المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر محنتي بالأسر وخلاصي منه، وخلاصي من شدة بعده، على يد ولي من أولياء الله تعالى - رحلة ابن بطوطة ط أكاديمية المملكة المغربية - جـ ٤

[ابن بطوطة]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌الفصل الرابع عشر الجنوب الهندي- جزر مالديف- سيلان- البنغال

- ‌ذكر سبب بعث الهدية للصين وذكر من بعث معي وذكر الهدية

- ‌ذكر غزوة شهدناها بكول

- ‌ذكر محنتي بالأسر وخلاصي منه، وخلاصي من شدة بعده، على يد وليّ من أولياء الله تعالى

- ‌حكاية هذا الشيخ

- ‌حكاية قاضي القضاة

- ‌حكاية الأمير قتم

- ‌ذكر أمير علابور واستشهاده

- ‌ذكر السّحرة الجوكية

- ‌حكاية [امرأة كفتار]

- ‌حكاية [سحر الجوكية]

- ‌حكاية [بطيخ الشيخ ابراهيم]

- ‌حكاية [ابن أخت الوزير وجاريته]

- ‌حكاية [فيران تأكل الرجال]

- ‌ذكر سوق المغنين

- ‌حكاية [الثلاثة المخالفين]

- ‌حكاية [الأعورين]

- ‌ذكر سلطانها (قندهار)

- ‌ذكر ركوبنا البحر

- ‌ذكر سلطانها

- ‌حكاية هذا الجوكي

- ‌ذكر سلطان هنّور

- ‌ذكر ترتيب طعامه

- ‌ذكر الفلفل

- ‌ذكر سلطانها

- ‌ذكر سلطانها

- ‌ذكر سلطانها

- ‌ذكر الشجرة العجيبة الشأن التي بإزاء الجامع

- ‌حكاية [مسجد بدفتّن]

- ‌ذكر سلطانها

- ‌ذكر مراكب الصّين

- ‌ذكر أخذنا في السفر إلى الصين ومنتهى ذلك

- ‌ذكر القرفة والبقّم

- ‌ذكر سلطانها

- ‌حكاية [العراقي القتيل]

- ‌حكاية [رجل قتل بحبة عنبة]

- ‌حكاية [قتل مغتصب سيفا]

- ‌ذكر توجهنا إلى الغزو وفتح سندابور

- ‌ذكر أشجارها

- ‌ذكر أهل هذه الجزائر، وبعض عوائدهم وذكر مساكنهم

- ‌ذكر نسائها

- ‌ذكر السبب في إسلام أهل هذه الجزائر وذكر العفاريت من الجن التي تضربها في كل شهر

- ‌ذكر سلطانة هذه الجزائر

- ‌ذكر أرباب الخطط وسيرهم

- ‌ذكر وصولي إلى هذه الجزائر وتنقّل حالي بها

- ‌ذكر بعض إحسان الوزير إلي

- ‌ذكر تغيره وما أردته من الخروج ومقامي بعد ذلك

- ‌ذكر العيد الذي شاهدته معهم

- ‌ذكر تزوجي وولايتي القضاء

- ‌ذكر قدوم الوزير عبد الله بن محمد الحضرمي الذي نفاه السلطان شهاب الدين إلى السويد وما وقع بيني وبينه

- ‌ذكر انفصالي عنهم وسبب ذلك

- ‌ذكر النساء ذوات الثدي الواحد

- ‌ذكر سلطان سيلان

- ‌ذكر سلطان [كنكار]

- ‌ذكر الياقوت

- ‌ذكر القرود

- ‌ذكر العلق الطيار

- ‌ذكر جبل سرنديب

- ‌ذكر القدم

- ‌ذكر سلطان بلاد المعبر

- ‌ذكر وصولي إلى السلطان غياث الدين

- ‌ذكر ترتيب رحيله وشنيع فعله في قتل النساء والولدان

- ‌ذكر هزيمته للكفار وهي من أعظم فتوحات الإسلام

- ‌ذكر وفاة السلطان وولاية ابن أخيه وانصرافي عنه

- ‌ذكر سلب الكفار لنا

- ‌ذكر سلطان بنجالة

- ‌حكاية [الفقير شيدا]

- ‌ذكر الشيخ جلال الدين

- ‌كرامة له

- ‌كرامة له أيضا

- ‌حكاية عجيبة في ضمنها كرامات له

- ‌ذكر سلطانهم

- ‌حكاية [كيف يعاقب الزناة]

