المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعليق ابن تيمية على كلام الآمدي - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌حدوث العالم والأجسام

- ‌معارضة الأرموي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌البرهان الثالث للرازي

- ‌معارضة الأرموي له

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌البرهان الرابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌البرهان الخامس

- ‌معارضة الأرموي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌طريقة الآمدي في الاستدلال على حدوث العالم

- ‌مسلك الآمدي على إثبات حدوث الأجسام

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌إيراد أحد المتكلمين الدليل على وجه آخر

- ‌حول إبطال القول بعدم النهاية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثالث

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الرابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام آخر للآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌قول آخر عن الآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الأقوال في مقارنة المعلول لعلته الثانية

- ‌إثبات الرازي للصانع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثالث

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الرابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الخامس

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم: فصل

- ‌كلام الآمدي في الأبكار في أثبات واجب الوجود

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌إبطال التسلسل

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌فصل

- ‌كلام الرازي في إثبات وجود الله

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الجويني في الإرشاد

- ‌كلام أبي القاسم الأنصاري

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كلام الشهر ستأتي في نهاية الإقدام

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌موافقة الرازي لابن سينا وإنكار ابن رشد على ابن سينا

- ‌وجماع ذلك أن الدور نوعان، والتسلسل نوعان

- ‌سؤال للآمدي وأجوبة عنه

- ‌الثاني

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌فصل

- ‌موقف الرازي من طريقة ابن سينا

- ‌كلام ابن سينا في إثبات وجود الله تعالى

- ‌تعليق على كلام ابن سينا

- ‌كلام الآمدي في دقائق الحقائق

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الآمدي

- ‌المجموع مغاير لكل واحد من الآحاد

- ‌كلام ابن سينا

- ‌كلام السهروردي

- ‌الرد على ذلك من وجوه

- ‌الرد على ذلك من وجوه

- ‌الوجه الثالث

- ‌كلام الآمدي في خطبة أبكار الأفكار

- ‌الرد على الآمدي

- ‌وجوه الرد على الآمدي

- ‌الثاني

- ‌الثالث

- ‌الرباع

- ‌الخامس

- ‌فصل: اعتراض الأبهري على حجة قطع التسلسل في العلل

- ‌الرد على الأبهري من وجوه

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌اعتراض الأبهري فاسد من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌يمكن إيراد الجواب على وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الرد على باقي الاعتراض

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌فصل غلط المبتدعة في الله سبحانه على طرفي نقيض

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الدليل الثالث على إبطال التسلسل

- ‌اعتراض الأبهري عليه

- ‌الجواب عن هذا الاعتراض من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌جهل المبتدعته وحيرتهم

- ‌الطرق المختلفة لإثبات الخالق تعالى

- ‌الطريقة الصحيحة الموافقة للفطرة في إثبات وجود الله تعالى

- ‌طريقة ابن سينا وأتباعه في إثبات وجود الله تعالى

- ‌بطلان قول الفلاسفة حول كمال النفس

- ‌بطلان هذا القول من وجوه والرد عليهم في ذلك

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌تقرير الآمدي لطريقة المتأخرين في إثبات واجب الوجود

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌الرد على قولهم

- ‌الوجه الثاني

- ‌الطريقة النبوية إيمانية وبرهانية

- ‌بيان ذلك من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌فصل

- ‌كلام لابن تيمية في مبحث التصورات

- ‌حقيقة الحدود

- ‌فصل طرق معرفة الله كثيرة ومتنوعة

- ‌ طريقة ابن سينا

- ‌عودة إلى كلام ابن سينا

- ‌التعليق على كلام ابن سينا

- ‌الاعتراض على ما سبق من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌الوجه الحادي عشر

- ‌فصل تقرير الآمدي للمسلك الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الآمدي

- ‌شبهة للملاحدة

- ‌الجواب عنها من وجوه

- ‌والثاني

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌كلام الشهر ستاني في نهاية الإقدام

