الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواري رخيصات الأثمان إلا أن أهل الصين أجمعين يبيعون أولادهم وبناتهم وليس ذلك عيبا عندهم، غير أنهم لا يجبرون على السفر مع مشتريهم ولا يمنعون أيضا منه إن اختاروه، وكذلك إن أراد التزوّج تزوّج، وأما إنفاق ماله في الفساد فشيء لا سبيل له إليه! ويقولون: لا نريد أن يسمع في بلاد المسلمين أنهم يخسرون أموالهم في بلادنا فانّها أرض فساد وحسن فائت!!
ذكر حفظهم للمسافرين في الطرق
وبلاد الصين آمن البلاد وأحسنها حالا للمسافر، فإن الانسان يسافر منفردا مسيرة تسعة اشهر وتكون معه الأموال الطائلة فلا يخاف عليها، وترتيب ذلك أن لهم في كل منزل ببلادهم فندقا عليه حاكم يسكن به في جماعة من الفرسان والرجال، فإذا كان بعد المغرب أو العشاء الآخرة جاء الحاكم إلى الفندق ومعه كاتبه فكتب أسماء جميع من يبيت به من المسلمين وختم عليها، وأقفل باب الفندق عليهم فإذا كان بعد الصبح، جاء ومعه كاتبه فدعا كل انسان باسمه، وكتب بها تفسيرا، وبعث معهم من يوصّلهم إلى المنزل الثاني له وياتيه ببراءة من حاكمه أن الجميع قد وصلوا إليه، وإن لم يفعل طلبه بهم، وهكذا العمل في كل منزل ببلادهم من صين الصين إلى خان بالق.
وفي هذه الفنادق جميع ما يحتاج إليه المسافر من الأزواد وخصوصا الدجاج والإوز، وأما الغنم فهي قليلة عندهم.
ولنعد إلى ذكر سفرنا فنقول: لما قطعنا البحر كانت أول مدينة وصلنا اليها مدينة الزّيتون «52» ، وهذه المدينة ليس بها زيتون ولا بجميع بلاد أهل الصين والهند، ولكنه اسم وضع عليها، وهي مدينة عظيمة كبيرة تصنع بها ثياب الكمخا، والأطلس «53» ، وتعرف بالنسبة إليها، وتفضل على الثياب الخنساوية والخنبالقية، ومرساها من أعظم مراسي الدنيا
أو هو أعظمها، رأيت به نحو مائة جنك كبار، وأما الصغار فلا تحصى كثرة، وهو خور كبير من البحر يدخل في البر حتى يختلط بالنّهر الأعظم.
وهذه «54» المدينة وجميع بلاد الصين يكون للإنسان بها البستان والأرض، وداره في وسطها كمثل ما هي بلدة سجلماسة ببلادنا «55» ! وبهذا عظمت بلادهم، والمسلمون ساكنون بمدينة على حدة. وفي يوم وصولي إليها رأيت بها الامير الذي توجه إلى الهند رسولا بالهدية، ومضى في صحبتنا وغرق به الجنك، فسلّم علي وعرف صاحب الديوان بي «56» فأنزلني في منزل حسن، وجاء إليّ قاضي المسلمين تاج الدين الأردويلي وهو من الأفاضل الكرماء وشيخ الاسلام كمال الدين عبد الله الأصفهاني، وهو من الصلحاء وجاء إليّ كبار التجار فيهم شرف الدين التبريزي أحد التجار الذين استدنت منهم حين قدومي على الهند وأحسنهم معاملة، حافظ القرآن مكثر للتلاوة.
وهؤلاء التّجار لسكناهم في بلاد الكفار إذا قدم عليهم المسلم فرحوا به أشد الفرح، وقالوا: جاء من أرض الإسلام، وله يعطون زكوات أموالهم فيعود غنيا كواحد منهم.
وكان بها من المشايخ الفضلاء برهان الدين الكازروني، له زاوية خارج البلد «57» ، وإليه يدفع التجار النذور التي ينذرونها للشيخ أبي إسحاق الكازروني «58» ، ولما عرف صاحب
البيوت محاطة بالحدائق على نحو ما كان بسجلماسة
الديوان أخباري كتب إلي القان، وهو ملكهم الأعظم «59» ، يخبره بقدومي من جهة ملك الهند فطلبت منه أن يبعث معي من يوصلني إلى بلاد الصين وهم يسمونها صين «60» كلان، لأشاهد تلك البلاد، وهي في عمالته بخلال ما يعود جواب القان، فأجاب إلى ذلك، وبعث معي من أصحابه من يوصلني.
وركبت في النّهر في مركب يشبه أجفان بلادنا الغزوية إلّا أن الجذّافين يجذفون فيه قياما، ومعهم، في وسط المركب الركاب في المقدم والمؤخر، ويظلّلون على المركب بثياب تصنع من نبات ببلادهم يشبه الكتان، وليس به، وهو أرقّ من القنب.
وسافرنا في هذا النهر سبعة وعشرين يوما «61» وفي كل يوم ترسو عند الزوال بقرية نشتري بها ما نحتاج إليه ونصلّي الظهر ثم ننزل بالعشي إلى أخرى وهكذا إلى أن وصلنا إلى مدينة صين كلان بفتح الكاف، وهي مدينة صين الصّين، وبها يصنع الفخار، وبالزيتون أيضا، وهنالك يصب نهر آب حياة في البحر، ويسمونه مجمع البحرين «62» ، وهي من أكبر المدن وأحسنها أسواقا، ومن أعظم أسواقها سوق الفخار، ومنها يحمل إلى سائر بلاد الصين، وإلى الهند واليمن، وفي وسط هذه المدينة كنيسة عظيمة لها تسعة أبواب داخل كل باب أسطوان ومصاطب يقعد عليها الساكنون بها، وبين البابين الثاني والثالث منها موضع فيه بيوت يسكنها العميان وأهل الزّمانات ولكل واحد منهم نفقته وكسوته من أوقاف الكنيسة، وكذلك فيما بين الأبواب كلّها وفي داخلها المارستان للمرضى والمطبخة لطبخ الاغذية وفيها الاطباء والخدام.
وذكر لي أن الشيوخ الذين لا قدرة لهم على التكسّب لهم نفقتهم وكسوتهم بهذه الكنيسة، وكذلك الأيتام والأرامل ممن لا حال له، وعمّر هذه الكنيسة بعض ملوكهم وجعل هذه المدينة وما اليها من القرى والبساتين وقفا عليها، وصورة ذلك الملك مصورة بالكنيسة المذكورة، وهم يعبدونها.
كانطون في القرن السابع عشر