المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ما يغاير ذلك حتى يقال: هو واجب بنفسه فلا يمكن - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌حدوث العالم والأجسام

- ‌معارضة الأرموي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌البرهان الثالث للرازي

- ‌معارضة الأرموي له

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌البرهان الرابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌البرهان الخامس

- ‌معارضة الأرموي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌طريقة الآمدي في الاستدلال على حدوث العالم

- ‌مسلك الآمدي على إثبات حدوث الأجسام

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌إيراد أحد المتكلمين الدليل على وجه آخر

- ‌حول إبطال القول بعدم النهاية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثالث

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الرابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام آخر للآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌قول آخر عن الآمدي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الأقوال في مقارنة المعلول لعلته الثانية

- ‌إثبات الرازي للصانع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الثالث

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الرابع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الخامس

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم: فصل

- ‌كلام الآمدي في الأبكار في أثبات واجب الوجود

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌إبطال التسلسل

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌فصل

- ‌كلام الرازي في إثبات وجود الله

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الجويني في الإرشاد

- ‌كلام أبي القاسم الأنصاري

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كلام الشهر ستأتي في نهاية الإقدام

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌موافقة الرازي لابن سينا وإنكار ابن رشد على ابن سينا

- ‌وجماع ذلك أن الدور نوعان، والتسلسل نوعان

- ‌سؤال للآمدي وأجوبة عنه

- ‌الثاني

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌فصل

- ‌موقف الرازي من طريقة ابن سينا

- ‌كلام ابن سينا في إثبات وجود الله تعالى

- ‌تعليق على كلام ابن سينا

- ‌كلام الآمدي في دقائق الحقائق

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الآمدي

- ‌المجموع مغاير لكل واحد من الآحاد

- ‌كلام ابن سينا

- ‌كلام السهروردي

- ‌الرد على ذلك من وجوه

- ‌الرد على ذلك من وجوه

- ‌الوجه الثالث

- ‌كلام الآمدي في خطبة أبكار الأفكار

- ‌الرد على الآمدي

- ‌وجوه الرد على الآمدي

- ‌الثاني

- ‌الثالث

- ‌الرباع

- ‌الخامس

- ‌فصل: اعتراض الأبهري على حجة قطع التسلسل في العلل

- ‌الرد على الأبهري من وجوه

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌اعتراض الأبهري فاسد من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌يمكن إيراد الجواب على وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الرد على باقي الاعتراض

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌فصل غلط المبتدعة في الله سبحانه على طرفي نقيض

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الدليل الثالث على إبطال التسلسل

- ‌اعتراض الأبهري عليه

- ‌الجواب عن هذا الاعتراض من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌جهل المبتدعته وحيرتهم

- ‌الطرق المختلفة لإثبات الخالق تعالى

- ‌الطريقة الصحيحة الموافقة للفطرة في إثبات وجود الله تعالى

- ‌طريقة ابن سينا وأتباعه في إثبات وجود الله تعالى

- ‌بطلان قول الفلاسفة حول كمال النفس

- ‌بطلان هذا القول من وجوه والرد عليهم في ذلك

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌تقرير الآمدي لطريقة المتأخرين في إثبات واجب الوجود

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل

- ‌الرد على قولهم

- ‌الوجه الثاني

- ‌الطريقة النبوية إيمانية وبرهانية

- ‌بيان ذلك من وجوه: الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌فصل

- ‌كلام لابن تيمية في مبحث التصورات

- ‌حقيقة الحدود

- ‌فصل طرق معرفة الله كثيرة ومتنوعة

- ‌ طريقة ابن سينا

- ‌عودة إلى كلام ابن سينا

- ‌التعليق على كلام ابن سينا

- ‌الاعتراض على ما سبق من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌الوجه الحادي عشر

- ‌فصل تقرير الآمدي للمسلك الثاني

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الآمدي

- ‌شبهة للملاحدة

- ‌الجواب عنها من وجوه

- ‌والثاني

- ‌الثالث

- ‌الرابع

- ‌الخامس

- ‌كلام الشهر ستاني في نهاية الإقدام

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الشهرستاني

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌كلام الغزالي في تهافت الفلاسفة