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الشهرستاني

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌كلام الغزالي في تهافت الفلاسفة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه الثاني

- ‌كلام الغزالي في مسألة صفات الله

- ‌تعليق ابن رشد على الغزالي

- ‌كلام آخر للغزالي في مسألة التركيب

- ‌تعليق ابن رشد على كلام الغزالي

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الغزالي وابن رشد

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام لابن رشد باطل من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌كلام ابن تومرت

- ‌ما ورد في كتاب الدليل والعلم

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الآمدي في تقرير هذا المسلك

- ‌ذكر الآمدي في حدوث الأجسام سبعة مسالك وزيف ستة منها

- ‌المسلك السابع الذي اعتمده

- ‌تعليق ابن تيمية

الفصل: ‌تعليق ابن تيمية على كلام الآمدي

والأجسام حادثة فالأعراض كلها حادثة ضرورة عدم قيامها بغير الجواهر والأجسام، والعالم لا يخرج عن الجواهر والأعراض، فيكون حادثاً

قال الآمدي وهذا المسلك ضعيف أيضاً إذ لقائل أن يقول المقدمة الأولى وإن كانت مسلمة غير أن المقدمة الثانية وهي أن كل مفتقر إلى المخصص محدث ممنوعة، وما ذكر في تقريرها باطل بما سبق من المسلك الأول وبتقدير تسليم حدوث ما أشير إليه من الصفات، فلا يلزم أن تكون الجواهر والأجسام حادثة، لجواز أن تكون هذه الصفات متعاقبة عليها إلى غير النهاية، إلا بالالتفات إلى ما سبق في بيان امتناع حوادث متعاقبة لا أول لها تنتهي إليه

‌تعليق ابن تيمية على كلام الآمدي

قلت هذا المسلك أضعف من مسألة الحركة والسكون، فإن هذا يفتقر إلى ما يفتقر إليه ذاك من غير عكس، إذ كلاهما مفتقر إلى بيان

ص: 354

امتناع حوادث متعاقبة، وقد عرف ما فيه. وهذا يزيد باحتياجه إلى بيان أن الجسم لا يخلو عن صفات حادثة غير الحركة والسكون، وهذا يخالف فيه جمهور العقلاء، وهذا مبني على مقدمات، على أنه لا بد من قدر أو اجتماع أو افتراق، وان ذلك لا يكون إلا بمخصص، وأن كل ما لا بد له من مخصص فهو محدث

أما المقدمة الأولى فجمهور العقلاء سلموا أنه لا بد له من قدر، وأما كونه لا بد له من اجتماع وافتراق فهو مبني على مسألة الجوهر الفرد

وأكثر العقلاء من طوائف المسلمين وغيرهم ينكرون الجوهر الفرد، حتى الطوائف الكبار من أهل الكلام، كالنجارية والضرارية والهشامية والكلابية وكثير من الكرامية مع أكثر الفلاسفة، وإن كان القول بتركيب الجسم من المادة والصورة، كما يقوله من يقوله من المتفلسفة أيضاً، أفسد من دعوى تركبه من الجواهر الفردة، فكلا القولين ضعيف

ونحن في هذا المقام مقصودنا التنبيه على جوامع الطرق ومقاصدها وأما كون ما له قدر يفتقر إلى مخصص، فهذا فيه نزاع مشهور 0 وذلك أن القدر صفة من صفات ذي القدر، كألوانه وأكوانه وسائر ما يمكن أن يتصف به الجسم من الحياة والعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر

ص: 355

وغير ذلك، فإن صفاته نوعان منها ما يختص بالأحياء مثل هذه الصفات، ومنها ما يشترك فيه الحي وغيره، كالألوان والقدر والطعم والريح

فإذا قال القائل كل ذي قدر يمكن أن يكون قدرو على خلاف ما هو عليه، كان بمنزلة أن يقول كل موصوف يمكن أن يكون موصوفاً بخلاف صفته 0 فإذا عرضنا على عقولنا ما نعلمه من الموجودات التي لها أقدار وصفات، كان تحويزنا لكونها على خلاف أقدارها كتجويزنا لها أن تكون على خلاف صفاتها، بل القدر من الصفات

