الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووصلنا إلى مرسى قاقله فوجدنا به جملة من الجنوك معدة للسرقة، ولمن يستعصى عليهم من الجنوك، فإن لهم على كلّ جنك وظيفة، ثم نزلنا من الجنك إلى مدينة قاقلة وهي بقافين أخرهما مضموم ولامها مفتوح، وهي مدينة حسنة عليها سور من حجارة منحوتة، عرضه بحيث تسير فيه ثلاثة من الفيلة! وأول ما رأيت بخارجها الفيلة عليها الأحمال من العود الهندي يوقدونه في بيوتهم، وهو بقيمة الحطب عندنا، أو أرخص ثمنا، هذا اذا ابتاعوا فيما بينهم، وأما للتجار فيبيعون الحمل منه بثوب من ثياب القطن، وهي أغلى عندهم من ثياب الحرير.
والفيلة بها كثيرة جدا، عليها يركبون ويحملون، وكلّ إنسان يربط فيلته على بابه وكلّ صاحب حانوت يربط فيله عنده، ويركبه إلى داره وتحمل، وكذلك جميع أهل الصين والخطا على مثل هذا الترتيب «21» .
ذكر سلطان مل جاوة
وهو كافر رأيته خارج قصره جالسا على قبة ليس بينه وبين الأرض بساط، ومعه أرباب دولته والعساكر يعرضون عليه مشاة، ولا خيل إلا عند السلطان، وانما يركبون الفيلة، وعليها يقاتلون، فعرف شأني، فاستدعاني فجئت وقلت: السلام على من اتبع الهدى، فلم يفقهوا إلا لفظ السلام! فرحّب بي، وأمر أن يفرش لي ثوب أقعد عليه، فقلت للترجمان: كيف أجلس على الثوب والسلطان قاعد على الأرض؟ فقال: هكذا عادته يقعد على الأرض تواضعا، وأنت ضيف، وجئت من سلطان كبير، فيجب إكرامك، فجلست وسألني عن السلطان، فأوجز في سؤاله، وقال لي: تقيم عندنا في الضيافة ثلاثة أيام، وحينئذ يكون انصرافك.
ذكرى عجيبة رأيتها بمجلسه
ورأيت في مجلس هذا السلطان رجلا بيده سكين شبه سكين المسفّر قد وضعه على رقبة نفسه، فوقع رأسه لحدة السكين وشدّة امساكه بالارض، فعجبت من شأنه، وقال لي السلطان: أيفعل أحد هذا عندكم؟ فقلت له: ما رأيت هذا قط! فضحك، وقال: هؤلاء عبيدنا يقتلون أنفسهم في محبّتنا!! وأمر به فرفع وأحرق، وخرج لإحراقه النواب وأرباب الدولة
عن الفيلة بمرسى قاقلة
والعساكر والرعايا وأجرى الرزق الواسع على أولاده وأهله وإخوانه وعظّموا لأجل فعله! وأخبرني من كان حاضرا في ذلك المجلس أن الكلام الذي تكلم به كان تقريرا لمحبته في السلطان، وأنه يقتل نفسه في حبّه كما قتل أبوه نفسه في حب أبيه، وجدّه نفسه في حب جده! ثم انصرفت عن المجلس وبعث إلي بضيافة ثلاثة أيام. وسافرنا في البحر فوصلنا بعد أربعة وثلاثين يوما إلى البحر الكاهل «22» وهو الراكد، وفيه حمرة زعموا أنها من تربة أرض تجاوره، ولا ريح فيه ولا موج ولا حركة مع اتساعه، ولأجل هذا البحر تتبع كلّ جنك من جنوك الصين ثلاثة مراكب كما ذكرناه، تجذف به فتجرّه، ويكون في الجنك مع ذلك نحو عشرين مجدافا كبارا كالصّواري يجتمع على المجداف منها ثلاثون رجلا أو نحوها، ويقومون قياما صفين كل صفّ يقابل «23» الآخر، وفي المجداف حبلان عظيمان كالطوانيس «24» فتجدف إحدى الطائفتين الحبل ثم تتركه وتجذف الطائفة الأخرى، وهم يغنون عند ذلك بأصواتهم الحسان، وأكثر ما يقولون: لعلى لعلى.
وأقمنا على ظهر هذا البحر سبعة وثلاثين يوما، وعجبت البحريّة من التسهيل فيه، فإنهم يقيمون فيه خمسين يوما إلى أربعين وهي أنهى ما يكون من التّيسير عليهم.
ثم وصلنا إلى بلاد طوالسي، وهي بفتح الطاء المهمل والواو وكسر السين المهمل، وملكها هو المسمى بطوالسي «25» ، وهي بلاد عريضة، وملكها يضاهي ملك الصين وله