الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر هزيمته للكفار وهي من أعظم فتوحات الإسلام
وكان في ما يجاور بلاده سلطان كافر يسمى بلّال ديو «284» ، بفتح الباء الموحدة ولام وألف ولام ثانية ودال مهمل مكسور وياء آخر الحروف مفتوحة وواو مسكن، وهو من كبار سلاطين الكفار يزيد عسكره على مائة ألف، ومعه نحو عشرين الفا من المسلمين أهل الذعارة وذوى الجنايات والعبيد الفارين، فطمع في الاستيلاء على بلاد المعبر، وكان عسكر المسلمين بها ستة آلاف منهم النصف من الجياد والنصف الثاني لا خير فيهم ولا غناء عندهم فلقوه بظاهر مدينة كبّان «285» فهزمهم ورجعوا إلى حضرة مترة، ونزل الكافر على كبّان وهي من أكبر مدنهم وأحصنها وحاصرها عشرة أشهر ولم يبق لهم من الطعام إلا قوت أربعة عشر يوما، بعث لهم الكافر أن يخرجوا على الأمان ويتركوا له البلد، فقالوا له: لا بد من مطالعة سلطاننا بذلك، فوعدهم إلى تمام أربعة عشرة يوما، وكتبوا إلى السلطان غياث الدين بأمرهم فقرأ كتابهم على النّاس يوم الجمعة، فبكوا، وقالوا: نبيع أنفسنا من الله، فإن الكافر إن أخذ تلك المدينة انتقل إلى حصارنا، فالموت تحت السيوف أولى بنا! فتعاهدوا على الموت وخرجوا من الغد ونزعوا العمائم عن رؤوسهم وجعلوها في أعناق الخيل، وهي علامة من يريد الموت، وجعلوا ذوي النجدة والأبطال منهم في المقدمة، وكانوا ثلاثمائة، وجعلوا على الميمنة سيف الدّين بها دور، وكان فقيها ورعا شجاعا، وعلى المسيرة الملك محمد السّلحدا «286» ، وركب السلطان في القلب ومعه ثلاثة آلاف، وجعل الثلاثة الآلاف الباقين ساقة لهم، وعليهم اسد الدين كيخسرو الفارسي، وقصدوا محلّة الكافر عند القائلة، وأهلها على غرة، وخيلهم في المرعى فأغاروا عليها، وظن الكفار أنهم سرّاق فخرجوا اليهم على غير تعبئة وقاتلوهم، فوصل السلطان غياث الدين فانهزم الكفار شرّ هزيمة، وأراد سلطانهم أن يركب وكان ابن ثمانين سنة، فأدركه ناصر الدين بن أخي السلطان الذي ولي الملك بعده، فأراد قتله، ولم يعرفه، فقال له أحد غلمانه: هو السلطان، فأسره وحمله إلى عمه فأكرمه في الظاهر حتى جبى منه الأموال والفيلة والخيل، وكان يعده السراح، فلما استصفى ما عنده ذبحه وسلخه، وملئ جلده بالتبن، فعلّق على سور مترة، ورايته بها معلقا! ولنعد إلى كلامنا فنقول: ورحلت عن المحلة فوصلت الى مدينة فتّن، بفتح الفاء والتاء المثناة المشددة ونون وهي كبيرة حسنة على الساحل، ومرساها عجيب قد صنعت فيه قبّة خشب كبيرة قائمة على الخشب الضخام يصعد اليها على طريق خشب مسقّف، فإذا جاء
العدوّ ضموا إليها الأجفان التي تكون بالمرسى، وصعدها الرجال والرماة فلا يصيب العدوّ فرصة.
وبهذه المدينة مسجد حسن مبنى بالحجارة، وبها العنب الكثير والرّمان الطيب، ولقيت بها الشيخ الصالح محمد النيسابوري أحد الفقراء المولّهين الذين يسدلون شعورهم على أكتافهم، ومعه سبع ربّاه يأكل مع الفقراء ويقعد معهم، وكان معه نحو ثلاثين فقيرا، لأحدهم غزالة تكون مع الأسد في موضع واحد فلا يعرض لها! وأقمت بمدينة فتنّ، وكان السلطان غياث الدين قد صنع له أحد الجوكية حبوبا للقوة على الجماع، وذكروا أن من جملة أخلاطها برادة الحديد، فأكل منها فوق الحاجة فمرض ووصل إلى فتّن فخرجت إلى لقائه وأهديت له هدية فلما استقر بها بعث عن قائد البحر خواجة سرور، فقال له: لا تشتغل بسوى المراكب المعيّنة للسفر إلى الجزائر، وأراد أن يعطيني قيمة الهدية، فأبيت، ثم ندمت! لانه مات فلم آخذ شيئا! وأقام بفتن نصف شهر ثم رحل إلى حضرته.
وأقمت أنا بعده نصف شهر، ثم رحلت إلى حضرته، وهي مدينة مترة، بضم الميم وسكون التاء المعلوة وفتح الراء، مدينة كبيرة متسعة الشوارع، وأول من اتخذها حضرة صهريّ السلطان الشريف جلال الدين أحسن شاه وجعلها شبيهة بدهلي، وأحسن بناءها، ولما قدمتها وجدت بها وباء يموت منه الناس موتا ذريعا فمن مرض مات من ثاني يوم مرضه، أو ثالثه «287» وإن أبطأ موته فإلى الرابع، فكنت إذا خرجت لا أرى إلا مريضا أو ميتا. واشتريت بها جارية على أنها صحيحة فماتت في يوم آخر، ولقد جاءت إليّ في بعض الأيام امرأة كان زوجها من وزراء السلطان أحسن شاه ومعها ابن لها سنّة ثمانية أعوام نبيل كيّس فطن فشكت ضعف حالها فأعطيتها نفقة، وهما صحيحان سويّان. فلما كان من الغد جاءت تطلب لولدها المذكور كفنا، وإذا به قد توفى من حينه.
وكنت أرى بمشور السلطان حين مات، المئين من الخدم اللاتي أوتى بهن لدق الأرز المعمول منه الطعام لغير السلطان وهن مريضات قد طرحن انفسهن في الشمس ولما دخل السلطان مترة وجد أمه وامرأته وولده مرضى فأقام بالمدينة ثلاثة أيام، ثم خرج إلى نهر على فرسخ منها كانت عليه كنيسة للكفار وخرجت إليه في يوم خميس فأمر بإنزالي إلى جانب القاضي فلما ضربت لي الأخبية رأيت الناس يسرعون ويموج بعضهم في بعض، فمن قائل: إن السلطان مات ومن قائل: إن ولده هو الميت، ثم تحققنا ذلك، فكان