ولهذا لما تكلم الفقهاء في مفهوم الصفة كقوله صلى الله عليه وسلم في الإبل السائمة الزكاة تكلم بعضهم في مفهوم القدر كقوله إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، فقال آخرون القدر من جملة الصفات

ولهذا كان مما احتيج به من احتج به من أهل الكلام على الفلاسفة في مسألة حدوث العالم، أن العالم له صفات وأقدار يمكن أن يكون على خلافها، فهو مفتقر إلى مخصص، لأن العالم ممكن بالاتفاق والمخصص لا يكون موجباً بالذات

وقد سلك هذا الطريق أبو المعالي في النظامية فسالكو هذه الطريقة ومنازعوهم لم يفرقوا بين القدر وسائر الصفات في إمكان القبول وعدمه، والقدر المعين أقرب إلى الذات المعينة من الصفات

ص: 356

المطلقة، كما أن صفاته المخصوصة ألزم له من جنس القدر، فإن نفس الجسم التعليمي الذي يقدر في الذهن لا يمكن فرضه إلا وله قدر يمكن فرضه خالياً عن جميع الصفات، لنه فرض جسم شامل لجميع الأجسام ن فلهذا قدر مجرداً عن جميع الصفات، كما يفرض عدد مجرد عن جميع المعدودات

وكذلك ما يتخيله الإنسان من الأجسام بعد رؤيته له، كتخيله الإنسان والفرس والشجر والدار والمدينة والجبل ونحو ذلك، يمكنه تخيله مع عدم تخيل شيء من صفاته كألوانه وغيرها، ولا يمكنه تخيله مع نفي قدره، فاختصاص جنس الجسم بجنس القدر كاختصاص جنس الموصوفات بجنس الصفات، واختصاص الجسم المعين بقدره كاختصاصه بصفته المعينة وحقيقته المخصوصة

وكل شيء له حقيقة تخصه، وقدر، وصفات تقوم به 0فهنا ثلاثة أشياء المقدار، والحقيقة، وصفات الحقيقة

فقول القائل كل ذي قدر يمكن أن يكون بخلاف ذلك القدر، كقوله كل موصوف يمكن وجوده على خلاف تلك الصفات وهو أقرب من قوله كل ماله حقيقة فيمكن وجوده على خلاف تلك الحقيقة

ولكن في هذا المقام يكفي أن يجعل حكم المقدار حكم سائر

ص: 357

الصفات، فلا ريب أن كيفية الموصوف وصفاته ألزم له من قدره، فكيفيته أحق به من كميته، فاختصاصه بقدر دون اختصاصه بصفة فالنار والماء والهواء يلزمها كيفياتها المخصوصة أعظم مما يلزمها المقدار المعين

فيقال إن أمكن أن يقرر أن كل جسم يقبل من الصفات خلاف ما هو عليه، وما كان كذلك فهو ممكن أو محدث، كان هذا دليلاً عاماً لا يختص بالمقدر، وغن لم يمكن ذلك فلا فرق بين القدر وغيره

وأحد الطرق التي ذكرها إبرازي وغيره في إثبات الصانع تعالى الاستدلال بإمكان صفات الجسم أو حدوثها، لم يفرق السالكون فيه بين القدر وغيره

ثم لقائل أن يقول قول القائل كل ذي قدر يمكن أن يكون أكبر أو أصغر أو كل ذي وصف يمكن أن يكون بخلاف ذلك الوصف ونحو ذلك أتريد به الإمكان الذهني إن الخارجي؟ والفرق بينهما أن إمكان الذهني معناه عدم العلم بالامتناع ن فليس في ذهنه ما يمنع ذلك. والإمكان الخارجي معناه العلم بالإمكان في الخارج