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الوجه الثاني

- ‌كلام الغزالي في مسألة صفات الله

- ‌تعليق ابن رشد على الغزالي

- ‌كلام آخر للغزالي في مسألة التركيب

- ‌تعليق ابن رشد على كلام الغزالي

- ‌تعليق ابن تيمية على كلام الغزالي وابن رشد

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام لابن رشد باطل من وجوه

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌كلام ابن تومرت

- ‌ما ورد في كتاب الدليل والعلم

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الآمدي في تقرير هذا المسلك

- ‌ذكر الآمدي في حدوث الأجسام سبعة مسالك وزيف ستة منها

- ‌المسلك السابع الذي اعتمده

- ‌تعليق ابن تيمية

الفصل: ما يغاير ذلك حتى يقال: هو واجب بنفسه فلا يمكن

ما يغاير ذلك حتى يقال: هو واجب بنفسه فلا يمكن أن يكون هنا ما هو واجب بنفسه.

وقد أبطل غيره هذا القسم بوجهين: أحدهما ذكره الرازي والآمدي: أن ما كان سبب المجموع كان سبب كل واحد من أجزاء ذلك المجموع، فلو قدر جزء من أجزاء المجموع سبباً لزم كزن الجزء سبباً لنفسه، فيلزم كون الممكن علة معلولاً.

وأيضاً فذلك الجزء معلول فإذا كان هو مرجحاً للمجموع كان مرجحاً لعلته فيكون علة لعلته.

‌فصل

ولم يذكر أن سينا ولا غيره في إثبات واجب الوجود قطع الدور، كما لم يذكر الجمهور قطع التسلسل لظهور فساده.

وقد ذكرنا غير مرة أن المقدمة إذا كانت معلومة، مثل علمنا بأن المحدث لا بد له من محدث، بل مثل علمنا أن هذا المحدث له محدث، كان العلم بها كافياً في المطلوب، وأن ما يرد على الأمور المعلومة هو من جنس شبه السوفسطائية التي لا نهاية لها، فيجب الفرق بين ما يكون من المقدمات خفياً على أكثر الناس يحتاج إلى بيان، وما يكون معلوماً لأكثر، والشبة الواردة عليه من جنس شبه السوفسطائية.

ولما كان أهل الكلام كثيراً ما يوردون يورد عليهم ما هو من جنس شبه السوفسطائية، كما يورده الكفار الذين يجادلون بالباطل ليدحضوا به

ص: 286

الحق، لم يكن لهذا حد محدود ولا عد معدود، بل هو بحسب ما يخطر للقلوب.

فلهذا صار كلما طال الزمان أورد المتأخرون أسولة سوفسطائية لم يذكره المتقدمون.

وزاد المتأخرون مقدمة في الدليل لدفع ذلك السؤال، فزادوا أولا: أن المحدث لا يختص بوقت دون وقت إلا بمخصص، والأوقات متماثلة، والأمور المتماثلة يمتنع اختصاص بعضها دون بعض إلا بمخصص منفصل.

ثم زادوا بعد هذا: ان التخصيص ممكن، والممكن لا يترجح ودوده على عدمه إذ لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح وزادوا أن المرجحات يمتنع تسلسلها كما تقدم، ثم زادوا بعد هذا قطع الدور.

وكذلك ابن سينا لم يذكر في برهانه أن الممكن لا يوجد من نفسه فلا بد أن يوجد بغيره فقال الرازي لا يلزم من صحة قولنا ليس الممكن موجوداً من ذاته صحة قولنا: إنه موجود بغيره لأن بين القسمين واسطة وهي أن لا يكون وجوده من شيء أصلاً لا من ذاته ولا من غيره وإذا كان كذلك لم يتم البرهان إلا بذكر هذا القسم وإبطاله: إما بادعاء الضرورة في فساده أو بذكر البرهان على فساده.

قال وهو لم يفعل شيئاً من ذلك

ص: 287

فيقال له كون وجود الشيء لا من نفسه ولا من غيره، هو مما يعلم فساده بالضرورة والأمور المعلومة الفساد بالضرورة لا يجب على كل مستدل تقديرها ونفيها، فإن هذا لا غاية له، وإنما يذكر الإنسان من ذلك ما قد قيل أو خطر بالبال، فأما الذهن والصحيح الذي يعلم بالضرورة فساد مثل هذا التقدير، فهو لا يورده على نفسه ولا يورده عليه غيره وإنما يقع الإيراد عند الشك والاشتباه فإن قدر من الناس من يشك ف يهذا احتاج مثل هذا إلى البيان وقد قلنا إن الأسولة السوفسطائية ليس لها حد محدود ولا عد معدود.

وهذا نظير قول القائل: إن المحدث الذي كان بعد أن لم يكن لم يحدث نفسه، وهذا كله من العلوم البديهية الضرورية الفطرية التي هي من أبين الأمور عند العقلاء.

ولو احتاج المستدل أن يذكر من الأقسام ما يخطر ببال كل أحد، وإن كان فساده معلوماً بالضرورة، لقال: الممكن إذا لم يوجد بنفسه فإما أن يوجد بموجد او بغير موجد وإذا وجد بموجد، فلذلك الموجد إما أن يوجده وهو معدوم، أو يوجده وهو موجود.

ثم يريد أن يبطل الثاني بأن الموجد لا يوجد وهو معدوم، كما فعل ذلك طائفة من أهل الكلام، وإذا أراد أن يبطل ذلك قال: والمعدوم لا يكون موجداً لأن العدم لا يتميز فيه شيء عن شيء والموجد

ص: 288

لا بد أن يتميز عن غيره، وإذا قيل: المعدوم يتميز فيه شيء عن شيء على قول من يقول: المعدوم شيء تبين أن المعدم ليس بشيء فيكون إثبات وجود الصانع موقوفاً على إبطال قول هؤلاء كما فعل ذلك طائفة من أهل الكلام.

ومن المعلوم ان إبطال هذا أدق من إبطال كون الشيء الذي لا يكون وجوده من نفسه يكون موجوداً لا بنفسه ولا بغيره، إذ كان من المعلوم البين لكل أحد أن ما لم يوجد بنفسه، فلا بد ان يكون وجوده بغيره، وأما تقدير موجود لم يوجد بنفسه ولا بغيره فهو ممتنع، فإنه لا يعني بكونه موجوداً بنفسه أن نفسه أوجدته إذ كان هذا معلوم الامتناع، بل يعني أنه لا يحتاج في وجوده إلى غيره بل وجوده واجب بنفسه، فهو موجوداً أزلاً وأبداً، فظهور صحة هذا الكلام وبطلان نقيضه أبين مما يستدل به عليه، بل يمكن هنا إيراد أسولة أخرى يطول بها الكلام.

وقال الرازي أيضاً: قد كان الواجب على ابن سينا أن يتكلم قبل هذا الفصل في بيان أن سبب الممكن لا يكون مقدماً عليه تقدماً زمانياً فإنه لو جاز ذلك لما امتنع إسناد كل ممكن إلى آخر قبله لا إلى أول، وذلك عنده غير ممتنع، فكيف يمكن إبطاله لإثبات واجب الوجود.

وأما إذا قامت الدلالة على أن السبب لا بد من وجوده مع المسبب فحينئذ لو حصل التسلسل لكانت تلك الأسباب والمسببات بأسرها حاضرة معاً، وذلك عنده محال.

ص: 289

والبرهان الذي ذكره في إبطال التسلسل أيضاً مختص بهذه الصورة، فكان الأولى تقديم الكلام في هذه المسألة، لكن لما كان في عزمه أن يذكره في موضع آخر، وهو النمط الخامس من هذا الكتاب، لا جرم تساهل فيه ههنا.

قلت: مثل هذا الكلام هو الذي أوجب أن يدخل هذا القسم من أدخله ف يهذا الدليل كالآمدي وغيره، ولا حاجة إليه، بل ما ذكره ابن سينا كاف.

والدليل الذي ذكره على إبطال التسلسل في العلل يوجب إبطال علل متسلسلة سواء قدرت مجتمعة أولا، كما قد تبين من كلامه، وهو لا يجوز عللاً متسلسلة لا متعاقبة ولا غير متعاقبة وإنما يجوز حوادث متسلسة، وتلك عنده شروط لحدوث الحوادث، لا علل ولا أساب بمعنى العلل، ولا يجوز عنده إسناد كل ممكن إلى ممكن قبله أصلاً، ولكن يجوز ان يكون وجوده مشروطاً بوجود ممكن قبله وبين العلة والشرط فرق معروف.

ومن هنا دخل الغلط على الرازي ف يهذا الاعتراض، ولهذا كان سائر من تكلم في إبطال العلل المتسلسلة لم يحتج إلى ذكر هذا القسم أصلاً، ولا يقولون إن الممكن أو الحادث الذي يوجد قبل الممكن أو الحادث هو علة أيضاً، ولا هو مستند وجوده وإنما يقولون هو شرط فيه.

