الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ذكر القولين عنهم أبو البركات صاحب المعتبر وغيره وهو يختار أنه فاعل بالاختيار مع قوله بقدم الفعل وليست مسألة القدم ملازمة لمسألة الفاعل بالاختيار، لا عند هؤلاء ولا عند هؤلاء، كما ادعاه الرازي على الطائفتين وكذلك القول بإمكان معلول مفعول مقارن لفاعله هو قول بعض القائلين بقدم العالم لا قولهم كلهم ولا قول واحد من أتباع الرسل، ولا ممن يقول بان اله خالق لما برأه محدث له.
وحينئذ فالقول بتقدم الفاعل على مفعوله تقدماً مفعولاً زمانياً وإما مقدراً تقدير الزمان قول جمهور العقلاء فهذا أحد الجوابين.
الوجه الثاني
أن يقال: هب أنهم أرادوا بالتقدم تقدم العلة على المعلول، من غير تقدم بالزمان ولا تقدير الزمان، وكان اللازم هو الملزوم، لكن الشيء الواحد إذا عبر عنه بعبارتين تدل كل منهما على وصف غير الوصف الآخر، كان تعدد المعاني نافعاً، وإن كانت الذات واحدة، ولهذا قد تعلم الذات بوصف ولا تعلم بوصف آخر، فإذا كان ذات التقدم ذات العلة فليس المفهوم من نفس العلة هو المفهوم من نفس التقدم، وإن كان متلازمين، بل معنى العلة أنه اقتضاه وأوجبه، ومعنى التقدم أنه قبله.
وقد يفهم السبق والقبلية من لا يعلم أنه علة بعد.
فإذا قيل: لو كان علة قبله كان هذا صحيحاً.
ثم العقل يجزم بأن الشيء لا يكون قبل نفسه، فضلاً عن أن يكون قبل ما هو قبل نفسه، بأي وجه فسر معنى السبق والقبلية.
وحينئذ فيستدل بهذا على ذلك من لم يفهم الامتناع من لفظ العلة.
وأما من فهم الامتناع من لفظ العلة، كما عليه جمهور الفطر السليمة فلا يحتاج إلى هذا.
ولكن كون الشيء دليلاً على الشيء معناه أنه يلزم من ثبوته ثبوته.
والشيئان المتلازمان كل منهما يصلح أن يكون دليلاً على الآخر، ثم من شأن الإنسان أن يستدل بالظاهر على الخفي، لكن الظهور والخفاء من الأمور النسبية، فقد يظهر لهذا ما لا يظهر لهذا، وقد ظهر للإنسان في وقت ما يخفي عليه في وقت آخر.
فلهذا أمكن أن يستدل بهذا على ذاك، وبذاك على هذا، إذا قدر إن هذا أظهر من ذاك تارة، وذاك أظهر من هذا أخرى، وإما بحسب شخصين، وإما بحسب حالين.
وهذه المعاني من تفطن لها انجلت عنه شبه كثيرة فيما يورده الناس على الحدود والأدلة التي قد يقال إنه لا فائدة فيها ولا حاجة إليها، وذاك صحيح وقد يقال: بل ينتفع بها وهذا أيضاً صحيح.
لكن من حصر العلم بطريق عينه، هو مثل واحد معين ودليل معين، أخطأ كثيراً كما أن من قال: إن حد غيره ودليله لا يفيد بحال أخطأ كثيراً، وهذا كما أن الذين أوجبوا النظر، وقالوا: لا يحصل العلم إلا به مطلقاً، أخطأوا والذين قالوا: لا حاجة إليه بحال، بل المعرفة دائماً ضرورية لكل أحد في كل حال أخطأوا بل المعرفة
وإن كانت ضرورية في حق أهل الفطر السليمة فكثير من الناس يحتاج فيها إلى النظر، والإنسان قد يستغني عنه في حال ويحتاج إليه ف يحال وكذلك الحدود قد يحتاج إليها تارة ويتغنى عنها أخرى كالحدود اللفظية والترجمة قد يحتاج إليها تارة وقد يستغنى عنها أخرى وهذا له نظائر.
وكذلك كون العلم ضرورياً ونظرياً والاعتقاد قطعياً وظنياً، أمور نسبية فقد يكون الشيء قطعياً عند شخص وفي حال وهو عند آخر وفي حال أخرى مجهول فضلاً عن أن يكون مظنوناً وقد يكون الشيء ضرورياً لشخص وفي حال ونظرياً لشخص آخر وفي حال أخرى.
وأما ما أخبر به الرسول فإنه حق في نفسه لا يختلف باختلاف عقائد الناس وأحوالهم فهو الحق الذي لا يقبل النقيض ولهذا كل ما عارضه فهو باطل مطلقاً.
ومن هنا يتبين لك أن الذين بنوا أمورهم على مقدمات إما ضرورية أو نظرية أو قطعية أو ظنية بنوها على أمور تقبل التغير والاستحالة فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء وأما ما جاء به الرسول فهو حق لا يقبل النقيض بحال فهو صلى الله عليه وسلم يخبر بالحق كما قال أهل الجنة لما دخلوها: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق} الأعراف 43 وقد قال تعالى: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا} البقرة 119 {وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا} الأحزاب 46 وقال تعالى {أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون *
أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون * ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون} المؤمنون 69 -7 1.
وقال تعالى {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم * والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم * ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم} محمد 1- 2 ومثل هذا كثير.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يخبر بالحق ويقيم عليه الأدلة العقلية البرهانية الموصلة إلى معرفته كالأقيسة العقلية وهي الأمثال المضروبة.
قال تعالى {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا} الإسراء 89 وقال تعالى {ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} الكهف 54 إلى قوله تعالى {ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا * ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا} الكهف 56 - 57.
وقال تعالى: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون} الزمر: 27.
وهو سبحانه يجيب عن المعارضات كما قال تعالى {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا} الفرقان 23 وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن الطريقة الشرعية تتضمن الخبر بالحق والتعريف بالطرق الموصلة إليه النافعة للخلق وأما الكلام على كل ما يخطر ببال كل أحد من الناس من الشبهات السوفسطائية فهذا لا يمكن أن يبينه خطاب على وجه التفصيل.
والعلوم الفطرية الضرورية حاصلة مع صحة الفطرة وسلامتها، وقد يعرض للفطرة يفسدها ويمرضها فترى الحق باطلاً، كما في البدن إذا فسد أو مرض فإنه يجد الحلو مراً ويرى الواحد اثنين فهذا يعالج بما يزيل مرضه.
والقرآن فيه شفاء لما في الصدور من الأمراض.
والنبي صلى اله عليه وسلم علم أن وسواس التسلسل في الفاعل يقع في النفوس، وأنه معلوم الفساد بالضرورة، فأمر عند وروده بالاستعاذة بالله منه والانتهاء عنه، كما في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال:
هذا الله خلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله» .
وفي لفظ آخر «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء؟ من خلق الأرض؟ فيقول اله وزاد فليقل: آمنت بالله ورسله» .
وفي لفظ آخر يقول: «من خلق كذا؟ من خلق كذا حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته» هذا لفظ البخاري أو نحوه
وفي مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «قال الله عز وجل: إن أمتك لا يزالون يقولون: ما كذا؟ ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله سبحانه» .
وفي البخاري عن أنس قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يبرح الناس يتساءلون: هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله»