الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزر، ونزلت في عشاري مع بعض اصحابي حين الجزر لأدخل اليها فوحل العشاري في الطين، وبقى بيننا وبين البلد نحو ميل فكنت لما نزلنا في الوحل أتوكأ على رجلين من أصحابي، وخوّفني الناس من وصول المد قبل وصولي اليها وأنا لا أحسن السباحة، ثم وصلت إليها وطفت باسواقها، ورأيت بها مسجدا ينسب للخضر وإلياس عليهما السلام، صليت به المغرب، ووجدت به جماعة من الفقراء الحيدرية مع شيخ لهم ثم عدت إلى المركب «78» .
ذكر سلطانها
وسلطانها كافر يسمى دنكول بضم الدال المهمل وسكون النون وضم الكاف وواو ولام، وكان يظهر الطاعة لملك الهند وهو في الحقيقة عاص، ولما أقلعنا عن هذه المدينة وصلنا بعد ثلاثة أيام إلى جزيرة سندابور وضبط اسمها بفتح السين المهمل وسكون النون وفتح الدال المهمل والف وباء موحدة وواو مد وراء، وهي جزيرة في وسطها ست وثلاثون قرية «79» ، ويدور بها خور واذا كان الجزر فماؤها عذب طيب، وإذا كان المد فهو ملح أجاج، وفي وسطها مدينتان إحداهما قديمة من بناء الكفار، والثانية بناها المسلمون عند استفتاحهم لهذه الجزيرة الفتح الأول، وفيها مسجد جامع عظيم يشبه مساجد بغداد عمّره الناخودة حسن والد السلطان جمال الدين محمد الهنوري، وسياتي ذكره وذكر حضوري معه لفتح هذه الجزيرة الفتح الثاني إن شاء الله «80» ، وتجاوزنا هذه الجزيرة لما مررنا بها ورسينا على جزيرة صغيرة قريبة من البر «81» فيها كنيسة وبستان وحوض ماء ووجدنا فيها أحد الجوكية.
حكاية هذا الجوكي
ولما نزلنا بهذه الجزيرة الصغرى وجدنا بها جوكيا مستندا إلى حائط بدخانة، وهي بيت الاصنام، وهو فيما بين صنمين منها وعليه أثر المجاهدة فكلّمناه فلم يتكلم، ونظرنا: هل معه طعام فلم نر معه طعاما، وفي حين نظرنا صاح صيحة عظيمة فسقطت عند صياحه
نموذج من الفن التصويري عند العرب، تذكرنا بالكثير من المشاهد التي يصفها اين بطوطة في رحلته مشهد المركب من إحدى مقامات الحريري (446- 516- 12221104)
جوزة من جوز النارجيل بين يديه، ودفعها لنا فعجبنا من ذلك ودفعنا له دنانير ودراهم، فلم يقبلها وأتيناه بزاد فردّه.
وكانت بين يديه عباءة من صوف الجمال مطروحة فقلّبتها بيدي فدفعها لي، وكانت بيدي سبحة زيلع «82» فقلّبها في يدي فأعطيته إياها، ففركها بيده وشمها وقبّلها، وأشار إلى السماء ثم إلى سمت القبلة، فلم يفهم أصحابي إشارته، وفهمت أنا عنه أنه أشار أنّه مسلم يخفي إسلامه من أهل تلك الجزيرة، ويتعيش من تلك الجوز، ولمّا وادعناه قبلت يده فأنكر أصحابي ذلك ففهم إنكارهم فأخذ يدي وقبّلها وتبسّم وأشار لنا بالانصراف فانصرفنا وكنت آخر أصحابي خروجا، فجذب ثوبي فرددت رأسي إليه، فأعطاني عشرة دنانير، فلما خرجنا عنه قال لي أصحابي: لم جذبك؟ فقلت لهم: أعطاني هذه الدنانير، وأعطيت لظهير الدين ثلاثة منها ولسنبل ثلاثة، وقلت لهما: الرجل مسلم، ألا ترون كيف أشار إلى السماء؟ يشير إلى أنه يعرف الله تعالى، وأشار إلى القبلة يشير إلى معرفة الرسول عليه السلام وأخذه السبحة يصدّق ذلك، فرجعا لما قلت لهما ذلك إليه، فلم يجداه وسافرنا في تلك الساعة.
وبالغد وصلنا إلى مدينة هنور «83» ، وضبط اسمها بكسر الهاء وفتح النون وسكون الواو وراء، وهي على خور كبيرة تدخله المراكب الكبار، والمدينة على نصف ميل من البحر وفي أيام البشكال، وهو المطر، يشتد هيجان هذا البحر وطغيانه فيبقى مدّة أربعة أشهر لا يستطيع أحد ركوبه إلا للصيد فيه، وفي يوم وصولنا إليها جاءني أحد الجوكية من الهنود في خلوة وأعطاني ستة دنانير، وقال لي: البرهمي بعثها إليك، يعني الجوكي الذي أعطيته السبحة وأعطاني الدنانير فأخذتها منه وأعطيته دينارا منها فلم يقبله وانصرف، وأخبرت أصحابي بالقضية وقلت لهما: إن شئتما نصيبكما منها، فأبيا، وجعلا يعجبان من شأنه، وقالا لي: إن الدنانير الستة التي أعطيتنا إياها جعلنا معها مثلها وتركناها بين الصنمين حيث وجدناه، فطال عجبي من أمره واحتفظت بتلك الدنانير التي أعطانيها.
واهل مدينة هنّور شافعية المذهب، لهم صلاح ودين وجهاد في البحر وقوة، وبذلك عرفوا حتى أذلهم الزمان بعد فتحهم لسندابور، وسنذكر ذلك، ولقيت من المتعبدين بهذه المدينة الشيخ محمد الناقوري أضافني بزاويته. وكان يطبخ الطعام بيده استقذارا للجارية