- ‌الفصل الخامس عشر آسيا- الجنوب الشرقي- والصين

- ‌ذكر سلطان الجاوة

- ‌ذكر دخولنا إلى داره وأحسانه إلينا

- ‌ذكر انصرافه إلى داره وترتيب السلام عليه

- ‌ذكر خلاف ابن أخيه وسبب ذلك

- ‌ذكر اللّبان

- ‌ذكر الكافور

- ‌ذكر العود الهندي

- ‌ذكر القرنفل

- ‌ذكر سلطان مل جاوة

- ‌ذكرى عجيبة رأيتها بمجلسه

- ‌ذكر هذه الملكة

- ‌ثم سافرنا عن بلاد طوالسي

- ‌ذكر الفخار الصيني

- ‌ذكر دجاج الصين

- ‌ذكر بعض من أحوال أهل الصين

- ‌ذكر دراهم الكاغد التي بها يبيعون ويشترون

- ‌ذكر التراب الذي يوقدونه مكان الفحم

- ‌ذكر ما خصوا به من إحكام الصناعات

- ‌ذكر عادتهم في تقييد ما في المراكب

- ‌ذكر عادتهم في منع التجار عن الفساد

- ‌ذكر حفظهم للمسافرين في الطرق

- ‌حكاية عجيبة

- ‌حكاية [قوام الدّين السبتي]

- ‌ذكر الامير الكبير قرطي

- ‌حكاية المشعوذ

- ‌ذكر سلطان الصين والخطا الملقب بالقان

- ‌ذكر قصره [القان]

- ‌ذكر خروج القان لقتال ابن عمه وقتله

- ‌ذكر رجوعي إلى الصين ثم إلى الهند

- ‌ذكر الرّخ

- ‌ذكر أعراس ولد الملك الظاهر

- ‌الفصل السادس عشر العودة إلى المغرب

- ‌ذكر سلطانها [ظفار]

- ‌ذكر سلطانها [بغداد]

- ‌حكاية [قتلى الخبز]

- ‌حكاية [الوباء المجتاح]

- ‌حكاية [نذر الخطيب]

- ‌حكاية [الفقير الصائم]

- ‌ذكر سلطانها

- ‌ذكر سلطانها

- ‌ذكر بعض فضائل مولانا أيده الله

- ‌الفصل السابع عشر الرحلة إلى الاندلس

- ‌رجع، ذكر سلطانها

- ‌الفصل الثامن عشر الرحلة إلى بلاد السودان

- ‌ذكر التكشيف

- ‌حكاية [ملاعب الحيّات]

- ‌ذكر مسّوفة الساكنين بإيوالّاتن

- ‌حكاية [القاضي وصاحبته]

- ‌حكاية نحوها

- ‌ذكر سلطان مالّي

- ‌ذكر ضيافتهم التّافهة وتعظيمهم لها

- ‌ذكر كلامي للسلطان بعد ذلك وإحسانه إلي

- ‌ذكر جلوسه بقبّته

- ‌ذكر جلوسه بالمشور

- ‌ذكر تذلل السودان لملكهم وتتريبهم له وغير ذلك من أحوالهم

- ‌ذكر فعله في صلاة العيد وأيامه

- ‌ذكر الأضحوكة في إنشاد الشعراء للسلطان

- ‌حكاية [الجرادة المتكلمة]

- ‌حكاية [عن عدل السلطان]

- ‌حكاية [زوجة السلطان وبنات عمه]

- ‌حكاية [الحسنة بعشر أمثالها]

- ‌ذكر ما استحسنته من أفعال السودان وما استقبحته منها

- ‌ذكر سفري عن مالّي

- ‌ذكر الخيل التي تكون بالنّيل

- ‌حكاية [أكلة لحم البشر]

- ‌حكاية [أكلة خادمة السلطان]

- ‌حكاية [منامة]

- ‌حكاية [أمير لا يحب البكاء]

- ‌حكاية [جوار معلّمات]

- ‌ذكر معدن النحاس

- ‌ذكر سلطان تكدّا

- ‌ذكر وصول الأمر الكريم إلي

- ‌الملاحق

- ‌شهادة ابن خلدون

- ‌تعقيب الزياني

- ‌الكتاني ينتقد الزياني

- ‌عن كلمة (أفراج) أو أفراق المغربية

- ‌وثيقة تأسيس مسجد مالديف

- ‌أكاديمية السلطان أبي عنان

- ‌رسالة إلى الروضة الشريفة

- ‌وقفية المدرسة البوعنانية بداخل فاس

- ‌حول الحديث عن الزّاوية المتوكلية خارج المدينة

- ‌ ذكر السانية وأوصافها المتباينة:

- ‌ ذكر الناعورة: وأوصافها المحمودة المأثورة:

- ‌‌‌فصل

- ‌فصل

- ‌رجع الحديث:

- ‌فصل

- ‌تهنئة ملك غرناطة لملك المغرب بتحرير طرابلس

الفصل: ‌ذكر محنتي بالأسر وخلاصي منه، وخلاصي من شدة بعده، على يد ولي من أولياء الله تعالى

‌ذكر غزوة شهدناها بكول

ولما بلغنا إلى مدينة كول بلغنا أن بعض كفار الهنود حاصروا بلدة الجلالي «20» وأحاطوا بها وهي على مسافة سبعة أميال من كول فقصدناها، والكفار يقاتلون أهلها، وقد أشرفوا على التّلف، ولم يعلم الكفار بنا حتى صدقنا الحملة عليهم، وهم في نحو ألف فارس وثلاثة آلاف راجل، فقتلناهم عن آخرهم واحتوينا على خيلهم وأسلحتهم، واستشهد من أصحابنا ثلاثة وعشرون فارسا وخمسة وخمسون راجلا، واستشهد الفتى كافور الساقي الذي كانت الهدية مسلمة بيده، فكتبنا إلى السلطان بخبره، وأقمنا في انتظار الجواب.

وكان الكفار في أثناء ذلك ينزلون من جبل هنالك منيع فيغيرون على نواحي بلدة الجلالي، وكان أصحابنا يركبون كلّ يوم مع أمير تلك الناحية ليعينوه على مدافعتهم.

‌ذكر محنتي بالأسر وخلاصي منه، وخلاصي من شدة بعده، على يد وليّ من أولياء الله تعالى

وفي بعض تلك الأيام ركبت في جماعة من أصحابي ودخلنا بستانا نقيل فيه وذلك فصل القيظ، فسمعنا الصياح، فركبنا ولحقنا كفارا أغاروا على قرية من قرى الجلالي، فاتبعناهم فتفرقوا وتفرق أصحابنا في طلبهم، وانفردت في خمسة من أصحابي، فخرج علينا جملة من الفرسان والرجال من غيضة هنالك ففررنا منهم لكثرتهم واتبعني نحو عشرة منهم، ثم انقطعوا عني إلا ثلاثة منهم ولا طريق بين يدي، وتلك الأرض كثيرة الحجارة فنشبت يدا فرسي بين الحجارة، فنزلت عنه واقتلعت يده وعدت إلى ركوبه.

والعادة بالهند أن يكون مع الانسان سيفان: أحدهما معلق بالسّرج، ويسمى الرّكابي، والآخر في التركش، فسقط سيفي الركابي من غمده وكانت حليته ذهبا فنزلت فأخذته وتقلدته وركبت وهم في أثري، ثم وصلت إلى خندق عظيم فنزلت ودخلت في جوفه فكان آخر عهدي بهم.

ثم خرجت إلى واد في وسط شعراء ملتفة في وسطها طريق فمشيت عليه ولا أعرف منتهاه فبينا أنا في ذلك خرج عليّ نحو أربعين رجلا من الكفار بأيديهم القسّي فأحدقوا بي وخفت أن يرموني رمية رجل واحد إن فررت منهم، وكنت غير متدرع، فألقيت بنفسي إلى الأرض واستأسرت، وهم لا يقتلون من فعل ذلك، فأخذوني وسلبوني جميع ما عليّ، غير جبة وقميص وسروال ودخلوا بي إلى تلك الغابة فانتهوا بي إلى موضع جلوسهم منها على حوض ماء بين تلك الاشجار وأتوني بخبز ماش، وهو الجلبّان، فأكلت منه وشربت من الماء.

ص: 11

وكان معهم مسلمان كلّماني بالفارسية، وسألاني عن شأني، فأخيرتهما ببعضه وكتمتهما أني من جهة السلطان، فقالا لي: لا بد أن يقتلك هؤلاء أو غيرهم، ولكن هذا مقدّمهم وأشارا إلى رجل منهم، فكلّمته بترجمة المسلمين وتلطفت له، فوكل بي ثلاثة منهم:

أحدهم شيخ ومعه ابنه، والآخر أسود خبيث، وكلّمني أولئك الثلاثة، ففهمت منهم أنهم أمروا بقتلي، فاحتملوني عشيّ النهار إلى كهف، وسلط الله على الأسود منهم حمّى مرعدة، فوضع رجليه عليّ ونام الشيخ وابنه! فلما أصبح تكلموا فيما بينهم وأشاروا إليّ بالنزول معهم إلى الحوض وفهمت أنهم يريدون قتلي فكلمت الشيخ وتلطفت إليه فرقّ لي، وقطعت كمّي قميصي وأعطيته أياهما لكي لا يأخذه أصحابه فيّ إن فررت.

