الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرباع
أن الغزالي سلك مسلكاً في تعجيز الفلاسفة عن إثبات الصانع، بان قال دليلكم مبني على نفي التناهي عن العلل والمعلولات قال وأنتم لا يمكنكم ذلك، مع إثباتكم حوادث لا تتناهى، فإن ما تذكرونه من دليل نفي النهاية في العلل يلزم مثله في الحوادث وما تذكرونه مما يسوغ وجود حوادث لا تتناهى يلزمكم نظيره في العلل.
وهذا الذي قاله وإن كان قد استدركه من استدركه عليه، لكن هو أجود مما فعله الآمدي فإن مقصوده إلزامهم أحد امرين إما عدم إثبات الواجب وإما الإقرار بحدوث العالم وبين أن إثبات الصانع معلوم بإثبات الحوادث، وأن افتقار المحدث إلى المحدث أمر ضروري فهذا خير من أن يجعل إثبات الصانع موقوفاً على تقسيمها إلى التعاقب والاقتران وإن العلل المتعاقبة لا يمكن إبطالها إلا بالتسوية بين امتناع كون الحادث المعين دائماً لم يزل، وكون نوع الحوادث دائماً لم يزل، فإن هذا فيه من التطويل ووقف العلم بالصانع على مثل هذه المقدمة ما لا يخفى.
الخامس
أن الدليل الذي ذكره غايته أن يثبت ان الحوادث
لها ابتداء، إذ لو كانت العلل متعاقبة محدثة، وللحوادث أول، لزم أن يكون للحادث أول.
وهذا غايته أن يكون بمنزلة إثبات حدوث العالم.
وهو وأمثاله مع كونهم يحتجون على حدوث العالم، فلم يقولوا: إن المحدث لا بد له من محدث، كما هو قول الجمهور، ولا أثبتوا ذلك بان الحدوث مخصص بوقت دون وقت فيفتقر إلى مخصص كما فعله كثير من أهل الكلام، بل ولا بان الممكن يفتقر إلى المرجح لوجوده بل قالوا المحدث ممكن والممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح ثم أوردوا جواز التسلسل في العل لن وأجابوا عن ذلك.
فإذا كان الجواب عن ذلك لا يتم إلا بإثبات حدوث العلل، كما، كان غايتهم أن يثبتوا افتقار الممكن إلى علة حادثة، فهم بعد ذلك إن قالوا: والمحدث لا بد له من محدث، كانوا قد قالوا حقاً، لكن طولوا بذكر تقسيمات لا فائدة فيها بل تضعف الدليل، وكانوا مستغنين عنها في الأول.
وإن لم يقولوا: والمحدث لا بد له من محدث، لم يكن ما ذكروه نافعاً.
فإن مجرد حدوث العلة، إن لم يستلزم وجود المحدث لم يثبت واجب الوجود.
فتبين أن ما سلكوه إما أن لا يفيد، أو يكون فيه من التطويل والتعقيد، قد يكون فيه منفعة لمن يسفسط ويعاند ولمن لاتنقاد نفسه إلا بمثل ذلك، كما قد نبهنا عليه في غير هذا الموضع.
ومضمون ما ذكروه دور في الاستدلال فلا يكون استدلالاً صحيحاً، فإنه إذا قدر علل ومعلولات متعاقبة وأثبت امنتناع ذلك، لأن الحادث لا يكون أزلياً، لزم أن هذه العلل محدثة.
فيقال له: فلم لا يجوز ان يكون استناد الممكنات إلى العلل محدثة، فلا بد أن يقول على طريقته: إن المحدث ممكن، والممكن يفتقر إلى علة، وعلته لا تكون محدثة فيكون حقيقة كلامه: المحدث يفتقر إلى محدث، لأن المحدث يفتقر إلى محدث، إذا كان حقيقة ما يقوله: إن المحدث لا بد له من علة لأنه ممكن فيفتقر إلى مرجح، ومرجحة لا يكون محدثاً لأن المحدث ممكن لا بد له من علة.
وإن غير العبارة فقال: هذا الممكن لا بد له من علة والعلة لا تكون ممكنة، لأن الممكن لا بد له من علة كان قد قال: الممكن له علة لأن الممكن له علة وكل ذلك إثبات الشيء بنفسه.
والمقصود هنا أن ما ذكر من امتناع التسلسل في العل يشمل ما إذا قدرت متعاقبة كما إذا قدرت مقترنة، وأنه حينئذ يكون الاجتماع معلولاً لها، كان أولى أن يكون ممكناً لا يوجد بنفسه ولا يوجد ممكن بممكن لا موجد له، فإن مالم يوجد نفسه أولى أن لا يوجد غيره فإذا لم يكن في الآحاد ما يوجد نفسه كان أولى أن لا يوجد غيره لا الجملة ولا غيرها من الآحاد.