ص: 290

وأيضاً فإسناد كل ممكن إلى آخر قبله إما أن يراد به أنه يستند إلى أخر موجود قبله، فيستمر الوجود إلى حين وجود الممكن المفعول، وإما أن يراد به إلى آخر يكون موجوداً قبله ويعدم قبله.

فإن أريد الأول فمعلوم أنه بطل إسناده إلى ممكن موجود مع وجوده، كان هذا متناولاً لما يوجد مع ذلك قبل وجوده ولما لم يوجد إلا عند وجوده فلا حاجة إلى تخصيص ما وجد قبل وجوده بالذكر كما لا يحتاج إلى تخصيص ما يبقى بعد وجوده بالذكر إذ الدليل يتناول كل ما كان موجوداً عند وجوده، سواء وجد قبل ذلك أيضاً أو بعد ذلك أيضاً أو لم يكن موجوداً حين وجوده.

وأما إن أريد أستناده إلى الآخر يكون موجوداً قبله ويعدم أيضاً قبله، وهذا هو الذي أراده الرازي لم يحتج أيضاً إلى هذا لوجوه:

أحدهما: أنه إذا بطل إسناده إلى ممكن موجود حال وجوده، فبطلان إسناده إلى ممكن يعدم حين وجوده أولى وأحرى، فإذا قام الدليل على بطلان تسلسل العلل الممكنة مع كونها معاً في الوجود، فبطلان التسلسل مع تعاقبها أظهر وأجلى.

الثاني: أن الدليل الدال على بطلان التسلسل في العلل هو دليل مطلق عام سواء قدرت متقارنة أو متعاقبة فإن جميع ما ذكر من

ص: 291

الأدلة الدالة على أن مجموع الممكنات مفتقرة إلى أمر خارج عنها يتناول جميع الأنواع التي يقدرها سواء قدر أنها متسلسلة على سبيل الاقتران أو على سبيل التعاقب، وسواء قدرت مع التعاقب بعدم الأول عند وجود الثاني أو يبقى بعد وجوده إلا مع وجوده لا سابقاً ولا لاحقاً.

وكذلك إذا قدرت مع الاقتران لا يكون بعضها قبل بعض ولا بعده ـو يوجد بعضها قبل بعض أو بعده فمهما قدر من التقديرات التي تخطر بالبال في تسلسل المؤثرات فما ذكر من الأدلة يبطل ذلك كله ويبين امتناعه، فتبين أن ما ذكره ابن سينا كاف في ذلك لا يحتاج إلى الزيادة التي زادها الرازي والآمدي.

الثالث: أنه إذ كانت الممكنات محتاجة إلى خارج عنها ليس بممكن، بل هو واجب الوجود بنفسه، فذلك يمتنع عدمه ويجب وجوده، فكان نفسه إثبات واجب الوجود كافياً في أنه يستمر الوجود حال وجود الممكن، لا يحتاج إلى ذلك الواجب.

الرابع: أن ما ذكروه من الممكن يفتقر إلى الواجب، وإنما لا يكون افتقاره إليه مختصاً ببعض الأزمنة أن الواجب.

وقال الرازي أيضاً لما شرح طريقة ابن سينا في إثبات واجب الوجود

ص: 292

وأبطل التسلسل قد بقي هنا كلام آخر وهو إبطال الدور وهو أن يكون هذا يترجح بذاك، وذاك يترجح بهذا.

قال واعلم أن الدور باطل والمعتمد في إبطاله أن يقال العلة متقدمة على المعلول، ولو كان كل منهما علة للآخر لكان كل منهما متقدماً على الآخر فيكون كل منهما متقدماً على المتقدم على نفسه فيلزم تقدم كل منهم على نفسه وهو محال.

وأورد على هذا ما مضمونه أن التقدم أن كان غير كون أحدهما علة للآخر فلا نسلم الأولى، وإن كان هو كون أحدهما علة للآخر كان اللازم هو الملزوم، فيكون المعنى لو كان أحدهما علة للآخر لكان للآخر.

ثم قال والإنصاف أن الدور معلوم البطلان بالضرورة ولعل الشيخ إنما تركه لذلك.

