الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رطل منه وجعلته في الماء ثم شربته، فأسهلني ثلاثة أيام، وعافاني الله من مرضي، فكرهت تلك المدينة، وطلبت الإذن في السفر، فقال لي السلطان: كيف تسافر ولم يبق لأيام السفر إلى الجزائر غير شهر واحد؟ أقم حتى نعطيك جميع ما أمر لك به خوند عالم، فأبيت، وكتب لي إلى فتّن لأسافر في أيّ مركب أردت، وعدت إلى فتّن فوجدت ثمانية من المراكب تسافر إلى اليمن، فسافرت في إحداها، ولقينا أربعة أجفان فقاتلتنا يسيرا ثم انصرفت، ووصلنا إلى كولم وكان في بقيّة مرض فأقمت بها ثلاثة أشهر «289» ثم ركبت في مركب يقصد السلطان جمال الدين الهنّوري فخرج علينا الكفار بين هنّور وفاكنور.
ذكر سلب الكفار لنا
ولما وصلنا إلى الجزيرة الصغرى بين هنّور وفاكنور «290» خرج علينا الكفار في اثنى عشر مركبا حربية، وقاتلونا قتالا شديدا، وتغلبوا علينا فأخذوا جميع ما عندي مما كنت أذّخره للشدائد وأخذوا الجواهر واليواقيت التي أعطانيها ملك سيلان، وأخذوا ثيابي والزّوادات التي كانت عندي مما أعطانيه الصالحون والأولياء ولم يتركوا لي ساترا خلا السّراويل! وأخذوا ما كان لجميع الناس! وأنزلونا بالساحل، فرجعت إلى قالقوط فدخلت بعض المساجد، فبعث إلي أحد الفقهاء بثوب وبعث القاضي بعمامة، وبعث بعض التجار بثوب آخر.
وتعرفت هنالك بتزوّج الوزير عبد الله بالسلطانة خديجة بعد موت الوزير جمال الدين، وبأن زوجتي التي تركتها حاملا ولدت ولدا ذكرا فخطر لي السفر إلى الجزائر، وتذكرت العداوة التي بيني وبين الوزير عبد الله، ففتحت المصحف فخرج لي: تتنزّل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا (291) ، فاستخرت الله وسافرت، فوصلت بعد عشرة أيام إلى جزائر ذيبة المهل، ونزلت منها بكنّلوس «292» ، فأكرمني واليها عبد العزيز المقدشاوي، وأضافني
رسم للقراصنة بريشة بينيط L.Benett
وجهز لي كندرة، ووصلت بعد ذلك إلى هللي «293» وهي الجزيرة التي تخرج السلطانة وأخواتها اليها برسم التفرّج والسباحة ويسمون ذلك التّبحّر، ويلعبون في المراكب ويبعث لها الوزراء والأمراء بالهدايا والتحف متى كانت بها، ووجدت بها أخت السلطانة وزوجها الخطيب محمد بن الوزير جمال الدين وأمها التي كانت زوجتي فجاء الخطيب إليّ وأتوا بالطعام.
ومرّ بعض أهل الجزيرة إلى الوزير عبد الله فأعلموه بقدومي، فسأل عن حالي وعمّن قدم معي، وأخبر أني جئت برسم حمل ولدي، وكانت سنه نحو عامين «294» وأتته أمه تشكو من ذلك، فقال لها: أنا لا أمنعه من حمل ولده، وأذن لي في دخول الجزيرة، وأنزلني بدار تقابل برج قصره ليتطلّع على حالي، وبعث إلي بكسوة كاملة وبالتّنبول وماء الورد على عادتهم، وجئت بثوبي حرير للرمى عند السلام فأخذوهما، ولم يخرج الوزير إليّ ذلك اليوم، وأتي إليّ بولدي فظهر لي أن تعجيل السفر أولى، فطلبت الإذن في ذلك فاستدعاني الوزير ودخلت عليه وأتوني بالثوبين الذين أخذوهما مني فرميتهما عند السلام على العادة، وأجلسني إلى جانبه، وسألني عن حالي، وأكلت معه الطعام وغسلت يدي معه في الطست، وذلك شيء لا يفعله مع أحد، وأتوا بالتنبول، وانصرفت، وبعث إلي بأثواب وبساتي «295» من الودع، وأحسن في افعاله وأجمل.
وسافرت فأقمنا على ظهر البحر ثلاثا وأربعين ليلة، ثم وصلنا إلى بلاد بنجالة، وضبطها بفتح الباء الموحدة وسكون النون وجيم معقود وألف ولام مفتوح، وهي بلاد متسعة كثيرة الأرز، ولم أر في الدنيا أرخص أسعارا منها لكنها مظلمة، وأهل خرسان يسمونها دوزخست بور نعمت «296» معناه: جهنم ملأى بالنعم، رأيت الأرز يباع في أسواقها خمسة وعشرين رطلا دهلية بدينار فضي «297» ، والدينار الفضي هو ثمانية دراهم، ودرهمهم كالدرهم النّقرة سواء، والرطل الدّهلي عشرون رطلا مغربية، وسمعتهم يقولون أن ذلك غلاء عندهم.
وحدثني محمد المصمودي المغربي، وكان من الصالحين، وسكن هذا البلد قديما، ومات عندي بدهلي، أنه كانت له زوجة وخادم فكان يشتري قوت ثلاثتهم في السنة بثمانية دراهم، وأنه كان يشتري الأرز في قشره، بحساب ثمانين رطلا دهلية «298» بثمانية دراهم، فإذا دقه خرج منه خمسون رطلا صافية وهي عشرة قناطير، ورأيت البقرة تباع بها للحلب بثلاثة دنانير فضة، وبقرهم الجواميس، ورأيت الدّجاج السمان تباع بحساب ثمان بدرهم واحد، وفراخ الحمام يباع خمسة عشر منها بدرهم، ورأيت الكبش السمين يباع بدرهمين، ورطل السكر بأربعة دراهم، وهو رطل دهلي، ورطل الجلّاب بثمانية دراهم، ورطل السمن بأربعة دراهم، ورطل السيرج بدرهمين، ورأيت ثوب القطن الرقيق الجيّد الذي ذرعه ثلاثون ذراعا يباع بدينارين، ورأيت الجارية المليحة للفراش تباع بدينار من الذهب واحد وهو ديناران ونصف من الذهب المغربي «299» واشتريت بنحو هذه القيمة جارية تسمى عاشورة، وكان لها جمال بارع واشترى بعض أصحابي غلاما صغير السن حسنا اسمه لؤلؤ بدينارين من الذّهب.
وأول مدينة دخلناها من بلاد بنجالة مدينة سدكاوان، وضبط اسمها بضم السين وسكون الدال المهملين وفتح الكاف والواو وآخره نون وهي مدينة عظيمة على ساحل البحر الأعظم «300» ، ويجتمع بها نهر الكنك الذي يحج إليه الهنود ونهر الجون «301» ويصبان في البحر، ولهم في النهر مراكب كثيرة يقاتلون بها أهل بلاد اللكنوتي «302» .
البنجال جهنّم ملأى بالنّعم!