يبين هذا ان الممكن لا يوجد بنفسه بل لا يوجد إلا بغيره فإذا قدر أن ثم ممكنات موجودة، سواء كانت عللاً أو لم تكن، وسواء كانت متناهية أو غير متناهية، لم يكن فيها شيء وجد بنفسه، فإذا كان المجموع لا يوجد إلا بها وليس فيها شيء موجود بنفسه، لم يكن في جميع ما ذكر ما يوجد بنفسه لا جملة ولا تفصيلا وإذا وجد مالا يوجد بنفسه لم يوجد إلا بغيره.
ألا ترى أنه لو قال: الحوادث لا توجد بنفسها، لم يكن فرق بين الحوادث التي لها نهاية والتي لا نهاية لها بل كل من الحوادث التي لا تتناهى لا يوجد بنفسه بل لا بد له من محدث.
والذهن إذا قدر ممكنات محصورة ومحدثات محصورة ليس لها
محدث ولا مبدع علم امتناع ذلك فإذا قدرها لاتتناهى، لم تكن هذه الحال توجب استغناءها عن المحدث المبدع، وتجعلها غنية عن مبدع خارج عنها بل كلما كثر ذلك كان أولى بالحاجة إلى المبدع، فما لا يوجد بنفسه إذا ضم إليه مالا يوجد بنفسه مرات متناهية أو غير متناهية، كان ذلك مثل ضم المعدومات بعضها إلى بعض، وذلك لا يغنى عنها شيئاً، بل المعدومات لا تفتقر حال عدمها إلى فاعل، وأما هذه التي لا بد لها من فاعل، إذا كثرت، كان احتياجها إلى الفاعل أوكد وأقوى، وتسلسل الممكنات لا يخرجها عن طبيعة الإمكان الموجب لفقرها إلى المبدع، كما أن طبيعة الحدوث لا تخرج المحدثات عن طبيعة الحدوث الموجبة لفقرها إلى الفاعل.
ومن جوز تسلسل الحوادث، وقال: كل منها حادث والنوع ليس بحادث، لا يمكنه أن يقول: كل من الممكنات ممكن، والجملة ليست ممكنة، كما لا يمكنه أن يقول: كل من الموجودات موجود، والجملة ليست موجودة، ولا يقول: كل من الممتنعات ممتنع والجملة ليست ممتنعة، بل الامتناع لجملة الممتنعات إولى منه لآحادها، وكذلك الإمكان لجملة الممكنات أولى منه لآحادها، والفقر إلى الصانع الذي يستلزمه الإمكان لجملة الممكنات أولى منه لآحادها، وأما الوجود لجملة الموجودات فليس هو اولى منه لآحادها.
وإن قيل: هو واجب للجملة، وذلك أن جملة الموجودات موقوفة على وجود كل منها، بخلاف وجود الواحد منها، فإنها لا تتوقف على وجود الجملة.
وأما الممتنعات فامتناع جملتها ليس موقوفاً على امتناع كل منها، بل كل منها ممتنع لذاته، فامتناع الجملة لذاتها أولى وأحرى، اللهم إلا ان يكون الامتناع مشروطاً بأفرادها، كالمتلازمين اللذين يمتنع وجود أحدهما دون الآخر، ولا يمتنع اجتماعهما.
وكذلك الممكنات إذا كان كل منها ممكناً لذاته بحيث يفتقر إلى الفاعل ولا يوجد بنفسه فليس إمكان كل منها مشروطاً بالآخر ولا معلقاً به، ولا لإمكان هذا تأثير في إمكان هذا، كما في الامتناع، بخلاف الموجودات، فإنه قد يكون وجود أحد الأمرين إما مشروطاً وإما علة للآخر.
بخلاف ما إذا قدر موجودات واجبة بأنفسها، فإنه حينئذ لا يكون وجود بعضها موقوفاً على وجود البعض، وأما ما هو ممكن بنفسه أو ممتنع بنفسه، فليس إمكانه وامتناعه مشروطاً بغيره، بل نفس تصور حقيقتة يوجب العلم بامتناعه وإمكانه.
