الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند الكلام على «المدرسة المتوكلية» التي تعرف بالعنانية
…
قال: عبد الحي الكتاني، ولما تم بناؤها دخلها السلطان أبو عنان لينظرها وأعطاه القائم عليها هناك زمام صائرها
…
إلى أن قال:
…
ذكر مؤرخ المغرب أبو القاسم الزياني في الترجمانة الكبرى نقلا عن رحلة البلوى أن الرحالة ابن بطوطة لما دخل فاسا بعد رحلته الطويلة ولم يجتمع بالسلطان أبي عنان وسافر إلى السودان استقدمه وعاتبه على عدم الاجتماع به، وكان أبو عنان قد فرغ من تشييد المدرسة المتوكلية، فقال: يا مولانا السلطان لما دخلت هذه المدرسة التي شيدت ولم أقف على مثلها فيما شاهدته في المعمور كلّه، قلت: والله لا بد أن أتمم عملي وأبر بقسمي بالوصول إلى أقاليم السودان حتى أشاهده وأقسم أن ليس في المعمور كله مثلها. فحقق الله ظني وأبرّ يميني. فأكرمه السلطان وأمره أن يؤلف رحلته ويذكر فيها مدرسته التي زعم أنه لا نظير لها في المعمور
…
أقول (الكتاني) وهذه مبالغة، وعجيب سريان حقد الزياني إلى من كان قبله بدهور وأجيال! والعجب أن القصة التي ذكرت في اعتذار ابن بطوطة لأبي عنان عن موجب عدم لقيّه بعد رجوعه من الأندلس لم أجدها في رحلته المطبوعة إلا أن أهل البحث من الأروباويين اليوم يذكرون أن رحلة ابن بطوطة الأصلية ليست هي المطبوعة في مجلد، وأن المطبوعة إنما هي تلخيص ابن جزي لا الرحلة الأصلية والله أعلم أي ذلك كان، على أني أقول: قد دخلت كثيرا من مدارس الشام ومصر والحجاز والمغرب فلم أر من حيث ضخامة البناء والوسع والشكل أضخم من المدرسة العنانية هذه إلا ما كان من جامع السلطان حسن بمصر وجامع بني أمية بدمشق وبيت المقدس بفلسطين، أما في النهر الجاري وسط المدرسة العنانية والبيوت المحيطة بها من فوق لسكنى طلاب العلم وغير ذلك من النقش والزخرف، فلم أر لها نظيرا مطلقا فيما رأيت بعد التتبع والبحث الذي أتشخصه
…
عن كلمة (أفراج) أو أفراق المغربية
عن ذكر (أفراج) في عدد من المرات 415 -251،44 III -405 -369،II وحيرة المعلقين حول القصد منها نسوق الملحق التالي عن ابن الحاج النّميري من كتابه فيض العباب.
وأفراق السعيد كالبلد الواسع الأقطار، القائم الأسوار. البديع الاختطاط، الشريف الاستنباط، المحكم الارتباط. وهو في وضعه مستدير الساحة، بدري المساحة. قد صنع من شقاق الكتّان الموضونة، وفضلاته الفاضلة المصونة. وضوعفت طاقاته، وحذيت حذو القذّة بالقذّة مسافاته.
وأظهر النصّاحون في خياطته النصائح، وظاهر المراوح منهم المغادي والمعادي
المراوح. وأعملوا فيه نبات الوخز غائصة غوص الأذهان، أخذ من الألسنة الفاتقة رتوق البيان. ترسل خيوطها أسرع من البريق وتغادر الأنامل وكأنّها أفراس رهان تبارت في لا سبق، عارفة كالأصولي بالجرح إلا أنها جاهلة بالفرق. ضيّقة العيون كالأتراك، ناحلة الجسوم كالعابدين النسّاك، إلا أنّها تبيّن لها الخيط الأبيض لا تدين بالإمساك. فالتأمت أجزاؤه أحسن الالتئام، والتحمت على وفق الإبداع أجمل الالتحام. وتجانست أنحاؤه وتطابقت، وتناسبت ميامنه ومياسره وتوافقت.
وجمع بشرائطه شرائط الكمال، واختار من لونه وهو البياض طراز الجمال. وصنعت له عمد مثقفة كالقداح، موشاة كأثواب الخود الرداح. بأسافلها زجاج حديد كبير الأجرام، تشقّ الأرض شقّ الغرام قلب المستهام. وتقرّ في الترب كأنها جذور النخل الباسقة، وعروق الأزرة السامية السامقة.
فتقف تلك العمد متناسقة الصفوف، جائبة لمعنى في غيرها وزهى الملك منها بصحيفة دلّ على شرف ما فيها عنوانها. ذات الاطناب التي تمتد امتداد أشعة الشمس، وتحل أوتادها من الأرض محل النفس من الجسم والسر من النفس. قائمة لفارس كإيوان كسرى، مزدانة بأنواره التي هي أفخر من أنوار البدر وأسرى.
