الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من خشب البقّم كثير، ومن العود الهندي المعروف بالكلخي إلا أنه ليس كالقماري والقاقلي «243» وسنذكره.
ذكر سلطان سيلان
واسمه أيري شكروتي، بفتح الهمزة وسكون الياء وكسر الراء ثم ياء وشين معجم مفتوح فكاف مثله وراء مسكنة وواو مفتوح وتاء معلوة مكسورة وياء، وهو سلطان قوي في البحر، رأيت مرة وأنا بالمعبر مائة مركب من مراكبه بين صغار وكبار، وصلت إلى هنالك، وكانت بالمرسى ثمانية مراكب للسلطان برسم السفر إلى اليمن فأمر السلطان بالاستعداد وحشد الناس لحماية أجفانه، فلما يئسوا من انتهاز الفرصة فيها قالوا: إنما جئنا في حماية مراكب لنا تسير أيضا إلى اليمن! ولما دخلت على هذا السلطان الكافر قام إلي وأجلسني إلى جانبه وكلّمني بأحسن كلام، وقال: ينزل أصحابك على الأمان ويكونون في ضيافتي إلى أن يسافروا، فإن سلطان المعبر بيني وبينه الصحبة، ثم أمر بإنزالي، فأقمت عنده ثلاثة أيام في إكرام عظيم متزيّد في كل يوم، وكان يفهم اللّسان الفارسي، ويعجبه ما أحدثه به عن الملوك والبلاد.
ودخلت عليه يوما وعنده جواهر كثيرة أتى بها من مغاص الجوهر الذي ببلاده، وأصحابه يميزون النفيس منها من غيره، فقال لي: هل رأيت مغاص الجوهر في البلاد التي جئت منها؟ فقلت له: نعم، رأيته بجزيرة قيس، وجزيرة كشم التي لابن السّواملي 24»
، فقال: سمعت بها، ثم أخذ حبات منه فقال: أيكون في تلك الجزيرة مثل هذه؟ فقلت له:
رأيت ما هو دونها، فأعجبه ذلك! وقال: هي لك، وقال لي: لا تستحي واطلب مني ما شئت، فقلت له: ليس مرادي منذ وصلت هذه الجزيرة إلا زيارة القدم الكريمة: قدم أدم عليه
السلام يسمّونه: بابا، ويسمون حواء ماما «245» ، فقال: هذا هيّن! نبعث معك من يوصلك، فقلت: ذلك أريد، ثم قلت له: وهذا المركب الذي جئت فيه يسافر آمنا إلى المعبر وإذا عدت أنا بعثتني في مراكبك، فقال: نعم.
فلما ذكرت ذلك لصاحب المركب قال لي: لا أسافر حتى تعود ولو أقمت سنة بسببك، فأخبرت السلطان بذلك، فقال: يقيم في ضيافتي حتى تعود، فأعطاني دولة يحملها عبيده على أعناقهم، وبعث معي أربعة من الجوكية الذين عادتهم السفر كلّ عام إلى زيارة القدم، وثلاثة من البراهمة، وعشرة من سائر أصحابه وخمسة عشر رجلا يحملون الزاد، وأما الماء فهو بتلك الطريق كثير.
ونزلنا ذلك اليوم على واد جزناه في معدية مصنوعة من قصب الخيزران، ثم رحلنا من هنالك إلى منار مندلي، وضبط ذلك بفتح الميم والنون وألف وراء مسكّنة وميم مفتوح ونون مسكن ودال مفتوح ولام مكسور وياء، مدينة حسنة هي آخر عمالة السلطان «246» ، أضافنا أهلها ضيافة حسنة، وضيافتهم عجول الجواميس يصطادونها بغابة هنالك يأتون بها أحياء ويأتون بالارز والسمن والحوت والدجاج واللبن.
ولم نر بهذه المدينة مسلما غير رجل خراساني انقطع بسبب مرضه فسافر معنا، ورحلنا إلى بندر سلاوات «247» ، وضبطه بفتح الباء الموحدة وسكون النون وفتح الدال المهمل وسكون الراء وفتح السين المهمل واللام والواو، والف وتاء معلوة، بلدة صغيرة، وسافرنا منها في أوعار كثيرة المياه، وبها الفيلة الكثيرة إلا أنها لا تؤذي الزوار والغرباء وذلك ببركة الشيخ أبي عبد الله بن خفيف، رحمه الله، وهو أول من فتح هذا الطريق إلى زيارة القدم، وكان هؤلاء الكفار يمنعون المسلمين من ذلك ويؤذونهم ولا يؤاكلونهم ولا يبايعونهم، فلما اتفق للشيخ أبي عبد الله ما ذكرناه في السّفر الأول «248» من قتل الفيلة لأصحابه وسلامته من بينهم وحمل الفيل له على ظهره، صار الكفار من ذلك العهد يعظمون المسلمين ويدخلونهم دورهم ويطعمون معهم، ويطمئنون لهم بأهلهم وأولادهم، وهم إلى الآن يعظمون الشيخ المذكور أشدّ تعظيم ويسمونه الشيخ الكبير.