وحينئذ فكلما كثر أفراد هذه الحقيقة كان العلم بامتناعها أو إمكانها
أكثر، والعلم بامتناع الجملة أو إمكانها أولى وأحرى ولو قدرنا واجبات بأنفسها غنية عن الغير، بحيث لا يكون بعضها شرطاً في البعض، لكانت الجملة واجبة، ولم يكن وجوبها بدون وجوب الآحاد، وامتنع أن يقال: الجملة ممتنعة أو ممكنة مع وجوب كل من الآحاد بنفسه وجوباً لا يقف فيه على غيره.
فتبين أنه إذا كان من الأمور ما هو ممكن في نفسه، لا يقف إمكانه على غيره، ومعنى إمكانه أنه لا يستحق بنفسه وجوداً ويمتنع وجوده بنفسه، وهو بالنظر إلى نفسه فقير محض، أي الفقر الذاتي الذي يمتنع معه غناه بنفسه، وسواء قلنا: إن عدمه لا يفتقر إلى مرجح أو قلنا إن عدمه لعدم المرجح، وقدرنا عدم المرجح، فهو في الموضعين لا يستحق إلا العدم، لا يستحق وجوداً أصلاً.
فكثرة مثل هذا، وتقدير مالا يتناهى من هذا الضرب، لا يقتضي حصول وجود له، أو غني في وجوده عن غيره، ولا وجود بعض هذه الأمور ببعض، فإن كثرة هذه الأمور التي لا تستحق إلا العدم توجب كثرة استحقاقها للعدم، وكثرة افتقارها إلى موجد يكون موجوداً بنفسه.
فإذا قدر أمور لا نهاية لها، ليس فيها شيء يستحق الوجود، كان قول القائل: إن بعضها يوجد بعضاً، في غاية الجهل.
فإن مالا يستحق في نفسه أن يكون موجوداً، كيف يستحق أن يكون موجوداً
لغيره وكيف وكيف يكون وجوده ما هو مساو له في أنه لا يستحق الوجود.
يبين هذا أنه إذا كان هذا لا يستحق الوجود، وهذا لا يستحق الوجود، لم يكن جعل هذا علة والآخر معلولاً باولى من العكس، فإن شرط الفاعل أن يكون موجوداً، فإذا لم يكن موجوداً امتنع أن يكون فاعلاً وكل منهما لا يستحق أن يكون موجوداً فلا يكون فاعلاً.
وإذا قال: إن أحد هذين وجد بالاخر فهذا إنما يعقل إذا كان الآخر موجوداً، وذاك الآخر لا يكون موجوداً بنفسه، لا يكون موجوداً إلا بغيره، وذلك الغير الذي يفتقر إليه الممكن، ليس هو أي غير كان، بل لا بد من غير يحصل به وجوده، ووجوده بحيث يستغنى به عما سواه، فلذلك الغير الذي يفتقر إليه الممكن، من شرطه أن يكون مستقلا بإبداع الممكن لا يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه فمتى قدر أنه محتاج إلى غيره، كان الممكن محتاجاً إلى هذا الغير وإلى هذا الغير، فلا يحصل وجوده بأحد الغيرين، بل لا بد منهما وكذلك لو قدر من الأغيار ما يقدر، فلا بد أن يكون ما يفتقر إليه الممكن غير محتاج إلى غيره بوجه من الوجوه، وليس الممكنات ما هو بهذا الشرط، بل كل منها يحتاج إلى غيره، فلو قدر أن الممكن يوجد بممكن إلى نهاية او غير نهاية، والجملة
الممكنة توجد بالأفراد، لكان الغير الذي يفتقر إليه الممكن محتاجاً إلى غيره، مع أن كلا من المحتاجين لا يغني عن نفسه شيئاً أصلاً ألبتة.
يزيد هذا إيضاحاً أن الممكن مع عدم المقتضى التام يكون ممتنعاً لا ممكناً وأعني بالمقتضى التام الذي يلزم من وجوده وجود المقتضى، لكن يكون ممتنعاً لغيره، فإذا كان كل من الممكنات له علة ممكنة، والعلة الممكنة ليست مقتضياً تاماً، فإنها لا توجد إلا بغيرها، إذ الممكن مفتقر إلى غيره، فوجوده مجرداً عن مقتضية تام، كان كل منها ممتنعاً، وتقدير ممتنعات لا نهاية لها يوجب قوة امتناعها، ويمتنع مع ذلك ان تكون جملتها ممكنة، فضلاً عن أن تكون واجبة.
فتبين بذلك أن جملة العلل الممكنات التي لا تتناهى جملة ممتنعة، فامتنع أن يقال: هي موجودة معلولة للأفراد، لأن الممتنع لا يكون موجوداً لا معلولاً ولا غير معلول.
