، والغني عن الفاعل يفتقر إلى مخصص، فإن هذا قلب للحقيقة، كما قالته المعتزلة الجهمية القدرية من نفي افتقار الأفعال إلى مخصص، وإثبات افتقار الذات إلى مخصص قلب للحقائق
وأفسد منه قول الفلاسفة الذين يثبتون مفعولات مختلفة مع حدوث كثير منها ويقولون إن مخصصها مجرد وجود بسيط، ثم يصفونه بصفات تفيد اختصاصه بما يتميز به عن سائر الموجودات، ويقولون مع ذلك الاختصاص لا بد له من مخصص مباين له ثم العلم فيه من العموم ما ليس في القدرة، وفي القدرة من العموم ما ليس في الإدارة
والمتفلسفة نفوا الاختصاص حتى أثبتوا وجوداً مطلقاً مجرداً، ثم أثبتوا له من اللوازم ما يوجب الاختصاص، مثل كونه وجوداً واجباً، وذلك يميزه عن الوجود الممكن، وجعلوه عاقلاً ومعقولاً وعقلاً، وعاشقاً ومعشوقاً وعشقاً، وملتذاً به وأنواع ذلك مما يوجب اختصاصه بهذه الأمور عمن ليس هو موصوفاً بها من الجمادات
وقالوا صدر عنه العالم المختص بما له من الصفات والأقدار من غير موجب للتخصيص فهل في الوجود أعظم من هذا التناقض؟