قلت: هذا هو الصواب فإن بطلان الدور معلوم بالضرورة، ولأجل هذا لا يخطر لأكثر العقلاء حتى يحتاجوا إلى نفيه عن قلوبهم، كما لا يخطر لهم أن الفاعل للموجودات يكون معدوماً، ولا يخطر لهم أن الشيء يحدث أو يكون لا بنفسه ولا بغيره، بل ولا يخطر لهم أنه يمكن أن يكون مفعولات متعاقبة لا فاعل لها، وهو تسلسل العلل فيكون معلول مفعول لمعلول مفعول، والمعلول معلول لمفعول آخر لا إلى نهاية فأكثر الذهان الصحيحة لا يخطر لها إمكان هذا

ص: 293

حتى تحتاج إلى نفيه، وكذلك لا يخطر لها أنه يمكن وجود شيئين كل منهما فعل الآخر، بل هم يعلمون أن الشيء لا يفعل نفسه، فكيف يفعل فاعل نفسه؟

وقول القائل إنه لو كان كل منهما فاعلاً للآخر أو مؤثراً في الآخر أو علة في الآخر لكان كل منهما قبل الآخر كلام صحيح.

وأما قول المعترض: إن أريد بالتقدم تقدم العلة على المعلول فاللازم هو الملزوم وأن أريد غيره فإنه ممنوع.

فهذا عنه جوابان ـأحدهما ان يراد به التقدم المعقول في فطر الناس من تقدم الفاعل على المفعول وهو كونه قبله بالزمان أو تقدير الزمان وعلى هذا جمهور العقلاء

بل قد يقولون، هذا معلوم بالضرورة وهو كون الفاعل سابقاً متقدماً على مفعوله، وإنه يمتنع أن يكون متساويين في زمان الوجود.

وهذا مما يستدل به على أن كل ما سوى الله حادث، ليس في الموجودات ما يقارن الخالق ويكون معه بالزمان ولا يعرف ف يالوجود مفعول معين قارن فاعله في زمانه أصلاً، وإنما يعرف هذا في الشرط والمشروط فإن الشرط قد يقارن المشروط فلا يوجد قبله، وقد يوجد قبله، لكن لا بد من وجوده معه، كما أن الحياة إذا كانت شرطاً في العلم والإرادة أمكن أن تكون متقارنة في صفات الله تعالى، فإن حياته

ص: 294

وعلمه معاً لم يسبق أحدهما الآخر، والعلم مشروط بالحياة وكذلك الذات مع الصفات اللازمة: لا يوجد أحدهما قبل الآخر، بل هما متلازمان، ولا يوجد أحدهما إلا مع الآخر.

وقد يكون الشرط سابقاً للمشروط كالأعراض التي لا توجد إلا بمحل، وقد يكون المحل موجوداً قبل وجود الأعراض، وكما في أفعال الله الحادثة فإنها مشروطة بوجود ذاته وذاته متقدمة عليها.

وما ذكره من ذكره من أهل الفلسفة والكلام في مسألة حدوث العالم وغيرها من أن التقدم ينقسم إلى تقدم بالذات والعلية، وقد يسمى الأول تقدماً بالعلية والثاني تقدماً بالذات كتقدم العلة على المعلول، وتقدم بالطبع، كتقدم الواحد على الاثنين.

وفرقوا بينهما بأنه في الأول يكون المتقدم فاعلاً للمتأخر، وفي الثاني يكون شرطاً فيه، ومثلوا الأول بتقدم حركة اليد على حركة الخاتم والكم فإنك تقول: تحركت يدي فتحرك الخاتم فيها، فزمانهما واحد مع العلم بأن الأول متقدم على الثاني وينقسم إلى التقدم بالزمان وبالرتبة الحسية أو العقلية.

وزاد طائفة منهم الشهرستاني والرازي ومت اتبعهما تقدماً آخر يمطلق الوجود، وجعلوا التقدم بعض أجزاء الزمان على بعض

ص: 295

منه فيجيب عنه من يوافق جمهور العقلاء بأن التقدم المعقول إنما هو التقدم بالزمان، أو تقدير الزمان على النزاع المعروف في هذا الموضع.

وأما التقدم بالمكان والمرتبة فهو تابع لهذا لما كان المتقدم في المكان يتحرك قبل حركة المتأخر كتحرك الإمام قبل المأموم، والأمير قبل المأمور.

