الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكاية [الفقير الصائم]
وبينما نحن بتلك الزاوية إذ دخل علينا أحد الفقراء فسلّم وعرضنا عليه الطّعام فأبى، وقال: إنما قصدت زيارتكم ولم يزل ليلته تلك ساجدا وراكعا، ثم صلّينا الصبح، واشتغلنا بالذكر، والفقير بركن الزاوية فجاء الشيخ بالطعام ودعاه، فلم يجبه فمضى إليه فوجده ميّتا، فصلينا عليه ودفناه رحمة الله عليه! ثم سافرت إلى المحلة الكبيرة ثم إلى نحرارية ثم إلى أبيار، ثم إلى دمنهور «55» ، ثم إلى الإسكندرية «56» فوجدت الوباء قد خف بها بعد أن بلغ عدد الموتى إلى ألف وثمانين في اليوم، ثم سافرت إلى القاهرة، وبلغني أن عدد الموتى أيام الوباء انتهى فيها إلى أحد وعشرين ألفا في اليوم! ووجدت جميع من كان بها من المشايخ الذين أعرفهم قد ماتوا رحمهم الله تعالى.
ذكر سلطانها
وكان ملك ديار مصر في هذا العهد الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاون، وبعد ذلك خلع عن الملك وولي أخوه الملك الصّالح «57» .
ولما وصلت القاهرة وجدت قاضي القضاة عز الدين بن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة «58» قد توجه إلى مكة في ركب عظيم يسمونه الرّجبي لسفرهم في شهر رجب
…
وأخبرت أن الوباء لم يزل معهم حتى وصلوا عقبة أيلة «59» فارتفع عنهم.
ثم سافرت من القاهرة، على بلاد الصعيد، وقد تقدم ذكرها. إلى عيذاب «60» وركبت منها البحر فوصلت إلى جدة «61» ، ثم سافرت منها إلى مكة شرفها الله تعالى وكرمها
فوصلتها في الثاني والعشرين لشعبان سنة تسع وأربعين «62» ونزلت في جوار إمام المالكية الصالح الوليّ الفاضل ابي عبد الله محمد بن عبد الرحمن المدعو بخليل «63» ، فصمت شهر رمضان بمكة وكنت أعتمر كلّ يوم على مذهب الشافعي، ولقيت ممّن أعهده من أشياخها شهاب الدين الحنفي «64» . وشهاب الدين الطبري «65» ، وأبا محمد اليافعي «66» ونجم الدين الأصفوني «67» والحرازي «68» وحججت في تلك السنة.
ثم سافرت مع الركب الشامي إلى طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزرت قبره المكرم المطيب زاده الله طيبا وتشريفا في المسجد الكريم طهره الله وزاده تعظيما، وزرت من بالبقيع «69» من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم، ولقيت من الأشياخ أبا محمد ابن فرحون «70» .
ثم سافرنا من المدينة إلى العلا وتبوك، ثم إلى بيت المقدس، ثم إلى مدينة الخليل
حجته للمرة السادسة
صلى الله عليه وسلم، ثم إلى غزة «71» ثم إلى منازل الرّمل «72» وقد تقدم ذكر ذلك كلّه، ثم إلى القاهرة.
وهنالك تعرفنا أن مولانا أمير المومنين وناصر الدين المتوكّل على رب العالمين أبا عنان أيده الله تعالى قد ضمّ الله به نشر الدولة المرينية «73» وشفى ببركته بعد إشفائها البلاد المغربية، وأفاض الإحسان على الخاص والعام وغمر جميع الناس بسابغ الإنعام فتشوفت النّفوس إلى المثول ببابه وأمّلت لثم ركابه، فعند ذلك قصدت القدوم على حضرته العلية مع ما شاقني من تذكار الأوطان والحنين إلى الأهل والخلان والمحبة في بلادي التي لها الفضل عندي على البلدان.
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي
…
وأول أرض مسّ جلدي ترابها!
فركبت البحر في قرقورة لبعض التونسيين صغيرة، وذلك في صفر سنة خمسين «74» ، وسرت حتى نزلت بجربة، وسافر المركب المذكور إلى تونس فاستولى العدوّ عليه «75» .
ثم سافرت في مركب صغير إلى قابس فنزلت في ضيافة الأخوين الفاضلين أبي مروان، وأبي العباس ابني مكّي «76» أميري جربة وقابس، وحضرت عندهما مولد رسول الله
شارع في القاهرة بالأمس!