الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالله تعالى هو الموجود الواجب بنفسه، خالق لكل ما سواه وأما الهيئة الاجتماعية إن قدر لها وجود في الخارج فهي حاصلة به أيضاً سبحانه وتعالى. وأما المجموع الذي كل منه مفتقر إلى من يبدعه، وليس فيه موجود بنفسه، فيمتنع أن يكون فاعلهم واحداً منهم لأنه لا بد له من فاعل، فلو كان فاعلهم ما كان فاعل نفسه وغيره من الممكنات، ولزم أن يكون بعض أجزاء الممكنات كافياً في مجموع الممكنات، وإذا كان مجموع الممكنات يمتنع أن يكون فاعلها، فلأن يمتنع أن يكون بعضها فاعلاً لها بطريق الأولى، فإن ما يتعذر على المجموع يتعذر على بعضه بطريق الأولى، وما يفتقر إليه المجموع يفتقر إليه بعضه بطريق الأولى. وهذا المعترض أخذ ما يفتقر إليه المجموع لفظاً مجملاً، فالافتقار قد يكون افتقار المشروط إلى شرطه، وقد يكون افتقار المفعول إلى فاعله0 ثم أخذ يورد على هذا وعلى هذا، ونحن نجيب على كل تقدير.
الوجه الرابع
أن يقال أتعني بجملة ما يفتقر إليه المجموع ما إذا وجد وجد المجموع، وما لا يوجد المجموع إلا بوجوده كله مع قطع النظر عن كونه شرطاً أو فاعلاً، فإن جملة ما يفتقر إليه الشيء هو الجملة التي تشتمل على كل ما يفتقر إليه الشيء.
فكل ما كان الشيء مفتقراً إليه فهو
داخل في هذه الجملة، وإذا حصل كل ما يحتاج إليه الشيء لم يبق الشيء محتجاً إلى شيء أصلاً، فيلزم وجوده حينئذ، فإنه ما دام مفتقراً إلى شيء لم يوجد، وإذا حصل كل ما يتوقف وجوده عليه ولم يبق وجوده موقوفاً على شيء أصلاً لزم وجوده، فينبغي بجملة ما يتوقف وجود الشيء عليه الأمور التي إذا وجدت وجد المجموع، وإن لم توجد جميعها لم يوجد المجموع.
ومعلوم أنه إذا عنى به ذلك لم يمكن أن يكون ذلك بعضها، لأنه يلزم حينئذ أن يكون بعض الأجزاء كافياً في المجموع، فإنه قد فسر الجملة بما إذا حصل وجب حصول المجموع، وإن لم يحصل لم يجز حصوله، فلو كان بعض الأجزاء هو تلك الجملة لوجب أن يكون ذلك البعض كافياً في حصول المجموع، سواء قدر فاعلاً لنفسه ولباقي الجملة، أو قدر أن حصوله هو حصول المجموع، أو قدر غير ذلك من التقديرات الممتنعة، فأي تقدير قدر كان ممتنعاً، فإن جملة ما يفتقر إليه المجموع لا يكون بعض المجموع بأي تفسير فسر، وهو المطلوب.
ولكن لفظ المجموع فيه إجمال، فإنه قد يعني به مجرد الهيئة الاجتماعية، وقد يعنى به كل من الأفراد، أو كل من الأفراد مع الهيئة الاجتماعية، فإن عني به الأول فلا ريب أن هذا قد يكون بعض الأفراد موجباً له، كما في المجموع المركب من الواجب والممكن، فإن
الواجب هو الموجب للممكنات، وهو الموجب أيضاً للهيئة الاجتماعية، والهيئة الاجتماعية أمر ممكن خارج عن الواجب، ليس هو بعض الهيئة الاجتماعية، لكنه بعض الأفراد، والهيئة نسبة وإضافة، وليس هو بعض النسبة والإضافة ولكن هو بعض الأفراد المنسوب بعضها إلى بعض، والنسبة وسائر الأفراد غير له، وهو الموجب لكل ما هو غير له.
وأما المجموع الذي هو الأفراد فلا يكون بعضه هو الموجب لكل من الأفراد، فإن هذا يقتضي أن يكون ذلك البعض موجباً لنفسه فاعلاً لذاته، وهذا ممتنع بالضرورة واتفاق العقلاء بل هو من أبلغ الأمور امتناعاً، والعلم بذلك من أوضح المعارف وأجلاها، ولهذا لم يقل هذا أحد من العقلاء.
وإذا المجموع كلا من الأفراد مع الهيئة فهو أبعد عن أن يكون واحد من الأفراد موجباً لنفسه ولسائر الأفراد ومع الهيئة الاجتماعية، وهذا بين ولله الحمد والمنة.
واعلم أن مثل هذه الاعتراضات مع صحة الفطرة وحسن النظر يعلم فسادها، ومثل هذه الخواطر الفاسدة التي تقدح في المعلومات