ولما كان عند الظهر سمعنا كلاما عند الحوض فظنوا أنهم أصحابهم، فأشاروا إليّ بالنّزول معهم، فنزلنا ووجدنا قوما آخرين فأشاروا عليهم أن يذهبوا في صحبتهم فأبوا، وجلس ثلاثتهم أمامي وأنا مواجه لهم ووضعوا حبل قنّب كان معهم بالأرض، وأنا أنظر إليهم، وأقول في نفسي: بهذا الحبل يربطونني عند القتل، وأقمت كذلك ساعة ثم جاء ثلاثة من أصحابهم الذين أخذوني فتكلموا معهم، وفهمت أنهم قالوا لهم: لأي شيء ما قتلتموه؟ فأشار الشيخ إلى الأسود كأنّه اعتذر بمرضه! وكان أحد هؤلاء الثلاثة شابا حسن الوجه، فقال لي:

أتريد أن أسرحك؟ فقلت: نعم، فقال: اذهب. فأخذت الجبّة التي كانت علي فأعطيته إياها وأعطاني مقيّرة بالية عنده، وأراني الطريق فذهبت وخفت أن يبدو لهم فيدركونني، فدخلت غيضة قصب واختفيت فيها، إلى أن غابت الشمس، ثم خرجت وسلكت الطريق التي أرانيها الشاب، فأفضت بي إلى ماء فشربت منه، وسرت إلى ثلث الليل فوصلت إلى جبل فنمت تحته فلما أصبحت سلكت الطريق فوصلت ضحى إلى جبل من الصخر عال فيه شجر أمّ غيلان والسدر، فكنت أجني النبق فأكله حتى أثّر الشوك في ذراعي أثارا هي باقية به حتى الآن! ثم نزلت من ذلك الجبل إلى أرض مزدرعة قطنا وبها أشجار الخروع، وهنالك باين، والبائن عندهم: بئر متسعة جدا مطوية بالحجارة، لها درج ينزل عليها إلى ورد الماء، وبعضها يكون في وسطه وجوانبه القباب مر، الحجر والسقايف والمجالس، ويتفاخر ملوك البلاد وأمراؤها بعمارتها في الطرقات التي لا ماء بها، وسنذكر بعض ما رأيناه منها فيما بعد «21» ، ولما وصلت إلى البائن شربت منه ووجدت عليه شيئا من عساليج الخردل قد سقطت

ص: 12

لمن غسلها فأكلت منها وادّخرت عليه شيئا من عساليج الخردل قد سقطت لمن غسلها فأكلت منها وادّخرت باقيها، ونمت تحت شجرة خروع.

فبينما أنا كذلك إذ ورد البائن نحو أربعين فارسا مدرعين، فدخل بعضهم إلى المزرعة، ثم ذهبوا، وطمس الله أبصارهم دوني، ثم جاء بعدهم نحو خمسين في السّلاح ونزلوا إلى البائن، وأتى أحدهم إلى شجرة إزاء الشجرة التي كنت تحتها، فلم يشعر بي.

ودخلت إذ ذاك في مزرعة القطن وأقمت بها بقية نهاري، وأقاموا على البائن يغسلون ثيابهم ويلعبون، فلما كان الليل هدأت أصواتهم، فعلمت أنهم قد مرّوا أو ناموا فخرجت حينئذ واتبعت أثر الخيل، والليل مقمر، وسرت حتى انتهيت إلى باين آخر، عليه قبة فنزلت إليه وشربت من مائه وأكلت من عساليج الخردل التي كانت عندي، ودخلت القبة فوجدتها مملوءة بالعشب مما يجمعه الطير فنمت بها، وكنت أحس حركة حيوان في تلك العشب أظنه حيّة فلا أبالي بها لما بي من الجهد، فلما أصبحت سلكت طريقا واسعة تفضي إلى قرية خربة وسلكت سواها فكانت كمثلها وأقمت كذلك أياما، وفي بعضها وصلت إلى أشجار ملتفة بينها حوض ماء وداخلها شبه بيت وعلى جوانب الحوض نبات الأرض كالنّجيل. وغيره فأردت أن أقعد هنالك حتى يبعث الله من يوصلني إلى العمارة.