يبين ذلك ان تقدير معلول لا علة له ممتنع، والممكن الموجود معلول لغيره، فإذا قدر علل ممكنة لا تتناهى كان كل منها معلولاً فقد قدر معلولات لا تتناهي.
ومن المعلوم بالضرورة أن وجود معلولات لا تتناهى لا يقتضي استغناءها عن العلة.
وإذا قيل: إن الجملة معلولة للآحاد فقد ضم معلول إلى معلولات لا تتناهى، وذلك لا يقتضي استغناءها عن العلة.
فتبين أن من توهم كون العلل الممكنة التي لا تتناهى، التي هي معلولات لا تتناهى، يمكن أن يكون لها معلول لا يتانهى، فإنما قدر ثبوت معلولات لا تتناهى ليس فيها علة.
وإذا كانت المعلولات المتناهية لا بد لها من علة، فالمعلولات التي لا تتناهى أولى بذلك، فإن طبيعة المعلول تستلزم الافتقار إلى العلة.
وهذا يظهر باعتبار المعاني التي يوصف بها الممكن، فإنه قدر واحد من هذا النوع كان ذلك مستلزماً لعلته وموجبه وصانعه وفاعله ومبدعه، وإذاقدر اثنان كان الاستلزام أعظم وإذا قدر مالا يتناهى كان الاستلزام أعظم فإنه إذا كان الواحد منها بدون الواجب ممتنعاً فالاثنان ممتنع وممتنع وتقدير مالا يتناهى من هذا تقدير ممتنعات لا تتناهى.
وإن قيل: إن وجود الواحد منها يستلزم وجود الواجب فتقدير
اثنين أولى أن يستلزم وجود الصانع، ولو أمكن وجود مالا يتناهى من العلل الممكنة كان ذلك أعظم في امتناعها، فكيف بما يتناهى، كما يقدر من يقدر أن العقل أولى أبدع الثاني والثاني أبدع الثالث، وفلكه إلى العاشر المبدع لما تحت الفلك، وإذا قدر مالا يتناهى كان الاستلزام أعظم.
فتبين أنه كلما كثرت الممكنات وتسلسلت كان ذلك أعظم في دلالتها على ثبوب الواجب واستلزامها له، والإنسان قد يتوهم إذا فرض علل هي معلولات لا تتنتهى، وتوهم أن العلة تكون وحدها مؤثرة في المعلول أو مقتضية له او موجبة فهذا ممتنع، فإن العلة إذا كانت معلولة لزم أنها لا تقوم بنفسها بل تفتقر إلى غيرها، فالنعلول المفتقر إليها مفتقر إلى علة علتها التي هي مفتقرة إليه، فيكون معلولها كما أنه مفتقر إليها مفتقر إلى كل ما هي مفتقرة إليه فإذا قدر من ذلك مالا يتناهى قدر انه محتاج إلى أمور لا تتناهى وليس فيها ما هو موجود بنفسه ولا غنى عن غيره.
ومن المعلوم أنه كلما كثرت الأمور المشروطة في وجود الموجود كان وجوده موقوفاً عليها كلها، وكان أبعد عن الوجود من الموجود الذي لا يتوقف وجوده إلا على بعض تلك الأمور، فإذا كان الممكن لا يوجد بعلة واحدة ممكنة، بل يمتنع وجوده بها، فإذا كثرت العلل الممكنة التي يتوقف وجوده عليها، كان وجوده أعظم في الامتناع، وأبعد عن الجواز، وإذا كانت الممكنات قد وجدت فقد وجد قطعاً مقتض لها مستغن عن غيره وكلما تدبر المتدبر هذه المعاني أزداد لها تبيناً وعلم ان كل ما يقدر وجوده من الممكنات فإنه دال على الواجب الغني بنفسه عن كل ممكن مباين له.
ومن العجب أن هؤلاء يذكرون في إثبات واجب الوجود من الشبهات ما يذكرون، وإن كانوا يجيبون عنها.
ثم إذا أخذوا وجوده إما مبرهناً وإما مسلماً، وصفوة من الصفات السلبية بأمور لم يدل عليها ما دل على وجوده، بل يصفونه بما يمتنع معه وجوده، حتى يعلم أن ما وصفوا به واجب الوجود لا يكون إلا ممتنع الوجود، كما قد بسط في غير هذا الموضع ولا يذكرون من القوادح المعارضة لتلك الأسلوب بعض ما يذكرونه في إثبات وجوده وإن توهموا بطلانها، مع أن تلك المعارضات
هي صحيحة قادحة فيما ينفى صفاته، بل الشيطان يلقى إليهم من الشبهات القادحة في الحق ما لو حصل لهم نظير من الأمور القادحة في الباطل لما اعتقدوه.
