الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرد على قولهم
وقول القائل: العلة متقدمة على المعلول وإن قارنته بالزمان، وجعله الباري مع العالم بهذه المنزلة.
الوجه الأول
يقال له إن أردت بالعلة ما هو شرط في وجود المعلول لا مبدعاً له كان حقيقة قولك: إن واجب الوجود ليس هو مبدعاً للمكنات ولا رباً لها، بل وجوده شرط في وجودها ، وهذا حقيقة قول هؤلاء فالرب على أصلهم والعالم متلازمان كل منهما شرط في الآخر والرب محتاج إلى العالم، كما أن العالم محتاج إلى الرب وهم يبالغون في إثبات غناه عن غيره، وعلى أصلهم فقره إلى غيره كفقر بعض المخلوقات.
وغاية المتخذلق منهم كأرسطو أن يجعل الفلك واجب الوجود لا يقبل العدم مع كونه مفتقراً إلى المبدأ الأول لأجل التشبيه به، ويجعل المبدأ الأول غنياً عما سواه، لكن من التناقض أن يقول: إن واجب الوجود مفتقر إلى غيره، وأيضاً فالأزلي الذي يثبته لا حقيقة له، كما قد بسط في موضع آخر.
وإن أراد بالعلة ما هو مبدع للمعلول له فهذا لا يعقل مع كون زمانه المعلول، لم يتقدم على المعلول تقدماً حقيقاً، وهو التقدم المعقول.
وإذا شبهوا وجود الفلك مع الرب بالصوت مع الحركة والضوء مع الشمس، كان هذا ونحوه تشبيهاً باطلاً لا يفيد إمكان صحة قولهم، فضلاً عن إثبات صحته، فإن هذه الأمور وأمثالها إما أن يقال فيها: إن الثاني موجود متصل بالأول، كأجزاء الزمان والحركة لا أنه معه في الزمان وإما أن يقال الثاني مشروط بالأول لا أن الأول مبدع للثاني فاعل له، فلا يمكنهم ان يذكروا وجود فاعل لغيره مع أن زمانهما معاً أصلاً.
ونحن ذكرنا هذا التقسيم لئلا يكون الجواب مبنياً على أمور دقيقة يختص بفهمها بعض الناس، فإن الجواب كلما كان أظهر، واتفاق العقلاء عليه أكثر، كان أولى بالذكر من غيره إذ المقصود بيان الحق وإبطال الباطل، وألا فيمكن بسط الكلام في هذا وأن يقال السبب لا بد أن يتقدم على مسببه بالزمان وأن الفاء المستعلمة في هذا هي فاء التعقيب.
فقول القائل: تحركت يدي فتحرك كمي يدل على أن الثاني عقب الأول ويقال إن فاء التسبب تتضمن التعقيب من غير عكس، فكل مسبب فإنه يكون بعد سببه فليس كل ما كان عقب
غيره يكون مسبباً عنه بل قد يكونان مسببين لسبب آخر وإن كان شرطاً فيه.
ثم الكلام في هذا ينجر إلى الفرق بين السبب وجزئه والشرط، وليس هذا موضع استقصائه، فإن المقصود حاصل بدون ذلك، وإنما المقصود هنا أن تقدم العلة الفاعلة على المعلول المفعول أمر معقول عند جماهير العقلاء من الأولين والآخرين وإنما يجوز كون المفعول المعلول مقارناً لفاعله طائفة قليلة من الناس، كابن سينا والرازي ونحوهما.
وقد زعم الرازي في محصله وغيره أن المتكلمين والفلاسفة يجوزون وجود الممكن القديم عن موجب بالذات، وهي العلة القديمة لكن المتكلمون يقولون إنه فاعل بالاختيار فلهذا يمنعون قدم شيء من الممكنات والمتفلسفة يقولون إنه غير فاعل بالاختيار فلهذا قالوا بقدم معلوله، وهذا الذي قاله غلط على الطائفتين جميعاً كما قد بسطناه في موضع آخر.
فالمتكلمون الذين يقولون بامتناع مفعول قديم، يقولون إن ذلك ممتنع على أي وجه قدر فاعله ويقولون: كون الرب فاعلاً بغير الاختيار ممتنع أيضاً وليس امتناع أحدهما مشروطاً بالعلم بامتناع الآخر.
والفلاسفة القائلون بقدم الأفلاك لهم قولان في العلة الأولى: هل هي فاعلة بالاختيار أو موجبة بلا اختيار؟