ثم إني وجدت يسير قوة فنهضت على طريق وجدت بها أثر البقر ووجدت ثورا عليه بردعة ومنجل، فإذا تلك الطريق تفضي إلى قرى الكفار فاتبعت طريقا أخرى فأفضت بي إلى قرية خربة ورأيت بها أسودين عريانين فخفتهما وأقمت تحت أشجار هنالك فلما كان الليل دخلت القرية ووجدت دارا في بيت من بيوتها شبه خابية كبيرة يصنعونها لاختزان الزّرع، وفي أسفلها نقب يسع منه الرجل فدخلتها ووجدت داخلها مفروشا بالتبن وفيه حجر جعلت رأسي عليه ونمت.

وكان فوقها طائر يرفرف بجناحيه أكثر الليل، وأظنه كان يخاف فاجتمعنا خائفين وأقمت على تلك الحال سبعة أيام من يوم أسرت، وهو يوم السبت وفي السابع منها وصلت إلى قرية للكفار عامرة، وفيها حوض ماء ومنابت خضر، فسألتهم الطعام، فأبوا أن يعطوني، فوجدت حول بئر بها أوراق فجل، فأكلته، وجئت القرية فوجدت جماعة كفار لهم طليعة، فدعاني طليعتهم فلم أجبه، وقعدت إلى الأرض، فأتى أحدهم بسيف مسلول ورفعه ليضربني به، فلم التفت إليه لعظم ما بي من الجهد، ففتشني فلم يجد عندي شيئا فأخذ القميص الذي كنت أعطيت كمّية للشيخ الموكل بي.

ص: 13

ولما كان في اليوم الثامن اشتدّ بي العطش، وعدمت الماء ووصلت إلى قرية خراب فلم أجد بها حوضا، وعادتهم بتلك القرى أن يصنعوا أحواضا يجتمع بها ماء المطر فيشربون منه جميع السنة، فاتبعت طريقا فأفضت بي الى بئر غير مطوية، عليها حبل مصنوع من نبات الأرض، وليس فيه آنية يستقى بها فربطت خرقة كانت على رأسي في الحبل، وامتصصت ما تعلق بها من الماء، فلم يروني، فربطت خفي واستقيت به، فلم يفروني فاستقيت به ثانيا فانقطع الحبل، ووقع الخف في البئر فربطت الخف الآخر وشربت حتى رويت، ثم قطعته فربطت أعلاه على رجلي بحبل البئر، وبخرق وجدتها هنالك فبينما أنا أربطها وأفكر في حالي إذ لاح لي شخص فنظرت إليه فإذا رجل أسود اللّون بيده إبريق وعكّاز، وعلى كاهله جراب، فقال لي: سلام عليكم فقلت له: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقال لي بالفارسية: جيكس معناه: من أنت؟ فقلت له: أنا تائه! فقال لي: وأنا كذلك، ثم ربط إبريقه بحبل كان معه واستقى ماء فأردت أن أشرب، فقال لي: اصبر! ثم فتح جرابه فأخرج منه غرفة حمّص أسود مقلو مع قليل أرز، فأكلت منه وشربت، وتوضأ وصلّى ركعتين وتوضأت أنا وصليت، وسألني عن اسمي فقلت: محمد، وسألته عن اسمه فقال لي: القلب الفارح فتفاءلت بذلك وسررت به، ثم قال لي: بسم الله! ترافقني؟ فقلت:

نعم، فمشيت معه قليلا، ثم وجدت فتورا في أعضاءي، ولم أستطع النهوض، فقعدت، فقال لي: ما شأنك؟ فقلت له: كنت قادرا على المشي قبل أن ألقاك فلما لقيتك عجزت، فقال:

سبحان الله اركب عنقي! فقلت له: إنك ضعيف ولا تستطيع ذلك، فقال: يقوّيني الله، لا بد لك من ذلك، فركبت على عنقه، وقال لي: أكثر من قراءة: حسبنا الله ونعم الوكيل، فاكثرت من ذلك.

وغلبتني عيني فلم أفق إلا لسقوطي على الأرض فاستيقظت ولم أر للرجل أثرا، وإذا أنا في قرية عامرة فدخلتها فوجدتها لرعية الهنود، وحاكمها من المسلمين، فأعلموه بي فجاء إليّ فقلت له: ما اسم هذه القرية؟ فقال لي: تاج بوره «22» ، وبينها وبين مدينة كول حيث أصحابنا فرسخان، وحملني ذلك الحاكم إلى بيته فأطعمني طعاما سخنا واغتسلت وقال لي: عندي ثوب وعمامة أودعهما عندي رجل عربي مصري من أهل المحلّة التي بكول، فقلت له:

هاتهما ألبسهما إلى أن أصل إلى المحلة، فأتى بهما فوجدتهما من ثيابي كنت قد وهبتهما لذلك العربي لما قدمنا كول فطال تعجبي من ذلك!

ص: 14