وأما التقدم بالعلية فإن عني به هذا، وإلا فلا حقيقة له، فلا تعقل علة تامة تكون هي بسائر أجزائها مقارنة لمعلولها أصلا.

وقول القائل: تحركت يدي فتحرك الخاتم، ليس هو من تقدم الفاعل على المفعول، فإن حركة اليد ليست هي الفاعل لحركة الخاتم لكن هي شرط قيها فلا ترجد حركة الخاتم التابعة لحركة اليد إلا بشرط وجود حركة اليد التي هي متبوعة، كما أن حركة الأصابع لا توجد إلا بحركة الكف.

فإن قيل: الحركتان معاً في الزمان، فالفاعل لهذه هو الفاعل للأخرى، وهو متقدم عليهما جميعاً.

ص: 296

وإن قيل: بل إحداهما عقب الآخرى في الزمان كأجزاء الزمان المتلاحقة، بطل قول القائل: إنهما معاً في الزمان.

وكثيراً ما يشتبه على الناس الوجود مع الشيء بالوجود عقبه، بل يطلقون لفظ المع على المعاقب له ويقولون: جاءا معاً، وإن كان مجيء أحدهما معاقباً للآخر إذا لم يكن بينهما فصل، بل يطلقون ذلك مع قرب الآخر، فالحادثات إذا كان زمانهما واحداً أو حدث أحدهما عقب حدوث الآخر بلا فصل، كأجزاء الحركة والزمان لم يميز أكثر الناس بين هذا وهذا بالحس.

وحينئذ فقول القائل: تحركت يدي فتحرك كمي.

يقال له: لم لا يجوز ان يكون هذا مع هذا كاجزاء الحركة والزمان بعضها مع بعض.

والحركة تحدث شيئاً فشيئاً من الفاعل والقابل، فمن حرك سلسلة أو حبلاً معلق الطرفين، فإنه إذا حرك أحد الطرفين تحرك شيئاً فشيئاً، حتى تنتهي الحركة إلى الطرف الآخر، وهي متعاقبة كتعاقب زمان تلك الحركة في أحدهما أسبق من الآخر، مثل البدن إذا تحرك منتقلاً، فإن أجزاء البدن تتحرك في آن واحد، لا يسبق بعهضا بعضاً إلا ما تقدم من الحركة كما تتقدم إحدى الرجلين على الآخرى، بخلاف خرزات الظهر المتصلة تتصل

ص: 297

حركتها، فإذا حركت يده تحركت جميع أجزائها وما فيها كالخاتم، وما يتصل بها كالكم، فيكون حكمها حكم الجسم المتصل إذا تحرك والحركة المنفصلة عن أخرى كحركة الرجل قبل الرجل يشهد فيها التقدم بالزمان لوجود المنفصل، وأما مع الأتصال فقد يشتبه المتصل بالمقارن، وحينئذ فأي حركة كانت من قبل المتصل فهي متصلة بما قبلها، كاتصال أجزاء زمان الحركة، فليس هناك اقتران في الزمان.

وإذا قيل في حركة الكم: إن زمانها حركة اليد، كما يقال مثل ذلك في سائر المتحركات معاً بالزمان، فهنا لا نسلم أن إحدى الحركتين فاعلة للآخرى، بل غايتها أن تكون شرطاً فيها، والشرط يجوز أن يقارن المشروط، بخلاف الفاعل فإنه لا بد أن يتقدم على الفعل المفعول المعين، وإن قدر أن نوع الفعل لازم له، كما؟ إذا قدر قديم أزلي متحرك لم يزل متحركاً، فإنه سيتقدم على كل جزء من أجزاء الحركة لم يقارن وجود ذاته شيء من أجزاء الحركة وإن كان نوع الحركة لازماً له فمن حوز وجود جسم قديم لم يزل متحركاً، لا يقول: إن شيئاً معيناً من الحركة قديم أزلي، بل يقول: نوع الحركة أزلي وإن كان كل منها حادثاً كائناً بعد ان لم يكن مسبوقاً بالعدم.

والمتفلسفة القائلون بقدم شيء من العالم لا دليل لهم على ذلك أصلاً، بل غاية ما عندهم إثبات قدم نوع الفعل، وقدم نوع الفعل لا يستلزم قدم فعل معين ولا مفعول معين بل ذلك ممتنع.

ص: 298