الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم سافرنا إلى مدينة علابور «35» ، وضبط اسمها بفتح العين ولام والف وباء موحدة مضمومة وواو وراء، مدينة صغيرة أكثر سكانها الكفار تحت الذمة، وعلى مسيرة يوم منها سلطان كافر اسمه قتم بفتح القاف والتاء المعلوة، وهو سلطان جنبيل بفتح الجيم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وباء مد ولام، الذي حاصر مدينة كيالير، وقتل بعد ذلك «36» .
حكاية الأمير قتم
كان هذا السلطان الكافر قد حاصر مدينة رابري «37» ، وهي على نهر الجون، كثيرة القرى والمزارع، وكان أميرها خطّاب الأفغاني، وهو أحد الشجعان، واستعان السلطان الكافر بسلطان كافر مثله يسمى رجو، بفتح الراء وضم الجيم، وبلده يسمى سلطان بور «38» ، وحاصرا مدينة ربري فبعث خطّاب إلى السلطان يطلب منه الإغاثة فأبطأ عليه المدد وهو على مسيرة أربعين من الحضرة، فخاف أن يتغلب الكفار عليه فجمع من قبيلة الأفغان نحو ثلاثمائة، ومثلهم من المماليك ونحو أربع مائة من سائر الناس، وجعلوا العمائم في أعناق خيلهم! وهي عادة أهل الهند إذا أرادوا الموت وباعوا نفوسهم من الله تعالى، وتقدّم خطّاب وقبيلته وأتبعهم سائر الناس، وفتحوا الباب عند الصبح وحملوا على الكفار حملة واحدة وكانوا نحو خمسة عشر ألفا فهزموهم، باذن الله، وقتلوا سلطانيهم قتم ورجو، وبعثوا برأسيهما إلى السلطان ولم ينج من الكفار إلا الشّريد.
ذكر أمير علابور واستشهاده
وكان أمير علابور بدر الحبشي من عبيد السلطان، وهو من الأبطال الذين تضرب بهم الأمثال، وكان لا يزال يغير على الكفار منفردا بنفسه فيقتل ويسبى حتى شاع خبره واشتهر أمره وهابه الكفار، وكان طويلا ضخما ياكل الشاة عن آخرها في أكلة! وأخبرت أنه كان يشرب نحو رطل ونصف من السمن بعد غذائه على عادة الحبشة
ببلادهم! وكان له ابن يدانيه في الشجاعة، فاتفق أن غار مرة في جماعة من عبيده على قرية للكفار فوقع به الفرس في مطمورة واجتمع عليه أهل القرية فضربه أحدهم بقتّارة، والقتّارة بقاف معقود وتاء معلوة، حديدة شبه سكة للحرث يدخل الرجل يده فيها فتكسو ذراعه ويفضل منها مقدار ذراعين، وضربتها لا تبقي، فقتله بتلك الضربة وقاتل عبيده أشد القتال فتغلبوا على القرية، وقتلوا رجالها وسبوا نساءها وما فيها وأخرجوا الفرس من المطمورة سالما فأتوا به ولده فكان من الاتفاق الغريب أنه ركب الفرس وتوجّه إلى دهلي فخرج عليه الكفار فقاتلهم حتى قتل وعاد الفرس إلى أصحابه فدفعوه إلى أهله فركبه صهر له فقتله الكفار عليه أيضا! ثم سافرنا إلى مدينة كاليور، وضبط اسمها بفتح الكاف المعقود وكسر اللّام وضم الياء آخر الحروف وواو وراء، ويقال فيها أيضا كيالير، وهي مدينة كبيرة لها حصن منيع منقطع في رأس شاهق على بابه صورة فيل، وفيال من الحجارة وقد مر ذكره في اسم السلطان قطب الدين «39» ، وأمير هذه المدينة أحمد بن سيرخان فاضل كان يكرمني أيام إقامتي عنده قبل هذه السفرة.
ودخلت عليه يوما وهو يريد توسيط رجل من الكفار فقلت له: بالله لا تفعل ذلك، فاني ما رأيت أحدا قط يقتل بمحضري! فأمر بسجنه وكان ذلك سبب خلاصه.
ثم رحلنا من مدينة كاليور إلى مدينة برون «40» ، وضبط اسمها بفتح الباء المعقودة وسكون الراء وفتح الواو وآخره نون، مدينة صغيرة للمسلمين بين بلاد الكفار، أميرها محمد بن بيرم التركي الأصل، والسباع بها كثيرة، وذكر لي بعض أهلها أن السبع كان يدخل إليها ليلا وأبوابها مغلقة فيفترس الناس حتى قتل من أهلها كثيرا وكانوا يعجبون في شأن دخوله. وأخبرني محمد التّوفيري من أهلها، وكان جارا لي بها أنه دخل داره ليلا وافترس صبيا من فوق السرير، وأخبرني غيره أنه كان مع جماعة في دار عرس فخرج أحدهم لحاجة فافترسه فخرج أصحابه في طلبه فوجدوه مطروحا بالسوق وقد شرب دمه ولم يأكل لحمه.
وذكروا أنه كذلك فعله بالناس.