ص: 358

والإنسان يقدر في نفسه أشياء كثيرة يجوزها ولا يعلم أنها ممتنعة، ومع هذا فهي ممتنعة في الخارج لأمور أخر

فإن قال أريد به الإمكان الذهني، لم ينفعه ذلك، لأن غايته عدم العلم بامتناع كون تلك الصفة واجبة له

وإن قال أريد إمكان الخارجي وهو أني اعلم أن كل موصوف بصفة، أو كل ذي قدر يمكن أن يكون بخلاف ذلك، كان مجازفاً في هذا الكلام، لأن هذه قضية كلية تتناول من الأفراد ما لا يحصيه إلا الله تعالى، وليس معه دليل يدل على إمكان ذلك في الخارج يتناول جميع هذه الأفراد 0 غايته انه رأى بعض الموصوفات والمقدرات يقبل خلاف ما هو عليه، فإذا قاس الغائب على الشاهد كان هذا من أفسد القياس لاختلاف الحقائق، ولأن هذا ينعكس عليه

فيقال له لم نر إلا ماله صفة، فيقاس الغائب على الشاهد

ويقال كل قائم بنفسه فله صفة وقدر، وهذا إلى المعقول أقرب من قياسهم، فإن هذا لا يعلم انتقاضه

وأما قول القائل كل ماله صفة وقدر فيقبل خلاف ذلك، فلا يعلم اطراده، فأين القياس الذي لا يعلم افتقاده من القياس الذي لا يعلم اطراده؟

والناس متفقون على أنهم لم يروا موجوداً إلا له صفة وقدر وليسوا متفقين على أن كل ما رأوه يمكن وجوده على خلاف صفاته

ص: 359

وقدره مع بقاء حقيقته التي هو بها هو، ولكن مع استحالة حقيقته فاستحالة قدره وصفاته أولى

ثم إن ما نشاهد من السماوات غنما نعلم جواز كونها على خلاف هذه الصفات بأدلة منفصلة، لا نعلم ذلك ضرورة ولا حساً 0 ولهذا نازع في ذلك كثير من العقلاء الذين لا يجمعهم مذهب معين تلقاه بعضهم عن بعض 0 ولو كان هذا الجواز معلوماً بالضرورة لم ينازع فيه طوائف العقلاء الذين لم يتواطأوا على قول، فإن هؤلاء لا يتفقون على جحد الضروريات

ثم يقال هذا بعينه معارض بالحقائق في نفسها وصفاتها اللازمة لها، فإنه يمكن أن يقال كل موجود له حقيقة تخصه يمتاز بها عن غيره، فاختصاص ذلك الموجود بتلك الحقيقة دون غيرها من الحقائق يفتقر إلى مخصص

ويقال أيضاً كل موجود له صفات لازمة تخصه، فاختصاصه بتلك الصفات دون غيرها يفتقر إلى مخصص

ومن المعلوم انه قد علم بضرورة العقل واتفاق العقلاء أنه لا بد من وجود واجب بنفسه قديم ن وموجود ممكن محدث ن فإنا نشاهد حدوث الحوادث، والحادث ممكن وإلا لما وجد، وليس بواجب بنفسه وإلا لم

ص: 360

يعدم، ويعلم بالضرورة أن طبيعة المحدث لا تكون إلا بقديم وطبيعة الممكن لا تكون إلا بواجب، كما قد بسط في غير هذا الموضع

فإذا كانت الموجودات منقسمة إلى قديم ومحدث، وواجب وممكن، فمن المعلوم انهما يشتركان في مسمى الوجود والماهية، والذات والحقيقة، وغير ذلك، ويختص الواجب بما لا يشركه فيه غيره

بل من المعلوم بالضرورة إن الواجب له حقيقة تخصه لا يشركه فيها غيره ن فإن كان كل مختص يفتقر مباين له، افتقرت حقيقة الواجب بنفسه إلى مخصص مباين له، فلا يكون في الموجودات قديم ولا واجب فيلزم حدوث الحوادث بلا محدث ووجود الممكنات بلا واجب

وهذا كما أنه معلوم الفساد بالضرورة فلم يذهب إليه احد من العقلاء بل غاية الدهري المعطل الكافر أن يقول: العالم قديم واجب الوجود بنفسه، لا يقول: إنه ممكن محدث ليس له مبدع وإذا قال الدهري إن العالم واجب الوجود بنفسه لزمه أن الواجب بنفسه مختص عن غيره بصفات لا يشركه فيها غيره كالحوادث من الحيوان والنبات والمعدن.

