الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر توجهنا إلى الغزو وفتح سندابور
وكان السلطان جمال الدين قد جهز اثنين وخمسين مركبا سفرية برسم غزو سندابور، وكان وقع بين سلطانها وولده خلاف، فكتب ولده إلى السلطان جمال الدين أن يتوجه لفتح سندابور ويسلم الولد المذكور، ويزوجه السلطان أخته «143» ، فلمّا تجهزت المراكب ظهر لي أن أتوجه فيها إلى الجهاد ففتحت المصحف أنظر فيه فكان في أول الصفحة: يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره، فاستبشرت بذلك، وأتى السلطان إلى صلاة العصر، فقلت له: أريد السفر فقال: إذا تكون أميرهم، فأخبرته بما خرج لي في أول المصحف فأعجبه ذلك، وعزم على السفر بنفسه ولم يكن ظهر له ذلك قبل، فركب مركبا منها وأنا معه، وذلك في يوم السبت فوصلنا عشيّ الاثنين إلى سندابور، ودخلنا خورها فوجدنا أهلها مستعدّين للحرب وقد نصبوا المجانيق، فبتنا عليها تلك الليلة.
فلما أصبح ضربت الطبول والانفار والأبواق وزحفت المراكب، ورموا عليها بالمجانيق، فلقد رأيت حجرا أصاب بعض الواقفين بمقربة من السلطان، ورمى اهل المراكب أنفسهم في الماء وبأيديهم الترسة والسيوف، ونزل السلطان إلى العكيرى، وهو شبه الشلّير «144» ، ورميت بنفسي في الماء في جملة الناس، وكان عندنا طريدتان مفتوحتي المواخر، فيها الخيل، وهي بحيث يركب الفارس فرسه في جوفها ويتدرّع ويخرج ففعلوا ذلك، وأذن الله في فتحها وأنزل النصر على المسلمين، فدخلنا بالسيف ودخل معظم الكفار في قصر سلطانهم، فرمينا النار فيه فخرجوا وقبضنا عليهم، ثم إن السلطان أمّنهم ورد لهم نساءهم وأولادهم وكانوا نحو عشرة آلاف وأسكنهم بربض المدينة وسكن السلطان القصر وأعطى الديار بمقربة منه لأهل دولته، وأعطاني جارية منهن تسمى لمكي فسميتها مباركة «145» ، وأراد زوجها فداءها فأبيت! وكساني فرجية مصرية وجدت في خزائن الكافر، وأقمت عنده بسندابور من يوم فتحها وهو الثالث عشر لجمادى الأولى إلى منتصف شعبان «146» ، وطلبت منه الإذن في السفر، فأخذ عليّ العهد في العودة إليه!
وسافرت في البحر إلى هنور ثم إلى فاكنور، ثم إلى منجرور ثم إلى هيلي ثم إلى جرفتّن وده فتّن، وبدفتّن وفندرينا وقالقوط، وقد تقدم ذكر جميعها ثم إلى مدينة الشاليات، وهي بالشين المعجم والف ولام وياء آخر الحروف والف وتاء معلوة، مدينة من حسان المدن تصنع بها الثياب المنسوبة لها «147» ، وأقمت بها فطال مقامي فعدت إلى قالقوط، ووصل اليها غلامان كانا لي بالككم فأخبراني أن الجارية التي كانت حاملا وبسببها كان تغيّر خاطري توفيت، وأخذ صاحب الجاوة سائر الجواري واستولت الأيدي على المتاع وتفرّق أصحابي إلى الصين والجاوة وبنجالة، فعدت لما تعرّفت هذا إلى هنّور، ثم إلى سندابور فوصلتها في آخر المحرم وأقمت بها إلى ثاني من شهر ربيع الآخر.
وقدم «148» سلطانها الكافر الذي دخلناها عليه برسم أخذها وهرب إليه الكفار كلّهم، وكانت عساكر السلطان متفرقة في قرى فانقطعوا عنا، وحصرنا الكفار وضيّقوا علينا، ولما اشتد الحال خرجت عنها وتركتها محصورة «149» ، وعدت إلى فالقوط.
وعزمت على السفر إلى ذيبة المهل وكنت أسمع بأخبارها فبعد عشرة أيام من ركوبنا البحر بقالقوط وصلنا جزائر ذيبة المهل، وذيبة على لفظ مؤنث الذيب «150» ، والمهل بفتح الميم والهاء، وهذه الجزائر إحدى عجائب الدنيا، وهي نحو ألفى جزيرة «151» ويكون منها مائة فما
دونها مجتمعات مستديرة كالحلقة لها مدخل كالباب لا تدخل المراكب إلّا منه، وإذا وصل المركب إلى إحداها فلا بدّ له من دليل من أهلها يسير به إلى سائر الجزائر، وهي من التقارب بحيث تظهر رؤوس النخل التي باحداها عند الخروج من الأخرى، فان أخطأ المركب سمتها لم يمكنه دخولها وحملته الريح إلى المعبر أو سيلان «152» .
وهذه الجزائر أهلها كلّهم مسلمون، ذووا ديانة وصلاح، وهي منقسمة إلى اقاليم، على كلّ إقليم وال يسمونه الكردوبي «153» ، ومن أقاليمها إقليم بالبور «154» ، وهو بباءين معقودتين وكسر اللام وآخره راء ومنها كنّلوس «155» بفتح الكاف والنون مع تشديدها وضم اللام وآخره راء، ومنها كنّلوس (155) ، بفتح الكاف والنون مع تشديدها وضم اللام وواو وسين مهمل، ومنها إقليم المهل «156» ، وبه تعرف الجزائر كلّها، وبها يسكن سلاطينها، ومنها إقليم تلاديب «157» ، بفتح التاء المعلوة واللام والف ودال مهملة وياء مد وباء موحدة، ومنها إقليم كرايدو «158» ، بفتح الكاف والراء وسكون الياء المسفولة وضم الدال المهمل وواو، ومنها إقليم التّيم «159» ، بفتح التاء المعلوة وسكون الياء المسفولة، ومنها اقليم تلدمّتي «160» ، بفتح التاء المعلوة الأولى واللام وضم الدال المهمل وفتح الميم وتشديدها وكسر التاء الأخرى وياء