الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن جزي: لولا خشيت أن أنسب إلى العصبية لأطلت القول في وصف غرناطة، فقد وجدت مكانه ما اشتهر كاشتهارها لا معنى لإطالة القول فيه! ولله درّ شيخنا أبي بكر محمد ابن أحمد ابن شبرين السّبتي «37» نزيل غرناطة حيث يقول:
رعى الله من غرناطة متبوأ
…
يسرّ حزينا أو يجير طريدا
تبرّم منها صاحبي عند ما رأى
…
مسارحها بالثّلج عدن جليدا
هي الثّغر صان الله من أهلت به
…
وما خير ثغر لا يكون برودا؟
رجع، ذكر سلطانها
وكان ملك غرناطة في عهد دخولي اليها السلطان أبو الحجاج يوسف بن السلطان أبي الوليد إسماعيل ابن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر ولم ألقه بسبب مرض كان به «38» ، ويعثت إليّ والدته الحرة الصالحة الفاضلة بدنانير ذهب ارتفقت بها.
لقطات من الحمراء لم تثر انتباهه!
ولقيت بغرناطة جملة من فضلائها: منهم قاضي الجماعة بها الشريف البليغ أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد الحسيني السبتي «39» ، ومنهم فقيهها المدرس الخطيب العالم أبو عبد الله محمد بن ابراهيم البيّاني «40» ، ومنهم عالمها ومقرئها الخطيب أبو سعيد فرج بن قاسم الشهير بابن لب «41» ، ومنهم قاضي الجماعة نادرة العصر وطرفة الدهر أبو البركات محمد بن محمد بن ابراهيم السّلمي «42» البلفيقي، قدم عليها من المرية في تلك
لكي نأخذ فكرة عن صور القوم على ذلك العهد رأينا أن ننقل هنا جانبا من الرسوم المنقوشة في سقف إحدى قباب قصر الحمراء في غرناطة
جنة العريف- عن مجلة ابن بطوطة الإسبانية عدد -G 28006/4 مدريد
الأيام فوقع الاجتماع به في بستان الفقيه أبي القاسم محمد بن الفقيه الكاتب الجليل أبي عبد الله بن عاصم «43» وأقمنا هنالك يومين وليلة «44» .
قال ابن جزي: كنت معهم في ذلك البستان وأمتعنا الشيخ أبو عبد الله باخبار رحلته، وقيّدت عنه أسماء الأعلام الذين لقيهم فيها واستفدنا منه الفوائد العجيبة، وكان معنا جملة من وجوه أهل غرناطة منهم الشاعر المجيد الغريب الشأن أبو جعفر أحمد بن رضوان بن عبد العظيم الجذامي «45» وهذا الفتى أمره عجيب، فإنه نشأ بالبادية ولم يطلب العلم ولا مارس الطّلبة، ثم إنه نبغ بالشعر الجيد الذي يندر وقوعه من كبار البلغاء وصدور الطلبة مثل قوله:
يا من اختار فؤادي منزلا
…
بابه العين التي ترمقه
فتح الباب سهادي بعدكم
…
فابعثوا طيفكم يغلقه
رجع، ولقيت بغرناطة شيخ الشيوخ والمتصوفين بها الفقيه أبا علي عمر بن الشيخ الصالح الولي أبي عبد الله محمد بن المحروق «46» ، وأقمت أياما بزاويته التي بخارج
غرناطة، وأكرمني أشد الإكرام وتوجهت معه إلى زيارة الزاوية الشهيرة البركة المعروفة برابطة العقاب، والعقاب جبل مطل على خارج غرناطة، وبينهما نحو ثمانية أميال وهو مجاور لمدينة ألبيرة «47» الخربة، ولقيت أيضا ابن أخيه الفقيه أبا الحسن علي بن أحمد المحروق «48» بزاويته المنسوبة للّجام، بأعلى ربض نجد «49» من خارج غرناطة المتصل بجبل السّبيكة، وهو شيخ المتسبّبين من الفقراء.
وبغرناطة جملة من فقراء العجم «50» استوطنوها لشبهها ببلادهم، منهم الحاج أبو عبد الله السمرقندي، والحاج أحمد التّبريزي، والحاج إبراهيم القونوي، والحاج حسين الخراساني والحاجان عليّ ورشيد الهنديان وسواهم.
حوار الحضارات: بين الأندلس وبلاد فارس
…
ثم رحلت من غرناطة إلى الحمّة، ثم إلى بلّش ثم إلى مالقة، ثم إلى حصن ذكوان وهو حصن حسن كثير المياه والاشجار والفواكه «51» ، ثم سافرت منه إلى رندة ثم إلى قرية بني رياح «52» فأنزلني شيخها أبو الحسن علي بن سليمان الرياحي وهو أحد كرماء الرجال، وفضلاء الأعيان يطعم الصادر والوارد وأضافني ضيافة حسنة.
ثم سافرت إلى جبل الفتح وركبت البحر في الجفن الذي جزت فيه أولا وهو لأهل أصيلا فوصلت إلى سبتة وكان قائدها إذا ذاك الشيخ أبو مهدي عيسى بن سليمان بن منصور وقاضيها الفقيه أبو محمد الزجندري «53» .
ثم سافرت منها إلى أصيلا وأقمت بها شهورا «54» ، ثم سافرت منها إلى مدينة سلا «55» ، ثم سافرت من سلا فوصلت إلى مدينة مراكش «56» ، وهي من أجمل المدن، فسيحة الأرجاء متسعة الأقطار كثيرة الخيرات، بها المساجد الضّخمة كمسجدها الأعظم المعروف بمسجد الكتبيين «57» وبها الصومعة الهائلة العجيبة، صعدتها وظهر لي جميع البلد منها،
وقد استولى عليه الخراب «58» ، فما شبّهته إلا ببغداد إلا «59» أن أسواق بغداد أحسن، وبمراكش المدرسة العجيبة «60» التي تميّزت بحسن الوضع وإتقان الصنعة وهي من بناء مولانا أمير المسلمين أبي الحسن رضوان الله عليه.
قال ابن جزي: في مراكش يقول قاضيها الامام التّاريخي أبو عبد الله محمد ابن عبد الملك الأوسي «61» :
لله مراكش الغرّاء من بلد
…
وحبّذا أهلها السادات من سكن
إن حلّها نازح الأوطان مغترب
…
أسلوه بالأنس عن أهل وعن وطن
بين الحديث بها أو العيان لها
…
ينشا التّحاسد بين العين والأذن!!
رجع. ثم سافرت من مراكش صحبة الرّكاب العلي: ركاب مولانا أيده الله فوصلنا إلى مدينة «62» سلا ثم إلى مدينة مكناسة العجيبة الخضرة النضرة ذات البساتين والجنات المحيطة بها بحائر الزيتون من جميع نواحيها ثم وصلنا إلى حضرة فاس حرسها الله تعالى فوادعت بها مولانا أيده الله
…
الكتبية بمراكش
مدرسة السلطان أبي الحسن
باب المريسة المريني بسلا صحن المدرسة البوعنانية بسلا لقطات من مدينة سلا