ففي الجملة كل عاقل مضطر إلى إثبات موجود واجب بنفسه له

ص: 361

حقيقة يختص بها عما سواه من غير مخصص مباين له خصصه بتلك الحقيقة.

ومن قال: إن واجب الوجود هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق أو لا بشرط.

فيقال له: هذا القول وإن كان فساده معلوماً بالاضطرار كما بين في موضعه قول متناقض وهو مستلزم أنه مختص عن غيره بما يخصه.

وذلك أن المطلق لا يوجد في الخارج مطلقاً، ولا يوجد إلا مقيداً بقيد من القيود.

فإذا قيل: موجود واجب قيده بالوجوب فلم يبق مطلقاً.

وإن قال: ليس بواجب قيده بسلب الوجوب فلم يكن مطلقاً.

وإن ادعى وجود موجود لا واجب ولا غير واجب لزمه رفع النقيضين جميعاً، وهو أظهر الأمور الممتنعة في بديهة العقل.

ثم إنه يقيده بكونه مبدأ لغيره وبكونه عاقلاً ومعقولاً وعقلاً وعاشقاً ومعشوقاً وعشقاً، وغير ذلك من الأمور المقيدة المخصصة التي يمتاز بها من غيره ولا يكون وجوداً مطلقاً.

ص: 362

ثم إن قال هو مطلق لا بشرط لزمه ان يصدق حمله على كل موجود كما أن الحيوان المطلق لا بشرط يصدق عليه حمله على الإنسان والفرس وغيرهما من الحيوانات وهذا متفق عليه بين العقلاء فيلزم حينئذ أن يكون كل موجود واجب الوجود، إن كان واجب الوجود هو الوجود المطلق لا بشرط كما يقوله الصدر القونوي وامثاله من الملاحدة الباطنية باطنية الرافضة وباطنية الصوفية.

ومعلوم أن هذا مكابرة للحس والعقل، وهو منتهى الإلحاد في الدين.

وإن قال هو مطلق بشرط الإطلاق، كما يقوله طائفة من ملاحدة الطائفتين ممن يرفع عنه النقيضين فهم قد قرروا في منطقهم ان المطلق بشرط الإطلاق لا يكون إلا في الأذهان لا في الأعيان ثم يلزمهم ان لا يصفوه بالوجوب، ولا بكونه علة، ولا عاقلاً ولا معقولاً، ولا عاشقاً ولا معشوقاً لأن هذه كلها تخرج الوجود عن أن يكون مطلقاً بشرط الإطلاق وتميزه عما ليس كذلك، والمطلق لا بشرط ليس فيه اختصاص ولا امتياز.

وإن قالوا: مطلق بشرط سلب سائر الأمور التثبوتيه عنه وهو الموصوف بالسلوب والإضافات دون الإثبات كما يقوله ابن سينا

ص: 363

وطائفة فهذا مع أنه باطل من وجوه كثيرة ليس هو مطلقاً بل موجود مقيد بقيود سلبية وإضافية وذلك نخصيص امتاز به عن سائر الموجودات على أي وجه قدر.

ثم يقال كل ما أشار إليه العقل من الأمور فلا بد له من حقيقة تختص به تميزه عما سواه كيفما كان وكل ما هو موجود في الخارج فلا بد له من وجود يختص به يمتاز به عما سواه فإن كان كل ما اختص بأمر يخصه يجب أن يكون له مخصص من خارج امتنع ان يكون في الوجود موجود بنفسه وأن تكون حقيقة من الحقائق موجودة بنفسها وأن يكون ثم وجود واجب.