فهذا كله إذا أريد بالجملة الاجتماع المغايرة لكل واحد واحد، وغن أريد بها كل واحد واحد كان الأمر أظهر وأبين فإن كل واحد واحد ممكن مفتقر إلى الفاعل، فإذا لم يكن هناك جملة غير الآحاد امتنع أن يكون هناك غير الآحاد الممكنة مما يوصف بوجوب أو إمكان
وإن أريد بالجملة مجموع الأمرين الآحاد والاجتماع، كان الاجتماع جزءاً من أجزاء المجموع، فيكون هناك اجزاء متعاقبة، وجزء هو الاجتماع، وهذا الجزء يمتنع أن يكون واجباً بنفسه لأنه مفتقر إلى الممكنات، ولأنه عرض قائم بغيره، واحسن احواله ان يكون كالتأليف مع المؤلف، فإذا كان المؤلف ممكناً بنفسه فتأليفه أولى، بل قد يقال: ليس للجملة هنا أمر وجودي مغاير للأفراد المتعاقبة، وإنما لها أمر نسبي اعتباري، كالنسبة التي بين أفراد العشرة، وهذا وغيره مما يبين امتناع وجوبها بنفسها، فيبقى هذا الجزء ممكناً بنفسه فقيراً إلى غيره كسائر الأجزاء، فيكون حينئذ هناك كل منها محتاج إلى الموجد، فيحتاج كل منها إلى الموجد، والجملة هنا داخل في قولنا: كل منها، فإنه جزء من هذا الكل
فتبين انه كيفما ادبر المر ليس في الممكنات المتعاقبة لا واجب بنفسه ولا بغيره، إلا أن يكون هناك واجب بنفسه خارج عن الممكنات إذا كان كل فرد فرد ممكناً والاجتماع أيضاً ممكن بطريق الولى والمران ممكنان بطريق الأولى والحرى وكل من الأفراد مستغن عن الهيئة الاجتماعية فإنه موجود بدونها، وما احتاج إلى الممكن المستغن عنه كان أحق بالإمكان
وايضاح ذلك أنه إذا قدر كل موجود معلول مفعول مفتقر، وليس في الوجود إلا ما هو كذلك، كما إذا قدر ان الممكنات ليس لها مقتض واجب بنفسه، فإنه يكون المر كذلك وإن لم يجعل بعضها معلولاً لبعض، فهذا التقدير يقتضي أن لا يوجد شيء منها، لأنها لا توجد بانفسها، إذ التقدير كذلك، وما لم يكن موجوداً بنفسه فهو اولى ان لا يوجد غيره، فلا يكون شيء منها موجوداً بنفسه ولا موجوداً بغيره ومعلوم أن الموجود إما موجود بنفسه، وإما موجود بغيره، فإذا قدر انها موجودة، وقدر مع ذلك انها لا موجودة بأنفسها، ولا بموجد أوجدها لزم الجمع بين النقيضين، ولو قدر مع ذلك موجداً لغيره، والمعدوم لا يوجد غيره، فإذا لم يكن فيها ما هو موجود بنفسه لم يكن فيها ما هو
موجد لغيره، وهذا أعظم امتناعاً من تقدير أفعال لا فاعل لها، وجوادث لا محدث لها فإن تلك يكون التقدير فيها انها وجدت بلأنفسها، والتقدير هنا لم توجد بأنفسها ولا هناك ما هو موجود بنفسه يوجدها، ولا هناك غير موجود يوجدها وإنما التقدير معلولات مفتقرات، والمعلول من حيث هو معلول، والمفتقر من حيث هو مفتقر ليس فيه ما يقتضي وجوده، وإذا لم يكن لها وجود، ولا لمقتضيها وجود، لزم انتفاء الوجود عنها كلها، وهذا مع كونها موجودة جمع بين النقيضين
وهذا كلام محقق وتنبيه للإنسان بان يعلم أن مجرد تقدير معلولات ممكنة لا هي موجودة بنفسها ولا فيها علة موجودة بنفسه لا يقتضى وجود ذلك في الخارج فليس كل ما قدرته الذهان امكن وجوده في الأعيان لا سيما مع سلب الوجود عنها من نفسها ومن موجد يوجدها وإذا قدر ان المعلول الممكن له علة ممكنة فهي ايضاً معدومة من تلقاء نفسها، كما هي معدوم من تلقاء نفسه فليس فيما قدر قط شيء موجود فمن أين يحصل لها الوجود؟