ويتصل بها البيت الأعظم الذي كاد يبلغ الفرقدين، وتصير ذات العماد منه إلى ذي العمادين. بديع المحاسن جميل المسافر، بهي المناظر، زكي المخابر. وسيع مقام الاستضراب، ممتد شأو الاستنخاب.
وتتّصل به القبّة التي هي ثالثة التعزيز، وسمة شرف التمييز. ذات الحسن الفائق، والجمال الرائق. والشكل البديع، والاستنباط المرضى التأصيل والتفريع.
وبغربي هذه المساكن خيمة الشعر التي أعجز وصفها الشعراء، وأنست بألوانها وبدائع صنعتها وشي صنعاء. قريبة التداني، منيفة على أوثق المباني، مستطيلة الشكل كالفجر الأول، مستطيرة الذكر المنزّهة عن التداني، وخلال الأقيال (العياهلة) الذين فازوا من دنياهم بنيل الأماني.
وفي أفراق السعيد من الأخبية والبيوت ما يشابه الكواكب في جمالها وازدحامها، ويشابه العقود النفائس في حسنها وانتظامها. كل ذلك مما نشأ في مظاهر الإبداع والإتقان، وصنع في أسعد الأوقات والأزمان. واستفرغ في تنجيده الوسع، ونعم برؤيته البصر وبوصفه السمع.
وأمام باب أفراق قبّة الجلوس وهي قبّة ليست بالكبيرة إلّا أنّها في غاية الاحتفال،
مشتملة بالمحاسن أحسن الاشتمال. وفيها مرتبة الملك العزيز التمكين، أحسن من طاقات السوسان والنسرين. وهي مستندة إلى ألواح تتصل بلطائف الصنعة، وتتلاءم أجزاؤها فتصير سورا ظاهر المنعة. وقد أودعها الدّهانون عجائب اشغالهم. وأظهروا بالفعل ما كان بالقوة في خيالهم حتى شمل الاتقان جميع ما تقع عليه الأبصار، وتتشوّف إليه الأفكار، واستوضحت الحكم التي استتبعت بها الأسرار.
ويستقدم قبّة الجلوس مجال يقيد الألحاظ، وتقف على ذكر محاسنه الألفاظ. وبه طريق الخليفة إذا خرج من مضاربه إلى حياة الساقة، التي قامت قيام الجبل الرفيع الذروة، والحديقة الملتفّة بأعلى الربوة. مرسلة أطنابها إرسال شآبيب الأمطار، رافعة عمدها الثابت الذي كاد كالحروف. فتنتشر المرواقات على أعطافها، وتتكاشف بمواطن استشرافها. حتى تحيط بالبقعة المتخيّرة لنزول خير الملوك، والمنزّل المطهر الذي يحوز بسلوك الإمام عليه بركة أهل السلوك.
سور عظيم يعارض مهاب الرياح، ويسمو سمو الحبا على الراح. ويزاحم الجو بمناكبه، ويكاتب البروق المومضة بكوائبه. وله شرفات من الرقاع الزرق تباهي ألوان السحاب، والعيون المناسبة في حجر الروض أحسن الانتساب.
وله بابان أحدهما جوفي وهو المسمى بباب الصرف، وهو مفتوح لبيت علا سمكه علو السماك، وأشرف على المحلّة إشراف البدر المنوّر الأحلاك. وأعرب عن الفخامة الثابتة الدلائل، والجلالة الرفيعة المنازل، والضخامة التي أنافت على الملوك الأوائل. والباب الثاني بقبلية أمام البرج الذي كاد يبلغ عنان السماء، ويزحم النجوم المختومة كؤوسها بمسك الظلماء. وهو مربّع الشكل، محتفل العلو والسفل، دواخل حيطانه أبدع من الروض غب العهاد، وأحسن من تحلّيات الخريدة ولا غرو فهي منوطة بالعماد.
فسيح مجال الأطناب، عالي مسادل الجلباب. شديد الأركان، يفوق شامخ البنيان.
سام على الهضاب، دافع في صدور السحاب. قابض بأعنّة الرياح الهوج، مشرف كغوارب القلائص العوج. قد لبس أثواب الهيئة وجرّ برودها، وصدع بأنوار العزّ وأبدى صعودها.
وزهى بجامور تحسد الثريا اجتماع تفافيحه، ويود الشفق لو كان بعض ذوائبه المرسلة إلا هزّ ريحه.
وفي جوفه حائط من الخشب يروق الأبصار بريقه، ويفوق الوشي اليماني تنميقه.
حسن المساق، جميع الاستنساق تجتمع أجزاءه بعد الافتراق، وتعود بعد الانخرام للانتظام والاتّساق.