ثم يلزم التناقض والدور الممتنع والتسلسل الممتنع فغنه إذا افتقر كل مختص إلى مباين يخصه فذاك الثاني إما أن يفتقر إلى مخصص وإما ان لا يفتقر فإن لم يفتقر انتقضت القضية الكلية وهو المطلوب.

وإن افتقر إلى الأول لزم الدور القبلي، وإن افتقر إلى غيره لزم التسلسل في العلل، وكلاهما ممتنع باتفاق العقلاء.

ولو قدر مقدر أنه يلزم الدور المعي، وهو أن يكون كل من المختصين موجوداً مع الآخر.

ص: 364

فيقال فكل منهما مختص بأمر فهو متوقف على ما اختصت به نفسه وعلى ما اختص به الآخر فيلزم أن يكون هناك اختصاصات فالقول في ذلك الاختصاص كالقول في الأول.

وبالجملة اختصاص الشيء بما هو عليه من خصائص كاختصاصه بنفسه ووجوده وصفاته كلها لازمها عارضها فقول القائل كل مختص لا بد له من مخصص مباين له كقوله كل موجود فلا بد له من موجد مباين له وكل حقيقة فلا بد لها من محقق مباين لها وكل قدئم بنفسه فلا بد له من مقوم مباين له وأمثال ذلك.

فإنه ما من أمر من هذه الأمور إلا ويمكن الذهن أن يقدره على خلاف ما هو عليه ومجرد تقدير إمكان ذلك في الذهن لا يوجب إمكان ذلك في الخارج، ولكن طائفة من أهل الجدل الباطل والحكمة السوفسطائية يستدلون على إمكان الشيء في الخارج بإمكانه في الذهن كما يوجد مثل ذلك في كلام كثير من أهل الكلام والفلسفة.

والرازي والآمدي ونحوهما يستعملون ذلك كثيراً كاستدلال الرازي وغيره على إمكان وجود موجود لا مباين للعالم ولا مجانب بأن يقولوا القسمة العقلية تقتقضي أن كل موجود فاما مباين لغيره وإما مجانب له وإما لا مباين ولا مجانب أو كل موجود فإما داخل في غيره وإما خارج عنه وإما لا داخل ولا خارج.

ص: 365

ويجعلون مثل هذا التقسيم دليلاً على إمكان كل من الأقسام في الخارج وقد يسمون ذلك برهاناً عقياً وهو من أفسد الكلام، فإن هذا بمنزلة القائل: كل موجود فإما أن يكون قائماً بنفسه أو قائماً بغيره، وإما أن لا يكون قائماً بنفسه ولا بغيره فإن هذا لا يقتضى إمكان وجود موجود لا قائم بنفسه ولا بغيره، بل هذا ما يعلم امتناعه بالضرورة واتفق العقلاء على امتناعه.

ومثله أن يقال كل موجود إما قديم أو محدث أو لا قديم ولا محدث ومثله كل موجود غما واجب أو ممكن أو لا هذا ولا هذا وكل موجود إما خالق أو مخلوق أو لا خالق ولا مخلوق ومثله إما عالم أو جاهل أو لا عالم ولا جاهل ومثله إما حي وميت أو لا حي ولا ميت.

فهذه التقسيمات وأمثالها لا تدل على إمكان كل قسم منها ولا على وجوده في الخارج باتفاق العقلاء بل العقلاء متفقون على أن الموجود إما واجب وإما ممكن وإما قديم وإما محدث وإما قائم بنفسه وإما قائم بغيره.

فأما تقسيم كل قائم بنفسه إلى الحي والميت والعالم والجاهل والقادر والعاجز فهو أيضاً صحيح عند جماهير العقلاء وهو قول المثبة لأسماء الله الحسنى وهو انه حي عالم قادر.

ص: 366