الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعراض، وما كان مفتقراً إلى ممكن من الممكنات امتنع وجوبه بنفسه، فالمفتقر إلى كل واحد واحد من الممكنات ممكن بنفسه، ولا يوجد شيء مما هو ممكن بنفسه إلا بغيره، لم يوجد شيء من ذلك إلا بغيره، ويمتنع وجود الممكن بمجرد ممكن، فإن الممكن لا يوجد بنفسه، فلا يوجد به غيره بطريق الأولى وهو معنى قولهم: المعلق بالممكن أولى أن يكون ممكناً
الوجه الثالث
أن يقال: المجموع إما أن يكون مغايراً لكل واحد واحد، وإما أن لا يكون.
فإن لم يكن مغايراً بطل هذا السؤال، ولم يكن هناك مجموع غير الآحاد الممكنة، وإن كان مغايراً لها فهو معلول لها، ومعلول الممكن أولى أن يكون ممكناً.
وهذا معنى قول ابن سينا إن الجملة إذا لم تقتض علة أصلاً، أي لم يستلزم علة تكون موجبة للجملة، كانت واجبة غير معلومة وكيف يتأتى هذا وإنما تجب بآحادها.
يقول: هي لم تجب بنفسها، وإنما وجبت بآحادها، وما وجب بغيره لم يكن واجباً بنفسه.
كلام الآمدي في خطبة أبكار الأفكار
وإيضاح هذا بالكلام على عبارة الآمدي حيث قال هذا إشكال مشكل وربما يكون عند غيري حله مع أنه يعظم ما يتكلم فيه
من الكلام والفلسفة ويقول في خطبة كتابه أبكار الأفكار ما تقوله الفلاسفة من أنه لما كان كمال كل شيء وتمامه بحصول كمالاته الممكنة له، كان كمال النفس الإنسانية بحصول ما لها من الكمالات، وهي الإحاطة بالمعقولات، والعلم بالمجهولات، ولما كانت العلوم متكثرة، والمعارف متعددة، وكان الزمان لا يتسع لتحصيل جملتها، مع تقاصر الهمم وكثرة القواطع، كان الواجب السعي في تحصيل أكملها، والإحاطة بأفضلها، تقديماً لما هو الأهم فالأهم، وما الفائدة في معرفته أتم، ولا يخفى أن أولى ما تترامى إليه بالبصر أبصار البصائر
وتمتد نحوه أعناق الهمم والخواطر، ما كان موضوعه أجل الموضوعات وغايته أشرف الغايات، وإليه مرجع العلوم الدينية، ومستند النواميس الشرعية وبه صلاح العالم ونظامه، وحله وإبرامه والطرق الموصلة إليه يقينيات، والمسالك المرشدة نحوه قطعيات.
وذلك هو العلم الملقب بعلم الكلام، الباحث في ذات واجب الوجود، وصفاته وأفعاله، ومتعلقاته، ولما كنا مع ذلك قد حققنا أصوله، ونقحنا فصوله، وأحطنا بمعانيه، وأوضحنا مبانيه، وأظهرنا أغواره، وكشفنا أسراره، وفزنا فيه بقصب سبق الأولين، وحزنا غايات أفكار المتقدمين والمتأخرين، واستنزعنا منه خلاصة الألباب وفصلنا القشر عن اللباب، سألني بعض الأصحاب
والفضلاء من الطلاب جمع كتاب حاو لمسائل الأصول جامع لأبكار أفكار العقول.
وذكر تمام الكلام، فهو مع هذا الكلام، ومع ما في كلامه من ذكر مباحث أهل الفلسفة والكلام، يذكر مثل هذا السؤال المشكل الوارد على طريقة معرفة واجب الوجود، الذي لم يذكر طريقاً سواه، ويذكر أنه مشكل وليس عنده حله، ولكن من عدل عن الطرق الصحيحة الجلية، القطعية القريبة البينة، إلى طرق طويلة بعيدة، لم يؤمن عليه مثل هذا الانقطاع، كما قد نبه العلماء على ذلك غير مرة، وذكروا أن الطرق المبتدعة إما أن تكون مخطرة لطولها ودقتها وإما أن تكون فاسدة ولكن من سلك الطريق المخوقة، وكانت طريقاً صحيحة فإنه يرجى له الوصول إلى المطلوب.
ولكن لما فعل هؤلاء ما فعلوا، وصاروا يعارضون بمضمون طرقهم
صحيح المنقول وصريح المعقول، ويدعون أن لا معرفة إلا من طريقهم، أولا يكون عالماً كاملاً إلا من عرف طريقهم احتيج إلى تبين ما فيها دفعاً لمن يحارب الله ورسوله، ويسعى في الأرض فساداً، وبياناً للطرق النافعة غير طريقهم، وبياناً لأن أهل العلم والإيمان عالمون بحقائق ما عندهم، ليسوا عاجزين عن ذلك، ولكن من كان قادراً على قطع الطريق، فترك ذلك إيماناً واحتساباً، وطلباً للعدل والحق، وجعل قوته في الجهاد في أعداء الله ورسوله، كان خيراً ممن جعل ما أوتيه من القوة فيما يشبه قطع الطريق {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون * وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون * وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون * الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون * أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين * مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون * أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد
وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين} .
البقرة 11- 19
فإن الهدى الذي بعث الله به رسوله، لما كان فيه معنى الماء الذي يحصل به الحياة، ومعنى النور الذي يحصل به الإشراق، ذكر هذين المثلين، كما قال تعالى {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} الأنعام 122 وكما ضرب المثل بهذا وهذا في قوله تعالى {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال} الرعد 17.
ومن أعظم المصائب أن يصاب الإنسان فيما لا سعادة له ولا نجاة له